يعيش الصومال حالة مأساوية، بين الصراع الخليجي، وأطماع تنظيم القاعدة، الأول يرغمها على الانفصال بالتفاوض بعيدا عن الدولة مع ممثلي الأقاليم لاتخاذ موقف مؤيد أو معارض لقطر، والثانية تجر البلاد لحرب أهلية، وتعيدها لقبضة التطرف من جديد.
من أخر الأحداث، قدمت حركة الشباب روشتة إبادتها للمجتمع الدولي؛ أكدت المخاوف التي أُطلقتها بلدان إفريقية مجاورة، نادت فيها بضرورة عدم انسحاب الاتحاد الإفريقي من الصومال، الذي يجرى الاستعداد له الآن، إلا بعد القضاء على حركة الشباب الإرهابية، خاصة أنها ومع بدء العد التنازلي لانسحاب قوات الاتحاد الإفريقي، أعلنت قتلها لخمسة رجال، علنا، رميا بالرصاص، بتهمة التجسس، بينهم صومالي يحمل الجنسية البريطانية، لتعطي مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، ما يشير إلى خطأ قراره الفادح، الذي اتخذه قبل عامين للانسحاب الكامل من الصومال، ليعطي الفرصة لحاكم حركة الشباب في مناطق جوبا، محمد أبو عبد الله، في الوقوف مزهوًا لـ «رويتز»، وهو يعيد فرض منطقه الخاص في الحكم بالإعدام على 5 أشخاص بالرصاص علنا، وزعم أنهم جواسيس، بعضهم لصالح جهاز إم.آي 6 «المخابرات البريطانية»، والبعض الآخر تجسس لحساب الولايات المتحدة، وفريق آخر تحالف مع الحكومة الصومالية ضدهم.
تراجع تحت ضغط الحاجة
كان الاتحاد الإفريقي، قرر في عام 2016، البدء في عملية خفض تدريجي لقوات حفظ السلام الأفريقية في الصومال، لينتهي الأمر بانسحاب كامل للقوات البالغ تعدادها 22 ألف جندي، بحلول نهاية عام 2020، وتسليم المسؤولية الأمنية، للأمن الوطني والجيش الصومالي، وأدى عدم وضع الاتحاد خطة محكمة تمنع تسرب جنود الحركة التابعة فكرياً لتنظيم القاعدة، إلى عودة المئات منهم إلى القرى المجاورة للعاصمة مقديشيو.
يمكن القول أن قوات حفظ السلام الأفريقية، نجحت خلال تواجدها منذ 11 عام في ضرب الحركة بمقتل، ومساندة الجيش الصومالي في السيطرة على البلاد، ورغم ذلك ظلت الحركة تجدد أنسجتها القتالية مرة آخرى، ولم تباد نهائيا، ووقفت التكلفة المادية الكبيرة التي تجاوزت مليار دولار سنويًا للبعثة الإفريقية، حجر عثرة أمام استكمال مهمتها، ولم تفلح إمدادات الاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، بجانب الولايات المتحدة، ودول الجوار المتضررة مباشرة من الحركة، مثل إثيوبيا وكينيا، في إثناء الاتحاد عن قراره، خاصة أنها لم تنجح حتى الآن إلا في أبعاد مقاتلي حركة الشباب، عن العاصمة الصومالية فقط.
منذ سنوات طويلة، والدول الخليجية تتسابق على الفوز بكعكة الصومال
المجتمع الدولي الذي يعلم جيدا القدرات الحقيقة للحركة، في تهديد أمن واستقرار الصومال، كان حاضرا في تقرير وزارة الخارجية الأميركية حول الإرهاب العام الماضي، أكد أنها بالرغم من الضغوط الدولية القوية عليها، تحتفظ بسيادة فكرية وحركية على أجزاء كبيرة من الصومال، ولازالت على قدر كبير من الاستعداد الفني، الذي يمكنها من مجابهة أقوى الجيوش وتنفيذ عمليها إرهابية متقدمة، قد تحدث خسائر غير متوقعة.
