“بفضل الله وصمود وقوة المجتمع في قطر والأصدقاء، أصبحت قطر أقوى، والاعتماد على النفس أصبح أكبر بكثير من السابق”.. جاءت هذه الكلمات الصادرة عن أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، خلال لقائه رئيس الأرجنتين أوريسيو ماكري، في إطار جولة قام بها إلى عدد من الدول في أمريكا الجنوبية، الأسبوع الماضي، لتكشف النقاب عن التغيرات التي طرأت على الخريطة الإقليمية والدولية لبلاده.
500 يوم مروا على حصار قطر، استطاعت خلالها الدبلوماسية القطرية إحراز العديد من التقدم والنجاحات على المستويات كافة، الإقليمية منها والدولية، إذ تمكنت من تعميق وتقوية دائرة تحالفاتها الخارجية، سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا، كما استطاعت بناء منظومة شراكات جديدة في شتى أنحاء العالم، ما ساهم بشكل كبير في إفشال مخطط دول الحصار في التركيع والعزل.
أمس السبت، دشن رئيس أركان القوات المسلحة القطرية، الفريق الركن (طيار) غانم بن شاهين الغانم، مشروع خط الإنتاج لطائرات “الأباتشي” لمصلحة القوات الجوية الأميرية القطرية، خلال زيارته مصنع شركة “بوينغ” في مدينة ميسا بولاية أريزونا الأمريكية، حيث أجرى جولة في مبنى المشبهات التابع لـ”بوينغ” الذي يتيح للمتدربين معايشة الواقع، قبل ممارسة الطيران بشكل فعلي.
رئيس أركان القوات المسلحة يدشن مشروع خط إنتاج طائرات (الأباتشي) لصالح القوات الجوية الأميرية القطرية، وذلك خلال زيارته لمصنع شركة (بوينغ)، في مدينة ميسا بولاية أريزونا الأمريكية.
— وكالة الأنباء القطرية (@QatarNewsAgency) October 13, 2018
تأتي هذه الخطوة بعد أن وقعت كل من قطر وأمريكا اتفاقية لشراء طائرات عسكرية من طراز “أباتشي”، في يوليو/تموز 2014، شملت اقتناء 24 مروحية من طراز “APACHE-64 ECO” على أن تدخل الخدمة نهاية 2019، إضافة إلى شراء المعدات المصاحبة لها، وتدريب الأطقم الفنية والتقنية، والمنشآت بما فيها المشبهات، حسبما قال ضابط “جناح الهليكوبتر-3” في الجيش القطري العميد غانم الشهواني.
حرصت قطر في إطار سياسة تنويع مصادرها في مختلف المجالات، تلك السياسة التي تبنتها حين سقط القناع عن المؤامرات التي تحاك ضدها من بعض دول الجوار، على تعزيز روافد قوتها بشتى السبل، على رأسها القوة العسكرية
تنويع مصادر التسليح
شهدت حركة التسليح القطرية تطورًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة لا سيما منذ فرض الدول الأربعة (السعودية – الإمارات – البحرين – مصر) الحصار على الشعب القطري في يونيو/حزيران 2017 على خلفية اتهامات نفتها الدوحة بصورة رسمية مرارًا وتكرارًا.
حرصت قطر في إطار سياسة تنويع مصادرها في مختلف المجالات، تلك السياسة التي تبنتها حين سقط القناع عن المؤامرات التي تحاك ضدها من بعض دول الجوار، على تعزيز روافد قوتها بشتى السبل، على رأسها القوة العسكرية، فكان البحث عن تقوية الجيش بحزمة من الصفقات الجديدة، فضلاً عن تدشين عدد من القواعد العسكرية وتطوير الموجودة منها.
في أغسطس 2017، أبرمت الدوحة صفقة لشراء سبع قطع بحرية من إيطاليا بقيمة خمسة مليارات يورو، فيما وقعت اتفاقية مع بريطانيا لشراء 24 مقاتلة من طراز “تايفون” وأخرى مع فرنسا لشراء 12 مقاتلة حربية من طراز رافال و50 طائرة إيرباص بقيمة 6.6 مليارات يورو، في ديسمبر من نفس العام.
وفي عام 2018 نجحت في إبرام اتفاقية لشراء قاذفات “SY-400” الصينية التي تتمتع بدقة عالية في ضرب الأهداف، فيما تقترب من إنهاء مشاورات صفقة لشراء منظومة الدفاع الجوي “إس-400” الروسية، تلك الصفقة التي يعول عليها القطريون في تحقيق طفرة كبيرة في مجال الدفاعات الجوية والتصدي لأي مخاطر محتملة من هنا أو هناك.
منذ بدء الحصار على قطر وتكشف ملامح المخطط الذي يهدف إلى تركيع القطريين وإخضاعهم لإملاءات الرياض وأبو ظبي، أيقنت الدوحة أنه لا سبيل للخروج من المأزق إلا بكسر حالة العزلة
هذا بخلاف عدد من الصفقات التي أبرمتها الدوحة خلال السنوات الماضية منها شراء 62 دبابة ألمانية متطورة من نوع ليوبارد – 2 و24 عربة “بي زيد اتش 2000” في مارس/آذار 2014، كذلك اتفاقية مع الولايات المتحدة لشراء 36 طائرة إف-15 كيو إيه في نوفمبر/تشرين الثاني 2016.
