مع انطلاق صافرات الإنذار في مناطق واسعة من فلسطين المحتلة يوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، دوت صافرات الإنذار في الغرف المظلمة في السلطة الفلسطينية في رام الله، ومكتب التنسيق والارتباط في جيش الاحتلال للمنطقة الوسطى، خوفًا من تدهور الأوضاع الأمنية في الجبهة المشتعلة أصلًا: جبهة الضفة الغربية.
ويمكن أن نقسم المراحل التي عاشتها الضفة الغربية مؤخرًا إلى 3 مراحل أساسية، قد تتداخل فيما بينها زمانيًا: مرحلة ما قبل الطوفان (الكتائب تعمل)، مرحلة محاولة تحييد الضفة، مرحلة عودة أشكال نضالية أكثر قوة.
مرحلة ما قبل طوفان الأقصى
قبل معركة طوفان الأقصى وبينما كانت جبهة غزة تعدّ بصمت نفسها للعبور الكبير، كانت الضفة الغربية مشتعلة بالكتائب المسلحة في طولكرم وجنين ونابلس، والتي كانت تنتمي بدرجة أكبر إلى سرايا القدس الجناح العسكري للجهاد الإسلامي، وجماعات الثأر والتحرير التي شكّلها أبناء حركة فتح الرافضين لمسار الحركة، وبدرجة ظهور أقل لكتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس، بينما انفردت هذه الأخيرة بشكل كبير بالعمليات الفردية لأبنائها تحت إدارة الشهيد صالح العاروري، نائب رئيس حركة حماس ومسؤول ملف الضفة في الحركة.
وكان شمال الضفة المحتلة بركانًا يغلي قبل “طوفان الأقصى”، حتى أن الاحتلال نفّذ عملية اجتياح واسعة لمخيم جنين في يوليو/ تموز 2023، وقصف فيها المخيم عبر الجو لأول مرة منذ انتفاضة الأقصى وعملية “السور الواقي” عام 2002.
وكانت كتيبة عرين الأسود في مدينة نابلس تواجه اغتيالًا واسعًا لعناصرها، حتى جاء الطوفان والعرين شبه خالٍ من أسوده، إما شهداء، وإما في الأسر، وإما خلف قضبان السلطة الفلسطينية كما هو الحال مع أسد العرين مصعب اشتية، ابن حركة حماس، والذي اعتقلته السلطة في سبتمبر/ أيلول 2022 وحتى اللحظة.
بالتوازي مع ذلك، كانت “إسرائيل” تعقد اجتماعات مع السلطة الفلسطينية ودول إقليمية في العقبة بالأردن وشرم الشيخ بمصر، لبحث تسبل تحييد الضفة الغربية مع اشتعالها بشكل أخذ يرهق الاحتلال الإسرائيلي ولا يستطيع أن يتوقع الضربة القادمة من أين، لا سيما وقد تراجعت قوة السلطة ونفوذها في مراكز المدن في جنين وطولكرم.
مرحلة محاولات تحييد الضفة
بعد ان استعاد الاحتلال صدمته في اليوم الأول من “طوفان الأقصى”، باشر على الفور عملية اعتقال واسعة في الضفة، حتى اعتقل في الخمسة أيام الأولى للطوفان 200 فلسطيني على الأقل، وتركزت في صفوف أبناء حركة حماس والمحسوبين عليها، والأسرى المحررين، والقيادات المحلية التي يمكن أن تقود أي حراك شعبي أو نضالي ضد الاحتلال الإسرائيلي ويساند قطاع غزة في حرب الإبادة، ومع وصول عام على بدء حرب الإبادة في قطاع غزة، وصلت حالات الاعتقال في الضفة الغربية والقدس إلى 11 ألف حالة، وفق بيانات مؤسسات الأسرى.
