تشهد محافظة درعا فوضى عارمة نتيجة الانفلات الأمني الذي نتج عن وجود ميليشيات إيرانية ولبنانية وسورية بالإضافة إلى قوات النظام، كانت قد جاءت إلى المنطقة خلال سيطرة النظام عليها بعد خضوع عشرات البلدات لاتفاق التسوية الذي رعته روسيا، وأعطت ضمانات عدة تمكن الأهالي المتبقين في المنطقة من التأقلم خلال انتقال المنطقة إلى سيطرة قوات النظام وميليشياته، هذه الاتفاقات تضمنت عددًا من البنود ومن أهمها تقديم مهلة ستة أشهر للشبان للالتحاق بصفوف قوات النظام، لكن النظام استغل الفرصة وفرض التجنيد قبل انتهاء المهلة المقدمة لهم.
النظام يجند مئات الشبان في محافظة درعا
النظام يجند الشبان في درعا
ما زالت قوات النظام تشن حملات التجنيد الإجباري في المناطق التي خضعت للمصالحات، حيث أبلغت قوات النظام عشرات الشبان في بلدتي الجيزة والنعيمة في ريف درعا الشرقي، للالتحاق بالخدمة الاحتياطية في صفوف النظام، دون النظر لبنود الاتفاق التي أقرتها روسيا لتسوية أوضاع شبان المنطقة، وإعطائهم مهلة ستة أشهر للالتحاق بالخدمة الإلزامية.
فيما قالت قوات النظام أن على الشبان المتخلفين عن الخدمة العسكرية الإسراع للالتحاق بصفوف قواتها، بينما اعتبر ناشطون أن بلاغات النظام التي استهدفت الشبان في أرياف درعا تعد انقلابًا على بنود الاتفاق الذي أعطى مدة ستة أشهر للمتخلفين عن الخدمة الإلزامية.
وأجبر عشرات الشبان في أرياف درعا على الانضمام لصفوف الفيلق الخامس الذي أحدثته روسيا مؤخرًا للخدمة في درعا، مبتعدين عن الخدمة الإلزامية التي ممكن أن تضعهم في مواجهة أهلهم في مناطق الشمال السوري، كما رفضت قوات النظام كل طلبات التأجيل التي قدمها طلاب الجامعات بعد عودتهم إليها، مما جعل آلاف الشبان يبحثون عن طرق تهريب تنقذ حياتهم من شبح الخدمة الإلزامية في صفوف قوات النظام وميليشياته، بينما منع النظام مئات الشبان من العودة إلى مقاعدهم الدراسية في الجامعات بعد انقطاعهم لسنوات متتالية.
من جانبها ميليشيا حزب الله اللبناني تحاول استقطاب الشبان لتطويعهم في صفوفها، وذلك احتيالاً على التفاهمات التي انتهت بحظر ميليشيا حزب الله في المنطقة، وتقدم الميليشيات للمتطوعين في محافظة درعا مغريات مالية كبيرة جدًا، ليكون الذراع الأمنية له في المنطقة بعد حظره منها، وتبلغ القيمة المادية الشهرية التي تقدمها قيادة الحزب للعناصر المنتسبين في صفوفها، 1000 دولار أمريكي، بالإضافة إلى بطاقات شخصية تحميه من الاعتقال فيما يحاول حزب الله إنشاء أرضية صلبة له في المنطقة، وذلك لترسيخ وجوده في الجنوب السوري.
يحاول النظام التخلص من قيادي فصائل المصالحات في درعا
اغتيالات واعتقالات تطال بعض قياديي الفصائل
قتل أحد قياديي فصائل المصالحات في درعا الجمعة 12 من أكتوبر/تشرين الأول، عايد عبيد الملقب بأبو عدي الخالدي، وذلك خلال اشتباكات مع ميليشيا المخابرات الجوية التابعة لقوات النظام في درعا، حيث أقدمت الأخيرة على اقتحام منزل القيادي، مما أدى إلى اندلاع اشتباكات في قريته خراب الشحم في ريف درعا الغربي، وتسببت الاشتباكات بمقتله وجرح ابنه وزوجته إضافة إلى إصابة عناصر الميليشيا المداهمة للمنزل، ورجحت بعض المصادر أن الخلاف ناتج عن صفقة بين أبو سالم الخالدي وأبو عدي الخالدي من جهة، وميليشيا الأمن الجوي من جهة ثانية، على تسليم وتهريب كميات من المخدرات والحشيش.
كما شهد أول شهر سبتمبر/أيلول الماضي اشتباكات بين عناصر المخابرات الجوية وإحدى مجموعات المصالحات، الذين تمت تسوية أوضاعهم، وأدت الاشتباكات إلى وقوع جرحى في صفوف الطرفين، واعتقال مجموعة المصالحات التي تدعى مجموعة (أبو صدام) أربعة عناصر يتبعون للمخابرات الجوية.
وفي السياق اعتقلت قوات النظام عددًا من القياديين البارزين في فصائل المصالحات من بينهم القيادي في ألوية العمري فارس ديب البيدر، وأحمد فروخ قائد لواء الأنصار في بلدة الحارة شمال درعا، وكان البيدر وفروخ قد أجريا مصالحات مع النظام إلا أن قوات النظام خرقت بنود الاتفاق واعتقلتهما، فيما اعتقلت قوات النظام القيادي السابق في صفوف المعارضة مالك البرغش وشقيقه هيثم البرغش في بلدة إنخل، بعد إجرائهم مصالحات مع النظام بضمانات روسية، واعتقلت قوات النظام قاضي الأحوال المدنية في محكمة دار العدل في حوران، محمد أحمد الشريف في أثناء وجوده بالعاصمة دمشق.