أما من حيث القواعد العسكرية فبجانب قاعدة “العديد” جنوب غرب العاصمة الدوحة التي دشنت عام 1996، فقد نجحت قطر في تدشين قاعدة “الريان” غرب العاصمة، وذلك من خلال اتفاقية مع تركيا عام 2014، وشملت مجالات التدريب العسكري والصناعة الدفاعية والمناورات العسكرية المشتركة، وتستوعب 3000 جندي يمكن أن يصلوا إلى 5000 عند الحاجة.
وفي أغسطس الماضي، كشف اللواء الركن طيار أحمد إبراهيم المالكي، نائب قائد القوات الجوية الأميرية القطرية، إنشاء قاعدة جوية جديدة باسم “قاعدة تميم الجوية”، تستهدف في المقام الأول توسيع قاعدة “العديد”، وتطوير قاعدة الدوحة الجوية، كما أنها ستستقبل الطائرات والمنظومات الجديدة التي دخلت الخدمة بالقوات الجوية، هذا بخلاف أنها ستعمل على تطوير منظومات القيادة والسيطرة بأحدث منظومات الرادار والاتصالات.
قاعدة تميم الجوية
شراكات سياسية واقتصادية جديدة
منذ بدء الحصار على قطر وتكشف ملامح المخطط الذي يهدف إلى تركيع القطريين وإخضاعهم لإملاءات الرياض وأبو ظبي، أيقنت الدوحة أنه لا سبيل للخروج من المأزق إلا بكسر حالة العزلة التي تخطط لها الدول الأربعة، وبدلاً من الاستسلام للضغوط والابتزاز كان الانطلاق نحو فتح آفاق جديدة من الشراكات السياسية والاقتصادية.
استطاعت الدبلوماسيبة القطرية في وقت لا يساوي في حساب الزمن لحظات أن تكسر حالة الحصار سريعًا عبر جولات قارية شملت مختلف دول العالم، بدأت في سبتمبر 2017 بجولة أمير قطر الأوروبية التي شملت تركيا وألمانيا وفرنسا، ثم تبعها جولة موازية لبلجيكا وبلغاريا في مارس من العام الحاليّ، نجح خلالها في توطيد الحراك الدبلوماسي وتعزيز سبل التعاون.
وفي أكتوبر من عام 2017 كانت الجولة الآسيوية التي قام بها أمير قطر وشملت ثلاث دول هي (ماليزيا وسنغافورة وإندونيسيا)، حيث قوبل هناك بحفاوة استقبال غير مسبوقة، أسفرت عن توسيع الشراكات الاقتصادية والسياسية والاستثمارية والعلمية والثقافية والتقنية وغيرها من مجالات التعاون بين الطرفين.
لم تتوقف خريطة الشراكات القطرية الجديدة على القارات الثلاثة الكبرى (إفريقيا وآسيا وأوروبا) بل تجاوزت ذلك إلى أطراف العالم
كما نجحت الدوحة في تعميق شراكاتها مع القوى المؤثرة داخل آسيا التي تشكل العصب الأساسي للقارة لا سيما على الجانب الاقتصادي على رأسها الصين وروسيا والهند وكوريا الجنوبية، وذلك عبر تبادل الزيارات الدبلوماسية بين مسؤولي البلدان وتكثيف الاتصالات الهاتفية بين قادة الدول.
أمريكيًا.. تمكنت الدبلوماسية القطرية من تعزيز التنسيق مع واشنطن في العديد من المجالات، حيث تعمقت العلاقات بين البلدين في الأشهر الأخيرة بصورة غير مسبوقة، ولعل الحوار الموسع الذي عقده الجانبان أواخر يناير الماضي أبلغ تجسيد لما وصل إليه التناسق بينهما، هذا الحوار تمخض عن عقد العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم في المجالات الأمنية والاقتصادية والعسكرية والجهود المشتركة في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف.
بدأت اليوم جولة في أمريكا الجنوبية لتعميق التعاون الثنائي مع كل من الإكوادور وبيرو وباراغواي والأرجنتين. هذه الجولة التي تستكمل جولتين سابقتين في ٢٠١٥ و٢٠١٦ ستضيف شراكات جديدة لقائمة شراكاتنا في هذه القارة والتي تشمل عشرات القطاعات الحيوية التي تخدم مصالح بلداننا
— تميم بن حمد (@TamimBinHamad) October 1, 2018
لم تتوقف خريطة الشراكات القطرية الجديدة على القارات الثلاثة الكبرى (إفريقيا وآسيا وأوروبا) بل تجاوزت ذلك إلى أطراف العالم، ولعل جولة أمير قطر إلى أمريكا الجنوبية بداية الشهر الحاليّ تجسيدًا لتلك الإستراتيجية، تلك الزيارة التي شملت الإكوادور وبيرو وباراغواي والأرجنتين، لتضيف بُعدًا جديدًا في العلاقات بين قطر وقارة أمريكا اللاتينية.
“رب ضارة نافعة” هكذا يقول الكثيرون في قطر تعليقًا على الحصار الذي فرض عليهم، حيث فجر ينابيع الانتماء للوطن ودفع بالقائمين عليه إلى ضرورة إعادة النظر في السياسات العامة للدولة وخريطة تحالفاتها ومصادرها الرئيسية التي تعتمد عليها، فنجحت بعد 500 يوم من هذا الحصار في تعزيز قدراتها العسكرية والاقتصادية وتنويع شراكاتها السياسية في إطار سياسة الاعتماد على النفس التي تبنتها منذ يونيو/حزيران 2017.