قبل أيامٍ مضت، بدأ جنود قوات حفظ السلام الإفريقية الانسحاب التدريجي من إحدى البلدات الواقعة على بعد 30 كيلومترًا شمالي العاصمة الصومالية مقديشو، ويقول شهود عيان إن البلدة تدفّق إليها وإلى القرى المجاورة بشكلٍ فوري المئات من مقاتلي حركة “الشباب” الصومالية المتطرفة، فهل سيكون انسحاب بعثة “أميصوم” من الصومال فرصةً لعودة حركة “الشباب المجاهدين” كي تهيمن على أراضي الصومال مجددًا بعد التعافي النسبي الذي تشهده البلاد كما ذكر تقرير بريطاني أم أن حكومة فرماجو قد استعدت وتحسبّت لهذه الاحتمالات؟ وهل ضمنت زيارة الرئيس الصومالي التاريخية لأسمرة أواخر يوليو/تموز الماضي توقف الدعم الإريتري للحركة المتطرفة؟
لنتعرّف أولًا على حركة “الشباب المجاهدين” الصومالية وقصة البعثة الإفريقية
حركة “الشباب الإسلامية” أو حركة “الشباب المجاهدين” هي حركة قتالية صومالية تنشط في الصومال ودول جواره منذ العام 2004، تتبع فكريًا لتنظيم القاعدة بزعامة أيمن الظواهري، وتصنفها الولايات المتحدة الأمريكية ومعظم الدول الأوروبية ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية.
وقد تبنى الاتحاد الإفريقي في العام 2007 دعم جمهورية الصومال عبر بناء قوة أمنية بإمكانات قادرة على مواجهة الجماعات المتشددة، بموازاة تشكيل قوة حفظ السلام الإفريقيةAfrican Union Mission in Somalia التي تعرف اختصارًا باسم “أميصوم” وهي مكونة من أوغندا وبوروندي وكينيا وجيبوتي، إضافة إلى قوات إثيوبية تعمل بصورة مستقلة، وقامت البعثة التي بلغ قوامها نحو 22 ألف جندي بعملياتٍ عسكرية واسعة أفضت في نهاية المطاف إلى طرد حركة “الشباب المجاهدين” من جميع المدن الكبرى بما فيها العاصمة مقديشو.
يقدَّر عدد أفراد حركة الشباب الصومالية بنحو 7000 عضو مقاتل، ويُعتقد أنهم تلقوا تدريبات عسكرية ودعم من النظام الإريتري الذي يترأسه أسياس أفورقي
وطيلة سنوات عمل بعثة “أميصوم” في الصومال، تعرّضت القوات التابعة إليها لمئات الهجمات التي شنتها حركة الشباب، وأسفرت عن مقتل عشرات الجنود من أوغندا وبروندي وكينيا وإثيوبيا، حتى اضطرت قوات حفظ السلام إلى الانسحاب التكتيكي أحيانًا من عدد من المدن والبلدات في جنوب البلاد الذي لا تزال تفرض فيه الحركة سيطرتها على مساحات واسعة منه إلى جانب أجزاء من وسط الصومال أيضًا.
والحركة المتطرفة تأسست في أوائل العام 2004 لتكون الذراع العسكري لاتحاد المحاكم الإسلامية التي انهزمت أمام القوات التابعة للحكومة الصومالية المؤقتة المدعومة من إثيوبيا، غير أن الشباب انشقت عن المحاكم بعد انضمامها إلى ائتلاف سُمي بـ”تحالف المعارضة الصومالية“.
يقدَّر عدد أفراد حركة الشباب الصومالية بنحو 7000 عضو مقاتل، ويُعتقد أنهم تلقوا تدريبات عسكرية ودعم من النظام الإريتري الذي يترأسه أسياس أفورقي، إذ فرض مجلس الأمن الدولي عقوبات على إريتريا منذ العام 2009 بسبب تقديمها الدعم لحركة الشباب وعدم اعترافها بالحكومة الصومالية الفيدرالية الانتقالية.
يتزعم حركة “الشباب المجاهدين” في الوقت الراهن أحمد ديري أبوعبيدة الذي جاء خلفًا لأحمد عبدي غودني والأخير تمددت في عهده الحركة حتى سيطرت على معظم أحياء العاصمة مقديشو وكادت أن تقضي على الحكومة الفيدرالية السابقة برئاسة شيخ شريف أحمد المدعومة غربيًا وإفريقيًا لولا الانسحاب المفاجئ من العاصمة إثر ظهور خلافات بين رئيسها السابق غودني والمتحدث الرسمي مختار علي روبو أبو منصور الذي انسحب بمعظم قواته من العاصمة وانعزل عن الحركة إلى الآن ويعمل بشكل مستقل وهو أكثر اعتدالًا من القادة الآخرين.
