بقبول 18 دولة للقرار، ورفض لبنان واليمن وسوريا، وامتناع العراق، تم “تعليق” أو “تجميد” عضوية الجمهورية العربية السورية في جامعة الدول العربية، بتاريخ 12 من نوفمبر/تشرين الثاني 2011، أي بعد مرور 8 شهور على اندلاع الأزمة السورية.
وقد شمل قرار التجميد التطرق إلى توقيع العقوبات الاقتصادية والسياسية ضد النظام السوري، مع اتخاذ قرار غير مُلزم بسحب السفراء من دمشق، وإعلان سفراء دمشق في الدول العربية “شخصيات غير مرغوب فيها”.
وفقًا لللائحة الداخلية الخاصة بجامعة الدول العربية، لا يحتوي ميثاق التأسيس على إجراء تعليق أو تجميد لعضوية دولة ما، إنما تنص المادة الثامنة عشر على طرد أو فصل العضو، في حال صدر القرار بإجماع الدول العضو عدا الدولة المُشار إليها، لكن يبدو أن الواقع أعجز هذه الدول عن تطبيق هذه المادة بالكامل، لذا اكتفت بعقوبة التجميد حيال كلٍ من مصر وليبيا والعراق سابقًا، وسوريا حاليًا، وعلى الرغم من تسليم مقعد دمشق للمعارضة في قمة الدوحة المُنعقدة عام 2013، فإن المقعد عاد شاغرًا بعد ذلك.
وبعد تحقيق سيطرة على ما يقارب 60% من مساحة سوريا، بدأ النظام السوري، على لسان وزير خارجيته، وليد المعلم، ليغازل تارة ويطالب تارةً أخرى، الجامعة العربية، بالنظر في إعادة ممثل دمشق إلى الجامعة العربية، مشددًا على أن “السوريين سيستجيبون لأي مبادرة عربية أو دولية في هذا الإطار”.
بوضع تحرك موسكو النشط حيال هذا الموضوع، بعين الاعتبار، يُتوقع ألا تستغرق عودة دمشق إلى جامعة الدول العربية طويلًا
ومع فتح نوافذ دمشق التجارية مع دول الجوار، أمسى التساؤل الأكثر طرحًا هو: هل باتت دمشق قريبة من مقعدها في الجامعة العربية؟ إن عودة دمشق إلى الجامعة العربية يمكن أن يتم من خلال طرح أحد الأعضاء الأمر، وبالتالي يتم التصويت عليه بإجماع ثلثي أعضاء الجامعة.
وفي ضوء ذلك، يبدو أن سيناريو عودة دمشق إلى حاضنة جامعة الدول العربية خلال الأيام القليلة القادمة، هو السيناريو الأكثر رجوحًا مقارنة بسيناريوهي استمرار القطيعة أو قبول المعارضة السورية كممثل للجمهورية العربية السورية، ولعل حركة تعويم دمشق الاقتصادية التي تقوم بها موسكو، من خلال تسريع افتتاح الطرق الدولية بين سوريا ودول الجوار، ما يساهم في تعويم النظام على الساحة الدولية اقتصاديًا، من خلال عودة المعاملات التجارية بين البنك المركزي في دمشق والبنوك المركزية للدول الأخرى، التي تؤدي بدورها إلى بزوغ شعاع التوجه صوب رفع الحصار المفروض على دمشق منذ عام 2012.
ولا ريب في أن التعويم الاقتصادي يؤدي، بشكلٍ أو بآخر، إلى التعويم السياسي، إذ إن المعاملات التجارية، بعد مرور فترة من الزمن، تُصبح بحاجة إلى التمثيليات القنصلية التي يعني افتتاحها عودة العلاقات الدبلوماسية على نحوٍ تدريجي.
