بعد أكثر من 12 عامًا من التحكم بالمنصة الأهم في حكم العراق، غادر حزب “الدعوة الإسلامية” منصب رئاسة الوزراء بعد أن ردد أمينه العام نوري المالكي أن “لا أحد يستطيع أخذها، حتى يعطوها”، وبعيدًا عن الانقسامات الكبرى في تاريخ حزب الدعوة الذي تأسس في 12 من أكتوبر 1957، فإن الحزب كان بعد مرحلة العام 2003، من القوى البارزة في المشهد السياسي العراقي.
بداية حكاية الحزب مع المناصب الكُبرى كانت في العام 2006 حينما استلم المالكي زمام رئاسة الوزراء في الولاية الأولى، ثم عاد ثانية في العام 2010، وبعد ذلك تسلم المنصب حيدر العبادي مسؤول الملف السياسي في الحزب في العام 2014 حتى العام 2018، وهذه تمثل المرحلة الثالثة من حكم الحزب.
حزب الدعوة وبعد تمسّك المالكي بالمنصب، على خلاف الدستور العراقي، اضطر لتقديم العبادي بديلًا عن المالكي الذي أصبح – حينها – نائبًا لرئيس الجمهورية، وهنا يبدو أن العبادي حاول تلميع صورته على حساب سمعة حزبه التي أصابها الشيء الكثير في مرحلة الثماني سنوات العجاف من حكم المالكي، وهذه الخطوة فتحت الباب لمرحلة تناحر بين الزعيمين وصلت إلى درجة الانتقاد المباشر بينهما، وهذا كله يأكل من صفة حزب الدعوة الذي صار يضرب نفسه بنفسه!
من صور الخلاف بين قيادات الحزب ما ظهر في الإعلام يوم 13 من أغسطس/آب 2014، حيث وصف المالكي تكليف العبادي بأنه “خرق دستوري سيسقط العملية السياسية”
وفي الانتخابات الأخيرة تقدم الحزب بقائمتين الأولى (دولة القانون بزعامة المالكي، والثانية النصر بزعامة العبادي) وكلاهما كان يطمح للعودة لمنصب الرئاسة، لكن وقوف بعض القوى السياسية الفاعلة ضد ترشيح المالكي شخصيًا، وإشارة المرجعية الدينية في النجف إلى عدم تجربة المُجَرَّب وضرورة أن يكون الرئيس القادم قويًا، هذه العوامل جعلت حزب الدعوة يميل إلى اليقين بأن رئاسة الحكومة على وشك أن تكون من الماضي.
ومن صور الخلاف بين قيادات الحزب ما ظهر في الإعلام يوم 13 من أغسطس/آب 2014، حيث وصف المالكي تكليف العبادي بأنه “خرق دستوري سيسقط العملية السياسية، وأن الحريصين على العملية السياسية، عليهم التعاون لإيقاف من تمرد بسبق إصرار على الدستور وخرقه لصالح إرادات أخرى”.
وفي خطوة لردم الهوة بين الزعيمين (المالكي والعبادي) بعد قطيعة دامت سنوات تمكنت قيادات في حزب الدعوة الإسلامية يوم 22 من سبتمبر/أيلول 2018 من لَمّ شمل المكتب السياسي ومجلس شورى الحزب تحت سقف واحد في اجتماع ضم كبار قادة الحزب المهدد بالتفتت بينهم الأمين العام للحزب المالكي ورئيس المكتب السياسي العبادي، وتمخض عن الاجتماع إعلان أن” العبادي هو مرشح الحزب الوحيد”، لكن يبدو أن اللعبة قد حُسمت، وهذه الإصلاحات جاءت في الوقت الضائع.
اليوم وبعد تكليف عادل عبد المهدي بتشكيل الحكومة الرابعة، يبرز أمامنا سؤال كبير ومهم: هل نجح حزب الدعوة في حكم العراق منذ العام 2006 حتى العام 2018؟ سنذكر هنا إشارات خاطفة عن حقبة سيطرة الحزب على الحكم، ومنها:
– نمو الفكر الطائفي في وطن لم يكن يعرف الطائفية من قبل.
– ازدياد ظاهرة المليشيات وبروزها تحت عباءة الحكومة، وبالذات في فترات حكم المالكي، واستمرت في حكم حيدر العبادي بشكل رسمي في الغالب.
– الحزب حكم البلاد في مرحلة وجود القوات الأمريكية المحتلة، وهذا الموقف يضرب الكثير من المبادئ التي ينادي بها الحزب!
– احتكار الحزب للكثير من المناصب المدنية والعسكرية في الدولة.
حزب الدعوة لن يكون شريكًا ناعمًا أو سهلًا في الحكومة القادمة
– استمرار الخراب في المجالات الخدمية، وهذا الأمر دفع الملايين للخروج بمظاهرات في عموم البلاد، بما فيها مدن الجنوب الشيعية، التي هتفت بشعارات أكدت أن السرقات تتم باسم الدين، وهؤلاء ينبغي محاكمتهم وأن إصلاحات رئيس الحكومة حيدر العبادي إصلاحات شكلية وليست جوهرية.
وقد تطور الأمر في يوليو/تموز 2015 إلى درجة المطالبة بإحالة نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي نتيجة “لانهيار المنظومة الأمنية في فترة حكمه، إضافة إلى انتشار الفساد ووقوع أخطاء كبيرة في فترة عمله كرئيس للوزراء، ووصلت المطالبات إلى حد اتهامه بالخيانة العظمى والمطالبة بإعدامه”.
خلاصة الأمر فإن الحزب يتحمل المسؤولية القانونية عما جرى – ويجري – في العراق منذ العام 2006 وحتى اليوم، لأنه يمتلك زمام الأمور في أطول فترة حكم لحزب في البلاد بعد العام 2003.
أظن أن حزب الدعوة لن يكون شريكًا ناعمًا أو سهلًا في الحكومة القادمة، ولهذا فإن الحزب سيدفع باتجاه عرقلة تشكيل الحكومة القادمة، وأتوقع أن إشكالية الكرد فيما بينهم بخصوص منصب رئيس الجمهورية وعدم رضاهم “حزب البرزاني” عن آلية اختيار الرئيس من الاتحاد الوطني، والذين قالوا في اليوم التالي “حزب الاتحاد الوطني الكردستاني خرّب اللعبة في العملية السياسية بين الكرد”، هذه الإشكالية سيستغلها حزب الدعوة، وربما سيسعى للتقارب مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، وتشكيل معارضة حقيقية داخل البرلمان، تكون غايتها “العودة إلى مربع الأول” وربما ستقود هذه الخطوة إلى اعتذار رئيس الحكومة المُكَلَّف عادل عبد المهدي عن المهمة حتى بعد إعلان حكومته – على افتراض أن تشكيل الحكومة سيتم بلا مشاغبات سياسية – وهذا الفعل سيؤدي بالنتيجة إلى عودة العبادي أو المالكي إلى الواجهة كمرشحين لرئاسة الحكومة.
حزب الدعوة يمتلك القدرة المالية والعسكرية على قلب الأمور في البلاد، وأظن – إن كانت الحكومة القادمة لم ترتب بإرادة أمريكية وتوافق إيراني – فإن حزب الدعوة سيكون العصا الأبرز في دولاب حكومة المهدي المرتقبة.