في الأيام الأولى لهذه المرحلة، لم يكن للسلطة الفلسطينية دور ظاهر يُذكر، لا سيما مع تصاعد المشاعر النضالية والثورية في الضفة، في ظل مشاهد النصر التي صنعها المقاومون في يوم العبور الكبير من “طوفان الأقصى”، ومع مشاهد الإبادة التي يرتكبها الاحتلال في قطاع غزة، لكنها سرعان ما عادت إلى دورها الحقيقي كخادم وأداة لحفظ أمن الاحتلال الإسرائيلي، فعادت للاعتقال السياسي في صفوف النشطاء.
ومنذ بدء “طوفان الأقصى”، أُعلن عن مقتل 10 أشخاص برصاص الأجهزة الأمنية خلال قمع المسيرات وملاحقتهم وهم الطفلة رزان تركمان، والشبّان فراس تركمان، ومحمود أبو لبن، ومحمد صوافطة، والطفل محمد عرسان الذين خرجوا في مسيرات دعم غزة ورفضًا لمجازر الاحتلال، والمقاومين المطاردين معتصم العارف وأحمد أبو الفول ومحمد الخطيب في مخيم نور شمس، والشاب أحمد بالي في مدينة جنين خلال ملاحقتها للمقاومين، بينما اتهمت كتيبة جنين السلطة الفلسطينية بقتل ابن كتيبة برقين أحمد هاشم عبيدي بعد ملاحقته وإطلاق النار عليه، مطلع عام 2024، أي بعد 3 أشهر من الطوفان.
وحاولت السلطة الفلسطينية اغتيال قيادات الكتائب المسلحة، مثل محاولتها اعتقال قيس السعدي قائد كتائب القسام في مخيم جنين، وبعدما فشلت في ذلك اقتحمت قوات الاحتلال الخاصة منزله لمحاولة اغتياله، لكنها لم تجده حينها، ثم فجّرت في اقتحام آخر منزله بشكل كامل.
وفي طولكرم، حاولت الأجهزة الأمنية في السلطة الفلسطينية اعتقال الشهيد “أبو شجاع”، قائد كتيبة طولكرم، لكن الحاضنة الشعبية من الناس ومحبي المقاومة وقفت أمام عناصر السلطة التي اقتحمت المستشفى حيث كان أبو شجاع يتلقى العلاج إثر إصابته خلال الإعداد والتجهيز للمقاومة، ولم تمضِ أسابيع قليلة حتى اغتاله الاحتلال بعد محاصرته في منزل في جنين.
وبعد عام من “طوفان الأقصى”، والإبادة الجماعية في الأراضي الفلسطينية، والظهور بشكل جليّ لكل عاقل فشل كل خيارات التسوية الممكنة، وخيانة من ينسّق أمنيًا مع الاحتلال، استمرت السلطة على حالها في خدمة الاحتلال، حتى حاولت اغتيال المطارد عبد الحكيم شاهين في مدينة نابلس، بعد رفضه محاولات السلطة إقناعه بتسليم سلاحه وتفريغ نفسه في الأجهزة الأمنية، ولم تمضِ ساعات قليلة حتى دخل جيش الاحتلال مدينة نابلس، واغتال شاهين.
وبالتوازي مع محاولات اعتقال المقاومين واغتيالهم، عملت أجهزة السلطة على تفكيك العبوات الناسفة التي زرعها المقاومون أمام آليات الاحتلال في جنين وطولكرم وقلقيلية وطوباس، وحتى في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، ولم تجد السلطة ما تستحي به لتعلن بشكل علني: نعم، نقوم بتفكيك العبوات الناسفة.
وحاول الاحتلال بالتزامن مع ذلك أن يستنزف كتائب المقاومة في شمال الضفة، خاصة مع قطع خطوط الاتصال بين الكتائب في الضفة وغزة، وما أعقبها من قطع طرق الإمداد بالسلاح، فكثّف جيش الاحتلال من اقتحامه المدن والمخيمات لدفع الكتائب إلى الاشتباك معه واستنزافه، والقضاء على ما بين يديها من رصاصات وعناصر بشرية، إلا أن الكتائب أدركت خطة الاحتلال، فخفضت من اشتباكها لأدنى درجة ممكنة للحفاظ على ديمومتها إلى حين عودة الاتصال والإمداد كما كان في السابق.
