لا بدّ وأنك قد مررت مرةً بمرحلةٍ من مراحل الاكتئاب أو القلق أو التوتر أو الإحباط، لتعود بعدها إلى بيتك وتجلس على أريكتك مع ذلك الكمّ الهائل من الطعام غير الصحي من الحلويات والمثلجات ورقائق البطاطا المقلية وغيرها الكثير من الوجبات السريعة التي قد تأنف نفسك منها في الأيام العادية. فهل فكّرت يومًا عن السبب الذي يجعلك تأكل بذلك القدر من الشراهة في هذه الأوقات؟
فقد نعلم جميعُنا فعليًا أنّ إحدى العلامات الرئيسية للإصابة بمرض الاكتئاب هي التغيّر الواضح في الوزن والتعامل مع الطعام، فإمّا أنْ يفقد المريض به وزنه بشكلٍ ملاحَظ بسبب امتناعه المستمرّ عن الطعام، وإمّا أنْ يدخل في مرحلةٍ من الشراهة والنهَم في الأكل بدرجةٍ وكميةٍ أكبر من المعتاد عليها بكثير، فيزداد وزنه.
الطعام العاطفي هو الطعام ذو السعرات الحرارية العالية أو الغني بالكربوهيدرات ذات القيمة الغذائية الضئيلة، الذي نلجأ إليه كطريقة لقمع أو تهدئة المشاعر السلبية مثل الإجهاد والغضب والخوف والضجر والحزن والوحدة والاكتئاب
هذه التغيرات في العادات الغذائية والتي يرافقها تغيّرٌ بالوزن قد تكون مرتبطة بأعراض أخرى، مثل التعب والإرهاق المستمرين وفقدان الطاقة، وانخفاض واضح وصريح بالاستمتاع والاهتمام بالأنشطة التي كان الشخص يستمتع بها مسبقًا، الهياج الحرَكي أو الخمول المستمر، إضافةً لاضطرابات النوم الحاصلة سواء الأرق وصعوبة النوم أو النوم المفرط على مدار اليوم. ويُعدّ التغير الشهري في الوزن، زيادةً كانَ أو نقصانًا، لأكثر من 5% من نسبة وزن الشخص مؤشرًا على الاكتئاب. خاصة إذا صاحبه أحد الأعراض السابقة.
لماذا تزيد أوزاننا إذا اكتئبنا أو توتّرنا؟
بدايةً لنتفق أنّنا نلجأ للطعام في كثير من الأحيان كوسيلة تعويض عن أيامنا الصعبة ولحظاتنا الحرجة ومشاعرنا الحزينة وانكساراتنا العاطفية. أو بوصفه وسيلة تشويشٍ تُبعدنا عن التفكير بكلّ تلك الأمور، فنلجأ للطعام كفاصل زمانيّ يُبعدنا قليلًا ويُلهينا عن الأشياء التي نواجهها والأوضاع المؤلمة التي نمرّ بها.
أمّا علميًا، فالطعام يغيّر من التوازن الكيميائي في الدماغ، ما يمكنه فعليًا من خلق شعورٍ مؤقت بالمزاج الإيجابيّ. كما أنّ حواليْ 95 ٪ من السيروتونين يتمّ إنتاجه في جهازك الهضمي، وهو الناقل العصبي الذي يساعد على تنظيم النوم والشهية وتحسين المزاج ومنع الألم، عوضًا عن إنتاج شعورٍ أكبر بالراحة النفسية وبعض السعادة.
نلجأ للطعام في كثير من الأحيان كوسيلة تعويض عن أيامنا الصعبة ولحظاتنا الحرجة ومشاعرنا الحزينة وانكساراتنا العاطفية. أو بوصفه وسيلة تشويشٍ تُبعدنا عن التفكير بكلّ تلك الأمور
يُعرّف هذا النوع من الطعام بمصطلح “الطعام العاطفيّ“، وهو الطعام، ذو السعرات الحرارية العالية أو الغني بالكربوهيدرات ذات القيمة الغذائية الضئيلة، الذي نلجأ إليه كطريقة لقمع أو تهدئة المشاعر السلبية مثل الإجهاد والغضب والخوف والضجر والحزن والوحدة والاكتئاب. والعديد من الأشخاص الذين لا يعانون من الاكتئاب أو أي مشكلة أخرى تتعلق بالصحة العقلية ينخرطون في هذا السلوك استجابة لمشاعر مؤقتة أو ضغوط مزمنة.
