ترجمة حفصة جودة
كتب دانيال شابيرو، السفير الأمريكي السابق لدى “إسرائيل” خلال عهد باراك أوباما: إن الوحشية المروعة التي اختُطف بها جمال خاشقجي وتعرضه للقتل بواسطة قوات الأمن السعودية لا يمكن إخفاؤها، بغض النظر عن محاولة إحالتها لخطأ في التحقيقات أو أنها من من عمل جهات مارقة، لكن المأساة أعمق من تأثيرها على عائلة خاشقجي وخطيبته، فهي تثير تساؤلات جوهرية للولايات المتحدة و”إسرائيل” عن المفهوم الإستراتيجي الكامل في الشرق الأوسط.
من ناحية؛ يقول المتشائمون إن بجاحة قتل خاشقجي تختلف فقط في الدرجة وليس النوع، عن السلوك الذي يسلكه جميع الحكام العرب بما فيهم حلفاء الولايات المتحدة، كما أن التحالف السعودي الأمريكي استمر لعقود من قمع السياسات السعودية لشعبها.
ما زال بالإمكان خدمة المصالح الأمريكية من خلال الإصلاحات الاجتماعية والسياسية التي يدفع بها محمد بن سلمان، ومن خلال الأهداف الإستراتيجية المشتركة لمراقبة العدوان الإيراني في المنطقة، كل هذه الاعتبارات لا يمكن تجاهلها بسهولة.
لكن مقتل خاشقجي تجاوز كل الخطوط الحمراء للفساد، ويشير أيضًا إلى عدم إمكانية الوثوق بشكل أساسي في استمرار محمد بن سلمان كشريك إستراتيجي في حكم السعودية، ما حدث في السفارة السعودية بإسطنبول يشبه الكلمات المستخدمة لوصف تخلص نابليون من خصومه: “إنه أسوأ من كونه جريمة، إنه خطأ” ويمكن أن نقول إنه خطأ إستراتيجي.
محمد بن سلمان لم يضع في حسبانه عندما أمر بقتل خاشقجي أنه تجاوز جميع الخطوط المقبولة للشعب الأمريكي
لقد أثبت ابن سلمان أنه متهور ومندفع في إدارته للسياسة الخارجية السعودية، فحملته ضد الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن تمت مقاضتها بسبب تجاهلها التام لمعاناة المدنيين الهائلة التي تسببت بها، كما أن إجباره لرئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري على الاستقالة انفجر في وجهه.
أما حصاره لقطر فقد أدى إلى تشتيت دول الخليج عن هدفها المشترك في احتواء إيران وحقق نتائج ضئيلة، كما أن قطع العلاقات مع كندا بسبب تغريدة تنتقد اعتقال نشطاء حقوق الإنسان كان تصرفًا مبالغًا فيه.
لكن ما حدث الآن هو جريمة قتل واضحة خارج البلاد، وكذبت السعودية بشأنها على الرئيس ترامب لعدة أيام وما زالوا يكذبون بشأنها، ربما كان اهتمام ترامب بذلك قليلًا بسبب فساده واهتمامه بتأثير طلبات الأسلحة السعودية أكثر من اللازم.
لكن محمد بن سلمان لم يضع في حسبانه عندما أمر بقتل خاشقجي أنه تجاوز جميع الخطوط المقبولة للشعب الأمريكي وكذلك أعضاء الكونغرس، وفي الواقع فإن أشد الانتقادات جاءت من عضوي الكونغرس الجمهوريين ليندسي جراهام وماركو روبيو.
وزير الخارجية الأمريكي مارك بومبيو يلتقي بولي العهد محمد بن سلمان في الرياض قبل يومين
مرة أخرى؛ قد يكون المرء متشائمًا في هذا الشأن، فالقمع السعودي ليس بجديد وربما يستطيع النظام السياسي الأمريكي استيعابه إذا كان تحت مستوى معين من الوضوح، كما أن الاحتجاجات لم تكن صاخبة بما يكفي بشأن سجن ناشطات حقوق الإنسان التي حدثت في نفس الوقت الذي حصلت فيه المرأة على الحق في قيادة السيارة.
لكن ابن سلمان أخطأ في تقديره عندما لم يفهم أن قتل وتقطيع جثة صحفي مقيم في أمريكا كانت جريمته الوحيدة أنه يعبر عن رأيه، أكثر مما يحتمله المواطن الأمريكي.