طوال السنوات الماضية، ومثل أغلب الحركات الدينية الأصولية، انشق عن الكيان الرئيسي للشباب، عدد من القادة الكبار، في الوقت الذي نجحت هجمات الاتحاد الإفريقي في استهداف قيادات كبيرة، وسرعان ما تبين انها قادرة على توليد قيادات آخرى، وأكثر حنكة، في تسلحها بأدوات العصر، بجانب التسليح الأيدلوجي والعقائدي، والمساندة الشعبية من داخل و خارج الصومال، في ظل الحصار العسكري، ونقص الماء والغذاء والأدوية، وانعدام الخدمات الأساسية، ولايعرف احد حتى الآن، هل يتراجع الاتحاد عن قراره ويبقى على القوات أم تفرض الحاجة المادية وندرة موارد الاتحاد على الأوضاع، وتنتكس البلاد من جديد، وتعود لقبضة الحركة التي تريد إقامة دولة معزولة على طريقة القاعدة.
الخليج والصومال .. إلي أين ؟
في الوقت الذي تدور فيه الصراعات حول مستقبل الصومال، وتعدد الدراسات البحثية التي تؤكد أن فرص حركة الشباب هي الأكثر ملائمة لكسب المعركة، تتصارع الدول الخليجية على نفس المساحة وامتد توترها وصراعتها لتنعكس بدورها على الصومال، في ظل محاولة كل حلف السيطرة عليه، وضمه لنقاط نفوذه، وبدأ سيناريو المراودة بعد عدة أشهر فقط على بداية حصار التحالف العربي لقطر.
منذ سنوات طويلة، والدول الخليجية تتسابق على الفوز بكعكة الصومال، الذي يملك موقعا جغرافيا متميزا في منطقة القرن الإفريقي، وهو بمثابة حديقة خلفية للخليج العربي، لتدخل المنطقة حيز اهتمام الدول الخليجية، فور نشوب الحرب الأخيرة في اليمن عام 2014، مرورا باندلاع الصراع بين التحالف والحوثيين منتصف عام 2015، بما جعل هناك حاجة لمحاصرة المنطقة بقواعد عسكرية من ميناء عصب الإريتري مرورًا بجيبوتي ووصولًا إلى بربرة في أرض الصومال.
سياسة رفض مسك العصا من المنتصف، عصفت بمحاولة الحكومة الصومالية للتحايل على الأوضاع الراهنة، والوقف على بعد خطوة واحدة من كل الأطراف
حاول الصومال استثمار الولع الخليجي به، لإدخال فتح تنموي للبلاد، إلا أن الحصار الذي اندلع فجأة على الدوحة، قضى على أحلام البلاد في اتخاذ مواقف بكرامة وفقا لقراره الوطني، دون أن تتأثر التنمية ولا الوعود التي أطلقتها تلك الدول لمساعدته على تحمل مشقات الأزمات التاريخية التي يعاني منها؛ فبينما يقف الشارع الصومالي مع قطر في أزمتها الراهنة، ترغب الحكومة في البقاء على الحياد، وهو الموقف الذي اجهضه تدخل الحلف السعودي الإماراتي للضغط على الحكومة الصومالية للعدول عن موقفها.
لجأ الصومال الذي يصارع على فرص استثماره، إلى منطقة رمادية، بعيد عن التوتر بين الأشقاء، وعسكر عليها، ولكن سياسة رفض مسك العصا من المنتصف، عصفت بمحاولة الحكومة الصومالية للتحايل على الأوضاع الراهنة، والوقف على بعد خطوة واحدة من كل الأطراف، ولجأت السعودية رغم مواقف الصومال المتوحدة معها في صراعها مع إيران، وطردها للبعثة الدبلوماسية الإيرانية قبل عامين، وكذلك حرب اليمن، إلى إقامة اتصالات فردية، مع الولايات الفيدرالية الخمس، وحثتها على اتخاذ مواقف أكثر خشونة ضد قطر، بما صب بالنهاية في صالح إضعاف مركزية الدولة، بحسب دراسة لوحدة أبحاث جريدة الصومال اليوم ذائعة الانتشار.