مع عودة آلاف الموظفين إلى عملهم في مناطق النظام، أصدرت الحكومة قرارًا يقضي بتسريح آلاف الموظفين والعاملين في دوائره، وذلك بسبب انقطاعهم لسنوات عن عملهم
وتجدر الإشارة إلى أن الخلافات بين قادة فصائل المصالحات في درعا وقوات الأسد وميليشياته بدأت تتصاعد في الآونة الأخيرة، ومعظمها ناتج عن إخلال باتفاقات عقدها الطرفان مع تسليم الفصائل للمحافظة برعاية روسية، ولا سيما ريف درعا الغربي، ويحاول النظام القضاء على أبرز قيادات الفصائل للتخلص منهم، دون أخذ الضمانات التي قدمتها روسيا بعين الاعتبار.
النظام يفصل المئات من الموظفين في الدوائر الحكومية التابعة له
تسريح آلاف الموظفين بعد التسوية
في مواجهة الفقر الذي غلب على معظم سكان محافظة درعا بعدما فرضت قوات النظام وميليشياته عليها، يعيش آلاف السكان على الرواتب الشهرية المقدمة من الدوائر الحكومية التي كانوا يعملون بها، ومع عودة آلاف الموظفين إلى عملهم في مناطق النظام، أصدرت الحكومة قرارًا يقضي بتسريح آلاف الموظفين والعاملين في دوائره، وذلك بسبب انقطاعهم لسنوات عن عملهم خلال سيطرة الفصائل حسب ما قالت شبكة بلدي الإعلامية.
ونقلت الشبكة عن مصادر محلية أن جميع الموظفين والمدنيين في مناطق درعا وقعوا على المصالحات التي أجريت قبل أشهر لتسوية أوضاعهم فيما قامت حكومة النظام بإصدار قرار فصل نظرًا لانخراطهم في الحراك الثوري وبقائهم في مناطق سيطرة الفصائل وعملهم في دوائر المدينة التابعة للثورة.
حكومة النظام فصلت أكثر من 185 معلمًا في مختلف المحافظات السورية، ونالت محافظة السويداء القسم الأكبر منها
وفي السياق رفضت مديرية التربية التابعة للنظام عودة 28 معلمًا ومعلمة إلى التدريس، لأسباب سياسية متعلقة بتدريسهم في مناطق سيطرة الفصائل، حيث رفض النظام تسوية أوضاع المعلمين والمعلمات بحجة تدريسهم في مدارس تابعة للحكومة السورية المؤقتة أو أخرى دعمت من منظمات محلية أو دولية خلال سيطرة المعارضة المسلحة على المدن والبلدات في درعا.
والجدير بالذكر أن حكومة النظام فصلت أكثر من 185 معلمًا في مختلف المحافظات السورية، ونالت محافظة السويداء القسم الأكبر، حيث بلغ عدد المفصولين 70 معلمًا بسبب تخلفهم عن الخدمة الإلزامية، بينما شمل محافظة درعا 28 معلمًا، ويحاول النظام إجبار المدنيين والموظفين للانخراط في صفوف قواته والميليشيات التابعة له، وسط فقر سيء تعيشه أسر الموظفين في المنطقة.
فوضى عارمة في درعا وسط غياب تام للخدمات
فوضى في درعا وسط مخاوف المدنيين من التصعيد
يعيش المدنيون في محافظة درعا وسط مخاوف مستمرة نتيجة الانفلات الأمني بعدما خضعت لاتفاقات التسوية والمصالحات مع النظام السوري، يظن البعض أن الحياة عادت إلى المحافظة بعدما قدمت قوات النظام وروسيا العديد من التسهيلات للمواطنين لإجبارهم على البقاء بينما ما يحدث الآن في درعا مختلف عن الوعود التي قدمتها روسيا للمدنيين ولفصائل المصالحات.
تعيش محافظة درعا أوضاعًا إنسانية صعبة جدًا نتيجة الإهمال الذي يقدمه النظام للمدن والبلدات الريفية
وانتشرت في محافظة درعا ظاهرة العصابات وقطاع الطرق واللصوص، ولكن عملها بأسلوب مختلف عن المفهوم التقليدي، فأولئك اللصوص من ضمن قوات نظام الأسد ميليشياته، ويقومون بتلك السرقات في وضح النهار وليس خلسة أو تحت جنح الظلام، وسط ذعر بين المدنيين.
انتشار واسع لقطّاع الطرق في درعا
ولم تقتصر حالات السرقة على أموال المدنيين، فقد شملت نهب للمزارع والمشاريع الزراعية ومعداتها وغيرها، فضلاً عن حالات الاعتقال في الشارع أو البيت وطلب مبالغ مالية لإطلاق سراح المعتقل مباشرةً، فيضطر المواطنون الخائفون للدفع حتى لا يؤخذ أبناؤهم للأفرع الأمنية السيئة السمعة، فيما تسلمت عائلة عبد المولى محمود الحراكي من أهالي بلدة المليحة الغربية جثته بعد اعتقال دام لأكثر من شهر في ظروف غامضة وغير قانونية، في أقبية النظام وسجونه، حسب ما ذكر مكتب التوثيق في درعا.
وتعيش محافظة درعا أوضاعًا إنسانية صعبة جدًا نتيجة الإهمال الذي يقدمه النظام للمدن والبلدات الريفية، حيث حرمت الكثير من القرى والبلدات من الخدمات التي يعتقد بوجوب تقديمها من مجالس البلديات في المدن، لكن المحافظة ما زالت تعيش حالة من الإهمال وسط مخاوف المدنيين من التصعيد المحتمل الذي يفقدهم الأمن في منازلهم.