ترجمة وتحرير: نون بوست
في الوقت الراهن، وبعد تعيين مجلس الشيوخ أخيرا مساعدا لوزير الخارجية لشؤون أفريقيا، وتعيين مدير جديد لقسم أفريقيا في المجلس الأمن القومي التابع للرئيس، دونالد ترامب، فقد حان الوقت كي تُدخل الولايات المتحدة تعديلات على سياساتها في المنطقة. وفي حال لم تشجع الولايات المتحدة النمو الاقتصادي والديمقراطية التمثيلية، فستدمر الهجمات الإرهابية والهجرة المزعزعة للاستقرار كلا من أوروبا والولايات المتحدة.
قد لا يكون العنصر الأكثر اضطرابا في العالم العربي هو مسألة النفط، وإنما الشعب، حيث أصبحنا نرى موجات عديدة من المهاجرين، الذين يتوجهون صوب البحر من أجل البحث عن حياة أفضل والإحساس بالأمان الذي يوفره حلفاء الولايات المتحدة في حلف الناتو في أوروبا، بالإضافة إلى ملايين الشباب العرب والأفارقة الذين يظلون في أوطانهم.
لا تزال حركات الشباب تهدد بالإطاحة بحلفاء واشنطن في الدول العربية. ويعني ذلك أن الربيع العربي لم ينته بعد، وإنما ببساطة لم يعد يتصدر العناوين في وسائل الإعلام الغربية. ويبدو أن أغلب موجات الهجرة التي تحدث الآن، فضلا عن الاضطرابات الداخلية، ترجع إلى الأسباب الأساسية ذاتها.
يطالب الشباب العربي، الذين لم يتجاوزوا سن الثلاثين، بالحصول على وظيفة دائمة، كما يرغب في أن تنمو البلاد اقتصاديا، وأن يتمكنوا من إبداء آرائهم بشأن النظام الذي يحكمهم.
بالنظر إلى حركات “الربيع العربي” في 2010 و2011، يمكن أن نرى سببين رئيسيين وراء حدوثها، على الرغم من العوامل الإقليمية والمحلية الأخرى، التي تلعب دورا هاما. وترتبط أحد الأسباب الرئيسية بالتركيبة السكانية، إذ أن المجتمعات العربية هي عبارة عن هرم، وتمثل أعلى الهرم نسبة عالية من السكان الذين يتجاوزون 60 سنة. أما منتصف الهرم فتمثله نسبة كبيرة من السكان الذين تتراوح أعمارهم بين 30 و60 سنة. في الأثناء، تتألف القاعدة العريضة من السكان الذين لم تتجاوز أعمارهم سن الثلاثين.
على سبيل المثال، تمثل هذه الفئة الأخيرة في كل من المغرب والجزائر وتونس، أكثر من نصف السكان. وفي الوقت الذي خفّضت فيه الفرص التعليمية المتزايدة للفتيات والنساء من معدل الخصوبة، إلا أن هذا المعدل لا زال ثابتا على أكثر من طفلين لكل امرأة في سن الإنجاب. باختصار، يتجاوز هذا العدد معدل الخصوبة الكلي، مما يعني أن عدد السكان سيستمر في النمو في المستقبل القريب. ويختلف ذلك تماما عن الواقع الديمغرافي في كل من أوروبا والكثير من الدول المتقدمة.
علاوة على ذلك، قد تكون الطموحات الاقتصادية والسياسية أيضا من بين العوامل المساهمة. ففي الوقت الحاضر، يطالب الشباب العربي، الذين لم يتجاوزوا سن الثلاثين، بالحصول على وظيفة دائمة، كما يرغب في أن تنمو البلاد اقتصاديا، وأن يتمكنوا من إبداء آرائهم بشأن النظام الذي يحكمهم.
من الواضح أن هؤلاء الشباب يريدون من الحكومة إنشاء اقتصادات حرة تسمح للشركات بخلق وتوفير فرص عمل بأجور تتيح لهم الزواج وإنشاء عائلة. ويريد هؤلاء الشباب من الحكومات أن تعطيهم حرية أكبر ولا تُضيّق الخناق على طموحاتهم الاقتصادية بمطالب بيروقراطية من أجل الحصول على تراخيص (بحيث يلجئون في بعض الأحيان لتقديم الرشاوى من أجل تجنب هذه المتاهة التنظيمية). كما يرغب هؤلاء في وجود مسؤولين حكوميين يستمعون لمشاكلهم.
