بعد مطالبات عدة من المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن للإطاحة بالدكتور أحمد عبيد بن دغر من رئاسة الحكومة اليمنية ورفض هادي ذلك تكرارًا، أخيرًا أنصاع إلى تلك المطالب وأصدر يوم الإثنين 15 من أكتوبر/تشرين الأول 2018 قرارًا جمهوريًا رقم 180 يعفي فيه رئيس الوزراء اليمني أحمد عبيد بن دغر ويحليه إلى التحقيق، ويعين بدلًا منه وزير الأشغال ودكتور الفلسفة المعمارية معين عبد الملك سعيد خلفًا له.
ديباجة القرار حمّلت رئيس مجلس الوزراء اليمني المقال الإهمال الذي رافق أداء الحكومة خلال الفترة الماضية في المجالات الاقتصادية والخدمية، وتعثر الأداء الحكومي في تخفيف معاناة أبناء شعبنا وحلحلة مشكلاته وتوفير احتياجاته، وعدم قدرتها على اتخاذ إجراءات حقيقية لوقف التدهور الاقتصادي في البلد وخصوصًا انهيار العملة المحلية، وفشلها في اتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة كارثة إعصار لبان بمحافظة المهرة، وما أصاب أبناء المهرة جراء هذه الكارثة دون تحرك فعلي من الحكومة وتحقيق ما يصبو إليه شعبنا من استعادة الدولة واستتباب الأمن والاستقرار، وللمصلحة الوطنية العليا للبلاد.
قرار قاس بحق الدكتور أحمد عبيد بن دغر الذي كان له العديد من المواقف خلال الفترة الماضية، منها رفضه لتحركات المجلس الانتقالي في عدن والعمل على تضييق الخناق على أنشطتهم التوسعية المعادية للجمهورية اليمنية، فضلًا عن موقفه الشهير من أزمة سقطرى بين الحكومة اليمنية والإمارات العربية المتحدة التي اندلعت في مايو/أيار من العام الحاليّ 2018، وهو ما يبدو أن قرار الإعفاء كان مطلبًا في إطار تسوية مؤقتة وهو ما سيتم الإشارة إليه في هذا الموضوع.
جاء قرار الرئيس اليمني بمثابة القضاء على المستقبل السياسي والحزبي للدكتور أحمد عبيد بن دغر حينما أعلن في قرار إعفائه من منصبه إحالته إلى التحقيق، وهو ما قد ينعكس ضده مستقبلًا، لا سيما أن الرجل كان يعمل من أجل الحصول على مقعد متقدم في حزب المؤتمر الشعبي العام في ظل التحركات لقياداته في الوقت الحاليّ لإيجاد رئيس توافقي، بعد رحيل مؤسسه الرئيس السابق لليمن علي عبد الله صالح الذي ترك فراغًا كبيرًا في الحزب المهدد بالانقراض.
تعد المرة الأولى في تاريخ اليمن الحديث التي يتم فيها تعيين شاب في أوائل الأربعينيات من عمره
وقبل القراءة التحليلية لهذا القرار ومآلاته السياسية، لا بد من الاطلاع سريعًا على السيرة الذاتية لرئيس الوزراء الجديد المعين معين عبد الملك، لتشخيص القرار الرئاسي في الوقت الحاليّ الذي ينشط فيه المبعوث الأممي مارتن غريفيث محاولة منه اختراق جدار الأزمة السياسية في اليمن.
من رئيس الحكومة الجديد؟
تعد المرة الأولى في تاريخ اليمن الحديث التي يتم فيها تعيين شاب في أوائل الأربعينيات من عمره، وللمرة الأولى شاب يتمتع بعلاقة وطيدة مع حزب التجمع اليمني للإصلاح والسفير السعودي في اليمن محمد آل جابر، وللمرة الأولى منذ تحقيق الوحدة اليمنية تعيين رئيس للحكومة اليمنية من محافظة تعز وسط اليمن.
ولد معين عبد الملك سعيد الصبري في محافظة تعز، وهو ابن سفير يمني سابق في قطر، حاصل على شهادة الدكتوراة في فلسفة العمارة الإسلامية من القاهرة، ويقيم حاليًّا في عاصمة اليمن المؤقتة عدن، بعد تعيينه في العام 2017 وزيرًا للأشغال العامة والطرق.
كان يعمل أستاذًا مساعدًا في كلية الهندسة جامعة ذمار شمال اليمن، إلا أنه أصبح واحدًا من أعضاء “مؤتمر الحوار الوطني” المنعقد بين عامي 2013 و2014، كأحد قادة الثورة اليمنية المستقلين التي أطاحت بنظام حكم الرئيس الراحل علي عبد الله صالح في 2011، وكان له دور بارز في صياغة وثيقة مطالب شباب الثورة اليمنية.