أسلحة الحركة وتمويلها
أشار تقرير سابق للأمم المتحدة صدر في يوليو/تموز من العام 2013، إلى أن حركة الشباب استطاعت جمع وتخزين كميات وافرة من الأسلحة والذخيرة دون أن يحدد أعداد تلك الأسلحة وأنواعها، وبحسب التقرير، تتفادى حركة “الشباب المجاهدين” المواجهة العسكرية المباشرة مع أعدائها معتمدةً على حرب العصابات والهجمات الانتحارية مما مكنها من الحفاظ على قدرتها القتالية دون تكبد خسائر بشرية كبيرة.
توجه اتهامات إلى بعض القبائل الصومالية التي ينتمي إليها بعض قادة الحركة بأنها توفر لهم المناخ والجو الملائم للتجارة وتربية المواشي والإنتاج الزراعي مع القدرة على إعطاء شيوخ القبائل مكانتهم على حساب الحكومة الصومالية
ويوضح التقرير الأممي أن السبب في هذه القوة التي يتمتع بها التنظيم المتطرف تولي مختار أبو الزبير الإدارة المباشرة للعمليات وتمُّكن الحركة من العمل بسرية تامة وجمع المعلومات الاستخباراتية ثم ضرب الأماكن المحددة.
وبالنسبة للتمويل، فإن الحركة حصلت على مساعدات وتمويل من النظام الإريتري بحسب مجلس الأمن الذي فرض عقوبات على أسمرة مستمرة حتى اليوم، فضلًا عن قيام التنظيم الصومالي المتطرف بعمليات قرصنة على السفن العابرة لمضيق باب المندب بالساحل الإفريقي، الذي يعد ممرًا ملاحيًا مهمًا ولهذا تستغل الحركة موقع الصومال الإستراتيجي لتنفذ العديد من عمليات خطف السفن المحملة بالبضائع والأسلحة، إلى جانب مطالبة الحكومات بدفع فدية مقابل الإفراج عن رهائنها.
وبالإضافة إلى ذلك، توجه اتهامات إلى بعض القبائل الصومالية التي ينتمي إليها بعض قادة الحركة بأنها توفر لهم المناخ والجو الملائم للتجارة وتربية المواشي والإنتاج الزراعي مع القدرة على إعطاء شيوخ القبائل مكانتهم على حساب الحكومة الصومالية بدعوى أنها غير مستقرة وغير متزنة وأنها مصدر للعنف والفساد.
أبرز العمليات الإرهابية لحركة الشباب داخل البلاد وخارجها
لن ينسى الصوماليون مطلقًا تاريخ الـ14 من أكتوبر/تشرين الأول 2017 اليوم الذي فقدوا فيه 600 شخص راحوا ضحيةً لانفجار شاحنة مفخخة أمام فندق في قلب العاصمة مقديشو، أعلن حينها الرئيس محمد فرماجو الحداد لمدة 3 أيام ونقلت وكالة فرانس برس عن محيي الدين المقيم في مقديشو قوله: “هذا أكبر انفجار رأيته على الإطلاق ودمر المنطقة كلها”، بينما قدّرت الباحثة الصومالية سمية شيخ محمود الخسائر المادية بأكثر من مليار دولار.
لم يشهد تاريخ الصومال منذ تأسيسه فاجعة أكبر من تفجير تلك الشاحنة المفخخة، إذ خسرنا 600 شخص، وبلغت الخسائر المادية أكثر من مليار دولار، وهزت العاصمة كلها. #شهداء_14_أكتوبر
— 🇵🇸🇵🇸🇵🇸 💚🤍💙 سمية عبد القادر شولي (@SumayaShoole) October 14, 2018
وفي 31 من مارس/آذار من 2016، تبنّت حركة الشباب الصومالية تفجيرًا انتحاريًا في فندق بمدينة “جالكعيو” وسط الصومال، أسفر عن مقتل وإصابة نحو 106 أشخاص، وذكرت وزارة الداخلية الصومالية حينها أن الإرهابي الذي نفذ العملية الإنتحارية كان يرتدي حزامًا ناسفًا ودخل الفندق علي أساس أنه مواطن عادي يرغب في حجز إحدى الغرف الفارغة بالفندق.
