ترجمة وتحرير: نون بوست
في أعماق مجمع شركة فيسبوك في مينلو بارك، كاليفورنيا، يوجد غرفة مساحتها تقريبا 25 قدم مربع. وفي هذه الغرفة يقع، على الأرجح، العمل على تشكيل نظرة العالم بشأن الشركة في الأشهر القادمة. في الظاهر، تبدو الغرفة مثل قاعة التداولات التجارية في وول ستريت، مع شاشات مثبتة على الجدار وفوق كل مكتب. وعلى امتداد 20 ساعة، التي قد تصبح في بعض الأحيان 24 ساعة، كانت هذه الغرفة تزدحم بحوالي 20 شخصا بما ذلك خبراء في القرصنة، ومهووسين بالتكنولوجيا، ومحامين يحاولون جميعا تحديد وإيقاف أي تهديد يمكن أن يحدث في المستقبل على مختلف المنصات التابعة للشركة.
في الواقع، يطلق على هذه الغرفة اسم “غرفة الحرب”، وقد تم تجهيزها قبل شهر من الآن، قبيل الانتخابات الرئاسية البرازيلية والانتخابات النصفية الأمريكية، في إطار مساعي شركة فيسبوك العلنية والأكثر دراماتيكية ووضوحا لضمان أن لا يتكرر الاحتيال والتلاعب الذي كان متفشياً عن طريق موقع فيسبوك خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية في سنة 2016.
في السنوات الماضية، كانت شركة فيسبوك تعمل بجد حتى تبقي مثل هذه الاستراتيجيات الوقائية طي الكتمان، حتى لا تطلع بقية الشركات المنافسة على خطواتها المستقبلية أو الكشف عن مواطن الضعف في صلب إحدى أنجح الشركات في سيليكون فالي. في المقابل، تضررت سمعة فيسبوك بسبب التلاعب الذي فشلت في اكتشافه سنة 2016، والإجابات التي تنم على قدر كبير من الغطرسة والتعالي بعد انتهاء التصويت، فضلا عن فضيحة كامبريدج أناليتيكا التي جدّت هذه السنة. بناء على ذلك، دعت الشركة صباح يوم الأربعاء نحو أربعين صحافياً لإلقاء نظرة على الشركة، وطرح الأسئلة، وتمرير رسالة إلى العالم مفادها أن فيسبوك تحاول على الأقل تصحيح الأمور هذه المرة.
صورة من داخل “غرفة الحرب” الخاصة بفيسبوك لاكتشاف ومنع أي محاولات للتدخل في الانتخابات.
تبدو الغرفة عادية للغاية انطلاقا من رواق المبنى رقم 20. في الحقيقة، جعل ورق التعتيم المثبت على النوافذ الغرفة تبدو وكأنها قاعة مؤتمرات فارغة، وتفتقر للإضاءة. وفي الداخل، توجد العديد من الشاشات التي تقوم بمراقبة المحتوى الفيروسي، والرسائل غير المرغوب فيها، والكلام الذي يحض على الكراهية، وقمع الناخبين عبر جميع منصات فيسبوك، فضلا عن المواقع الخارجية مثل تويتر وريديت. وفي هذا الصدد، صرح ساميد شاكرابارتي، المشرف على الانتخابات والمشاركة المدنية على موقع فيسبوك، قائلا: “لقد كنا نقوم بكل هذه الإجراءات فعليا منذ سنتين، ولكن عندما يكون هناك بعض المهام التي يجب أن تنجز على وجه السرعة، يصبح من الضروري أن نتفاعل مباشرة”.
من جانبه، قال المتحدث باسم شركة فيسبوك، توم رينولدز إن هناك أكثر من 20 فريقًا داخل “غرفة الحرب” مدعومين بحوالي 20 ألف شخص جندهم فيسبوك لتحسين سبل مراقبة برامجهم. وتضم الفرق متخصصين في التهديدات السيبرانية وعلم البيانات والهندسة والأبحاث والسياسة القانونية والاتصالات. وفي الوقت الراهن، تعمل هذه الفرق 20 ساعة في اليوم، ليمتد الدوام لنحو 24 ساعة قبل 5 أيام من بدأ الانتخابات البرازيلية؛ أي في 28 من تشرين الأول / أكتوبر، ومرة أخرى قبل خمسة أيام من الانتخابات النصفية الأمريكية في 6 من تشرين الثاني / نوفمبر.
في الواقع، تم إعداد الغرفة على اعتبارها اعترافا مبطنا بأن فيسبوك في سباق تسلح ضد المخترقين والمتلاعبين، وأن التهديدات يمكن أن تصدر من أي مكان. في الغالب، يمكن لهؤلاء المحتالين أن يشنوا هجومهم من خلال إنشاء حساب زائف، أو حتى حساب عادي، ليطلقوا منه حملة إخبارية كاذبة أو يمكن أن يستخدموا الرسائل غير المرغوب فيها لبلوغ مبتغاهم بشكل سريع، ويمكنهم اعتماد بأي لغة وفي أي بلد.
