بعد يومين فقط من بدء عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، خرج الرئيس الأمريكي جو بايدن رفقة نائبته كاملا هاريس ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، في مؤتمر صحفي يهاجم فيه حركة حماس ويصفها بـ”المنظمة الإرهابية التي تهدفُ لقتل اليهود”، ثم انتقل سريعًا للتأكيد على أن بلاده تدعم بالكامل “إسرائيل” بما تمر فيه الآن، وبما يمكن أن يكون مستقبلًا.
تزامن ذلك، مع إعلان وسائل إعلام أمريكية عبر مصادر من البيت الأبيض، عن وصول دفعة أولى من المساعدات الأمنية إلى “إسرائيل”، تحمل ذخيرة أسلحة أمريكية ستساهم بتنفيذ ضربات كبيرة استعدادًا لكافة السيناريوهات.
مع مرور الذكرى السنوية الأولى للطوفان، وفي ضوء استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة وتوسعها على الجبهة الشمالية مع “حزب الله” ولبنان، نستعرض في هذه المادة أشكال وحجم الدعم العسكري والسياسي الذي قدمته أمريكا لـ”إسرائيل” حتى اليوم. وكيف ساهم هذا الدعم بشكل مباشر في استمرار حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة وتوسيع أهداف الحرب.
الدعم العسكري
2023
في يوم الثلاثاء 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 بدأت الولايات المتحدة الأمريكية بشكل رسمي تحريك سفنها وطائراتها الحربية نحو الشرق الأوسط، لضمان تزويد إسرائيل بكل ما تحتاجه للردّ على استمرار عمليات التسلل البري والبحري من قبل كتائب القسام، في مستوطنات غلاف غزة. حيث أمر البنتاغون بتحريك مجموعة من حاملة الطائرات الحربية التابعة لمشاة البحرية الأمريكية، “جيرالد آر فورد” باتجاه البحر المتوسط، وتمديد بقائها في المنطقة لمدة 6 أشهر دون تحديد موعد نهائي لمهمتها.
أتبعها خلال أيام قليلة، بمجموعة حاملة الطائرات “دوايت أيزنهاور”، و يو إس إس باتون الجاهزة للإنزال، التي تحمل ثلاث سفن حربية، على متنها خمسة آلاف جندي من المشاة البحرية الوحدة 26، للانضمام إلى حاملة فورد في شرق البحر الأبيض المتوسط. بالتزامن مع هبوط 10 طائرات مقاتلة من طراز إف-35 في قواعد عسكرية مختلفة في الشرق الأوسط.
كما وافق مجلس النواب الأمريكي في 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 على خطة جمهورية لتقديم مساعدات عسكرية بقيمة 14.5 مليار دولار، بعد أيام من عودة بايدن من زيارته الأولى لـ”إسرائيل”، تتضمن 4 مليار دولار لتجديد وتطوير منظومة الدفاع الجوية، والقبة الحديدية ومقلاع داوود على وجه الخصوص.
حسب صحيفة “واشنطن بوست” قدمت الولايات المتحدة الأميركية منذ 7 أكتوبر / تشرين الأول حتى 29 ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، مساعدات عسكرية شملت 52.229 قذيفة مدفعية من عيار 155 ملم من طراز M 795، بالإضافة إلى 4792 قذيفة مدفعية من طراز M 107 عيار 155 ملم، و1981 قذيفة دبابات عيار 120 ملم. وقد أفادت أن الولايات المتحدة الأميركية سلّمت أكثر من 100 صفقة سلاح بإجمالي حوالي 250 مليون دولار، تشمل صفقات لدعم أنظمة دفاع جويّ وذخائر موجّهة بدقّة عالية وقذائف مدفعية وقذائف دبابات، وصواريخ “هيلفاير”، وأجهزة رؤية ليلية وصواريخ محمولة على الكتف.
إضافة لذلك، قدمت أمريكا لـ”إسرائيل” 50 طائرة مقاتلة من طراز”إف-15″، وطائرات بدون طيار من نوع “سويتش بليد”، إلى جانب قذائف دبابات ومعدات عسكرية، وقذائف مدفعية وذخائر موجهة بدقة عالية. إذ قدم حينها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، تقريرًا مفصلًا للكونجرس يشرح فيه حالة الطوارئ التي تتطلب إجراء عملية بيع فوري للمعدات الدفاعية المذكورة أعلاه، لصالح دعم الأمن الوطني للولايات المتحدة، من أجل التنازل عن متطلبات مراجعة الكونغرس المفروضة.
