أصدر مركز الجزيرة للدراسات ورقة تتناول السيناريوهات المتعلقة باستحقاق الانتخابات الرئاسية القادمة في تركيا في شهر أغسطس/ آب القادم، وأهمها: سيناريو تبادل الأدوار والمواقع بين كل من رئيس الجمهورية “عبدالله غول” ورئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، وسيناريو بقاء الستاتيكو الحالي، وسيناريو الخلاف بين الرجلين.
وتتطرق الورقة إلى مستقبل أردوغان السياسي وجملة من المعطيات المرتبطة بطبيعة النظام السياسي والشخصيات التي ستحتل موقع رئاسة الوزراء ورئاسة حزب العدالة والتنمية تبعًا لكل سيناريو، وهي أمور من المنتظر أن تصبح جلية على ضوء الاجتماع المرتقب بين كل من رئيس الجمهورية عبدالله غول ورئيس الوزراء رجب طيب أردوغان خلال شهر على أبعد تقدير، كما تبحث الورقة أيضًا في متطلبات كل سيناريو من السيناريوهات الثلاثة المطروحة، بالإضافة إلى انعكاسات كل منها على طبيعة النظام السياسي في البلاد وعلى تماسك حزب العدالة والتنمية في المرحلة القادمة.
وعلى الرغم من أن حزب العدالة والتنمية تفوق على خصومه بفارق كبير في الانتخابات البلدية الأخيرة، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة أن المعركة الرئاسية ستكون على نفس الشاكلة؛ إذ من المنتظر أن تكون أكثر صعوبة نظرًا لاختلاف المعطيات والتي تتطلب أن يحصل أي مرشح يود الفوز على أكثر من 50% من الأصوات وهو أمر ليس بالسهل خاصةً في ظل الاستقطاب السياسي والاجتماعي الحاصل في المجتمع التركي.
وتقول الورقة أنه من المغالطات الشائعة حاليًا أن أردوغان قد حسم أمره وأنه قرر الترشح لمنصب رئيس الجمهورية في أغسطس/آب القادم مدفوعًا بالنتائج التاريخية التي حققها حزبه في الانتخابات البلدية. نعم، هذا وارد لكنه ليس قطعيًا كما كان في السابق، وحتى كتابة هذه الورقة لم يتخذ أردوغان قراره النهائي بشأن الاستحقاق القادم، ومن المنتظر أن يتم البت فيه خلال اجتماع مرتقب بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة خلال فترة شهر حيث سيتضح بعد هذا الاجتماع التوجهات المنتظرة لكل منهما. وحتى ذلك الوقت؛ فإن السيناريوهات مفتوحة على كافة الاحتمالات، وأبرزها:
1- سيناريو تبديل الأدوار
في العام 2007، أُجري تعديل دستوري على القوانين المتعلقة بانتخاب رئيس الجمهورية ضمن حزمة قوانين أخرى؛ فبعد أن كان يتم انتخابه من قبل البرلمان ولمدة سبع سنوات، أصبح يتم انتخابه -بموجب التعديل- من قِبل الشعب مباشرة لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة.
وعلى الرغم من أن حزب العدالة والتنمية تفوق على خصومه بفارق كبير في الانتخابات البلدية الأخيرة، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة أن المعركة الرئاسية ستكون على نفس الشاكلة؛ إذ من المنتظر أن تكون أكثر صعوبة نظرًا لاختلاف المعطيات والتي تتطلب أن يحصل أي مرشح يود الفوز على أكثر من 50% من الأصوات.
وفي هذا السياق، وبالرغم من كونه الرجل الأقوى في البلاد؛ فإن نتائج ترشح أردوغان لمنصب الرئاسة قد لا تكون مضمونة على الإطلاق. ولو أخذنا الأصوات التي تذهب إلى حزب العدالة والتنمية كمعيار ونظرنا إلى الجدول أدناه، سنرى أن الحزب لم يستطع أن يخترق في أي من الانتخابات حاجز الـ50% على الإطلاق.
هذا يعني أن قاعدة حزب العدالة والتنمية الشعبية التي ستصوت لأردوغان عند ترشحه للرئاسة لن تكون كافية لضمان فوزه من الدورة الأولى، وهو ما يعني أيضًا أنه لابد له وأن يحصل على أصوات أخرى لضمان الفوز من الدور الأول وإلا فإنه يخاطر بخسارة مستقبله السياسي أو ربما يصل من خلال الدور الثاني وبأضرار سياسية ومعنوية كبيرة.
