عرف التدخل الإماراتي في ليبيا منذ سقوط نظام معمر القذافي في فبراير/شباط 2011 تصاعدًا مطردًا، خاصة بعد ظهور اللواء المتقاعد خليفة حفتر على الساحة في مايو/أيار 2014، حينها توضّح الدور الإماراتي “الخبيث” أكثر في البلاد، وانحيازها الواضح لأحد أطراف الصراع في ليبيا، ضمن الاتجاه العام للسلطات الإماراتية بدعم موجة الثورات المضادة للربيع العربي.
ساهمت الإمارات في تفكيك ليبيا سياسيًا وعسكريًا وها هي الآن اقتصاديًا، من خلال نهب النفط الليبي الذي يمثل عماد الاقتصاد الوطني، بمعية حليفهم هناك خليفة حفتر الذي لا يتوانى عن فعل أي شيء يضر بمصلحة بلاده ويصب في مصلحته الخاصة، وفقًا لعدد من الليبيين.
المطالبة الليبية بالردع
بعد أن كان الحديث عن تورط دولة الإمارات العربية المتحدة في سرقة نفط ليبيا مجرد تخمينات، أثبت السلطات الليبية مؤخرًا هذه التوجهات، حيث طالب رئيس المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا مصطفى صنع الله حكومة الإمارات باتخاذ إجراءات رادعة تجاه الشركات المسجلة أو الأشخاص المقيمين في الإمارات ممن وصفهم بالمتورطين في محاولات سرقة النفط الليبي.
جاءت هذه المطالبة خلال لقاء بين صنع الله ووزير الدولة الإماراتي سلطان أحمد الجابر الذي يشغل أيضًا منصب المدير التنفيذي لشركة “بترول أبو ظبي الوطنية”، المعروفة اختصارًا بـ”أدنوك”، على هامش مؤتمر دولي للنفط والمال في لندن.
رئيس المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا: نهب النفط الليبي يتم عن طريق إبرام عقود غير قانونية مع مؤسسة النفط الموازية غير المعترف بها دوليًا الموجودة في الشرق الليبي
تعد حقول النفط أحد أهم بؤر الصراع بين الفصائل المتنازعة في ليبيا منذ الإطاحة بمعمر القذافي في 2011، والأطراف الخارجية التي تدعمها، ويعتبر النفط مصدر الدخل الأساسي للبلاد الذي مثل قبل اندلاع الثورة الليبية 95% من عائدات الصادرات الليبية.
وتمثل منطقة الهلال النفطي – التي تضم عدة مدن بين بنغازي وسرت (سرت 500 كيلومتر شرق العاصمة، كما أنها تتوسط المسافة بين بنغازي وطرابلس) – المخزون الأكبر من النفط، كما تعتبر موانئ السدرة ورأس لانوف والبريقة الأكبر في ليبيا، وتصدر منطقة الهلال النفطي بليبيا نحو 800 ألف برميل يوميًا من نحو 1.5 مليون برميل يوميًا تصدرها في الأوقات الطبيعية.
عقود غير قانونية مع مؤسسة النفط الموازية
نهب النفط الليبي يتم عن طريق إبرام عقود غير قانونية مع مؤسسة النفط الموازية غير المعترف بها دوليًا الموجودة في الشرق الليبي، وفقًا لرئيس المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا مصطفى صنع الله، أو مع جهات غير مصرح لها، للتعاقد على النفط الخام بطريقة غير شرعية تتعارض مع قرارات مجلس الأمن الدولي.
وسبق أن حذرت المؤسسة الوطنية للنفط الليبية من إبرام أي عقود لشراء النفط مع مؤسسات غير تلك التابعة لحكومة الوفاق والمعترف بها دوليًا، واعتبر صنع الله أن هناك مؤسسة وطنية شرعية واحدة للنفط معترفًا بها لدى منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك)، ومن المجتمع الدولي، كما تعتبر الصادرات من المؤسسات الموازية غير قانونية وستفشل كما فشلت في الماضي، كما أن قرارات مجلس الأمن واضحة جدًا.
طالب رئيس المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا مصطفى صنع الله حكومة الإمارات باتخاذ إجراءات رادعة تجاه الشركات المسجلة أو الأشخاص المقيمين في الإمارات ممن وصفهم بالمتورطين في محاولات سرقة النفط الليبي
يمثل النفط عماد الاقتصاد الليبي
تختص المؤسسة الوطنية للنفط بمراقبة عمليات الإنتاج والتصدير للتأكد من موافقتها القواعد والضوابط المقررة، إضافة إلى المتابعة والتفتيش عن عمليات قياس الإنتاج من النفط والغاز والمنتجات النفطية الأخرى وقياسات الكميات المصدرة للخارج، غير أنه توجد مؤسسة موازية لها تعمل من مدينة البيضاء.
