قرّر القضاء التركي، اليوم الجمعة، وقف تتبع القس الأمريكي أندرو برانسون، الذي اتهمه الادعاء بالتجسس وارتكاب جرائم باسم تنظيمات إرهابية، ورفع “الإقامة الجبرية وحظر السفر” عنه، فهل انتهت أزمة برانسون التي ساهمت في توتر العلاقات الأمريكية – التركية بشكل كبير؟
انتهاء المحاكمة
محكمة الجنايات الثانية في ولاية إزمير(غرب)، أمرت بسجن برانسون 3 أعوام وشهر و15 يوما بموجب المادة 220/7 من القانون التركي، إلاّ أنها أمرت بإطلاق سراح القس بعد الأخذ بعين الاعتبار الفترة التي قضاها في الحبس.
وتتهم السلطات التركية برانسون الذي تم توقيفه في 9 ديسمبر/كانون الأول 2016، بالعمل لصالح شبكة فتح الله غولن الذي تحمله سلطات أنقرة مسؤولية المحاولة الانقلابية في في يوليو/تموز 2016، كما تتهمه بإقامة علاقات مع حزب العمال الكردستاني تحت غطاء رجل دين رغم علمه المسبق بأهدافهما، وتعتبر تركيا هذان الكيانان إرهابيين.
تحوّل ملف برانسون إلى قضية محورية بالنسبة للإنجيليين المسيحيين الذين قد تشكل أصواتهم عاملا مهما في احتفاظ الجمهوريين بالأغلبية في الكونغرس
أواخر يوليو/تموز الماضي، فرضت محكمة جنائية في إزمير غربي تركيا، الإقامة الجبرية، عوضًا عن الحبس، على برانسون بسبب وضعه الصحي. ويقيم القس في تركيا منذ عشرين عاما، وكان يدير كنيسة بروتستانتية صغيرة بأزمير قبل اعتقاله، وهو متهم كذلك بالتجسس لغايات سياسية وعسكرية، وينفي القس قطعيا هذه التهم.
ومطلع الشهر الجاري، قدم المحامي التركي إسماعيل جم هالافورت التماسا إلى المحكمة الدستورية التركية، من أجل رفع الإقامة الجبرية وحظر السفر عن موكله القس الأمريكي أندرو برانسون، عقب رفض المحاكم الجنائية في ولاية إزمير، طعنه على قرار “الإقامة الجبرية وحظر السفر” المفروض على برانسون.
وذكر هالافورت في مذكرة الالتماس أن حقوق موكله “تعرضت للانتهاك”، وأن برانسون ظل “محروما من حريته” طوال فترة توقيفه التي استمرت من 7 أكتوبر عام 2016، حتى 25 يوليو 2018. وأضاف: “إن فترة توقيفه تجاوزت الحد القانوني، وحرمانه من حريته بهذا الشكل لا يمكن قبوله، ولا يستند إلى أرضية قانونية“.
أول تعليق لترامب
في أول تعليق له على هذا القرار، كتب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تدوينة على حسابه الرسمي في موقع التواصل الاجتماعي “توتير” جاء فيها، “أفكاري وصلواتي مع القس الأميركي آندرو برانسون، ونأمل في أن يعود إلى الولايات المتحدة الأميركية بأمان في وقت قريب”.
وذكرت محطة “إن بي سي” الأميركية، أمس الخميس أن الولايات المتحدة وتركيا توصلتا لاتفاق سيطلق بموجبه سراح برانسون. وقالت المحطة إن الاتهامات الموجهة لبرانسون بالإرهاب والتجسس ستسقط عنه خلال الجلسة المقبلة من محاكمته المقررة اليوم الجمعة.
My thoughts and prayers are with Pastor Brunson, and we hope to have him safely back home soon!
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) October 12, 2018
هذه الصفقة نفت وجودها المتحدثة باسم الخارجية الأميركية هيذر نويرت، حيث أكدت في إفادة إعلامية أمس الخميس أن الوزارة ليست على علم بأي صفقة لتأمين إطلاق سراح القس الأميركي، غير أن قرار المحكمة اليوم يوحي بوجود صفقة ما في القضية.
وسبق أن أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في سبتمبر/أيلول الماضي، أن القضاء التركي -لا الساسة- هو من سيقرر مصير القس، وقال حينها “بصفتي الرئيس، ليس من حقي إصدار أمر بإطلاق سراحه. قضاؤنا مستقل، لننتظر ما ستقرره المحكمة“.
هل تنتهي الأزمة؟
اعتقال برانسون، تسبّب في وقوع أزمة كبيرة بين الولايات المتحدة وتركيا، ترتب عنها فرض كل جانب عقوبات اقتصادية على الجانب الآخر، ويأمل الطرفين في تجاوز هذه الأزمة بعد إطلاق سراح برانسون، فكلاهما تضرّر منها.
