ترجمة وتحرير: نون بوست
منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، وبالتزامن مع إعلان السلطات التركية عن مقتل الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، في القنصلية السعودية في إسطنبول، لم يمر يوم واحد دون تسريب بعض التفاصيل المثيرة للاشمئزاز إلى الصحافة، والتي أدت إلى تصاعد وتيرة الضغوط المفروضة على الرياض، وعلى محمد بن سلمان، الرجل القوي للمملكة العربية السعودية وولي عهدها.
من جانبها، أكدت صحيفة “يني شفق” اليومية التركية، يوم الأربعاء، تمكنها من الوصول إلى تسجيل صوتي يكشف تعرض صحفي صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية إلى التعذيب، قبل أن يتم تقطيع جثته في القنصلية السعودية. وفي الوقت ذاته، أفادت صحيفة “نيويورك تايمز” أن عناصر مقربة من بن سلمان متورطة في عملية اغتيال هذا الصحفي.
مؤخرا، نشرت الصحفية، كريستين أوكرانت، كتابا بعنوان “الملك اللغز للمملكة العربية السعودية” (دار النشر روبرت لافان). وتفسر أوكرانت لصحيفة “لوبوان” الفرنسية السبب الذي جعل الصحفي جمال خاشقجي يمثل مصدر إزعاج لمحمد بن سلمان.
لوبوان: هل تعتقدين أن الموت المحتمل للصحفي المعارض، جمال خاشقجي، يحمل توقيع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان؟
الصحفية كريستين أوكرانت
كريستين أوكرانت: أجل، أعتقد ذلك ولأسباب عديدة، أولها أن المعلومات التي نعرفها عن مزاج محمد بن سلمان تدعم هذه الفرضية. ففي الواقع، يُعتبر بن سلمان شخصا غير ناضج يبلغ من العمر 33 سنة، كما أنه لم يسافر سوى في مناسبات قليلة. وهو لا يعد الابن البكر للملك سلمان ولكنه المفضل لديه. وخلافا لبقية إخوته، لم يدرس ولي العهد الحالي في الولايات المتحدة أو في المملكة المتحدة، وإنما في الرياض.
لقد تخصص محمد بن سلمان في دراسة القانون، الأمر الذي يعني أنه صب اهتمامه على دراسة القرآن، دون أن ننسى أن التعليم في المملكة العربية السعودية خاضع لسيطرة رجال الدين. كما نعلم أن أقارب محمد بن سلمان وعددا من زواره (الذين يلاقيهم ليلا) يتحدثون بقدر من التحفظ، عن المزاج السيء لولي العهد، فضلا عن سرعة غضبه، التي تتجلى في نفاذ صبره وردود فعله الجسدية العنيفة.
عادة ما يوصف بن سلمان بالملك “ذا النفوذ الواسع”…
يجمع محمد بن سلمان كل السلطات بين يديه بطريقة غريبة، وذلك في إطار نظام يعد إلى يومنا هذا شديد الغموض، حيث ينتقل “صولجان الحكم” بين الملوك من أخ إلى آخر. لكن الملك سلمان، البالغ من العمر 83 سنة، قطع مع هذا النظام، الذي يوصف “بالأفقي”، في سبيل سن نظام ملكي وراثي.
لا يلعب الغرب ولا المنظمات غير الحكومية أو السعوديون التقدميون، الذين زُجّ بهم في السجن منذ سنة، ولا العلماء المتشددون، أي دور في هذه المشاريع الإصلاحية.
بناء على ذلك، وصل محمد بن سلمان، حفيد الملك الذي أسس السعودية، عبد العزيز آل سعود، إلى العرش. ويبسط ولي العهد نفوذه على وزارة الدفاع والاقتصاد والشركة الوطنية للبترول (أرامكو)، فضلا عن جميع الخدمات ونظم المراقبة والمعلومات. كما يشمل نفوذه مراقبة مواقع التواصل الاجتماعي، علما وأنه، خلافا للمتوقع، يعتبر السعوديون من أكثر الشعوب اتصالا بهذه المواقع. وقد أنشأ ولي العهد، الرجل الشاب، ما يُسمى “بإدارة الاتصال” التي لم تكن موجودة في الماضي، والتي يستخدمها للترويج لصورة جيدة له.