2024
في الربع الأول من العام الجاري، وتحديدًا في أبريل/ نيسان، وافق الكونجرس الأمريكي مجددًا، على حزمة مساعدات طارئة لإسرائيل، 9.2 مليار دولار منها للمساعدات الإنسانية، و14.3 مليار دولار مخصصة للدعم العسكري، شملت 50 طائرة مقاتلة من طراز F-15، على الرغم من أن إيصالها وتجهيزها سيستغرق سنوات. وذخائر ذات حمولة عالية تشمل 1700 قنبلة ثقيلة الوزن وخارقة للتحصينات، تزن الواحدة منها ما يقارب 500 رطل. و1800 قنبلة ثقيلة الوزن تزن 2000 رطل، تم تسليمها نهاية يونيو/ حزيران، بعد إدعاء إدارة بايدن قلقها بشأن استخدام هذه القنابل في مناطق مكتظة بالسكان في قطاع غزة.
ثم أعلنت وزارة الدفاع الإسرائيلية في 26 سبتمبر/ أيلول بأنها حصلت على نحو 3,5 مليارات دولار “لعمليات استحواذ مهمة”، بعد سلسلة اجتماعات رفيعة المستوى بين مسؤولين إسرائيليين وأمريكيين في واشنطن، أغسطس الماضي، فيما ستحصل قريبًا على المبلغ المتبقي (5,2 مليارات دولار) المخصص لتحديث أنظمة الدفاع الجوي، في إطار توسع الحرب على الجبهة الشمالية.
الدعم العسكري الميداني
يفوق الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل جميع مساهمات الدول الأخرى، ولا ينتهي عند عقد صفقات بأرقام خيالية، بل يمتد إلى منح العديد من التساهيل المالية لإسرائيل، لإتمام عمليات شراء أسلحة عالية التقنية مثل طائرات المراقبة بدون طيار، من الشركات الأمريكية المصنعة مباشرة، التي تمتاز بمحدودية الإنتاج وجودته العالية. إلى جانب تقديم المساعدة على أرض الواقع في تحقيق أهداف حربية أو في الدفاع عن أمن إسرائيل، على سبيل المثال:
دعمت قوة عسكرية أمريكية في إسرائيل قوات سلاح الجو الإسرائيلي في عملية تخليص الأسرى الإسرائيليين الأربعة الذين تم إخراجهم من مخيم النصيرات في غزة، في 8 يونيو/حزيران 2024. بعد شن قصف عنيف على أجزاء واسعة من المدينة ومخيمها، تسبب في سقوط أكثر من 210 شهيد وعشرات الجرحى. في عملية شارك بها المئات من أفراد الجيش وعناصر “الشاباك” وصفت بـ “المعقدة للغاية”.
حيث أكد مسؤول أمريكي لصحيفة “نيويورك تايمز” أن “فريقًا أمريكيًا رسمياً متمركزاً في إسرائيل ومتخصصًا في إنقاذ الرهائن، ساعد في العملية من خلال توفير معلومات استخباراتية والدعم اللوجستي”. فيما يرجح أن هذا الفريق يتبع لقوات “دلتا فورس” المعروفة بخبرتها في تنفيذ مهام خاصة وتحرير الرهائن. إذ سبق أن أمر البنتاغون بعد أيام قليلة من بدء عملية طوفان الأقصى في أكتوبر الماضي، بنشر 2000 جندي في إسرائيل، حسب ما قاله وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن.
كما رحبت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان “بإنقاذ الرهائن الأربعة الذين تم لم شملهم أخيرًا مع عائلاتهم في إسرائيل بعد ثمانية أشهر من الأسر”. وأن الولايات المتحدة “لن تهدأ حتى تتم إعادة كل الرهائن إلى وطنهم.”