وعمل الاحتلال الإسرائيلي على تفكيك الضفة الغربية إلى جزر متفرقة، وحاصر المدن والقرى، وارتفع عدد الحواجز العسكرية إلى أكثر من 800 حاجز عسكري ثابت (لا تشمل الحواجز المفاجئة)، وهي متعددة الشكل والنوع بين السواتر الحجرية والترابية، إضافة إلى نحو 150 بوابة حديدية عسكرية تغلق تجمعات سكنية وتحبسهم خلفها وتشلّ حركتهم، وحتى لحظة كتابة هذا التقرير قتل الاحتلال والمستوطنون 721 فلسطينيًا، وأصاب نحو 6 آلاف آخرين.
مرحلة الممارسات النضال النوعية
ورغم كل محاولات تحييد الضفة الغربية، ومنعها من أن تصبح جبهة حرب رئيسية، استطاع المقاومون في الضفة التغلُّب على إجراءات السلطة والاحتلال، وجعل “إسرائيل” تعلن رسميًا الضفة ساحة حرب ثانية، وتنقل إليها وحدات قتالية جديدة بعضها كان يقاتل في قطاع غزة، لكن تدحرُج العمل المقاوم دفعَه إلى الاستعانة بالمزيد من القوات، وصولًا إلى إعلانه عملية “المخيمات الصيفية” في شمال الضفة المحتلة، وهي الأوسع منذ عملية “السور الواقي” عام 2002.
وتشير بيانات مركز معلومات فلسطين “معطى” إلى مقتل 50 جنديًا ومستوطنًا في الضفة المحتلة وإصابة 377 أخرين في العمليات الفردية والاشتباكات أثناء اقتحام الاحتلال مدن والمخيمات، منذ بدء الطوفان.
وبحسب “معطى”، فقد نفذ مقاومو الضفة الغربية 2923 عملية نوعية، تنقسم إلى 1797 عملية إطلاق نار، و856 تفجير عبوة ناسفة، و147 عملية إعطاب وتدمير لآليات الاحتلال، و40 عملية طعن، و40 عملية إحراق للمستوطنات والأبراج العسكرية، و23 عملية دهس، و13 عملية إسقاط طائرات الاحتلال المسيرة، وسيارتين مفخختين، وعملية استشهادية.
تشكيل كتائب جديدة
شهد “طوفان الأقصى” بشكل أساسي دخول مدينتين جديدتين إلى سلسلة الكتائب المسلحة في الضفة المحتلة، وهي مدينتا طوباس وقلقيلية، واللتين برزتا بشكل كبير في الطوفان، وواجهتا على حد سواء الاحتلال والسلطة الفلسطينية، ونفّذتا عمليات قاسية ضد الاحتلال، وزرعتا العبوات الناسفة، وقدمتا شهداءهما، حتى دُفع الاحتلال إلى ضمّ مخيم الفارعة في طوباس إلى بنك أهدافه في عملية “المخيمات الصيفية”.
ففي طوباس، ونظرًا إلى الموقع الجغرافي الذي تحظى به المدينة بين مدينتي جنين ونابلس، سعى بعض الشبان لنقل تجربة العمل المقاوم إلى المدينة قبل “طوفان الأقصى”، غير أن الملاحقة التي قامت بها السلطة قد أفشلت تلك الجهود، إضافة إلى اعتقال القائمين عليها، ثم اعتقالهم من قبل الاحتلال فور الإفراج عنهم من سجون السلطة.
