هكذا يستخدم النظام المصري “فيسبوك” لقمع المرأة وتحطيمها

mona

ترجمة وتحرير: نون بوست

جلست منى مذبوح على أرضية مركز الشرطة الوحيد في القاهرة، دون أن يكون هناك ضوء أو سرير، رفقة الصراصير والفئران. كانت المياه التي تسيل من الصنبور قذرة، ولا يوجد مرحاض أيضا مما دفعها إلى استخدام ثقب في الحائط كحمام مؤقت لها. حاولت منى أن تخلد للنوم العديد من المرات، لكن في كل مرة كانت تستلقي فيها، كان ضابط الشرطة يرفس الباب ويصرخ في وجهها، مما جعلها تقضي عدة أيام دون نوم. 

كانت المناسبة الوحيدة التي يسمح فيها لمنى بمغادرة الزنزانة، عندما كان الضباط يجلبون النساء اللاتي اعتقلن بسبب العمل في البغاء. وفي هذه الحالة، كان أحد الضباط يفتح باب زنزانة منى ويجرها للخارج ويطلب منها أن تراقب، حيث يقومون بربط النساء خارج زنزانتها ويقيدوهن من أذرعهن وأرجلهن معاً، ويعتدون عليهن جنسياً. وفي هذا الصدد، قالت منى أنهم كانوا يخبرونها: “نتمنى أن نفعل لك ذلك”. 

تعتقد منى، البالغة من العمر 24 سنة، التي قدمت من لبنان لزيارة مصر، أن السبب الوحيد الذي دفعهم لعدم الاعتداء عليها يكمن في أنه في تلك الفترة كانوا في قلب عاصفة إعلامية على مستوى البلاد. في الواقع، لم ترتكب منى أي جريمة، فقد كانت وراء القضبان بسبب نشرها مقطع فيديو على فيسبوك يتحدث عن التحرش الجنسي.

وصلت منى إلى مصر في شهر أيار/ مايو وذلك لقضاء الإجازة ورؤية أصدقائها. والجدير بالذكر أنها ليست أول مرة تزور فيها مصر، لكن هذه المرة تعرضت لمضايقات عدة، حيث واجهت سوء معاملة لفظية من قبل رجلين في حي الزمالك في القاهرة. كما وجه لها العديد من الرجال تعليقات جنسية غير لائقة علناً. وفي وقت لاحق من ذلك اليوم، أمسك رجل ثديها وهي تسير في طريق.

قمت بفتح الرابط أسفله وكان يحتوي الفيديو الذي نشرته وتحته العديد من التعليقات على غرار “كوني حذرة لأننا نعلم أين يقع فندقك، سنسكب على وجهك الحمض، إذا رأيتك في الشارع، فسأطعنك في بطنك”

شعرت منى بالإحباط والتعب جراء ما مرت به، لذلك عادت إلى غرفتها في الفندق وأخرجت هاتفها. وكوسيلة للتعبير عن غضبها المكبوت، قامت بتسجيل مقطع فيديو مطول للتنديد بالتحرش الذي عانت منه في ذلك اليوم، منتقدة الدولة المصرية ومسؤوليتها عن هذا الأمر. نشرت منى الفيديو الذي سجلته على صفحتها الخاصة على فيسبوك وخلدت للفراش لكي ترتاح من أعباء ذلك اليوم. 

عندما استيقظت منى في اليوم التالي، قررت حذف الفيديو الذي نشرته، ومواصلة رحلتها. لكنها لم تكن تدرك أن أحد أصدقائها قد شارك الفيديو من صفحتها الخاصة، دون موافقتها، وعمد إلى نشره على صفحات الفيسبوك المصرية. وفي اليوم التالي، تحول صراخها ضد المضايقات الجنسية إلى موجة غضب في مصر. ومنذ ذلك الوقت، لم تتوقف عن تلقي رسائل الواتساب من قبل أصدقائها المهتمين بالأمر. 

قالت منى: “لقد أرسل أحدهم لي سؤالا مفاده: “ماذا تفعلين في مصر؟ أنت في مشكلة كبيرة”. بعد ذلك قمت بفتح الرابط أسفله وكان يحتوي الفيديو الذي نشرته وتحته العديد من التعليقات على غرار “كوني حذرة لأننا نعلم أين يقع فندقك، سنسكب على وجهك الحمض، إذا رأيتك في الشارع، فسأطعنك في بطنك”.

في الواقع، ليس من غير المألوف بالنسبة للنساء أن يلجأن إلى تويتر وفيسبوك لمناهضة التحرش خاصة في عصر هاشتاغ “أنا أيضا” #MeToo. لكن منى واجهت مشكلة مختلفة. فقد تزامن اعتقالها مع موافقة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي على تشريع جديد يهدف إلى استهداف الأشخاص الذي يشتبه في نشرهم “لأخبار كاذبة” عن مصر.

يمنح التشريع، الذي تم المصادقة عليه خلال هذه الصائفة، الحكومة سلطة إغلاق المواقع التي تنتقد الحكومة، تحت حجة مكافحة التضليل. وتعد القوانين التي سنت في الصدد صارمة جدا؛ فمجرد زيارة موقع إلكتروني يعتبر “تهديدًا” لمصر، يمكن أن يلقى بك في السجن. ومما يزيد الطين بلة، أن قانون الإعلام الجديد يعتبر الأفراد الذين لديهم أكثر من 5000 متابع على وسائل الإعلام الاجتماعية كيانات إعلامية في حد ذاتها. فضلا عن ذلك، يعتبر مستخدمو منصات التواصل الاجتماعية العاديين على غرار شركات الإعلام الكبرى ملزمين قانونينا بالتقيد بقواعد الرقابة الصارمة.