وبالعودة إلى التجربة التاريخية، فإن الحالتين اللتين تم فيهما تسجيل نسبة تفوق الـ50%، هما: الاستفتاء الدستوري للعام 2007 وكانت نتيجته حوالي 68%، والاستفتاء الدستوري عام 2010 وكانت نتيجته حوالي 57%، وفي كلتا الحالتين بدا واضحًا أن الغالبية الساحقة من المنطقة الكردية صوّتت بنعم.
وبغض النظر عن ماهية أي اتفاق في هذا السياق بين أردوغان والأكراد، فإن مجرد حصول ذلك الاتفاق سيستفز القوميين للتصويت ضد أردوغان وهو ما من شأنه أن يقوي من حظوظ أي مرشح منافس لأردوغان خاصة إذا حصل نوع من التحالف بين المعارضة التركية والاتفاق على مرشح واحد، وهي السياسة التي أثبتت أنها تشكّل خطرًا على حزب العدالة والتنمية عندما تم تطبيقها في بعض الأماكن كأنقرة على سبيل المثال.
على العموم، فإذا ما نجح سيناريو التبادل في المواقع بين الرجلين، يجب علينا أن نأخذ بعين الاعتبار أن معضلة قانونية وعملية ستطفو على السطح ألا وهي كيفية التوفيق بين شرعية موقع رئيس الجمهورية المنتخب بأكثر من 50% من الأصوات الشعبية بشكل مباشر، وبين موقع رئيس الحكومة الذي يتمتع بصلاحيات تنفيذية واسعة خاصة أن موضوع التحول إلى النظام الرئاسي كان قد أُقفل بعد مظاهرات ميدان تقسيم العام الماضي، ومن الصعب إعادة طرحه خلال أشهر مع الاستقطاب الاجتماعي ونهاية ولاية البرلمان، إلا إذا كان الهدف إعادة مناقشته بعد الانتخابات البرلمانية عام 2015 فيمكن طرحه حينها.
2- سيناريو بقاء الوضع الحالي
في مواجهة السيناريو السابق هناك سيناريو آخر أقل تعقيدًا من ناحية الاحتمالات وأكثر وضوحًا من ناحية المخرجات، وهو فوري وآمن ومضمون النتائج، ويقتضي استمرار رئيس الحكومة في منصبه واستمرار رئيس الجمهورية في منصبه أيضًا.
فأما رئيس الجمهورية عبدالله غول، فهو يستطيع إعادة الترشح لمنصب الرئاسة بعد انتهاء دورته الحالية وذلك اعتمادًا على التعديلات الدستورية التي جرت في العام 2007، ولا يوجد من ينافسه شعبيًا خاصة أنه قادر على استقطاب أصوات قاعدة حزب العدالة والتنمية بالإضافة إلى أصوات من اتجاهات مختلفة ترى فيه شخصية معتدلة ومناسبة لتمثل تركيا ككل.
وأما رئيس الحكومة، فهو سيكون بحاجة إلى تعديل المادة 132 من القانون الداخلي لحزب العدالة والتنمية والتي تنص على أنه لا يحق لأي نائب أن يمارس مهامه في أي من المواقع الرسمية لأكثر من ثلاث دورات متتالية، علمًا بأن تعديل هذه المادة من القانون الداخلي يمكن إجراؤه بسهولة من قبل الأمانة العامة للحزب.
وفي ظل هذا السيناريو سيتم المحافظة على الستاتيكو العام للنظام السياسي التركي ودور كل من أردوغان وغول في هذا النظام السياسي. كما سيحفظ هذا السيناريو تماسك حزب العدالة والتنمية قبل الدخول إلى الانتخابات النيابية القادمة، والخط العام للسياسة التركية.
3- سيناريو ثالث
بالإضافة إلى السيناريو الأول والثاني، هناك سيناريو ثالث ضعيف ولكنه يبقى محتملاً من الناحية النظرية، ومن الممكن أن يصبح الأكثر ترجيحًا حال اختلاف كل من عبدالله غول مع أردوغان في الاتفاق على التوجه القادم خلال اللقاء المنتظر بينهما. وفقًا لهذا السيناريو فإن أردوغان يترشح للرئاسة ولكنه يضع رجلاً من دائرته الضيقة في رئاسة الوزراء بدلاً من غول؛ ما سيؤدي إلى وضع غول خارج المعادلة السياسية حتى الانتخابات البرلمانية عام 2015؛ وهو ما لا يحبذه الأخير؛ وهو الأمر الذي إن حصل قد يكون له تداعيات سلبية كبرى على حزب العدالة والتنمية.
ما سيحسم الأمر بخصوص التوجه نحو أي من السيناريوهات المذكورة أعلاه هو الاجتماع المنتظر بين الرجلين خلال فترة شهر؛ حيث ستتم مناقشة الاستراتيجية القادمة ويُبنى على الشيء مقتضاه.