ومع بدء “طوفان الأقصى”، حاولت طوباس الالتحاق من جديد بالاشتباك الممتد في الضفة، وشهدت اشتباكات مسلحة عند كل عملية اقتحام للمدينة ومخيم الفارعة وبلدة طمون القريبة منها، معلنة مرحلة جديدة أساسها مواجهة الاحتلال، وبدأت المجموعات المقاومة في طوباس باستهداف حاجز “تياسير” قرب المدينة بعمليات إطلاق نار، ثم استهداف آليات الاحتلال بالعبوات الناسفة أثناء الاقتحامات.
ولم تقتصر هذه الحالة على المدينة، بل امتدت إلى مخيم الفارعة وبلدة طمون، التي نفّذت بها عمليات تفجير عبوات ناسفة بشكل ناجح ضد آليات الاحتلال وجرّافاته، أبرزها تفجير عبوة ناسفة بجرّافة إسرائيلية وإعطابها في يناير/ كانون ثاني 2024، وعشرات العمليات المشابهة.
وخلال هذه المرحلة ارتقى قادة المجموعات المقاومة كالشهيد أحمد دراغمة قائد كتيبة طوباس – سرايا القدس، والشهيد محمد رسول دراغمة قائد كتائب القسام، بعمليات اغتيال إسرائيلية، ولم تنفك السلطة عن محاولات الإجهاز على المقاومة في طوباس، عبر الاعتقالات المتكررة واقتحامات منازل المطاردين وتكسيرها، أو ملاحقتهم بشكل مباشر واستهدافهم، وتفكيك ومصادرة العبوات الناسفة المزروعة لاستهداف الاحتلال قرب مداخل بلدة طمون وبعض مناطق طوباس.
أما في مدينة قلقيلية، خرجت المدينة خلال “طوفان الأقصى” لتثبت القدرة على المواجهة، وللمرة الأولى منذ سنوات طويلة تشتبك قلقيلية مع قوات الاحتلال بالرصاص والعبوات المتفجرة وتزرع له الكمائن، وأعلنت كتائب شهداء الأقصى التي تتبع تاريخيًا لحركة فتح (رغم أن الحركة حلتها عام 2005) في قلقيلية، أن مقاتليها تمكنوا من التصدي لقوات الاحتلال وآلياته العسكرية المقتحمة للمدينة بالأسلحة الرشاشة والعبوات الناسفة، أكثر من مرة.
أما كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، فسبق أن تبنّت تفجير عبوة ناسفة عند الحاجز العسكري الإسرائيلي شمالي المدينة، وما لبثت أن أعلنت مسؤوليتها عن تنفيذ كمين مسلح، وأطلقت النيران صوب حافلة للمستوطنين وأصابت اثنين منهم، أحدهما بجراح خطيرة، والأخطر أنها صوّرت الكمين واستدرجت جنود الاحتلال لمركبة مفخّخة استخدمتها في العملية.
وأخذت المقاومة في قلقيلية بدايةً “الطابع الفردي” وجسده الشهيد علاء نزال، لكن مقاومين سارعوا بعدها إلى تشكيل “مجموعات ليوث المجد” التابعة لكتائب شهداء الأقصى والمحسوبة على حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، وبعد أشهر تشكلت “كتيبة قلقيلية – سرايا القدس” التابعة لحركة الجهاد الإسلامي، ورغم خفوت وميضها بداية، فإنها عادت وأعلنت في بيان لها، مطلع يونيو/ حزيران، إطلاق أول أعمالها المقاومة بتفجير عبوة ناسفة بقوة تابعة للاحتلال اقتحمت المدينة.
ولم تصمت قلقيلية عن ثأرها، فقتلت خلال يومين في يونيو/ حزيران 2024 مستوطنين اثنين، حين قتل شبان مستوطنًا بالهجوم عليه، بعد إعدام الاحتلال طفلًا فلسطينيًا يدعى نعيم سمحة (15 عامًا)، بعد إطلاق الرصاص بصورة مباشرة عليه، ما أدّى إلى استشهاده، وبعد اغتيال أبو حامد ومنصور قتل شبان مستوطنًا دخل المدينة بإطلاق النار عليه داخل مركبته، قبل أن يتنبّه الاحتلال بعد دقائق طويلة على العملية ويغلق مدخل قلقيلية الأساسي.
