ترجمة وتحرير: نون بوست
إنه مشهد محزن ولكنه مألوف، فبينما يموت الناس بالأسلحة الأمريكية في منطقة حرب بعيدة، ترتفع أسعار أسهم شركات صناعة الأسلحة مثل “رايثيون” و”لوكهيد مارتن”، ويؤكد مقال نُشر في مجلة فوربس أن “أسهم صناعة الدفاع بلغت أعلى مستوياتها على الإطلاق في خضم التصعيد في الشرق الأوسط”.
يتساءل المرء عن شعور المسؤولين التنفيذيين في هذه الشركات عند استخدام أسحلتهم لارتكاب المجازر الجماعية في غزة والتصعيد الخطير في لبنان. إنهم لا يتحدثون علنًا في أغلب الأحيان، رغم أنهم يشعرون بالسعادة عند إبلاغ مستثمريهم من حين لآخر أن “الاضطرابات” و”عدم الاستقرار” يعني أن منتجاتهم ستكون مطلوبة بكميات كبيرة من قبل “حلفائنا”.
وعلى غرار إدارة بايدن، فإنهم يميلون إلى صياغة خطابهم باستخدام مصطلحات من قبيل “الحق في الدفاع عن النفس”، ويتصرفون كما لو أن قتل 40,000 شخص وتشريد الملايين -الغالبية العظمى منهم لا علاقة لهم بحماس على الإطلاق- يمكن تبريره فقط بأنه دفاع على النفس.
لا أحد من خارج دوائر السياسة المفلسة في واشنطن، يمكنه أن ينظر إلى التأثيرات الفظيعة على المدنيين في غزة والضفة الغربية ولبنان، ويصدق كذبة استخدام الأسلحة الأمريكية في حرب الشرق الأوسط للدفاع عن النفس.
ويُعتبر بيتر ثيل وزملاؤه في شركة “بالانتير” استثناءً للنهج المتكتم الذي يتبعه المديرون التنفيذيون في شركات الأسلحة الكبرى، فعندما سُئل عن شعوره حيال التكنولوجيا التي تستخدمها شركته لاختيار الأهداف في غزة، قال: “أنا لست على علم بكل تفاصيل ما يجري في إسرائيل، لأنني في العادة أصدق الرواية الإسرائيلية. وليس علينا أساسا أن ندقق في كل شيء”. وقد سافر الرئيس التنفيذي لشركة بالانتير أليكس كارب بكامل مجلس إدارة الشركة إلى إسرائيل في وقت سابق من هذه السنة لإظهار التضامن مع المجهود الحربي الإسرائيلي في غزة.
على الأقل، يعد المسؤولون في “بالانتير” صادقين، وقد عبروا عن موقفهم بشكل علني، أما قادة شركات مثل “لوكهيد مارتن” و”رايثيون” و”جنرال دايناميكس” و”بوينغ”، والتي توفر الأسلحة التي دمرت غزة وتقصف لبنان حاليا، فإنهم يفضلون الاختباء وراء عبارات ملطفة من قبيل تعزيز الدفاع والردع والاستقرار ومساعدة الحلفاء.
ولكن ماذا عن تورط هؤلاء الحلفاء في جرائم حرب واسعة النطاق دفعت محكمة العدل الدولية إلى القول بأن حرب إسرائيل على غزة يمكن اعتبارها إبادة جماعية؟ هل من المقبول أخلاقيًا أن نكتفي بربح الأموال وتجاهل المجازر، أم أن الشركات المستفيدة من هذه الكارثة الإنسانية المروعة تتحمل مسؤولية أخلاقية عن كيفية استخدام منتجاتها؟
قبل بضع سنوات، في ذروة العدوان السعودي على اليمن -والذي تم خلاله استخدام أسلحة أمريكية وأوروبية المنشأ بقيمة مليارات الدولارات-، قامت منظمة العفو الدولية بالتحقيق في هذه النقطة بالذات، وفي تقرير بعنوان “مسؤولية الأطراف الثالثة”، قدمت المنظمة نتائج دراسة استقصائية أجرتها على 22 شركة أسلحة، وطلبت منها “أن تشرح كيف تفي بمسؤولياتها في احترام حقوق الإنسان بموجب المعايير المعترف بها دولياً”.
وأشارت منظمة العفو الدولية إلى أن “العديد من الشركات التي تم التحقيق معها تقوم بتوريد الأسلحة إلى دول متهمة بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، مثل السعودية والإمارات العربية المتحدة”.
ولم تقدم أي من تلك الشركات أدلة على أنها تقوم بأي نوع من التدقيق اللازم لضمان عدم استخدام أسلحتها في ارتكاب جرائم حرب أو انتهاكات لحقوق الإنسان. وقد امتنعت 14 شركة عن الرد على الإطلاق، ومن بين الشركات الثماني التي أجابت على أسئلة منظمة العفو الدولية، جاءت الردود من قبيل “نحن نفعل فقط ما تسمح به الحكومة”.
إن هذا يصور شركات الأسلحة المؤثرة على أنها شركات بريئة تنتظر القرارات الحكومية قبل تسويق بضاعتها، ولكن في الواقع، ينفق صناع الأسلحة الملايين سنويا للضغط من أجل تخفيف القيود المفروضة لحماية حقوق الإنسان، واتخاذ قرارات أسرع بشأن بيع الأسلحة للعملاء الأجانب.
إن تجار الأسلحة محقون في شيء واحد، وهو أن الأمر سيتطلب تغييرا في السياسة الحكومية لوقف التدفق غير المنضبط للأسلحة الأمريكية إلى مناطق النزاعات، وهذا يعني كسر شبكة النفوذ التي تربط صانعي السياسات الحكومية والعديد من النواب في الكونغرس بالمديرين التنفيذيين لشركات الأسلحة. لا يمكننا أن نتوقع من كيان يحقق أرباحا طائلة مثل شركة “لوكهيد مارتن”، أن يضبط نفسه ويستغني عن المليارات التي تؤجج النزاعات والحروب.
هذا يعني أن مسؤولية إنهاء عمليات القتل الجماعي والاستفادة من الحروب تقع على عاتقنا جميعًا، بدءًا من الطلاب الذين ينادون بحظر تسليح إسرائيل، إلى أعضاء النقابات الذين يتطلعون إلى تقليل الاعتماد على الوظائف في قطاع صناعة الأسلحة، وصولا إلى أي مواطن أمريكي يريد سياسة خارجية هدفها تحقيق الأمن وليس زيادة ثروات “بالانتير” و”لوكهيد مارتن”.
المصدر: ريسبونسيبل ستيت كرافت