ترجمة وتحرير: نون بوست
حذّر عالم الفيزياء، ستيفن هوكينغ، قبل وفاته في شهر آذار/ مارس الماضي، من أن الهندسة الوراثية يمكن أن تؤدي إلى ظهور كائنات خارقة للطبيعة، وهو ما قد ينجر عنه عواقب وخيمة على بقية البشر.
في الحقيقة، لم تكن هذه الرسالة الصارخة سوى واحدة من العديد من التنبؤات التي تضمنها كتاب “أجوبة موجزة عن الأسئلة الكبيرة” لعالم الفيزياء النظرية الشهير، ستيفن هوكينغ، الذي نُشر يوم الثلاثاء. وقد وجه العلماء ورواد الأعمال التكنولوجية وكبار رجال الأعمال وزعماء سياسيين وعامة الناس، في العديد من المناسبات، أسئلة لهوكينغ حول أفكاره المتعلقة “بالأسئلة الكبيرة”، وذلك وفقا لناشري الكتاب.
يعتمد الكتاب، الذي كان قيد التطوير عندما توفي هوكينغ، على أرشيف شخصي ضخم يحتوي على إجابات على هذه الأسئلة. تجدر الإشارة إلى أن هذا العالم احتفظ بهذا الأرشيف على شكل خطابات ومقابلات ومقالات. ويتناول كل فصل فيه قضية رئيسية واحدة، كما يتضمن عناوين على غرار؛ “هل يوجد إله؟” أو “هل يمكننا التنبؤ بالمستقبل؟” أو “هل سنتمكن من العيش على سطح الأرض؟”
يجادل هوكينغ بأن استخدام الهندسة الوراثية بهذه الطريقة يمكن أن يؤدي إلى إحداث هوّة خطيرة بين الأشخاص الذين يتمتعون بقوات خارقة وبقية البشر
في الأثناء، وعند دراسته لمسألة الهندسة الوراثية، توقع هوكينغ أن الأثرياء، نظرا لامتلاكهم الوسائل المادية، سيقومون بإجراء تعديلات على الحمض النووي لأطفالهم لتعزيز قدراتهم. وحيال هذا الشأن، كتب هوكينغ في مقتطفات نشرتها صحيفة “صنداي تايمز”: “أنا متأكد من أنه خلال القرن الحالي سيكتشف الناس طرق تعديل الذكاء والغرائز، من قبيل تعديل مشاعر العدائية. ومن المرجح أنه سيتم إصدار قوانين تجرّم تطبيق الهندسة الوراثية على البشر. لكن على الأغلب، لن يقدر بعض الناس على مقاومة إغراء تحسين بعض الخصائص البشرية، كالذاكرة، ومقاومة المرض وطول العمر”.
في الواقع، يجادل هوكينغ بأن استخدام الهندسة الوراثية بهذه الطريقة يمكن أن يؤدي إلى إحداث هوّة خطيرة بين الأشخاص الذين يتمتعون بقوات خارقة وبقية البشر، الذين وصفهم “بالبشر الذين لم يقوموا بإجراء تعديلات على حمضهم النووي”.
العالم البريطاني، ستيفن هوكينغ، أثناء حضوره فعاليات إطلاق مركز ليفيرهولم لمستقبل الذكاء بجامعة كامبريدج في إنجلترا في 19 تشرين الأول/أكتوبر سنة 2016.
في السياق ذاته، تابع هوكينغ أنه “بمجرد ظهور مثل هذه الكائنات الخارقة، ستبرز مشاكل سياسية كبيرة مع أولئك الذين لم يجروا تعديلات على حمضهم النووي، إذ أنهم لن يكونوا قادرين على المنافسة. ومن المفترض أنهم إما سينقرضون، أو سيفقدون مكانتهم. نتيجة لذلك، سيكون هناك سباق سريع بين الكائنات حول التصميم الذاتي”.
في الوقت الذي يبدو فيه تحقق مثل هذا التنبؤ بعيد المنال، فإنه يشير إلى تقنيات، على غرار كريسبر، التي يتم استخدامها بالفعل على نطاق واسع في الوقت الراهن. الجدير بالذكر أن تقنية كريسبر، الذي تم اختراعها قبل ست سنوات، تسمح للعلماء بشكل أساسي “بنسخ ولصق” شفرة الحمض النووي. وفي الوقت الحالي، يتم استخدامها لأغراض متنوعة، بما في ذلك علاج الأشخاص المصابين بأمراض معينة. في الأثناء، يعمل عدد قليل من المختبرات حول العالم على الأجنة البشرية، وإن كان ذلك تحت رقابة صارمة.
من جهة أخرى، سلط هوكينغ الضوء على قضية رئيسية إضافية، تتمثل في أهمية تنظيم الذكاء الاصطناعي قبل فوات الأوان. كما ركز بشكل خاص على ضرورة منع تطوير أسلحة مستقلة. وفي هذا الإطار، كتب هوكينغ: “باختصار، سيكون ظهور الذكاء الاصطناعي الخارق إما أفضل أو أسوأ أمر يحدث للإنسانية. ويكمن الخطر الحقيقي المتعلق بالذكاء الاصطناعي في الكفاءة لا الخبث. إن الذكاء الاصطناعي الخارق سيكون مفيدا للغاية بالنسبة للأهداف المخصصة له. وفي حال لم تكن هذه الأهداف متسقة مع أهدافنا، فنحن في ورطة”.