اشتباكات طويلة وتطور نوعي
إلى وسط الضفة الغربية، حيث شهد “طوفان الأقصى” دخولًا نوعيًا لرام الله في مارس/ آذار 2024، تحديدًا بين قريتي دير إبزيع وكفر نعمة غربي المدينة، باشتباك الشهيد مجاهد منصور لـ 7 ساعات مع قوات الاحتلال، وإصابته عددًا منهم، وإجباره طائرات الاحتلال على التدخل وقصف المنطقة، بعد أن عجزت قواته البرية عن الوصول إليه بين أشجار الزيتون في دير ابزيع.
وكان الشهيد مجاهد منصور عنصرًا في جهاز الأمن الوطني الفلسطيني، وقدم استقالته قبل نحو 7 سنوات، واتجه إلى الأعمال الحرة، وبدأ عمليته إطلاق نار استهدفت حافلة للمستوطنين في الطريق الرابط بين قريتي دير إبزيع وكفر نعمة غربي رام الله، ثم اشتبك مع التعزيزات العسكرية إثر العملية، ونجح في الانسحاب إلى منطقة جبلية خالية من السكان.
وكحال منصور الذي ترك جهاز السلطة الفلسطينية، كان الشهيد محمد العسود من مدينة الخليل يعمل في جهاز حرس الرئيس التابع للسلطة الفلسطينية، وأنهى قيده الوظيفي عام 2015، حيث بدأ بالعمل مقاولًا في أعمال الكهرباء، قبل أن ينفّذ عمليته قرب حاجز “ترقوميا” العسكري غربي مدينة الخليل، ما أدّى إلى مقتل ثلاثة من ضباط الاحتلال على الفور.
وقبل أن يتم الطوفان عامه الأول، أعادت مدينة الخليل شبح الطوفان بعملية نوعية في قلب تل أبيب، أسفرت عن مقتل 7 إسرائيليين وإصابة 16 آخرين على الأقل، العديد منهم في حالة خطيرة، بعد هجوم نفذه المقاومان محمد مسك (19 عامًا) وأحمد الهيموني (25 عامًا) من مدينة الخليل، حيث نفّذا العملية ببندقية إم-16 كانت بحوزتهما، وبدأت العملية بإطلاق نار داخل عربة قطار، ومن ثم على المستوطنين بالشارع، ووصفته صحف إسرائيلية بأنه “من أعنف الهجمات” في السنوات الأخيرة.
ومع الاشتباكات النوعية وعمليات إطلاق النار، شهدت الضفة تطورًا كبيرًا، حيث نفّذت المقاومة في جنين عملية تفجير عبوتين ناسفتين أسفرتا عن مقتل قائد وحدة قناصة وإصابة 16 جنديًا في يونيو/ حزيران 2024، وتبنّته كتائب القسام وسرايا القدس.
وفي الشهر الأول للطوفان، في نوفمبر/ تشرين الأول 2023، نشرت كتائب الشهيد عز الدين القسام في الضفة الغربية مشاهد عملية بيت ليد شرق مدينة طولكرم المحتلة، والتي نفّذتها يوم الخميس 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، وأظهرت المشاهد عملية إطلاق النار التي نفّذها المنفّذ من سيارة تجاه سيارة أخرى تقلّ جنديًا على الأقل، قبل أن ينسحب بسلام، وقد اعترف الاحتلال حينها بمقتل جندي في العملية.