وامتدت عمليات الحركة الصومالية المتطرفة إلى خارج البلاد، حيث عانت كينيا من هجمات التنظيم المتكررة التي استهدفت المدنيين والعسكريين على حدٍ سواء، منها على سبيل المثال الهجوم على “ويستجيت” وهو مركز تسوق في العاصمة نيروبي حاصرته الميليشيات المسلحة عدة أيام، وراح ضحية تلك الهجمة أكثر من 67 شخصًا من المدنيين في أثناء المواجهة عام 2013، وصولًا إلى حادثة جامعة غارسيا الكينية عام 2015 التي تعد الأكثر ضراوة ووحشية بين الهجمات الخمسة الأبرز داخل كينيا لحركة الشباب، إذ راح ضحيتها نحو 147 قتيلًا.
انسحاب مجدول لبعثة “أميصوم” الإفريقية
كثيرٌ من الصوماليين تفاءلوا مطلع مارس/آذار من العام الماضي بتنصيب الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو مؤملين ببداية حقبة جديدة من الاستقرار والأمن، لكن تأدية الرئيس الجديد القسم في منطقة تابعة للمطار وتخضع لإجراءات أمنية مشددة من بعثة “أميصوم” كشفت صعوبة المهمة التي تواجه الرئيس الطموح.
وبحسب ما ذكره تحليل لوكالة أنباء الأناضول، فإن مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي قرر في يونيو/حزيران 2016 إجراء خفض تدريجي لقوات حفظ السلام الإفريقية في الصومال، والانسحاب الكامل بحلول نهاية عام 2020، على أن تتسلم مسؤولية حفظ الأمن قوات الأمن الصومالية والجيش الوطني الصومالي وكان فرانسيسكو ماديرا، ممثل الاتحاد الإفريقي الخاص إلى الصومال قد صرّح العام الماضي بأنه من المقرر أن تبدأ بعثة الاتحاد الإفريقي سحب قواتها في شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام القادم ومن المتوقع أن تستكمل انسحابها بالكامل بحلول ديسمبر عام 2020، حيث ستسلم مواقعها للجيش الصومالي الوطني الذي سيبلغ عدده على الأرجح 20 ألف جندي فقط.
لقاءات فرماجو مع أسياس أفورقي ومخرجات القمة الثلاثية الأخيرة تصدّرتها محاربة التنظيم المتطرف وإيقاف دعم إريتريا لحركة “الشباب المجاهدين”
ونقلت عنه الباحثة في جامعة بروكسل لنينا ويلن قوله: “بناء قدرات قوات الأمن الوطنية الصومالية أمر حيوي ومركزي لمهمة بعثة الاتحاد الإفريقي، ونحن نبذل قصارى جهدنا لفعل ذلك وفي حدود الموارد المتاحة“.
مخاوف إثيوبية وفرماجو يراهن على انقطاع الدعم الإريتري لحركة الشباب
إثيوبيا التي دخلت عهدًا جديدًا في أبريل/نيسان الماضي بتولي رئيس الوزراء آبي أحمد مقاليد الحكم خلفًا للمستقيل هايلي ديسالين، أبدت مخاوفها من انسحاب بعثة الاتحاد الإفريقي، حيث رأت أديس أبابا المشارِكة في العمليات ضدّ حركة “الشباب“، أنه يتعين على بعثة الاتحاد الإفريقي عدم تنفيذ قرار خفض القوات التابعة لها في الصومال بشكل تدريجي، قبل القضاء على حركة “الشباب” بشكل نهائي، رغم أنّ الحركة أظهرت تراجعًا في قدراتها حتى مع استمرار تهديداتها للأمن الداخلي، وأمن دول الجوار الإفريقي.
واجتهد آبي أحمد فور توقيع اتفاق السلام مع إريتريا في التوسط بين الرئيس الصومالي محمد فرماجو ونظيره الإريتري أسياس أفورقي حتى نجح في إقناع الأخير بدعوة فرماجو إلى زيارة أسمرة، وقد لبّى الرئيس الصومالي الدعوة ليقوم برحلة تاريخية هي الأولى لرئيس صومالي منذ قرابة 30 عامًا وبحثت الزيارة بحسب الأخبار الرسمية عدد من القضايا أبرزها الأمن والاقتصاد ومحاربة الإرهاب.
لم تقف محاولات إثيوبيا التي تتصدر القرن الإفريقي بتشكيله الجديد عند هذا الحد، فقد شهدت العاصمة الإريترية أسمرة لقاءً آخر جمع بين آبي أحمد وفرماجو وأسياس أفورقي الشهر الماضي وخلصت القمة الثلاثية إلى اتفاق قادة الصومال وإثيوبيا وإريتريا على بناء تعاون أوثق في مجالات السياسة والأمن والاقتصاد، كما اتفق الزعماء على العمل لجعل منطقة القرن الإفريقي منطقة مستقرة ومزدهرة.
