ترجمة وتحرير: نون بوست
مع بزوغ شمس الخريف من خلفه، يتفقد حسن أبو أحمد الحطام الذي كان فيما مضى منزل قريبه، وقد قال وهو يتنهد بارتياح: “أحمد الله أن أحدا لم يصب بأذى. لقد أصابت القذيفة الجدار مما تسبب في انهيار المنزل. ومن الواضح أنه سيحتاج إلى الكثير من الترميم”. يعيش أبو أحمد في قرية اللطامنة شمال محافظة حماة في سوريا، التي يصادف أن تكون ضمن المنطقة العازلة، التي تأمل كل من روسيا وتركيا في منع شن هجوم دموي عليها في شمال سوريا.
خلال أيلول/ سبتمبر، أعلن كل من الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، في مدينة سوتشي الروسية، عن اتفاق لإنشاء منطقة عسكرية تمتد على 15 إلى 20 كيلومترا بين الحكومة السورية وقوات المعارضة، في خطوة استباقية لمنع شن هجوم على معقل المعارضة.
في الواقع، بثّ هذا الإعلان ارتياحا كبيرا في نفوس السوريين، الذين يعيشون بالقرب من خط المواجهة بين المعارضة وقوات الرئيس السوري، بشار الأسد، على غرار أبو أحمد، الذي يرى أنه قد شكّل فرقا كبيرا. وقد صرح أبو أحمد لموقع “ميدل إيست آي” قائلا: “منذ الإعلان عن هذا الاتفاق، هدأ القصف نسبيا، مما ساهم في عودة أكثر من ثلث سكان القرية، أي حوالي 1000 عائلة تقريبا”.
حسن أبو أحمد يقف خارج منزل قريبه في اللطامنة
تقع بلدة اللطامنة، التي تسيطر عليها قوات المعارضة، على بعد بضعة كيلومترات من مكان تمركز قوات الجيش السوري. وفي كثير من الأحيان، تحولت هذه البلدة إلى خط مواجهة بين قوات الأسد وفصائل المعارضة، حيث أدت الغارات والقصف والهجمات الجوية المتكررة إلى نزوح نحو 90 بالمائة من سكانها. مع ذلك، بقي أبو أحمد في بلدته، حيث قال إنه على الرغم من أن المنطقة أصبحت أكثر أمنا الآن، إلا أن الخطر لم يزل تماما بعد.
تمتد المنطقة العازلة على عدة كيلومترات من شمال غرب مدينة حلب وصولا إلى شرق محافظة إدلب، وتشمل أيضا شمال حماة وصولا إلى الحدود بين تركيا ومقاطعة اللاذقية
في السياق ذاته، أضاف أبو أحمد أن “الأسلحة الثقيلة، التي يتوجب على القوات الحكومية سحبها من محيط الجبهات، لا زالت تستهدف المنطقة بشكل متقطع”. ونتيجة للغارات التي استهدفت منزل عم أبو أحمد مؤخرا، فقدت ابنة عمه ساقها، كما فقد ابنه عينه. وقد قال أبو أحمد: “انظر إلى طائرات الاستطلاع التي تحلق في السماء. إن بإمكانها رؤية البلدة بأكملها، بالإضافة إلى مراقبة أي تجمع مدني”.
سحب الأسلحة الثقيلة
تمتد المنطقة العازلة على عدة كيلومترات من شمال غرب مدينة حلب وصولا إلى شرق محافظة إدلب، وتشمل أيضا شمال حماة وصولا إلى الحدود بين تركيا ومقاطعة اللاذقية. وتغطي المنطقة مشهدا عسكريا معقدا يضم مجموعات مختلفة من المتمردين، بعضها متشدد للغاية من قبيل هيئة تحرير الشام التي كانت في السابق تابعة لتنظيم القاعدة، وغيرها من الجماعات القومية الأخرى. في الأثناء، تقوم نقاط المراقبة التركية بمراقبة نظيراتها الروسية والإيرانية على الجانب الآخر من المنطقة المقسمة.
وفقا للاتفاق الذي عقده أردوغان وبوتين، من المتوقع أن يتم سحب جميع الأسلحة الثقيلة من المنطقة العازلة، كما سيتم التخلص من الجماعات المسلحة الموجودة في المنطقة على غرار هيئة تحرير الشام. وخلال يوم الأربعاء الماضي، بدا وكأن الجزء الأول من الاتفاقية قد نُفّذ دون أي عوائق، حيث تم سحب جميع الأسلحة الثقيلة من المنطقة العازلة في الموعد المحدد بنجاح.
بالنسبة لزعيم جماعة “جيش العزة” المعارضة، وهي فصيلة متمركزة حول بلدة اللطامنة، لم يكن تخليص المنطقة من الأسلحة الثقيلة مهمة صعبة كما توقع البعض. وقد أضاف الزعيم أن “معظم الأسلحة الثقيلة قد تم الاحتفاظ بها في مستودعات بعيدة عن خط المواجهة، ليتم إخراجها وجلبها عند اندلاع قتال عنيف. ولهذا السبب، ظلت بقيت هناك”.