وتأمل أنقرة في توقف واشنطن عن الضغط على تركيا، وكان ترامب ونائبه مايك بنس جعلا إطلاق سراح برانسون لقس الإنجيلي الذي ينحدر من ولاية نورث كارولاينا أولوية، وتحوّل ملفه إلى قضية محورية بالنسبة للإنجيليين المسيحيين الذين قد تشكل أصواتهم عاملا مهما في احتفاظ الجمهوريين بالأغلبية في الكونغرس.
إلى جانب ذلك، من المنتظر أن تعمل الإدارة الأمريكية على تلطيف الأجواء، فهي تخشى أن تنتقل مصاعب الاقتصاد التركي إلى الأسواق الناشئة، وهو ما سيؤثر سلبا على الاقتصاد الأمريكي، لذلك على الولايات المتحدة الأمريكية أن تخفف من حدّة العقوبات تجاه تركيا وأن تعود قليلا إلى الوراء ووقف التصعيد.
لا تعتبر أزمة القسّ، الأزمة الوحيدة بين البلدين، فقد سبق أن توترت علاقات أنقرة بواشنطن على خلفية عدد من القضايا ولا سيما فيما يتعلق بالأزمة السورية
كانت الولايات المتحدة فرضت الشهر الماضي عقوبات على مسؤولين تركييْن كبيريْن، ردا على رفض أنقرة إطلاق سراح القس برانسون. وقد أثرت تداعيات قضية برانسون على الاقتصاد التركي، مما أدى إلى انخفاض الليرة التركية إلى مستويات غير مسبوقة، وهو ما اعتبره أردوغان حربا اقتصادية.
وسبق أن أصدر أربعة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، وبينهم الجمهوري لينزي جراهام والديمقراطية جين شاهين بياناُ مشتركاُ قالوا فيه إن الإفراج عن برانسون “سيحسن العلاقات الأمريكية التركية على المدى الطويل”. وأضافوا في البيان “الولايات المتحدة وتركيا عضوان في حلف شمال الأطلسي، ولديهما عدد من المخاوف المشتركة بشأن الأمن والاستقرار الإقليميين… حان الوقت لأن نغلق هذا الفصل القبيح في علاقاتنا”.
ويوم الاربعاء الماضي، ذكر وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أن إطلاق سراح برانسون في سيكون خطوة إيجابية والشيء الصحيح الذي ينبغي عمله. وقال بومبيو في العشاء السنوي للمعهد اليهودي للأمن القومي الأمريكي بواشنطن “إنه الشيء الصحيح الذي يتعين عليهم فعله وهو الشيء الإنساني الذي ينبغي لتركيا القيام به… يحدوني أمل كبير في أن يتمكن هو وزوجته من العودة إلى الولايات المتحدة قريبا“.
هل هي الأزمة الوحيدة بين الطرفين؟
لا تعتبر أزمة القسّ، الأزمة الوحيدة بين البلدين، فقد سبق أن توترت علاقات أنقرة بواشنطن على خلفية عدد من القضايا ولا سيما فيما يتعلق بالأزمة السورية، حيث تدعم واشنطن قوات سوريا الديمقراطية، وهي مليشيات كردية تتهمها أنقرة بالعمل ضد مصالحها وتضعها على قائمة المنظمات الإرهابية.
كما تمثّل قضية المعارض التركي فتح الله غولن المقيم في ولاية بنسلفانيا الأميركية، والذي تتهمه أنقرة بتدبير المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا في يوليو/تموز 2016، أحد أبرز الخلافات بين الطرفين، حيث ترفض واشنطن تسليم غولن لأنقرة.
يأمل البلدان في تحسن العلاقات بينهما
بلغ التوتر مداه بين البيت الأبيض و”الآك سراي” في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، بعدما علّقت أنقرة إصدار تأشيرات الأميركيين لدخول أراضيها ردا (بالمثل) على قرار أميركي مشابه تجاه الأتراك، عقب احتجاز السلطات التركية موظفين في قنصلية الولايات المتحدة في إسطنبول، والتحقيق معهما حول علاقتهما برموز من جماعة “الخدمة” التي يتزعمها غولن.
إلى جانب ذلك، يعتبر تحسّن العلاقات التركية الروسية، من بين أسباب الخلاف التركي الأمريكي، حيث اتفقت انقرة وموسكو على عديد الاتفاقيات التي تتعلق بشراء منظومة صواريخ “أس 300” الروسية المتطورة، وبناء منظومة محطات نووية روسية في تركيا.
والعامل الآخر في علاقات واشنطن المتأزمة مع تركيا هو حزب العمال الكردستاني، حيث تصر الإدارة الأمريكية على الاحتفاظ بعلاقة غير منطقية مع هذه الجماعة الإرهابية التي تصبح حزب العمال الكردستاني بمجرد دخولها الحدود التركية ولكنها تصبح حزب الاتحاد الديمقراطي عندما تنتقل إلى الجانب السوري.