تشير الأرقام إلى أن أغنية ديسباسيتو التي شاهدها أكثر من 5.6 ملايير شخص على اليوتيوب ساهمت في رفع عدد السياح ببورتريكو بنحو 45 بالمائة في عام 2017 بعد أن كان محورها التعريف بهذا البلد، وتتحدث التقارير أن رواية “شيفرة دافينشي” للروائي الأمريكي دان براون جعلت عدد زوار العاصمة الفرنسية باريس التي كانت مكان الرواية يتزايد لمعرفة خبايا هذه المدينة، في صورة واضحة لقيمة المكان في العمل الفني والأدبي وأهمية المدينة في صنع حبكة الرواية، غير أن هذه القيمة ليست بتلك الدرجة في الكتابات التي تحدثت عن العاصمة الجزائر، حيث لا تزال شخوص القصص والروايات تتفوق على جمال المدينة وخباياها.
واختلفت الكتابات الأديبة التي تناولت مدينة الجزائر عاصمة البلاد باختلاف الفترة التي صدر فيها الكتاب والزمان الذي تتحدث عنه الرواية، كما اختلفت من كاتب لآخر، لكن تبقى كل هذه المحاولات ليست في قيمة عاصمة بلاد تعرف بأنها قلب المغرب العربي وعايشت مختلف العصور من اليونان إلى الرومان إلى الإسلام والعثمانيين وعهد الاستعمار الفرنسي فمرحلة الدولة الحديثة بعد الاستقلال.
بعيون الغرب
لفتت الجزائر العاصمة أنظار العالم الغربي خاصة الأوروبي، ومثلما كانت مطمعا لسياسييه طيلة مختلف العصور وحاولوا احتلالها، شكلت أيضا إلهاما للكتاب الأوروبيين حتى ولو رأوها بعين زائغة أهملت روحها المتمثلة في الإنسان الجزائري العربي الأمازيغي وحولته في رواياتهم إلى أوروبي.
من بين هؤلاء يبرز الكاتب الفرنسي ألبير كامو الذي يعتبر الجزائر بما فيها تيبازة من أجمل المدن، مثلما يقول لـ”نون بوست” الروائي الدكتور أمين الزاوي المدير الأسبق للمكتبة الوطنية الجزائرية.
شكلت الجزائر العاصمة فضاء لكتابات كثير من الجزائريين، لكن أغلبهم اهتموا بالشخوص التي تدور في هذا الفضاء الروائي
ولم يغيب كامو الجزائر والعاصمة عن معظم أعماله مثل مجموعاته القصصية الزفاف والصيف والمنفى والمملكة وفي روايتي الغريب والطاعون، فتحدث عن ريفها ومقاهيها وآثارها وفنادقها باعتبارها مدينة وبلدا موعودا لأمثاله من الأوروبيين، فكامو نظر إلى الجزائر دوما بعين الاستعمار الفرنسي، لذلك كثيرا ما غاب الجزائري العربي الامازيغي الحقيقي عن أعماله وإن حظر يكون شخصية غامضة ومبهمة المعالم والتفاصيل والسلوك.
وحسب الزاوي، فإن أهم الكتابات الغربية التي تناولت الجزائر العاصمة بشكل لافت وموضوعي هي رواية “أعالي المدينة” لإيمانويل روبلس (1914 – 1995) التي افتكت جائزة “فيمينا” الفرنسية، والتي تجرى أحداثها في حي تيلملي وسط العاصمة وتتحدث عن مقاومة النازية من داخل الجزائر.
واستطاع روبلس في رواية “أعالي المدينة” أن يتنبأ بإرهاصات الثورة التحريرية الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي من خلال إسماعيل بطل قصته وهو شاب جزائري حاول الانتقام لكرامته التي كانت تداس من قبل الفرنسيين.