ومهما كانت المشاعر أو العواطف التي تدفعك لمثل هذا السلوك في الإفراط بتناول الطعام، فإنّ النتيجة هي نفسها في أغلب المرات؛ زيادة الوزن ومن ثمّ الدخول في عبءٍ نفسيّ كبير لفقدانه. أيْ أنّ الأمر من الممكن أن يؤدي إلى دورة غير صحية مغلقة: حيث تؤدي مشاعرك السلبية إلى الإفراط في تناول الطعام، فتكسب وزنًا زائدًا، ومن ثمّ تبدأ بالشعور بالندم والسوء نتيجة ذلك فتدخل في مسار فقدان الوزن وخسارته، إلا أنك قد تفقد السيطرة في أوقات كثيرة لتشعر بعدها بالسوء حيال ذلك، فتفرط في تناول الطعام من جديد ويزداد وزنك فتدخل في نوبة اكتئاب أو حزنٍ أو توتر، وهكذا دواليك.
مهما كانت المشاعر أو العواطف التي تدفعك لمثل هذا السلوك في الإفراط بتناول الطعام، فإنّ النتيجة هي نفسها في أغلب المرات؛ زيادة الوزن ومن ثمّ الدخول في عبءٍ نفسيّ كبير لفقدانه
وبالتالي، فمعرفتك للأسباب التي تجعلك تصبح عرضةً للطعام العاطفيّ قد تساعدك على التوقف عن هذه العادة الغذائية السلبية. فبمجرد التعرف على النمط الذي تسلكه، ستكون قادرًا على وضع استراتيجية لكسره. على سبيل المثال، إذا كنت تأكل كثيرًا لأنك تعتقد أنك تستحق ذلك بعد يوم عصيب، تذكر أنك تستحق أيضًا إنقاص وزنك وأن تحظى بصحة جيدة. وإذا كنت تأكل بسبب الإجهاد، فيجب عليك أنْ تكون واعيًا أنّ الطعام لن يخلصك من إجهادك وإنما عليك أن تلجأ إلى أساليب أخرى قد تساعدك في التخلص منه، مثل اليوغا والتأمل والتمارين الرياضية المنتظمة.
تشير الدراسات أنّ النظام الغذائي المتوسطي يمكن أن يحمي من الاكتئاب، إذ يعتقد الباحثون أنّ النظام الغذائي الصحي والغني بالخضروات الطازجة والحبوب الكاملة وزيت الزيتون يساعد بشكلٍ كبير على الحفاظ على الصحة العقلية والنفسية
هل يمكن مواجهة الاكتئاب أو التوتر بالأكل الصحي؟
تُظهر الدراسات أنّ الشعوب التي تتبع النمط الغذائي المتعارف عليه في مناطق البحر الأبيض المتوسط قد أظهرت خطرًا أقل للإصابة بالإصابة بالاكتئاب والاضطرابات النفسية بنسبة 25% إلى 35% من الشعوب التي تتبع النمط الغذائي الغربيّ على سبيل المثال. ويرجع الأمر بحسب رأي العلماء إلى أنّ الطعام في منطقة البحر المتوسط يغلب تشمل استهلاك نسبة عالية من زيت الزيتون والبقوليات والحبوب غير المكررة، والفواكه والخضروات وكمية معتدلة إلى كبيرة من الأسماك، ومنتجات الألبان
عوضًا عن ذلك، تشير تلك الدراسات أنّ النظام الغذائي المتوسطي يمكن أن يحمي من الاكتئاب، إذ يعتقد الباحثون أنّ النظام الغذائي الصحي والغني بالخضروات الطازجة والحبوب الكاملة وزيت الزيتون يساعد بشكلٍ كبير على الحفاظ على الصحة العقلية والنفسية. وفي حين أن الاكتئاب لا ينجم عن عامل واحد فقط، إلا إنّ تناول الطعام بشكل جيد هو خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح للتخلص منه ومن أي نوعٍ آخر من الاضطرابات النفسية أو الحالات المزاجية السلبية.