وتقول مصادر ليبية إن المسؤولين في دولة الإمارات كانوا وراء قرار حكومة عبد الله الثني التابعة للبرلمان في طبرق، القاضي بإنشاء مؤسسة النفط الموازية في بنغازي والأمر بالبدء في إنتاج وتصدير النفط سنة 2015.
وخلال معركة الهلال النفطي الأخيرة، التي سيطر خلالها حفتر على الموانئ والمنشآت النفطية وخطوط نقل النفط الموجودة في المنطقة، وأمر بتسليمها إلى المؤسسة الوطنية للنفط التابعة لحكومة طبرق المنبثقة عن مجلس النواب في ليبيا (مؤسسة موازية للمؤسسة الرسمية في طرابلس)، لعبت الإمارات دورًا كبيرًا، فقد شاركت في التحضير لها بشكل كبير على صعيد السلاح والتمويل أيضًا للحصول على ما تريد.
الإمارات تستعين بعملائها في الشرق
تعمل الإمارات على الاستحواذ على قرار تصدير وإنتاج النفط عبر عملائها شرق البلاد، خاصة حفتر الذي يستثمر في ورقة النفط للسيطرة على مصير البلاد، فالنفط يعني السيطرة على البنك المركزي ومواقف حكومة الوفاق، فلا موارد للبلاد غير النفط.
الناشط السياسي الليبي فرج المجبري لنون بوست: “الداعم والمساند الأساسي للإمارات وأعمالها في البلاد هو اللواء المتقاعد خليفة حفتر وبعض النواب المسلوبين الإرادة الذين يمثلون بيادق لدى حفتر”
وتعتبر هذه المحاولات الإماراتية تحديًا صريحًا لقرارات مجلس الأمن الدولي، فبعد أن انتهكت قرار حظر الأسلحة، ها هي الآن تنتهك قرار المجلس رقم 2362 الذي أدان المحاولات غير القانونية لتصدير النفط من ليبيا، بما في ذلك النفط الخام والمنتجات النفطية المكررة، من المؤسسات الموازية التي لا تعمل تحت سلطة حكومة الوفاق الوطني.
يقول الناشط المدني الليبي محمود إدريس العوامي، في هذا الشأن لنون بوست: “الدور الداخلي البارز في طرح البساط الأحمر للعبث الإماراتي في ليبيا هو الكيان المتمثل في الميليشيات المسلحة التي يقودها اللواء المتقاعد خليفة حفتر، حيث مهد بقواته الخارجة عن القانون الطريق أمام دولة الإمارات لنهب خيرات ليبيا والسيطرة على مقدرات الشعب”.
يعمل حفتر بهذه التحركات على تعقيد المشهد السياسي والأمني في ليبيا، لتبديد الآمال التي صاحبت التحركات والمبادرات التي طرحتها الأمم المتحدة ودول الجوار الإقليمي بهدف التوصل لاتفاق بين الأطراف المتصارعة في ليبيا، وآخرها خريطة الطريق التي يتبناها المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة.
ويؤكد الناشط السياسي الليبي فرج المجبري هذا الرأي، حيث يقول في تصريح لنون بوست إن “الداعم والمساند الأساسي للإمارات وأعمالها في البلاد هو اللواء المتقاعد خليفة حفتر وبعض النواب المسلوبين الإرادة الذين يمثلون بيادق لدى حفتر”.
وأكد المجبري رفض الليبيين لهذا التدخل الإماراتي في بلادهم، ذلك أن سيادة الدولة هي الشغل الشاغل لديهم، وإن تعذر عليهم المحافظة عليها نتيجة الفوضى والفراغ الذي خلفته الأجسام السياسية التي لم توفق في إدارة المرحلة بالصورة التي تتماشى مع مشروع التغيير الذي نادت به ثورة فبراير.
تفاقم الأزمة الإنسانية
من شأن تواصل نهب النفط الليبي أن يفاقم الأزمة الإنسانية التي تعيشها ليبيا، فسرقة النفط تسبب ضررًا بالغًا لاقتصاد ليبيا مما يزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية ويقوض استقرارها الأوسع، فاقتصاد البلاد يقوم في جزء كبير منه على تجارة النفط، ما جعله رهينة الاستقرار في مناطق الإنتاج والبيع، فأي خلل سيكون أثره مباشرًا ووخيمًا على الاقتصاد “المريض” أصلًا.