كما يمكن العودة إلى الجزائر القديمة عبر ما ألفه الكاتب الاسباني ميغيل سرفانتس (1547-1616) التي برزت من خلال كاتبه “منافي الجزائر” وكذا روايته الشهيرة “دون كيشوت دي لامانشا” التي يستلهم فيها أحداث روايته من الفترة التي اعتقل فيها بالجزائر من 1575 إلى غاية إطلاق سراحه في 1580، حيث يتحدث عن الجزائري الشعبي الذي يسكن العاصمة، وعن النساء في مدينة الجزائر، فقد وصفهن بالقول “إنها امرأة ترتدي ثوبا لا تظهر من خلاله، فحتى زوجها لا يمكنه التعرف عليها”، في إشارة إلى لباس الحايك المعروفة به المرأة في الجزائر.
نظرة أهل الدار
شكلت الجزائر العاصمة فضاء لكتابات كثير من الجزائريين، لكن أغلبهم اهتموا بالشخوص التي تدور في هذا الفضاء الروائي، ولم يهتموا كثيرا بجمالها وأزقتها إلا في بعض الحالات بقصبتها العريقة التي تعود إلى الفترة العثمانية، ويرجع ذلك وفق رؤية أمين الزاوي إلى أن أغلب الروائيين الجزائريين من خارج العاصمة، فحينما يدخلون المدينة لا ينظرون إلى جمالها العمراني ولا يكتبون بعيونهم إنما بأحاسيسهم وبغربتهم في هذا الفضاء، وهذا الأصل جعلهم لا ينتبهون لجمال المدينة والعمران، مثلما يضيف الزاوي في حديثه مع “نون بوست”.
شدت الجزائر العاصمة أنظار أمين الزاوي فجعلها مكانا لأحداث روايته “ابن البيضة” الصادرة باللغة الفرنسية
وحسب المدير الأسبق للمكتبة الوطنية الجزائرية، فإن “الإطار العمراني والحضاري لا يهم كثيرا في كتابات الجزائريين عن العاصمة بقدر ما يهم الفرد في المجتمع، لكن يجب التنبيه إلى أنه لا يمكن الوصول لمكامن الشخص بعيدا عن دراسة المدينة والمحيط”.
ومن الكتاب الذين تحدثوا عن العاصمة الجزائر في رواياتهم واسيني الأعرج في سيدة المقام والتي عاد فيها للحرب على التمدن خلال العشرية السوداء، كما تحدثت زهرة ديك في روايتها “قليل من العيب يكفي” عن شوارع العاصمة وبالتحديد شارع عميروش وسط المدينة الذي كان مسرحا لعمليات إرهابية.
وجرت بعض أحداث رواية “طيور الظهيرة” لمرزاق بقطاش أيضا في العاصمة الجزائر، وكانت ثلجة بطلة كتاب “الربيع” لرشيد بوجدرة تسكن بشارع حسيبة بن بوعلي الشعبي وسط المحروسة الاسم القديم للجزائر.
وشدت الجزائر العاصمة أنظار أمين الزاوي فجعلها مكانا لأحداث روايته “ابن البيضة” الصادرة باللغة الفرنسية، و التي تجري تفاصيلها في حي تيلملي، كما أثار الزاوي في روايته “حر بن يقضان” مسألة جمال مدينة الجزائر المهدد بالترييف لتعرضه لانتهاكات عمرانية وتنظيمية متواصلة ليصبح حال العاصمة يشبه المدرج الروماني.
وحرص بشير مفتي في روايته “دمية النار” على أن يتحدث عن أزقة مدينة الجزائر وحتى على ملاهيها حينما كتب عن فترة الإرهاب التي عاشتها البلاد في التسعينات، أما هاجر قويدر فتنقل القارئ في روايتها “نورس باشا” إلى الفترة العثمانية وقبل الاحتلال الفرنسي، وفي رواية “الرايس” تستذكر عهد فترة الأتراك في مدينة الجزائر وتجعل من البطل “الرايس حميدو” شخصية لإصدارها السردي.
ورغم تعدد الإصدارات الأدبية التي تناولت “المحروسة” مكانا لحيثيات أحداثها، تبقى لحد اليوم حسب المتابعين للشأن الأدبي الجزائري مهملة للجانب الجمالي والحضاري لعاصمة البلاد، أمر قد يستمر في الوقت الحالي مع ظهور موجة الكتابة السردية التي لا تعطي أهمية لعاملي الزمان والمكان في بناء حبكة القصة أو الرواية.