على الرغم من العثرات التي واجهتها، اتخذت الشركة خطوات ملموسة هذه السنة لتحسين سبل مراقبة شبكتها
في ظل وجود العديد من الخبراء ضمن مجموعة من الفرق المتنوعة التي تعمل بسرعة وتراقب عن كثب، تأمل في أن تتمكن من التصدي للتهديدات ومعالجتها في غضون دقائق قبل أن تجتاح منصات التواصل الاجتماعي الخاصة بها. يوم الأربعاء، لم يقر الرؤساء التنفيذيون بأنهم سيواصلون استخدام غرفة الحرب بعد انتهاء الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة الأمريكية، ولكنهم أطنبوا في الحديث عن نجاعتها ومدى فاعليتها، بحيث يصعب عليهم التفكير في سبب يدفعهم إلى إغلاقها.
سرعان ما سيزعم المتشائمون أن هذه الخطوة ليست إلا محاولة من الشركة لطمس الحقائق، خاصة وأنها لا تزال تعتبر أن الفضائح التي واجهتها خلال السنتين الماضيتين، تعد، في المقام الأول، مجرد مشاكل على مستوى العلاقات العامة. ومن الصعب أن تأخذ مساعي فيسبوك الإصلاحية على محمل الجد، خاصة أن الشركة، لا تتوانى، وخلال أكثر من مناسبة في الشهر ذاته، على ارتكاب هفوة ما تثير سخط المستخدمين والمستثمرين والموظفين. ففي الشهر الماضي، أعلنت عن أكبر اختراق في تاريخها، الذي طال حوالي 30 مليون حساب.
من المثير للدهشة أن يظهر جويل كابلان، نائب الرئيس لشؤون السياسة العامة العالمية لموقع فيسبوك، على شاشة التلفزيون على أنه أحد مؤيدي بريت كافانو خلال جلسات الاستماع. في الأسبوع الماضي، منيت فيسبوك بفشل ذريع فيما يتعلق بالأوامر الصوتية المتعلقة بالسماعات عن بعد التي تعرف باسم بورتال. في البداية، قيل إنه لن يتم استخدام أي معلومات من الجهاز لاستهداف المستخدمين من خلال الإعلانات، ثم اعترفت هذا الأسبوع أنه يمكن في الواقع استخدام بيانات المكالمات واستخدام التطبيق من قبل فيسبوك وإنستغرام بغية استهداف المستخدمين.
خلال البيان الموجز الذي ألقي يوم الأربعاء، سأل أحد الصحفيين البرازيليين عن سبب مواصلة تفشي الأخبار الزائفة في موقع فيسبوك في البرازيل، على الرغم من الجهود التي تبذلها الشركة للقضاء عليها، ولكن المديرين التنفيذيين لم يجيبوا على السؤال مباشرة. في المقابل، من الصعب أيضًا تفادي حقيقة أن فيسبوك، أكبر شركة اتصالات رقمية في العالم، تحقق نجاحا كبيرا من خلال استغلال مميزات البيانات التناظرية، والمحادثات وجها لوجه. ولم يكن من الممكن أن يصل فيسبوك إلى مثل هذا النجاح منذ سنتين. ففي ذلك الوقت، كان الرئيس التنفيذي والمؤسس، مارك زوكربيرغ يظن أنه كلما كان التفاعل البشري مع المحتوى على فيسبوك محدودا أكثر، كان ذلك أفضل.
في الوقت الراهن، تتحدث شركة فيسبوك بشكل علني عن استخدام أجهزة الكمبيوتر والموظفين لحل المشاكل التي تواجهها
على الرغم من العثرات التي واجهتها، اتخذت الشركة خطوات ملموسة هذه السنة لتحسين سبل مراقبة شبكتها، حيث تم تجديد خوارزمية “موجز الأخبار”. كما فرضت مجموعة من القيود الجديدة على الإعلانات السياسية، وتضاعف حجم الفرق التي تعمل على هذه القضايا إلى 20 ألف شخص. في المقابل، صدمت الشركة المستثمرين عندما أعلمتهم أنه، على الأرجح، سيتوجب عليهم إنفاق نحو أربعة مليارات دولار قبل أن يقع فعلا معالجة هذه المشاكل على نحو جذري.
يبدو أن فيسبوك يحاول أن يتسم بالشفافية أكثر بشأن المشكلات التي يواجهها، حيث أنه لا يكاد يمر أسبوع دون أن يكشف عن الهجمات التي تفطن إليها والصفحات أو الحسابات التي قام بإلغائها. وتختلف هذه الممارسات العلنية مع رد فعل شركة فيسبوك إزاء فضيحة كامبريدج أناليتيكا في شهر آذار / مارس، عندما لم يعلق أي من زوكربيرغ أو شيرل ساندبيرج علنيًا أو أي من الموظفين لمدة أسبوع على الموضوع. ولكن من الواضح أنه قد حدثت بعض التغييرات في صلب الشركة.
في الوقت الراهن، تتحدث شركة فيسبوك بشكل علني عن استخدام أجهزة الكمبيوتر والموظفين لحل المشاكل التي تواجهها. وفي هذا الشأن، قال رينولدز، إن “ضبط النظام الأساسي يشبه العثور على إبرة في كومة قش. وبالتالي، نستخدم الذكاء الاصطناعي لتقليص حجم كومة القش، ثم نستخدم الناس للعثور على الإبرة”. كما أشار إلى أنه سيكون أمرا رائعا لنا جميعا إذا نجح هذا النهج وساهم في نجاح فيسبوك.
المصدر: وايرد