ويمكننا أن نستنتج بسهولة أن لقاءات فرماجو مع أسياس أفورقي ومخرجات القمة الثلاثية الأخيرة تصدّرتها محاربة التنظيم المتطرف وإيقاف دعم إريتريا لحركة “الشباب المجاهدين” ولعله قد حصل على تعهدات بذلك وإن لم يصدر بيان رسمي بهذا الخصوص.
كينيا تفجرها: لن ننسحب!
كما سبق وأوضحنا في جزءٍ سابقٍ من المقالة أن كينيا عانت بشدة من هجمات حركة الشباب الصومالية المتطرفة، إذ تعد نيروبي الطرف الأكثر تضررًا من وجود تنظيم “المجاهدين” بعد الصومال، ولذلك أعلن الرئيس الكيني أوهورو كينياتا بصورة مفاجئة أن قوات بلاده ستواصل وجودها في الصومال إلى أن يتم هزيمة حركة الشباب وعودة الاستقرار إلى هذا البلد الذي مزقته الحروب.
نشاط حركة “الشباب المجاهدين” الصومالية لا يزال يمثل خطرًا حقيقيًّا يهدد أمن منطقة القرن الإفريقي واستقرارها في ظل التكتلات الجديدة
وقد برر كينياتا في كلمة له بمناسبة الذكري السابعة ليوم إنشاء قوات الدفاع الكينية بقاء القوات بأن هذا العصر هو عصر التهديدات العابرة للحدود الوطنية، مشيرًا إلى أن كينيا ما زالت تواجه تحديات أمنية من شبكات إرهابية تستهدف الأبرياء، وأضاف أن القوات الكينية ستحافظ على وجودها في الصومال تحت قيادة بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال (أميصوم) إلى أن يتم سحق كل شبكات الإرهاب.
واستنادًا لكل ما سبق، فإن نشاط حركة “الشباب المجاهدين” الصومالية لا يزال يمثل خطرًا حقيقيًّا يهدد أمن منطقة القرن الإفريقي واستقرارها في ظل التكتلات الجديدة، خاصة أن المنطقة توجد بها مصالح لأمريكا وأوروبا بالإضافة إلى الصين والهند ولا ننسى تركيا التي تمتلك قاعدة عسكرية كبرى في الصومال، زيادة على تعقيدات الأزمة الخليجية.. قطر وعمان والكويت من جانب والسعودية والإمارات والبحرين في الجانب الآخر، إذ كان الصومال قد اختار الحياد وهو ما جرّ عليه غضبًا إماراتيًا شديدًا تجلّى في حملة إعلامية شعواء على الرئيس فرماجو.
كل هذه الدول رغم تبايناتها السياسية تشترك في أن لديها العديد من المصالح الاقتصادية والأمنية في هذه المنطقة الحيوية، لذلك سيكون من الأفضل أن تلعب دول جوار الصومال “كينيا وإثيوبيا” في إقناع مجلس الأمن والسلم الإفريقي بالتريث في قرار سحب بعثة “أميصوم” من الصومال وليس هذه بالأمر الصعب على إثيوبيا التي تمتلك نفوذًا واسعًا في الاتحاد الإفريقي.
كما يتعين على دول الشرق الأوسط ودول الغرب المساعدة في تمويل أعمال البعثة ودعم جمهورية الصومال في إعادة بناء الجيش والشرطة الوطنيين ليتمكنا من إلحاق الهزيمة بـ”الشباب المجاهدين” واقتلاع جذورها من الأراضي الصومالية، ونستذكر هنا أن لقطر دورًا جيدًا في هذا الاتجاه، حيث قدّمت مطلع هذا العام 30 سيارة دفع رباعي مخصصة لمهام قوات الشرطة الوطنية ولكن مقديشو وبعثة الاتحاد الإفريقي لا يزالا بحاجة للمزيد خصوصًا أن أبو ظبي أحجمت عن تقديم أي دعم للصومال منذ توتر العلاقات بين البلدين.
أخيرًا، لا ينبغي أن نغفل أهمية معالجة قضية الإرهاب والتطرف من جذورها فهناك قناعة راسخة أجمعت عليها كل الدراسات المهتمة ببحث سبل التصدي للتطرف والإرهاب، خلاصتها أن مواجهة الإرهاب لم تعد قضية أمنية فحسب، بل تحوَّلت إلى أزمة لها أبعاد فكرية ودينية واقتصادية، وجهود محاربة الإرهاب لن تكلل بالنجاح في غياب مواجهة الفكر المنتج للظاهرة.