في الكثير من الأحيان، تقوم السلطات المصرية بتوظيف “جيوش الويب” التي تستخدم لغة مسيئة، وتعمل على توجيه التهديدات، وتضايق المعارضين، وخاصة النساء

عندما ترامت لمسامع السلطات ما كتبته السائحة اللبنانية عن مصر، أصبحت منى هدفا بالنسبة لهم. والجدير بالذكر أن منى نشرت فيديو اعتذرت من خلاله في محاولة لتهدئة الأوضاع، ولكن محاولتها باءت بالفشل. ففي حزيران / يونيو، اعتُقلت منى في مركز الشرطة، الذي اتجهت له منذ البداية في محاولة منها لتبرير موقفها. وفي وقت لاحق، في  تموز / يوليو، حكمت محكمة مصرية على منى بالسجن لمدة ثماني سنوات، وأدينت بتهمة “تعمد بث شائعات كاذبة تهدف إلى تقويض المجتمع ومهاجمة الأديان”. 

قضت منى قرابة ثلاثة أشهر من مدة حكمها، ولكن بعد استئناف الحكم في أيلول/ سبتمبر، تمكن محاموها من إبطال مفعول الحكم الأول والإفراج عنها. عادت منى إلى بيروت، لبنان، حيث تعيش، لكنها ما زالت تفكر في الظروف اللاإنسانية التي كانت تعيش فيها، مع عشرات النساء، داخل السجن. في مرحلة ما، قبل أسبوعين من إطلاق سراحها، حاولت منى الانتحار.

في الحقيقة، لا تعد قصة منى الوحيدة من نوعها، فن بين النساء اللاتي قابلتهن في السجن، كانت أمل فتحي المدافعة المصرية عن حقوق الإنسان. تم القبض على فتحي في أيار / مايو بسبب نشرها محتوى تتحدث فيه عن تجاربها المتعلقة بالتحرش الجنسي. عندما تم عرض فيديوهات فتحي على وسائل الإعلام المحلية، تعرضت لمضايقات مكثفة على الإنترنت، وتم اعتقالها لاحقًا، وإدانتها بتهمة “نشر أخبار كاذبة”. وتقبع فتحي الآن في السجن، حيث حكم عليها بالسجن لمدة سنتين. وقالت منى، وهي تسترجع أول لقاء مع أمل في السجن: “سمِعت أمل أنني كنت هناك [في السجن] لنفس السبب. أخبرتني أن آتي وعانقتني وقبلتني، وأعطتني بعض الشوكولاتة، ومن ثم بكينا. كنا نعرف أننا لم نكن بمفردنا”.

انتقدت منظمات حقوق الإنسان حملة القمع التي تشنها الحكومة المصرية على حرية التعبير، فيما وصف بأنه تحول من اعتقال المعارضين والنقاد في الشارع، إلى إسكات الأفراد على وسائل التواصل الاجتماعي. في الكثير من الأحيان، تقوم السلطات المصرية بتوظيف “جيوش الويب” التي تستخدم لغة مسيئة، وتعمل على توجيه التهديدات، وتضايق المعارضين، وخاصة النساء.

حاولت منى حذف جميع نسخ الفيديو، لكن لم يتم حذف إلا البعض فقط. في هذا الصدد، صرحت منى، قائلة: “إذا رآني إنسان ما شخصيًا بعد مشاهدة هذا الفيديو، فسيهاجمني”

علاوة على ذلك، تم توجيه النقد إلى منصات التواصل الاجتماعي لفشلها في التحدث علنا ضد الاعتقالات أو تقديم الإرشادات حول طرق التعامل مع المضايقات.  وفي هذا الصدد، أورد حسين بيومي، الباحث في منظمة العفو الدولية في مصر، أنه “في مصر، نرى أنه عندما يكون هناك نظام قمعي، يمكن أن يقع السيطرة على العالم الرقمي بسهولة”. وقد كانت المحنة التي واجهتها منى سببا في جعلها تتردد في التعبير عن آرائها بحرية على وسائل التواصل الاجتماعي مرة أخرى. وتجدر الإشارة إلى أنها قد أبلغت عن تلقيها تهديدات بالقتل على فيسبوك، لكن إلى حد الآن لم يتخذ الموقع الاجتماعي أي إجراء ضد من يهددها. 

حاولت منى حذف جميع نسخ الفيديو، لكن لم يتم حذف إلا البعض فقط. في هذا الصدد، صرحت منى، قائلة: “إذا رآني إنسان ما شخصيًا بعد مشاهدة هذا الفيديو، فسيهاجمني”. ومع ذلك، تأمل منى أن تواصل النساء التعبير عن أنفسهم، حتى لو كان حديثهم يعتبر أخبارًا “كاذبة” وفقًا للمعايير الحكومية. وأردفت منى، قائلة: “أريد أن أخبر النساء: لا تركن للصمت، لا تتوقفن عن الكلام لأنكن في كل مرة تصمتن فيها، ستزداد الأمور سوءًا بالنسبة لنا. تستحق النساء التمتع بحق إيصال أصواتهن”. 

المصدر: مجلة وايرد