وكشفت المشاهد استدراج المنفذين لقوات الاحتلال إلى كمين من خلال حرق سيارة في قرية بلعا شرق طولكرم، ومن ثم تفجير عبوات زُرعت مسبقًا فيهم، ولم يعترف الاحتلال بحادثة تفجير العبوة في بلعا، كما لم يفصح عن أي قتلى في هذه العملية في بلعا، وتعتبر هذه العملية هي العملية الموثقة الأولى من قبل فصيل فلسطيني منذ ما يقارب 20 عامًا في الضفة الغربية.
وتطور تصنيع العبوات بشكل واضح، يشرف على تصنيعها وحدات خاصة، ويشارك في إعدادها وتعبئتها “فتية العبوات”، وتحوي داخلها بارودًا ومواد سريعة الانفجار ومسامير، وتثبّت في أماكن تباغت الاحتلال، ويتم تفجيرها عن بُعد لتشعل آليات الاحتلال وتعطب مدرعاته المصفحة، وتقتل جنود الاحتلال أحيانًا.
تصف صحيفة “معاريف” العبرية أن العبوات الناسفة تحولت إلى حالة في شمال الضفة، وأن جيش الاحتلال استعجل بإدخال مصفحاته إلى هذه المناطق، قبل إيجاد حلول لكابوس العبوات الذي يطارد جيش الاحتلال، ناهيك عن تخوفات جيش الاحتلال من استخدام هذه العبوات باستهداف حافلات المستوطنين وسياراتهم، الأمر الذي “سيزيد سفك الدماء” على حد تعبير إعلام الاحتلال.
ونقلت وسائل إعلام عبرية، عن “مسؤولين في الأجهزة الأمنية الفلسطينية”، قولهم إن “حماس والجهاد الإسلامي قد تتمكنان من الحصول على صواريخ” خلال الشهور المقبلة، في ظل “عمليات التهريب المستمرة للسلاح” نحو الضفة المحتلة، خاصة مع محاولات خلايا للمقاومة خلال الأعوام الماضية لتطوير صواريخ، كما في حالة خلايا القسام في جنين التي أطلقت صواريخ نحو مستوطنات في محيط المدينة.
عودة العمليات الاستشهادية
الحدث الأبرز خلال “طوفان الأقصى” في الضفة الغربية، كان إعلان كتائب الشهيد عز الدين القسام وسرايا القدس رسميًا عن عودة العمليات الاستشهادية، وافتتح عودتها الشهيد جعفر منى من مدينة نابلس، بعد انفجار العبوة الناسفة التي كان يرتديها في حقيبة ظهر، وسط مدينة تل أبيب.
تبعها بأيام انفجار سيارتين مفخّختين عند مفرق مستوطنة “غوش عتصيون” شمال الخليل، أعقبه هجوم على مدخل مستوطنة “كرمي تسور” القريبة، واعترف الاحتلال أيضًا بـ 3 إصابات حتى اللحظة، ونفّذها الشهيدان محمد مرقة وزهدي أبو عفيفية، وكتبت صحيفة “يديعوت احرنوت” في تقرير عبر موقعها الإلكتروني عنها: “تعيد العمليات الأخيرة في شمال الضفة وجنوبها، إثارة المخاوف من عودة العمليات واسعة النطاق خلال الانتفاضة الثانية، مع وجود فعليّ لرعب العبوات الناسفة، الذي اشتد في الأشهر القليلة الماضية في إسرائيل”.
بعد عام من “طوفان الأقصى”، لا يمكن الإغفال بطبيعة الحال عن حالة المقاومة المتصاعدة التي تعيشها الضفة الغربية المحاصرة والمتقطعة، والتي تعمل فيها أجهزة الاحتلال الإسرائيلي الأمنية والاستخباراتية وأدواته في السلطة الفلسطينية لإخمادها، ولا يمكن تجاهل أي رصاصة أُطلقت أو عبوة ناسفة صُنعت أو حتى سيارة فُخّخت ضد الاحتلال، تكون قد نجحت في تجاوز أعين الاحتلال وأدواته نصرة لفلسطين وغزة والتحاقًا بركب الطوفان.