أيضًا ساعد الجيش الأمريكي في 1 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري بالتصدي لعشرات الصواريخ الإيرانية على إسرائيل، التي جاءت ردًا على اغتيال كبار قادة حزب الله وحماس وبعض الضباط الإيرانيين في بيروت وطهران. عبر القواعد العسكرية الأمريكية المتمركزة في شرق البحر المتوسط. إذ أكد مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض أن الرئيس بايدن، ونائبته كامالا هاريس،كانا يديران التصدي للهجوم الإيراني على إسرائيل من غرفة العمليات بالبيت الأبيض، ويتلقيان تحديثات منتظمة من فريق الأمن القومي الخاص بهما.
كما أكد بايدن في مؤتمر صحفي أن الهجوم الإيراني “رغم أنه غير مسبوق، لكنه غير فعال وهزيمته دليل على القدرة العسكرية العالية للجيشين الإسرائيلي والأمريكي”. فيما صرح مستشار الأمن القومي الأمريكي جاك سوليفان، أن “المدمرات البحرية الأمريكية انضمت إلى وحدات الدفاع الجوي الإسرائيلية في إطلاق الصواريخ الاعتراضية، والنتيجة الاحترافية التي رأيناها هي – إلى حد كبير – بسبب التخطيط الدقيق المشترك مع الجيش الأمريكي”.
الدعم السياسي
أما على المستوى الدبلوماسي فقد انتهجت الولايات المتحدة الأمريكية موقفًا سريعًا وحازمًا تجاه التغييرات الحاصلة في الشرق الأوسط، منذ فجر يوم عملية طوفان الأقصى، وقبل أن يدرك العالم وإسرائيل نفسها طبيعة الحدث. إذ ساهم الرئيس الأمريكي جو بايدن في أول بيان له، بتثبيت صورة كاذبة عن المقاومة الفلسطينية، بعد تبني ادعاءات نتنياهو حول ارتكاب حماس جرائم اغتصاب نساء وقتل أطفال خلال عمليات التسلل لمستوطنات غلاف غزة. وهو ما اعتبرته حماس في بيان لها، “سقوطاً أخلاقيًا جديدًا لرئيس يفترض أن يتمتع بحد أدنى من الموضوعية، ولا ينساق بسهولة لبروباغندا رخيصة”.
توالت الجرائم بحق الشعب الفلسطيني في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة وحملات الاعتقالات في مدن الضفة الغربية، مع استخدام الولايات المتحدة الأمريكية حق الفيتو في مجلس الأمن الدولي 5 مرات من أصل 7 عمليات تصويت، تتعلق بمواصلة الإبادة الجماعية التي تحدث في غزة، لصالح إسرائيل. فيما تنتهج الولايات المتحدة هذا الأسلوب كواحد من أشكال الدرع الدبلوماسي لحماية إسرائيل، إذ استخدمت واشنطن حق النقض (الفيتو) 89 مرة، حتى ديسمبر 2023، كان 46 منها من أجل إسرائيل و 34 مرة تخص الأراضي الفلسطينية بالتحديد.
تسلسل الزمني لأبرز استخدامات واشنطن لـ الفيتو لحماية إسرائيل منذ السابع من أكتوبر:
18 أكتوبر/تشرين الأول 2023: استعملت أميركا حق النقض في مجلس الأمن الدولي، ضد قرار قدمته البرازيل تدعو فيه إلى “هدنة إنسانية” بين حماس وإسرائيل، للسماح بدخول المساعدات إلى القطاع.
26 أكتوبر/تشرين الأول 2023: قدمت روسيا طلبا لوقف إطلاق النار في غزة لأسباب إنسانية لكن الولايات المتحدة الأميركية صوتت ضده.
8 ديسمبر/كانون الأول 2023: بمشاركة 80 دولة قدمت الإمارات العربية المتحدة طلبًا لوقف إطلاق النار في غزة، إلا أن أمريكا استخدمت الفيتو مجددًا.
16 ديسمبر/كانون الأول 2023: تم رفض قرار دعا إلى إرسال بعثة تقصي حقائق للتحقيق حول ارتكاب إسرائيل جرائم حرب في غزة.
20 فبراير/شباط 2024: قدمت الجزائر نيابًة عن جامعة الدول العربية طلبًا بوقف إطلاق النار والعدوان الإسرائيلي على غزة منذ بدء معركة طوفان الأقصى في أكتوبر/تشرين الأول 2023، لكن الولايات المتحدة صوتت ضده مستعملة حق الفيتو.
