إذا أردت الدخول إلى مبنى حكومة مقاطعة دونيتسك الأوكرانية، فيجب أن تمر عبر عدة حواجز من الإطارات والأسلاك الشائكة، وبعد المرور عبر عدة أبواب معدنية مدعمة ضد الرصاص والمرور عبر طوابق عدة وزجاج محطم وأعقاب سجائر ستصل إلى الطابق الحادي عشر حيث البرلمان الجديد للدولة الجديدة “جمهورية دونيتسك الشعبية”.
المبنى دخلته بالفعل مجلة فورين بوليسي الأمريكية، وتحدثت عن تهديد عضوة في البرلمان الجديد بالاستقالة لمشاكل في دورات المياة داخل المبنى وتمديدات الكهرباء! وكيف تحدثوا داخل غرفة البرلمان عن وجوب التخلص من الصحفيين المستفزين الذين يتحدثون عن سوء الخدمات داخل المبنى.
على بعد أمتار قليلة أمام المبنى، هناك شارع رئيسي تبدو فيه الحياة هادئة وطبيعية حتى الآن، ويبرز في الوقت ذاته انقسام الشارع إزاء العمليات وكل ما يحدث في العاصمة وشرق البلاد.
دخلت مدينة دونيتسك معترك الأحداث مبكرًا بسيطرة محتجين مسلحين فيها على محيط مبنى مجلس إدارة المنطقة وإعلانهم من داخله قيام “جمهورية دونيتسك المستقلة” بعد رفعهم علمها والعلم الروسي على المبنى.
وبينما هاجم الموالون لروسيا في محيط المبنى سلطات كييف بشدة بعد ورود أنباء بدء العمليات العسكرية شمال المدينة، هتف محتجون ضدها بعد خطب ألقاها نشطاء أكدوا خلالها “ثباتهم حتى النصر على الفاشية الجديدة في أوكرانيا” بحسب زعمهم.
وبعد منحها عدة مهل لمن تصفهم بالانفصاليين، بدأت أوكرانيا أمس الأول أولى مراحل عملياتها العسكرية لتحرير مطار مدينة كراماتورسك العسكري ومبان حكومية في عدة مدن بإقليم دونيتسك جنوب شرق البلاد.
ومدينة دونيتسك الأوكرانية مدينة صناعية بدأت تطورها الحقيقي في ثلاثينيات القرن الماضي، تدين المدينة بتاريخها للحقبة السوفيتية؛ ولذلك يمكن القول إن عقلية الأغلبية فيها هي العقلية السوفيتية.
يمكنك إذا وقفت لدقيقة واحدة خارج مبنى إدارة المنطقة أن تدرك الهوية التي تحكم المحتجين، فمقابل كل علم روسي أو علم الجمهورية الجديدة، هناك لافتة سوفيتية، وعلى رأس كل ساعة تقريبًا تصدح عبر مكبرات الصوت أغنية كُتبت في أوج المجد السوفيتي عام 1941.
وسيطر محتجون موالون لروسيا على مبان حكومية في 10 بلدات ومدن في محافظات أوكرانيا الشرقية التي هي موطن الصناعات الثقيلة الأوكرانية.
وأعلنت وزارة الدفاع الأوكرانية بعد ساعات قليلة سيطرتها على المطار، قبل أن تتحدث وزارة الداخلية عن اعتقال عدد من الانفصاليين دون أية خسائر في الأرواح، مشيرة إلى أن “عمليات مكافحة الإرهاب” ستستمر في تلك المناطق.
وكانت موسكو ألمحت من قبل إلى أنها ستحمي الأقليات الروسية في المنطقة إذا شنت القوات الأوكرانية عمليات عسكرية في شرق البلاد.
وتفيد تقارير بانتشار آلاف الجنود الروس على طول الحدود مع أوكرانيا، وهو ما يثير المخاوف من اجتياحها البلاد إذا هاجمت السلطات الأوكرانية المحتجين.
وعلى جانب آخر ذكرت الصحافة الروسية – أمس – أن يوليا تيموشينكو أرسلت خطابًا إلى مجلس الشيوخ الأمريكي، تطلب فيه مساعدات عسكرية من أجل بلادها؛ للحفاظ على وحدتها وسلامة أراضيها، فيما أبدت الولايات المتحدة تشككها في احترام روسيا اتفاق جنيف المبرم الخميس في مسعى لتهدئة الأزمة الأوكرانية مجددة تهديداتها ضد موسكو.
واعتبرت مستشارة الأمن القومي “سوزان رايس” أنه يتوجب على موسكو وبأسرع ما يمكن تهدئة الانفصاليين المواليين للروس في شرق أوكرانيا وترك مراقبي منظمة الأمن والتعاون في أوروبا التوجه بدون عوائق إلى منطقة الأزمة.