ترجمة حفصة جودة
يرسل البنك الدولي رسالة مطمئنة لهولاء الذين يخشون من إهمالهم في عصر الأتمتة (الأتمتة مصطلح يُطلق على كل ما يعمل ذاتيًا بشكل آلي دون تدخل البشر)، فعصر الروبوتات ليس شيئًا نخشى منه، إنه مثل جميع الموجات التكنولوجية السابقة، فالثورة الصناعية الرابعة سوف تخلق الوظائف بدلاً من تدميرها، لذا فلا خوف من ظهور البطالة على نطاق واسع.
كذلك ينبغي أن لا نخشى من أن عصر الآلة الجديد سوف يسمح باتساع الفجوة بين الفقر والغنى، ففكرة أن العالم مكانًا أقل مساواة هو مجرد مفهوم وليس أمرًا واقعًا.
والأتمتة وفقًا لتقرير التنمية العالمي للبنك الدولي هي فرصة أكثر منها تهديد، بالتأكيد سوف تختفي بعض الوظائف لكن في المقابل ستظهر بعض الوظائف لتلبية احتياجات مستقبلية لا ندركها الآن، ولأن الأتمتة لا يمكن إيقافها فالحكومات بحاجة لأمرين، أولهما تطوير فكر السكان من خلال الاستثمار في التعليم حتى يحصلوا على المهارات اللازمة لعصر الروبوت، وثانيهما الحد من القيود المفروضة على مجال العمل بالتخلص من قيود وقوانين العمل الضارة، فالحاجة للمزيد من إزالة القيود لمنع الشركات من استخدام الروبوت بدلاً من البشر أصبح موضوعًا مستمرًا.
في جوهر الأمر؛ نقح البنك الدولي نظرية “التدرج” (نظرية اقتصادية تقول إن وضع الفقراء سيتحسن تدريجيًا عندما تزداد ثروة الأغنياء) وكانت مارجريت تاتشر لتسعد بهذا التغيير لو كانت موجودة، يرى البنك أنه ينبغي السماح للشركات الخاصة بالقيام بكل ما تعتبره من مصلحتها الخاصة ويجب على الساسة ألا يتدخلوا في الأمر.
خلقت الموجات السابقة من التغير التكنولوجي توترًا اجتماعيًا عميقًا حتى اضطر صناع السياسة للتدخل
إليكم جزء مما يقوله البنك الدولي: “إن عقود العمل الرسمية ما زالت الطريقة الأكثر شيوعًا التي تقدمها برامج التأمين الاجتماعي لحماية الموظف ومن خلال بعض القوانين مثل الحد الأدني للأجور ومكافأة نهاية الخدمة، لكن تغير طبيعة العمل الذي سببته التكنولوجيا يغير من نمط المطالبة باستحقاقات الموظفين من أصحاب العمل إلى المطالبة باستحقاقات الرعاية الاجتماعية مباشرة من الدولة، هذه التغييرات تطرح أسئلة عن أهمية قوانين العمل الحاليّة”.
لكن نقد التقرير الذي صدر من النقابات العمالية وأصحاب حملات مناهضة الفقر يستحق الثناء، ليس فقط بسبب الهوس الإيدولوجي بإلغاء القيود بل لافتقاره كذلك للوعي التاريخي، فقد خلقت الموجات السابقة من التغير التكنولوجي توترًا اجتماعيًا عميقًا حتى اضطر صناع السياسة للتدخل، هذا يعني أنه يجب فرض المزيد من القيود وليس الحد منها.
في القرن الـ19 كان تطور النقابات العمالية وتوسيع امتيازاتها ومشاركتها للدولة في التعليم والضغط من أجل الإنفاق على تحقيق رفاهية عالية، كلها محاولات لإدخال المساواة في النظام، ورغم مما يقوله التقرير، فمن دون هذه المحاولات لتضمين التغيير التكنولوجي في إطار سياسي يتشارك فوائد النمو الذي تحققه الروبوتات؛ سوف يصبح هناك احتمالية لوقوع مشكلات خطيرة في المستقبل.