أن جزءا من الخطة الروسية التركية يسعى لفتح الطريق السريع أم 5، الذي يعتبر مهما للغاية نظرا لأنه يمتد بين دمشق وحلب عبر حماة وريف إدلب.
في شأن ذي صلة، صرح النقيب ناجي مصطفى، المتحدث باسم “الجبهة الوطنية للتحرير” لموقع “ميدل إيست آي” أن المتمردين نسقوا مع تركيا عند سحب أسلحتهم الثقيلة”. وأورد مصطفى قائلا: “سنحافظ على نقاط انتشارنا على الخطوط الأمامية المحصنة بالأسلحة الخفيفة، كما سنستمر في تجهيز قواتنا على خطوط الدفاع في المنطقة العازلة تحسبا لأي طارئ”.
تجدر الإشارة إلى أن جزءا من الخطة الروسية التركية يسعى لفتح الطريق السريع أم 5، الذي يعتبر مهما للغاية نظرا لأنه يمتد بين دمشق وحلب عبر حماة وريف إدلب. وعلى الرغم من أن الحكومة السورية بسطت سيطرتها على هذه المدن الثلاث منذ بعض الوقت، إلا أن وجود المعارضة لفترات طويلة أبقى هذا الطريق مغلقا.
الطريق السريع أم 5 شمال سوريا
بالقرب من مدينة معرة النعمان، التي تسيطر عليها المعارضة، تزين الأعلام السورية الطريق السريع، حيث أفاد سكان المنطقة أنهم رأوا عدة دبابات تابعة للجيش السوري الحر وهي تنسحب من المنطقة العازلة عابرة الطريق السريع. كما أخبر السكان موقع “ميدل إيست آي” أنه إذا تم فتح الطريق السريع أم 5، فإن قراهم يمكن أن تستعيد نشاطاتها التجارية.
وقف الجهاد
يبدو أن المرحلة الثانية من تنفيذ الصفقة تعتبر أكثر صعوبة من المتوقع، حيث يمثل يوم الاثنين الموعد النهائي الذي يجب أن تنسحب بحلوله جميع القوات المتشددة من المنطقة العازلة. لكن بعض الجماعات، مثل جبهة أنصار الدين، المتواجدة في جنوب حلب، أصدرت بسرعة رفضا قاطعا لشروط الاتفاق الروسي التركي.
رفضت الجماعات الموالية لتنظيم حراس الدين كل شروط الاتفاق الروسي التركي ودعت جميع القوات المعارضة لشن عمليات عسكرية من شأنها أن تفسد أي صفقات دولية
في الحقيقة، اعتبرت الجماعات المسلحة هذا الاتفاق بمثابة استسلام وإعلان لوقف الجهاد في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة. من جهتها، واصلت أهم الجماعات المتشددة المتواجدة في شمال سوريا، وهي هيئة تحرير الشام، تكتمها حول اتفاق سوتشي الذي أبرم خلال شهر أيلول/سبتمبر. في هذا السياق، صرحت مصادر أمنية تركية لموقع “ميدل إيست آي” أن “حوالي ثلث مقاتلي هيئة تحرير الشام، البالغ عددهم 15 ألف مقاتل، منتشرون في المنطقة العازلة. كما انسحب حوالي ألف مقاتل من هذه المجموعة”.
لم تكن هذه الجماعات نشطة كثيرا على الميدان. على الرغم من ذلك، سمح أعضاء هذه الجماعة المتطرفة بمرور القوات التركية عبر معبر باب الهوى الحدودي الذي تسيطر عليه، والوصول إلى مواقع قريبة من نقاط المراقبة المثبتة من قبل الجيش التركي التي يمكن أن تتحرك من خلالها ضد الجماعات المسلحة الأخرى.
متمردون سوريون يمشون داخل خندق يطل على مناطق يسيطر عليها النظام السوري في ريف شمال غرب محافظة حلب
في سياق متصل، قال قائد بارز في الجيش السوري الحر، رفض الكشف عن اسمه، لموقع “ميدل إيست آي” إن “الجيش التركي يتجمع في منطقة أوردو التركية القريبة من مواقع المعارضة في شمال اللاذقية وجسر الشغور”. ووفقا لما صرح به القائد، يمكن لهذه القوات التركية أن تتحرك في أي لحظة ضد أي جماعة قد تحول دون تطبيق اتفاق المنطقة العازلة أو تعطل سير عمل الدوريات العسكرية التركية.
في المقابل، تنتشر العديد من فصائل المعارضة في قرى جسر الشغور واللاذقية، على غرار الجبهة الوطنية للتحرير، وجماعتان تستلهمان مبادئها من تنظيم القاعدة، وهما الحزب الإسلامي التركستاني المكون من جماعات أويغورية من الصين، فضلا عن تنظيم حراس الدين. على صعيد آخر، تنتشر القوات الشيعية المدعومة من قبل إيران والموالية للحكومة السورية في هذه المناطق. وتعد احتمالية اندلاع أعمال عنف بين القوات التركية وهذه الجماعات مرتفعة للغاية.