في الواقع، كان ذلك تماما ما طالب به المتظاهرون في بداية الربيع العربي علما وأنهم لا زالوا متشبثين بهذه المطالب الأساسية التي لم تتغير إلى الآن. لكن كل ما تغير هي قيادة الحركة. فقد سيطرت جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من الجماعات الإسلامية في العديد من الدول العربية، على الاحتجاجات. وقد تمكنت من القيام بذلك لامتلاكها في السابق منظمات سرية تمارس التخريب. وبمجرد أن أصبح الإخوان في السلطة، أصبحت المطالب أكثر تدينا ورمزية، وتلاشت الرغبة الشعبية في القيام بالانتفاضات.
نجت دولتان فقط من هذا الاضطراب ألا وهما الأردن والمغرب، وذلك لأن أنظمتهما السياسية أظهرت بعض المرونة
أما الآن، فقد ظهرت حركات شبابية جديدة على شبكات التواصل الاجتماعي، حيث أصبح موقع فيسبوك وتويتر يساعدان القادة الشباب في الوصول إلى حشود افتراضية من الناس الذين لا تتجاوز أعمارهم الثلاثين. وفي هذا العالم الرقمي، لا يتمتع الإخوان المسلمون المسيطرون على الشوارع، الذين يمكن أن يخيفوا المعارضين أو يتغلبوا عليهم، بأي سلطة. كما يفتقر وكلاء الحكومة إلى السلطة أيضا. ونتيجة لذلك، فإن القادة الذين يسعون إلى تحقيق النمو الاقتصادي وتطبيق الديمقراطية التمثيلية أصبحوا الآن يتابعون ما يجري على نطاق واسع عبر الإنترنت، وصاروا يشكلون تحديا متزايدا لبعض الحكومات العربية.
لقد نجت دولتان فقط من هذا الاضطراب ألا وهما الأردن والمغرب، وذلك لأن أنظمتهما السياسية أظهرت بعض المرونة. ومن المثير للاهتمام أن كلا البلدان يطبقان الحكم الملكي، الذي يعتبر من أقدم أشكال الحكم. مع ذلك، يبدو وكأن هاتين الدولتين كانتا مستعدتين بشكل جيد للتعامل مع هذه التحديات الرقمية.
ففي خطاب تاريخي في التاسع من أيار/ مايو 2011، دعا الملك محمد السادس، إلى انتخاب حكومة جديدة في المغرب لإدارة الشؤون الداخلية مع الحفاظ على حقوق المرأة والأقليات الدينية (خاصة المسيحيين واليهود). والجدير بالذكر أن حركة الربيع العربي في المغرب قد تم حلها بعد أن تمت المصادقة على الدستور الجديد من قبل الشعب وتم انتخاب حكومة جديدة. وقد حصل الشباب على ما يريدون؛ اقتصاد أكثر تحررا، وحكومة تتسم بالحرية، بالإضافة إلى كونها خاضعة للمساءلة أمام الشعب.
في الأثناء، لا تزال معدلات النمو الاقتصادي، ومعدلات خلق فرص العمل، متقلبة. وفي حين أن اقتصادات المغرب والبلدان المغاربية الأخرى تنمو بنسبة تزيد عن 3 بالمائة، لا تزال معدلات البطالة أعلى من 9 بالمائة، وهي نسبة أعلى بقليل بين الناشطين السياسيين تحت سن الثلاثين. وقد دفع ذلك أساسا العاطلين عن العمل للعودة إلى الاحتجاجات في الشوارع.
تفصل تسعة أميال فقط المغرب عن إسبانيا عن طريق البحر. ويشعر المهربون بالسعادة عند تسفير العديد من الشباب عبر البحر، الذي يفصل العالم الثالث عن الدول المتقدمة، مقابل المال
إلى جانب ذلك، غمرت مواقع التواصل الاجتماعي وابل من الرسائل الغاضبة، التي تفيد بأن الشباب قد فقدوا ثقتهم في جميع الأحزاب السياسية. فقد أصبح بعض الشباب اليائسين عنيفين وأحيانا يتهجمون لفظيا على رموز الدولة والملك نفسه. ومع تفاقم الاضطرابات الداخلية، تتزايد الرغبة في الهجرة أكثر فأكثر.