علامات استفهام
القرار الرئاسي، ورغم أنه جاء في الديباجة الخاصة به أن الرئيس اليمني اطلع على دستور الجمهورية اليمنية، لكن المادة 131 والخاصة بتعيين رئيس وزراء تشدد على ألا يقل عمره عن 40 عامًا، وهو ما يعني أن رئيس الجمهورية خالف الدستور بهذا التعيين، ويشير إلى علامات استفهام عدة؛ إن كان الرئيس اليمني بذاته مطلع على دستور الجمهورية اليمنية أم أن هذا القرار جاء بتوصية سعودية، لا سيما أن الرجل صديق مقرب من السفير السعودي في اليمن محمد آل جابر.
الدكتور أحمد عبيد بن دغر كان كبش فداء قدمه الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي قربانًا لضغوط المجلس الانتقالي الذي حدد الـ14 من أكتوبر/تشرين الأول الحاليّ موعدًا لانفصال الجزء الجنوبي لليمن عن الوطن الأم وإعلانه دولة مستقلة
وتنص المادة 131 من دستور الجمهورية اليمنية على: “يجب أن تتوفر في رئيس الوزراء ونوابه والوزراء الشروط الواجب توافرها في عضو مجلس النواب، مع مراعاة أن لا تقل سن أي منهم عن 30 سنة، باستثناء رئيس الوزراء الذي يجب أن لا يقل سنه عن 40 سنة”.
قراءة في القرار
لقرار الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي القاضي بإقالة رئيس الحكومة اليمنية وإحالته إلى التحقيق العديد من السيناريوهات، بعضها متعلق بالأزمة اليمنية بشكل كامل، والآخر يتعلق بقضية المجلس الانتقالي الذي يهدد بين الفينة والأخرى بإعلان الانفصال، والأخير من السيناريوهات القريبة للحقيقة.
يبدو أن الدكتور أحمد عبيد بن دغر كان كبش فداء قدمه الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي قربانًا لضغوط المجلس الانتقالي الذي حدد الـ14 من أكتوبر/تشرين الأول الحاليّ موعدًا لانفصال الجزء الجنوبي لليمن عن الوطن الأم وإعلانه دولة مستقلة، وهو ما تراجع عنه المجلس المذكور آنفًا وفقًا لوساطة سعودية.
وهو ما يعني أن الرئيس هادي أبرم صفقة طرفها المجلس الانتقالي وتدخل سعودي لاحتواء تحركات الانفصاليين في الجنوب، الذي انتهى بتسوية الإطاحة بابن دغر وتحميله كل إخفاقات المرحلة السابقة، واختيار الوزير عبد الملك معين المقرب من سفير السعودية في اليمن لا يخدم أي حلحلة كما جاء في بيان إقالة بن دغر وفقًا لمحللين ومتابعين للشأن اليمني، لا سيما لأسباب عديدة أهمها إخفاق الوزير المعين بعمله السابق كوزير للأشغال.
معين عبد الملك كان كثير الترحال والسفر مع السفير السعودي في اليمن وهو مقرب جدًا منه
وعند التمعن لما حققه معين عبد الملك منذ تعيينه وزيرًا للأشغال العامة في 2017، فالرجل لم يحقق أي شيء وانشغل من بعد قرار التعيين في تكوين علاقات واسعة مع أطراف خليجية عدة.
يموت العشرات إن لم نقل المئات من المغتربين في طريق الوديعة العبر (الطريق الدولي بين اليمن والسعودية) بسبب تهالك الطريق الذي يمر منه ملايين اليمنيين، ومعين عبد الملك يعلم أن إيرادات منفذ الوديعة مليارات الريالات ولكنه لم يستطع ولم يفكر بترميم الطريق وإيقاف حرب الاستنزاف التي يتعرض لها المغتربون اليمنيون العائدون أو المغادرون من وإلى اليمن.
وفيما يتعلق بالأزمة اليمنية بشكل عام، جاء قرار الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بتعيين معين عبد الملك رئيسًا لمجلس الوزراء في الوقت الذي تسربت فيه معلومات عن مباحثات كبيرة يقودها المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث لإقناع أطراف الأزمة اليمنية بالجلوس على طاولة الحوار واختيار الحل السياسي والرضوخ للأمر الواقع الذي يجب فيه الاعتراف بالحوثي الموالية لإيران كقوة عسكرية، مع الاعتراف بسلطة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي والعودة إلى العمل باتفاقية السلم والشراكة الموقعة بين الحوثيين والرئيس عبد ربه منصور هادي في سبتمبر/أيلول 2014 بالعاصمة اليمنية صنعاء.