ولاية بونتلاند، التي تتمتع بحكم شبه ذاتي منذ عام 1998، كانت أول من أعلن تأييد موقف التحالف السعودي-الإماراتي، وفاء لدور الإمارات في توفير رواتب وتدريبات عسكرية للقوات الأمنية في الإقليم، فيما أيد إقليم جلمدغ، على لسان رئيسه أحمد دعاله جيلي، المحور السعودي، ورفض الموقف الرسمي الحيادي لبلاده، ولكن الأمور هنا لم تكن على ما يجب بعدما رفض رئيس البرلمان قرار رئيس الإقليم، مما خلق أزمة سياسية في الإدارة الإقليمية التي انقسمت على نفسها،
موقف البرلمان أيده نائب رئيس إقليم جلمدغ، فزادت الأزمة اشتعالا، بما جدد المخاوف من وقوع أحداث انفصالية تعيد الإقليم إلى نقطة الصفر، وكذلك سار الحال في إقليم غربي الصومال، الذي فضل رئيسه شريف حسن، انضمام حكومته إلى المحور السعودي الإماراتي، وانتقد أيضا موقف الصومال الحيادي في الأزمة الدبلوماسية بين دول الحصار وقطر، بما لايصب بالنهاية في مصلحة الشعب، في الوقت الذي يعارف فيه السواد الأعظم من سكان المنطقة ونواب الإقليم، التوجه ناحية هذا المعسكر، في ظل الدور القطري الإنساني، بالمدن الجنوبية التي تقع تحت سيطرة الإدارة الإقليمية، وهي من أكثر المناطق التي استفادت من جهود قطر الخيرية المدرجة في قائمة الإرهاب لدى دول التحالف العربي.
المخابرات الصومالية، حسب بعض تقارير وسائل الإعلام المحلية، كانت ترصد لقاءات تتم في الخفاء بين رؤساء الأقاليم، والسفراء والمبعوثين الدبلوماسيين في العاصمة مقديشو، دون استشارة أو إذن مسبق من الحكومة الصومالية، الأمر الذي أدى في النهاية إلى ضبابية وتناقض في أداء الخارجية الصومالية للتعبير بشكل واضح عن القرار الرسمي للبلاد
إقليم جوبالان من ناحيته، فضل الصمت، وأثنى على موقف حكومته، وكذلك سار إقليم هيرشبيلي، الذي أعلن على لسان رئيسه الدكتور محمد عبدي واري، عدم سعي حكومته إلى تبني موقف سياسي يخالف الموقف الرسمي الحيادي للدولة الصومالية، وفي هذه الاجواء، خرج الرئيس الصومالي الأسبق، شريف شيخ أحمد، يصب غضبه على الجميع، ويتهم الحكومات الفيدرالية باتخاذ مواقف لا تخدم المصالح القومية لبلاده تجاه الأزمة الخليجية، وألمح إلى أدوار بعينها تشعل النار في بلادها، بسبب لجوئها للتفاوض بعيدا عن الدولة الصومالية، وهي سياسة كارثية، لن تستفيد منها تلك الدول ولا الصومال بالطبع.
المخابرات الصومالية، حسب بعض تقارير وسائل الإعلام المحلية، كانت ترصد لقاءات تتم في الخفاء بين رؤساء الأقاليم، والسفراء والمبعوثين الدبلوماسيين في العاصمة مقديشو، دون استشارة أو إذن مسبق من الحكومة الصومالية، الأمر الذي أدى في النهاية إلى ضبابية وتناقض في أداء الخارجية الصومالية للتعبير بشكل واضح عن القرار الرسمي للبلاد، وكل ذلك بسبب رغبة بعض الأقاليم، في دعم إضافي، يعزز كل حكومة فيدرالية في الحصول على نصيب الأسد من المساعدات، على حساب الأقاليم الأخرى، ليتسبب الحصار العربي في انتكاسات جديدة بمنطقة ملتهبة، ستلقي بأثرها أجلا أم عاجلا على الأمة العربية بأسرها.