لماذا؟ لأنه ليس صحيحًا أن عدم المساواة من نسج الخيال، والدليل الذي قدمه البنك هو تناقص عدم المساواة أو بقاء الوضع على ما هو عليه بين عامي 2007 و2015 في 37 من بين 41 دولة نامية ومتقدمة.
وبغض النظر عن أن هذه الدول لا تشكل سوى 20% فقط من الدول الأعضاء في البنك الدولي، فإن الفترة المختارة هي فترة مهمة للغاية لأنها تبدأ في العام الذي بدأت فيه الأزمة المالية، كما أنه بين عامي 2007 و2009 فقد الأشخاص ذوي الأصول المالية العالية الكثير من أموالهم.
البنك الدولي كان انتقائيًا في استخدامه للإحصاءات لتحقيق هدفه
استُخدمت روسيا كمثال للدول التي تناقصت فيها حصة الأغنياء من الدخل القومي، والبنك الدولي محق في ذلك نوعًا ما، فـ10% من الروس (نسبة الأغنياء) حصلوا على 52% من الكعكة عام 2008 بينما حصلوا على 46% فقط منها عام 2015، ما غفل البنك الدولي عن ذكره هو أن أسعار النفط تراجعت بين عامي 2008 و2015 وهذ لم يكن جيدًا لهؤلاء القلة من الأغنياء.
من الصعب أن نتجنب الاستنتاج الذي يقول إن البنك الدولي كان انتقائيًا في استخدامه للإحصاءات لتحقيق هدفه، فالفكرة بأن عدم المساواة مجرد مفهوم يتعارض مع عمل الآخرين مثل منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي وصندوق النقد الدولي، وتقول مديرة صندوق النقد كريستين لاجارد: “منذ عام 1980 حصل 1% من أغنى الأشخاص في العالم على ضعف الثروة التي حصل عليها 50% من الأشخاص الفقراء”.
كما أن صندوق النقد الدولي لديه مأخذ مختلف في النقاش عن الأتمتة عن هذا الذي تطرحه المنظمة الشقيقة، فقد أصدر ورقة عمل في شهر مايو بعنوان واضح للغاية: “هل يجب أن نخشى ثورة الروبوتات؟ (الإجابة الصحيحة نعم)”.
حصة العمال من الدخل القومي سوف تتناقص بينما تزداد عدم المساواة
خلص المؤلفون إلى أن الثورة التكنولوجية الحاليّة مختلفة عن سابقيها، فالروبوتات ستصبح قادرة على أداء مجموعة من الأعمال التي هي حتى اليوم حكرًا على البشر، وسوف تؤديها بسرعة أكبر وتكلفة أقل، ويقول الصندوق: “سوف يزداد الإنتاج لكن ستقل الأجور وسوف يحصل أصحاب الروبوتات على المكسب وليس العمال، إن نتاجئنا الرئيسية قوية بشكل مدهش: الأتمتة جيدة للنوم وسيئة للمساواة”.
ولا يعتقد صندوق النقد الدولي أن الاستثمار في رأس المال البشري سيكون رصاصة سحرية توجه لمسيرة الروبوتات، فالتعليم هو طريقة لتحويل الموظفين من غير المهرة إلى مهرة مما سيعزز الطلب على الموظفين غير المهرة.
يقول الصندوق: “لكن هل يعوض ذلك الخفض الكبير والحقيقي في أجور العمال غير المهرة وانخفاض إجمالي حصة دخل العمال بتكلفة مقبولة؟ وإذا كانت الإجابة نعم، فكم تستغرق الأجور من الوقت لترتفع عند هؤلاء الذين ما زالوا غير مهرة؟”.
يرى الصندوق أنه في النهاية فإن النمو الأقوى يُترجم إلى أجور أعلى، لكن رغم ذلك فإن حصة العمال من الدخل القومي سوف تتناقص بينما تزداد عدم المساواة، وتذكرنا كلمة “في النهاية” بجملة الاقتصادي جون كينز بأننا سنموت جميعًا في النهاية، لكن صندوق النقد يقصد بها بعد 50 عامًا، ونظرًا للمزاج الغاضب الحاليّ فلن ينتظر الناخبون كل هذا الوقت.
المصدر: الغارديان