تقول المعلومات وفقًا لمصدرين قبلي وآخر دبلوماسي يفضلان عدم الإفصاح عن نفسهما، إن هناك محادثات جارية في لندن، وتم الوصول إلى مراحل متقدمة لإيجاد صيغة مشتركة مرضية لجميع الإطراف تكون مقدمة نحو الحل السياسي الشامل.
من ضمن الاتفاق الذي توصل إليه المجتمعون في لندن وفقًا للمصدرين، فإنه سيتم تعيين جلال الرويشان – وزير الداخلية في اليمن بحكومة خالد بحاح الذي كان أول من أعلن الانصياع لسلطة الحوثيين الجديدة التي اقتحمت العاصمة اليمنية صنعاء في 21 من سبتمبر/أيلول 2014 – نائبًا للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بدلًا من علي محسن الأحمر، بعدها يتم نقل صلاحيات الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي إلى نائبه في إطار عملية التسوية السياسية.
سيصبح الحوثيون بعد التسوية السياسية – إن تمت بالفعل – غير الحوثيين في أثناء الحرب أو قبلها، بل سيتحولون بفضل الانتشاء إلى أسود تفترس كل معارضيها
يبدو أن قرار الرئيس اليمني بتعيين رئيس مجلس الوزراء الجديد يتناسب مع هذه الرواية، لكون معين عبد الملك أحد قادة ثورة الشباب في اليمن في 2011، وهو من أوائل من دعوا إلى التعايش السلمي مع الحوثيين ومنحهم فرصة للمشاركة في حكم البلاد، وهذا ما يقودنا إلى تساؤل آخر، هل السعودية والتحالف العربي سيعلنون فعلًا الهزيمة عبر تسوية سياسية؟
من يقرأ الموضوع قد يستغرب كيف يكون الحل السياسي هزيمة للتحالف العربي في اليمن، والحقيقة نعم أن الحل السياسي بصيغته الحاليّة هو خسارة للتحالف العربي في اليمن، وانتصار لإيران ومشروعها في المنطقة تنفيذًا لخطط استكمال “الهلال الشيعي”، بمعنى أن الحل السياسي يدعو إلى الإبقاء على الوضع كما هو عليه، وأن يكون للحوثيين مشاركة في السلطة كجزء رئيسي، مع إشراك الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي فيها والاعتراف به كجزء من تسوية سياسية، لكن لا تسليم للدولة أسلحتها التي تم نهبها من جماعة الحوثيين ولا الانسحاب من الوزارات ولا تغيير للقرارات التي أصدروها، وهو ما يعني أن اليمن بات على وشك التحول من نظام جمهوري إلى نظام إيراني جديد يتحكم فيه المرشد أو المرجع الذي يتحكم في كل القرارات.
سيصبح الحوثيون بعد التسوية السياسية – إن تمت بالفعل – غير الحوثيين في أثناء الحرب أو قبلها، بل سيتحولون بفضل الانتشاء إلى أسود تفترس كل معارضيها وتنتقم من كل منتقديها وستحول اليمن إلى سجن كبير لليمنيين، ومن ثم يتحول المذهب السني إلى شيعي تحت الترهيب والترغيب والتنكيل.
حينها ستكون المملكة العربية السعودية الخاسر الأكبر من هذه التسوية، فهي لم تطل بلح الشام ولا عنب اليمن، فالميليشيات الشيعية يحيطون بها من كل جانب، وسيصبح حكمها مهددًا، ربما بعد أن تتمكن إيران من توطين ذاتها في اليمن بعد العراق ستفتح نفق مظلم آخر للسعودية، وربما قد تتغلغل إلى داخلها وتثير هناك أزمة كما بدأت في العراق واختتمتها في اليمن.
حتى لا يصل الأمر إلى هذا السيناريو المرعب وتغيير الهوية الديموجرافية لليمن وأبنائه، فلا بد أولًا أن تتحرك المنظمات الإنسانية وخصوصًا مركز الملك سلمان بن عبد العزيز والهلال الأحمر الإماراتي لرفد اليمنيين بمؤن الغذاء، واختيار مجموعة عمل مصغرة لإدارة الحكومة مهمتها إنقاذ الاقتصاد اليمني وإيصال المساعدات الإنسانية إلى اليمنيين المحتاجين لها، وفي نفس الوقت يستمر الضغط العسكري على الحوثيين وانتزاع مناطق كثيرة يسيطرون عليها وإجبارهم على أن يخضعوا للتسوية السياسية وفقًا لقرار مجلس الأمن وشروط الرئيس اليمني، أما دون ذلك فإن إيران ستخصص يوم الوصول إلى تسوية سياسية بين التحالف والحوثيين يومًا وطنيًا لها.