نصت اتفاقية أستانا، التي وقّعتها كل من تركيا وروسيا وإيران خلال أيار/مايو سنة 2017، على إنشاء أربع مناطق لوقف التصعيد، إحداها في شمال سوريا
من جهتها، رفضت الجماعات الموالية لتنظيم حراس الدين كل شروط الاتفاق الروسي التركي ودعت جميع القوات المعارضة لشن عمليات عسكرية من شأنها أن تفسد أي صفقات دولية. في الأثناء، ووفقا لوسائل الإعلام الروسية، تقوم هذه الجماعات بحفر خنادق حول مواقعها في شمال مدينة اللاذقية، ولم تظهر أي إشارات على استعدادها للانسحاب.
“فقدان أرضنا”
لم تكن الجماعات المعارضة الوحيدة التي عبرت عن عدم رضاها عن هذه الصفقة. ففي قرية صرمان، الواقعة في المنطقة العازلة جنوب شرق مدينة إدلب، تجمع عشرات من رجال القبائل أمام نقطة مراقبة تركية، مطالبين بأن تسعى أنقرة للحصول على تنازلات أخرى من الحكومة السورية وحليفتها الروسية. وفي هذا الصدد، قال خالد سليمان، وهو مدني نازح من ريف حماة الشرقي، لموقع “ميدل إيست آي”: “ندعو الحكومة التركية للضغط على الحكومة السورية من أجل سحب قواتها العسكرية المتواجدة شرق خط حديد الحجاز وتطبيق اتفاق أستانا”.
مواطنون سوريون يتظاهرون في بلدة صرمان شمال سوريا
نصت اتفاقية أستانا، التي وقّعتها كل من تركيا وروسيا وإيران خلال أيار/مايو سنة 2017، على إنشاء أربع مناطق لوقف التصعيد، إحداها في شمال سوريا. ومنذ ذلك الحين، قامت قوات النظام السوري بتقليص المساحات التي يفترض أنها تندرج ضمن ذلك الاتفاق، بعد سيطرتها على ثلاث مناطق تابعة لمناطق وقف التصعيد. أما بالنسبة للمواطنين الذي تم تشريدهم بسبب الهجوم الذي شنه النظام السوري على منطقة وقف التصعيد جنوبا، وخاصة على المناطق القريبة من قاعدة أبو الظهور الجوية العسكرية الإستراتيجية، فتعد الصفقة الروسية التركية الجديدة بمثابة تشويه للصفقة التي وقعت في عاصمة كازاخستان.
في هذا السياق، قال عيد الحسين، نازح سوري آخر شارك في المظاهرة، لموقع “ميدل إيست آي”: “لقد نزح أكثر من 400 ألف شخص بسبب الهجوم وهم متواجدون حاليا في المخيمات العشوائية. ولا زلنا نشاهد كيف تجوب الدبابات التابعة لقوات النظام قُرانا”. وأضاف الحسين أنه “لا يمكننا العودة إلى أرضنا في ظل تواجد القوات الروسية والقوات الموالية للنظام السوري. ويشبه اتفاق سوتشي هذا إعادة رسم الحدود مما يعني خسارتنا لأرضنا”.1
التحضير لإفشال الصفقة
كانت القوات الموالية للنظام، التي ظهرت يوم الجمعة، تستعد لإفشال هذه الصفقة. وقد تلقى السوريون المتواجدون بالقرب من خطوط المواجهة الأمامية رسائل على هواتفهم تحذرهم من ضرورة الابتعاد عن المسلحين المتواجدين في المنطقة. وجاء في إحدى الرسائل ما يلي: “ابتعد عن المقاتلين لأن مصيرهم محدد وقريب”، فيما قرأ لنا أحد المواطنين رسالة وصلته ومفادها “لا تسمحوا للإرهابيين باستخدامكم كدروع بشرية”. وفي ظل كل هذه التعقيدات السياسية والعسكرية، يجلس الطفل أحمد قدور، البالغ من العمر 10 سنوات، مع صديقه وسط الدمار في مدينة اللطامنة.
طفلان يجلسان في المنطقة العازلة في شمال سوريا
كان أحمد يرعى حوالي 50 خروفا، وكان كل همه الإبقاء على القطيع بعيدا عن بقايا القصف والقنابل العنقودية غير المتفجرة. وفي حال نجحت الصفقة، وآتت خطط أردوغان وبوتين أكلها، فقد يظل أحمد في المدرسة التي عاد إليها مؤخرا، حيث أنه مصمم على إكمال دراسته مهما كانت النتيجة. وقد صرح الطفل لموقع “ميدل إيست آي”: “لم أستطع الدراسة السنة الماضية بسبب القصف العشوائي وإغلاق المدارس. وقد التحقت الآن مرة أخرى بالصف الثاني في المدرسة. وسأواصل الدراسة هذه السنة، بغض النظر عن توقف القصف أو استمراره أو عودته”.
المصدر: ميدل إيست آي