لا يمكن للمرء أن يتباهى بهذا النوع من الوحشية ويتوقع أن يستمر عمله مع الولايات المتحدة كالمعتاد، ربما لا يهتم ترامب بذلك فهو يتودد إلى فلاديمير بوتين الذي يقتل الصحفيين أيضًا، لكن الشعب الأمريكي له حدوده ويتوقع أن يكون حلفاؤه على الأقل لا يورطون الولايات المتحدة في جرائم وقحة.
أسباب ذلك متنازع عليها، لكن تفاصيل القتل الوحشية جزء من ذلك، لكن مقتل خاشقجي يمس اتجاهات دولية واسعة لمعاداة الليبرالية وفرض القيود على الصحفيين الباحثين عن الحقيقة، فالسياق ببساطة لم يكن مجرد إسكات لناقد سعودي.
سيكون هناك رد أمريكي بالتأكيد على تلك القضية حتى لو قاومت إدارة ترامب ذلك
لم يفهم ابن سلمان تلك الحقيقة أو يحاول تقييمها وأعتقد أنه يستطيع الإفلات بذلك، كما أنه لا يمتلك مستشارًا يستطيع فهم ومناقشة دوافعه وطرح أسئلة مهمة بشأن هذا الحكم ودقته، ناهيك عن تقديم إجابة نهائية عن أخلاقية الأمر.
بالنسبة لـ”إسرائيل” فهذه الجريمة الشنعاء تزيد من احتمالية أن لا يمكن الاعتماد في الشرق الأوسط الجديد على التحالف الإسرائيلي مع السنة العرب تحت مظلة أمريكا لمواجهة إيران والجهاديين السنيين.
ويجب أن تكون “إسرائيل” حذرة بشأن الأمر، فسيكون هناك رد أمريكي بالتأكيد على تلك القضية حتى لو قاومت إدارة ترامب ذلك، ربما لن يؤدي إلى تفكك كامل للتحالف السعودي الأمريكي لكن النفور الشعبي واشمئزاز الكونغرس له ثمنه.
هذا الثمن يتضمن فرض قيود على مبيعات الأسلحة، فبالفعل بدأ كبار المستثمرين الأمريكيين في إبعاد أنفسهم عن المشاريع التنموية الكبرى التي يمولها ابن سلمان، وعلى الأقل لن يكون هناك تكرار للزيارات الدافئة لابن سلمان لعدة مدن أمريكية كالجولة التي قام بها مارس الماضي، ولن تتحدث عنه الصحافة الأمريكية كأنه المصلح الذي سيعيد تشكيل الشرق الأوسط.
ليس من السهل على “إسرائيل” أن تتعامل في هذا الوضع، فقد انقسمت مؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن إلى معسكرين: أحدهما مناهض لإيران والآخر مناهض للسعودية
ترامب يحمل مخططًا لبيع الأسلحة الأمريكية بينما يستقبل ابن سلمان في البيت الأبيض
ترغب “إسرائيل” بشكل واضح في الحفاظ على بقاء السعودية في حظيرة حلفاء أمريكا لتعزز من إستراتيجيتها ضد إيران، لكنها لا ترغب في أن تصبح جماعة ضغط ابن سلمان في واشنطن، وما زال ضروريًا تعاون “إسرائيل” مع شركائها في المنطقة فالسياسة تتطلب ذلك، لكن علاقتها الوثيقة بالمملكة العربية السعودية تضعها في خطر الإضرار بسمعتها.
ليس من السهل على “إسرائيل” أن تتعامل في هذا الوضع، فقد انقسمت مؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن إلى معسكرين: أحدهما مناهض لإيران والآخر مناهض للسعودية، والفكرة أنه يجب على الولايات المتحدة أن تعارض بشكل متساوٍ الوحشية الإيرانية والسعودية ضد شعبيهما، ولا تسمح لجرائم ابن سلمان أن تخفف الضغط عن إيران وأنشطتها الخبيثة التي قد تتسبب في ضياع المنطقة.
بالنسبة للإسرائيليين؛ فربما تكون هذه أكبر ضربة لتداعيات مقتل خاشقجي، فمحاولة ابن سلمان إسكات معارضيه أدت في الحقيقة إلى تقويض محاولاته لبناء إجماع دولي للضغط على إيران.
لقد كان الضرر كبيرًا وربما تكون تصرفات ترامب غريبة، لكن هل القادة الأوروبيون وأعضاء الكونغرس على استعداد للجلوس مع محمد بن سلمان والتشاور بشأن إيران الآن؟ هذا أكبر دليل على حماقة إستراتيجة ابن سلمان والضرر الذي من المرجح أن يستمر طالما استمر في حكمه للمملكة.
المصدر: هآرتس