تفصل تسعة أميال فقط المغرب عن إسبانيا عن طريق البحر. ويشعر المهربون بالسعادة عند تسفير العديد من الشباب عبر البحر، الذي يفصل العالم الثالث عن الدول المتقدمة، مقابل المال. وقد ظهرت العديد من العصابات المنظمة التي تقوم بنقل مهاجريها، مع العلم أنها غالبا ما تتبادل إطلاق النار مع قوات البحرية في المغرب وإسبانيا. هذه السنة، توفي المئات بالقرب من حوض البحر الأبيض المتوسط، كانوا يأملون في حياة أفضل. لذلك، من الواضح أن الحاجة إلى إجراء إصلاحات باتت ضرورية. وعلى سبيل المثال، يحتاج اقتصاد المغرب إلى توسيعه بنسبة 7 بالمائة سنويا على الأقل وذلك من أجل استيعاب الشباب الذين يتركون المدارس وينضمون إلى القوى العاملة.
مع ذلك، لا يستطيع الملك التصرف بحرية بسبب الدستور الديمقراطي لسنة 2011، حيث لا يحق له استبدال الحكومة ولا النظرية البيروقراطية للإدارة. وفي هذا السياق، يمكن القول إن دوره يتمثل في ضمان استقرار البلاد من خلال تقديم رؤية لرسم مسار يمكن للحكومة المنتخبة اعتماده. وقد قام بذلك فعلا، إذ حدد رؤية جريئة في سلسلة من الخطابات، آخرها كان أمام البرلمان في 12 تشرين الأول/ أكتوبر. كما اقترح الملك نموذجا جديدا للتنمية يعزز التماسك الاجتماعي والإنصاف الإقليمي. ويزيد هذا النموذج من الفرص للمزارعين وأصحاب الأعمال الصغيرة والمهنيين.
في الحقيقة، يمثل ذلك مشروعا ضخما لأن النموذج الحالي يركز على قطاعات صناعية معينة، من قبيل صناعة السيارات. وعلى الرغم من فتح شركة “رينو” للسيارات مصنعا بالقرب من طنجة، وافتتاح مصانع أخرى لقطع غيار السيارات، إلا أن ذلك لم يكن كافيا، حيث أنه لا يحل أزمة بطالة الشباب ولا يعالج أوجه عدم المساواة بين المناطق الحضرية والريفية. وإذا تم تنفيذ هذه الرؤية، فقد تجعل المغرب بمثابة مختبر للتجارب للمنطقة بأكملها.
في المقابل، يجب دعم هذا النهج الجديد من قبل القيادة الأمريكية، كما يجب أن يصبح المغرب، وهو شريك فعلي في مكافحة الإرهاب، شريكا في النمو الاقتصادي والإصلاح السياسي. وسيحتاج المغرب إلى مساعدة الولايات المتحدة فيما يتعلق بالمؤسسات الدولية، بما في ذلك البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. بالإضافة إلى أنه سيحتاج إلى دعمها العام في الخطابات والبيانات العامة. ومن المؤكد أن هذه الرؤية المشتركة للنمو الاقتصادي والحكومة الديمقراطية من شأنها أن تلبي طلبات الشباب وتغير العالم العربي، وهو ما سيبطئ تدفق الهجرة (وبالتالي دعم الاستقرار الاقتصادي والسياسي في أوروبا).
أما في حال كانت الولايات المتحدة تتجاهل هذه الفرصة، فستكون العواقب مأساوية. في هذا الصدد، سيرتفع عدد الوفيات في صفوف المهاجرين عن طريق البحر، وستتزايد الاضطرابات في أوروبا. وإذا فكّرتْ الحركات الشبابية أن الديمقراطية لا يمكنها توفير الوظائف أو إعطاء الأمل، فسيكون هناك اهتمام متجدد بالتطرف الإسلامي. وسيتغير مفهوم المعارضة الذي يتمثل في نشر تغريدات تنتقد للحكومة إلى مفهوم آخر يقوم على زرع القنابل، التي ستنفجر في الدار البيضاء وخارج البيت الأبيض.
المصدر: ناشيونال إنترست