يرى هوكينغ أن الإنسان بحاجة إلى البدء في النظر إلى ما وراء كوكبنا إذا أراد البقاء على قيد الحياة كنوع من الكائنات الحية.
تابع هوكينغ قائلا: “من المحتمل أنك لست كائنا شريرا تكره النمل، وتدوس على هذه الكائنات الصغيرة بدافع الخبث. لكن، إذا كنت مسؤولا عن مشروع الطاقة الخضراء التي يتم توليدها باستخدام مصادر كهرومائية، وهناك مستعمرة نمل في المنطقة سيغمرها السيل، فإن هذا الأمر يعتبر سيئا جدا بالنسبة لهذه الكائنات. وعلى هذا النحو، دعونا نتجنب وضع الإنسانية في الموقف ذاته”.
أما بالنسبة لمسألة مستقبل الأرض، فيرى هوكينغ أن الإنسان بحاجة إلى البدء في النظر إلى ما وراء كوكبنا إذا أراد البقاء على قيد الحياة كنوع من الكائنات الحية. وحول هذا الموضوع، كتب العالم أنه “بطريقة أو بأخرى، أرى أنه أمر لا مفر منه. فقد يؤدي أي هجوم نووي أو كارثة بيئية إلى التسبب في عجز الأرض في مرحلة ما في الألفية القادمة. وأضاف قائلا: “بحلول ذلك الوقت، آمل وأؤمن بأن جنسنا البشري المبتكر سيجد طريقة للتخلص من الروابط التي يفرضها كوكب الأرض، وبالتالي، سننجو من الكارثة. وبطبيعة الحال، قد لا يكون ذلك الأمر ممكنا بالنسبة لملايين الأنواع التي تعيش على سطح كوكبنا، والتي ستكون مسؤولية نحملها على عاتقنا كبشر”.
من جهة أخرى، أورد هوكينغ: “نحن نتصرف بعدم مبالاة فيما يتعلق بمستقبلنا على كوكب الأرض. ففي هذه اللحظة، ليس لدينا مكان آخر نلجأ إليه. لكن على المدى الطويل، لا ينبغي أن يضع الجنس البشري كل خيارات عيشه في سلة واحدة أو كوكب واحد. وأنا آمل أن ننجح في المحافظة على هذه السلة وتجنب سقوطها، قبل أن نتعلم كيفية الهروب من الأرض”.
كتاب ستيفن هوكينغ الأخير “أجوبة موجزة عن الأسئلة الكبيرة”، بعد إصداره العالمي في متحف العلوم في لندن في 15 تشرين الأول/ أكتوبر.
كتب هوكينغ: “إذا كانت الحجة حول المقياس الزمني لظهور الحياة على كوكب الأرض صحيحة، فيجب أن يكون هناك العديد من النجوم الأخرى التي تكون الحياة على سطح كواكبها ممكنة. وقد تكون بعض هذه الأنظمة النجومية قد تشكلت قبل خمسة مليارات سنة من ظهور كوكب الأرض، بالتالي، ما الذي يمنع أن تحتوي هذه المجرة على نماذج حياة ميكانيكية أو بيولوجية ذاتية التصميم؟”.
في هذا الإطار، تابع العالم قائلا: “ربما يعد احتمال ظهور حياة بشكل تلقائي منخفضا جدا، والأرض هي الكوكب الوحيد في المجرة، أو في الكون المنظور، الذي ظهرت فيه الحياة. أما الإمكانية الأخرى فتتمثل في كون أن هناك احتمالا معقولا بتشكيل أنظمة ذاتية التكاثر، على غرار الخلايا. لكن معظم أشكال الحياة هذه لم تقم بتطوير الذكاء. لقد اعتدنا على التفكير في الحياة الذكية باعتبارها نتيجة حتمية للتطور، ولكن ماذا لو لم يكن الأمر كذلك؟”.
في كتابه هذا، شرح هوكينغ ما يعتقد أنه يمثل أكبر التهديدات التي تواجهها البشرية، حيث كتب أن “اصطدام الكواكب السيارة أو الكويكبات، سيكون تهديدا لا يسعنا الدفاع عن أنفسنا ضده. لكن آخر تصادم من هذا النوع حدث قبل حوالي 66 مليون سنة، حيث نتج عنه انقراض الديناصورات. أما بالنسبة للخطر الداهم الذي يهدد كوكبنا بشكل مباشر في الوقت الحالي فهو التغيرات المناخية. ويمكن أن يؤدي ارتفاع درجات حرارة المحيطات إلى ذوبان القمم الجليدية، مما قد يسبب انبعاث كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون. ويمكن لهذه التأثيرات أن تجعل مناخنا مثل كوكب الزهرة مع درجة حرارة 250 درجة مئوية”.
في المقابل، لا يتعلق الأمر بالنسبة لهوكينغ بالموت والعتمة فحسب، حيث أن أفكاره تدور حول فكرة رئيسية واحدة يمكن من خلالها أن يتحول مستقبل البشرية إلى الأفضل. وقد كتب هوكينغ أن “هذا أمر سهل يتمثل في تطوير قوة الاندماج لإعطاء كمية غير محدودة من الطاقة النظيفة، واستخدام السيارات الكهربائية. وسيصبح الاندماج النووي مصدراً عملياً لتوليد الطاقة وسيوفر لنا إمدادات طاقة لا تنضب، دون التسبب في تلوث البيئة أو ظاهرة الاحتباس الحراري”.
المصدر: نيوزويك