هل تضررت صورة ولي العهد اليوم؟
تتمثل الصفة الثالثة لبن سلمان في شخصنته للسلطة، الخاضعة أساسا لسيطرته، وهو ما يتجلى، على سبيل المثال، في مدينة الرياض، حيث يمكن مشاهدة صورة بورتريه عملاقة للملك سلمان، بطبيعة الحال، ولكن لابنه محمد بن سلمان، أيضا، وهو ما لم يألفه الشعب السعودي. ففي الماضي، تميزت صراعات القوى من أجل السيطرة على السلطة، التي دارت بين أطراف سياسية متقدمة في السن وضعيفة النفوذ، بنسقها البطيء. وفي الحقيقة، لطالما كانت هذه الصراعات سرية، إذ أنه منذ توقيع الميثاق التأسيسي للمملكة في القرن 18، بين الواعظ محمد بن عبد الوهاب وعائلة آل سعود، لم تسعَ تلك الأطراف سوى إلى التوفيق بين النظام “العلماني” ورجال الدين.
في كل مرة عانت فيها البلاد من أزمة عميقة، اعتاد النظام السعودي على سجن عدد من رجال الدين المتشددين من ناحية، والتعاون مع آخرين منهم ومكافأتهم والترفيع في مداخيلهم من ناحية أخرى. لكن، وبشكل مفاجئ، أقام محمد بن سلمان نظام حكم يتميز بوحشية لم يسبق وأن عرفتها المملكة في تاريخها. وتتمثل شخصنة الحكم هذه في اعتبار أن كل الإصلاحات، التي يرى الغرب أنها تسير نحو انفتاح هذا المجتمع الذي يتخبط في مشاكل عديدة، لا تصدر إلا من محمد بن سلمان، ولا أحد سواه.
بناء على ذلك، لا يلعب الغرب ولا المنظمات غير الحكومية أو السعوديون التقدميون، الذين زُجّ بهم في السجن منذ سنة، ولا العلماء المتشددون، أي دور في هذه المشاريع الإصلاحية. وقد استغل محمد بن سلمان ذلك ليبرز نفوذه تحت شعار “أنا القائد”، كما أنه بفضل “بعد نظره وسخائه”، يعتبر الأمير نفسه الوحيد القادر على سن هذه التشريعات التي تسمح للشباب السعودي باللحاق بركب القرن الحادي والعشرين أخيرا.
هل كان جمال خاشقجي معارضا سعوديا شبيها ببقية المعارضين؟
ينحدر جمال خاشقجي من إحدى عائلات جدة المعروفة. وكان جده الطبيب الشخصي لجد محمد بن سلمان، الملك عبد العزيز آل سعود. وقد كان خاشقجي يمثل مصدر إزعاج لأنه على علم بالنظام الداخلي للمملكة. كما كان صحفيا يافعا حين استلم رئاسة تحرير الصحيفة السعودية اليومية “الوطن” في مناسبتين اثنتين، وهو أمر يحظى برمزية عالية في بلد يحتل مراتب متأخرة في مجال حرية الصحافة.
وفّر خاشقجي لوسائل الإعلام الأمريكية معلومات حول سبل فهم ووصف وتحليل النظام السياسي السعودي، الذي حافظ على غموضه لفترة طويلة
علاوة على ذلك، كان خاشقجي أحد المستشارين المقربين من تركي الفيصل، وهو أحد الأمراء الذين أزاحهم محمد بن سلمان عن طريقه في سباقه على السلطة. وقد شغل تركي الفيصل منصب رئيس المخابرات السعودية طيلة 22 سنة على التوالي، ورافقه خاشقجي حين عُين سفيرا للسعودية في لندن ومن ثم في واشنطن.