وبوضع تحرك موسكو النشط حيال هذا الموضوع، بعين الاعتبار، يُتوقع ألا تستغرق عودة دمشق إلى جامعة الدول العربية طويلًا، فموسكو أضحت تُمثل شريكًا اقتصاديًا مهمًا لدول الخليج وبعض الدول العربية الأخرى، انطلاقًا من الشراكة في عضوية “الأوبك”، وانطلاقًا من قدرات شركاتها الاقتصادية في التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي الموجودين في المياه الإقليمية التابعة لعددٍ من الدول العربية، وبديل لتنويع التعاون العسكري لعددٍ من الدول العربية، على رأسها قطر والكويت ومصر، وغيرها الكثير من المصالح متبادلة الاعتمادية التي ظهرت للسطح في الفترة الأخيرة.
وهذا ما قد يدفع الدول المذكورة لإعادة قبول دمشق بضغط روسيا، ولعل لقاء وزير الخارجية البحريني بنظيره السوري على هامش أعمال الجمعية العامة، يحمل إشارة إلى سعي عددٍ من دول الخليج تحديدًا لإعادة دمشق إلى الجامعة العربية، كي يتم إنقاذ ما يمكن إنقاذه من جزئيات للحيلولة دون الانزلاق الكامل لدمشق في “محور المقاومة” الذي تتزعمه طهران المنافس السياسي والثقافي الأول لدول الخليج في المنطقة.
بالنظر إلى الوضع الدولي للنظام السوري الذي عادت عدة أطراف تُشير إليه باسم “الحكومة السورية” أو “دمشق”، يُلاحظ أنها ما زالت تُحافظ على شرعيتها الدولية في محافل الأمم المتحدة
ولماذا تُذكر موسكو على أنها الدولة الكُبرى الوحيدة التي تضغط على عملية إعادة تعويم النظام السوري ليُمثل دمشق في المحافل الإقليمية والدولية؟ فالدول الغربية أيضًا قبلت، ضمنيًا، بالنظام السوري، من خلال مؤشرات عدة، أبرزها عدم معاقبته فعليًا بعد استخدامه المُكرر للأسلحة الكيميائية، والذهاب للقبول، عبر “إسرائيل”، بعودته لتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار 1974، والتخلي عن المعارضة الجنوبية جملةً واحدة.
وبعد هذا القبول، يبقى الأمر بحاجة لتكتكيات تحقيق اتفاق بشأن النفوذ الغربي في المنطقة الشمالية الشرقية لسوريا، وبالتالي عودة النظام السوري لتمثيل دمشق في جميع الاتفاقات السياسية والاقتصادية المُبرمة بين سوريا والدول الأخرى.
وبالنظر إلى الوضع الدولي للنظام السوري الذي عادت عدة أطراف تُشير إليه باسم “الحكومة السورية” أو “دمشق”، يُلاحظ أنها ما زالت تُحافظ على شرعيتها الدولية في محافل الأمم المتحدة، ما يجعل موسكو تدعو الدول العربية إلى الركون لهذه النقطة في أثناء طرح قضية عودة دمشق لأحضان الجامعة التي لم تقبل المعارضة السورية كممثل لسوريا، في نقطة تعكس محاولة عدد من الدول العربية استخدام هذه النقطة كورقة ضغط تُحقق أهدافها في انهيار أو تغيّر بعض أوجه النظام السوري، لكن في ظل ظهور واقعية عدم تحقق هذا الهدف، فالمُتوقع استغناء هذه الدول عن هذه الورقة التي أمست بلا فائدة في ظل التغيّرات الدولية التي تمر بها المعادلة السورية نحو عملية تسوية، تتضمن إعادة تأهيل النظام على الأطر كافة.
في الختام، معادلة العلاقات الدولية مبنية على التواصل المؤسسي الدبلوماسي، وليس القطيعة طويلة الأمد، وعليه يُتوقع أن تُسهم العوامل المذكورة أعلاه، وبالأخص عامل التعويم الاقتصادي والسياسي، في إرجاع دمشق إلى جامعة الدول العربية في أقرب وقتٍ ممكن.