ويعتبر معظم الليبيين أن الممارسات اللاإنسانية المختلفة لدولة الإمارات ضد الأهالي وخرقها للسيادة الوطنية بتدخلها في الشؤون الداخلية، يعد جريمة من جرائم الحرب بموجب اتفاقية جنيف الرابعة، وخرقًا فاضحًا لجميع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية الخاصة، وانتهاكًا صريحًا للأعراف الدولية والإنسانية كافة.
تراجع القدرة الشرائية لدى الليبيين
تركت سرقة نفط ليبيا من ميليشيات الداخل والخارج آثارها على الحياة المعيشية لليبيين، من ارتفاع أسعار السلع الأساسية وغياب السيولة وضعف الخدمات الأساسية وزيادة معدلات الفقر وهبوط القدرة الشرائية للدينار الليبي، الأمر الذي تعانيه شرائح واسعة من شعب يتجاوز تعداده 6 ملايين نسمة، بينهم مليون من الموظفين.
إلى جانب ذلك، أدت هذه العمليات المتكررة إلى حرمان السلطات الليبية من موارد النفط الأصلية ما أدى إلى تفاقم الدين العام، حيث بلغ بنهاية الربع الأول من العام الحاليّ 2018، حسب بيانات مصرف ليبيا المركزي، نحو 100 مليار دينار (74.7 مليار دولار)، مقابل 72 مليار دينار (53.8 مليار دولار) في نهاية ديسمبر 2017، وهو ما يهدد بتفاقم الدين العام وتقلص فرص تعافي الاقتصاد في المستقبل.
غضب ليبي
يستنكر معظم الليبيين التدخل الإماراتي في بلادهم، ويقول الناشط المدني الليبي محمود إدريس العوامي في هذا الشأن أن “الليبيين في العموم يرون أن دولة الإمارات كانت بمعنى الكلمة بمثابة الكارثة الحقيقية على ليبيا وشعبها انطلاقًا من أكتوبر/تشرين الأول 2014 وحتى يومنا هذا”.
ويضيف إدريس العوامي في حديثه لنون بوست “شاركت الإمارات بعلاقاتها وقواتها العسكرية واللوجستية ودعمها المادي والتوجيهي بل وطائراتها وأفرادها على الأرض في تدمير المباني والمدارس والمصارف والجامعات والملاعب وحتى المساجد على رؤوس المصلين، ناهيك عن العدد المهول من القتلى والجرحى الذين كانت سببًا في مقتلهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة”.
وأوضح الناشط المدني الليبي “الإمارات ضليعة بشكل مباشر في نهب ثروات الشعب الليبي المتمثلة في النفط الليبي ومكملاته، حيث دعمت الميليشيات والعصابات المسلحة هنا وهناك من أجل توطيد سرقاتها الكبرى لقوت الشعب الليبي المتمثل في النفط”.
أصبح “شراء الذمم والضمائر” أحد محددات السياسة الخارجية الإماراتية في تعاملها مع باقي الدول حتى تسهل تنفيذ أجنداتها
“ليس هذا فقط”، يتابع العوامي “الإمارات استعانت أيضًا بالمجرمين والقتلة والعصابات الداخلية والخارجية والمطلوبين جنائيًا من أنصار النظام السابق من أجل تنفيذ أجنداتها الخاصة، من نهب النفط الليبي والعمل على عدم الاستقرار لصناعة الجو الملائم لأجنداتهم، وخلق الفوضى في كل المناطق الليبية أو غالبيتها، وإثارة النعرات القبلية وإذكائها بالمال الفاسد، فضلاً عن احتواء المسؤولين الفاسدين من خلال الرشاوى والإسقاط في فخاخ الرذيلة وما شابه ذلك”.
ويخشى الليبيون تواصل التدخل الإماراتي في بلادهم، ما من شأنه أن يساهم في تغيير موازين القوى لصالح أقلية تفرض رؤاها بالقوة على الليبيين، وتساهم في المزيد من تأزيم الوضع في البلاد ويؤدي إلى صعوبة التعايش بين أبناء البلاد وجهاته المختلفة.
إضافة إلى الدعم السياسي والعسكري الذي يتلقاه داعمو الثورة المضادة في ليبيا من الإمارات، استحدث أبناء زايد أساليب جديدة واستخدموا أسلحة غير مألوفة لدى معظم العرب، على رأسها “شراء الذمم والضمائر” التي باتت أحد محددات السياسة الخارجية الإماراتية في تعاملها مع باقي الدول حتى تسهل تنفيذ أجنداتها.