في الأثناء، اشترى خاشقجي شقة في واشنطن، وكان مقربا من الوليد بن طلال، الأمير الذي يملك ثروة طائلة والذي اعتقل في فندق ريتز كارلتون، على غرار عشرات الأمراء ورجال الأعمال بتهمة الفساد، في سنة 2017. ومنذ حوالي سنة ونصف، شهد خاشقجي على اعتقال عدد كبير من أصدقائه المشتبه بهم في تعاطفهم مع جماعة الإخوان المسلمين، المصنفة كمنظمة إرهابية في المملكة العربية السعودية منذ سنة 2004.
هل كان جمال خاشقجي ينتمي إلى الإخوان المسلمين؟
نعم، لقد كان كذلك، ولم ينكر مطلقا انتمائه هذا. ومنذ أن طردهم جمال عبد الناصر من مصر في خمسينيات القرن الماضي، لا زال الإخوان المسلمون متواجدين داخل الأجهزة الاقتصادية والسياسية في المملكة العربية السعودية. وحين شعر خاشقجي بهذا التضييق السياسي الذي فرضه بن سلمان، اختار الفرار وقرر الانتقال إلى الولايات المتحدة بناء على رغبته الشخصية. وسرعان ما أصبح ضيفا اعتياديا في القنوات التلفزية. وقد تمكن من العمل مع صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، التي تعتبر المملكة العربية السعودية شريكا أساسيا في سوق الأسلحة.
وفّر خاشقجي لوسائل الإعلام الأمريكية معلومات حول سبل فهم ووصف وتحليل النظام السياسي السعودي، الذي حافظ على غموضه لفترة طويلة. وقد كان ذلك في مدينة تدفع فيها المملكة العربية السعودية الملايين من الدولارات لشركات العلاقات العامة من أجل تلميع صورة محمد بن سلمان.
لماذا شكل خاشقجي مصدر إزعاج لمحمد بن سلمان؟
لم يكن جمال خاشقجي مجرد صحفي بسيط، ذلك أنه كان يحظى بثقل سياسي هام. وما شد انتباهي حقا هو مواصلته تمجيد الأمير تركي ومعارضة محمد بن سلمان، خاصة فيما يتعلق بنظرة ولي العهد المثالية للمملكة العربية السعودية ما قبل سبعينيات القرن الماضي (حين كان الإسلام فيها معتدلا). وقد ردّ خاشقجي على الأمير بالإشارة إلى أنه عاصر تلك الفترة من تاريخ المملكة وأن خطاب بن سلمان ليس سوى تحريفا للتاريخ.
مقارنة بالفترة الماضية، ازدادت ممارسات بن سلمان سوءا، على غرار الاعتقالات غير المبررة والضغوط المفروضة على الأوساط السعودية في الخارج
على إثر ذلك، تتالت انتقادات خاشقجي لممارسات محمد بن سلمان بشكل صريح. وفي الواقع، رحب خاشقجي بالإصلاحات التي أعلن عنها ولي العهد، لكنه وصف أساليبه في الحكم “بالبغيضة”. ووفقا له، لن تنجح المملكة العربية السعودية في إحراز أي تقدم على هذا النحو. كما عمد في كتاباته إلى استنكار سجن المعارضين ووحشية ولي العهد.
هل راح جمال خاشقجي أيضا ضحية هذه الأساليب؟
مقارنة بالفترة الماضية، ازدادت ممارسات بن سلمان سوءا، على غرار الاعتقالات غير المبررة والضغوط المفروضة على الأوساط السعودية في الخارج. ولا يرغب أبناء المملكة في باريس أو لندن أو حتى في الرياض في أن تذكر أسمائهم في الإعلام، خشية تعرضهم أو تعرض عائلاتهم للتضييقات. الجدير بالذكر أن هذه الأساليب تم اعتمادها في الاتحاد السوفيتي وفي الصين. ويعكس هذا الأمر الوحشية المتنامية لممارسات محمد بن سلمان، بما في ذلك حادثة خاشقجي الدموية.
المصدر: لوبوان