اللوبي الصهيوني
ساهم اللوبي الصهيوني الأمريكي بشكل أساسي، منذ بدء الحرب على غزة، في تأمين بقاء السياسة الخارجية الأمريكية داعمة لمصالح إسرائيل وقراراتها بما يخص الحرب، بطرق مختلفة، وعلى رأسها تواجده بالقرب من أعضاء الكونغرس الأمريكي، الذين كان لهم السلطة الأعلى في اتخاذ مئات القرارات. إلى جانب مراقبة توجهات الإعلام الأمريكي، والدفع باتجاه تبني الرواية الإسرائيلية حول كل ما يحدث تقريبًا.
وقد ثبت قيام لجنة الشؤون العامة الأمريكية – الإسرائيلية “أيباك”، التي تضم أكثر من 3 مليون عضو و 17 مكتباً إقليمياً، ومجموعة كبيرة من كبار المتبرعين، بتقديم منح مالية بقيمة 100 ألف دولار، لكل عضو من أعضاء الكونغرس الأمريكي، الذين صوتوا على اتخاذ قرارات داعمة لإسرائيل منذ بدء الحرب على غزة. كما أكد أحد التقارير لموقع “ذا انترسبت” أن رئيس مجلس النواب، مايك جونسون، قد تلقى 95 ألف دولار من المتبرعين المانحين في مجموعة “أيباك”.
وتحرص لجنة “أيباك” على أن يحضر ممثل عنها كل اجتماع مفتوح في الكونغرس الأمريكي، أما الاجتماعات المغلقة فيحضرها دائمًا واحد من أعضاء المجلس الذين ينتمون للجنة، يطالع فيها سجل أداء أعضاء الكونغرس بانتظام، ويتبعها بزيارات خاصة من اللجنة حال وجود تغييرات “تدعو للقلق”.
وفي سياق متصل، وصفت النائبة في المجلس، أوكاسيو كارتيز من الكتلة التقدمية الديمقراطية، مجموعة “أيباك” بـ “المنظمة المتطرفة التي تزعزع استقرار الديمقراطية الأمريكية”، عبر حسابها في موقع “إكس”. ردًا على منشور للمجموعة انتقدت فيه كارتيز وأعضاء آخرين في مجلس النواب، لم يدعموا قرارًا يؤكد “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، ويدين الحرب الوحشية التي تشنها حماس ضد إسرائيل”، في 1 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023.
كما قامت مجموعة ديمقراطية مؤيدة لإسرائيل في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، ببث إعلانات تلفزيونية تنتقد النائبة رشيدة طليب من ولاية ميشيغان، في أولى المحاولات للرد على تزايد المشككين في سياسات إسرائيل داخل الحزب الديمقراطي.
حيث تضمن الإعلان تنديد بتصويت النائية طليب ضد تمويل قرار “حماية القبة الحديدية الإسرائيلية”، وضد قرار “إدانة هجوم 7 أكتوبر”. فيما تعتبر طليب واحدة من امرأتين مسلمتين فقط داخل قبة مجلس النواب الأمريكي، وواحدة من أكثر التقدميين الديمقراطيين تأييدًا للقضية الفلسطينية.
يتكون اللوبي الإسرائيلي الرسمي في أمريكا من 3 مجموعات ضغط رئيسية هي:
- تجمع “المسيحيون الإنجيليون من أجل إسرائيل”، وهو أكبر تجمع ديني مؤيد لإسرائيل في الولايات المتحدة.
- لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك) التي مهمتها التأثير على قرارات الكونغرس الأمريكي بشكل مباشر.
- مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية الكبرى، ويعد جهة اتصال رئيسية بين الجالية اليهودية والسلطة التنفيذية للحكومة الأمريكية.
يعكس حجم الدعم العسكري والسياسي الأمريكي لـ”إسرائيل” مقدار الاهتمام الذي توليه الإدارات الأميركية المتعاقبة لتثبيت وجود دولة الاحتلال في الشرق الأوسط، التي تعمل كمستعمرة متقدمة للولايات المتحدة في المنطقة، تضمن لها عدم الحاجة للتواجد بشكل مباشر على الأرض، وتحمل التكلفة البشرية كالتي تكبدتها في العراق وأفغانستان.