دون ضجيج، وبشكل شبه سري يكاد يختفي من محركات البحث على الإنترنت، لجأت 4 دول إفريقية، إلى تحالف ضرورة ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، في محاولة لاستباق الأحداث ومواجهة الطوفان الداعشي بشكل متراص، قبل أن يستفرد بكل بلد فيهم ويحكم سيطرته عليه، وذلك بدعم كبير من فرنسا التي توجد بشكل قوي في منطقة القرن الإفريقي، لتأمين حدودها ومصالحها الاقتصادية والجيوسياسية.
دعم فرنسي.. لماذا؟
أسئلة كثيرة تلقي بنفسها في طريق تحليل هدف التحالف الجديد، بداية من تجمع الدول الأربعة بقيادة بوركينا فاسو لمواجهة داعش، والأخطار التي دعت لتكوين هذا الحلف، ولماذا ترعاه فرنسا تحديدًا بدعم أوروبي من خلفها، وما فرص نجاحه أمام محاولات تنظيم الدولة والقاعدة التمدد في دول القرن الإفريقي.
يمكن القول إن الحلف الجديد المشكل من بوركينا فاسو والنيجر وبنين وتوغو، يسعى إلى فرض قبضة حديدية على الساحل الإفريقي، خوفًا من تمدد القاعدة وداعش، بما يجعل من السهولة فتح الطريق لغيرهما من الفصائل المتطرفة، ونقل السيناريو السوري والعراقي الذي وثب على صدري البلدين، طيلة السنوات الماضية، إلى منطقة أقل قوة وأسهل اختراقًا، لا سيما أنه سيكون من الصعوبة، تغطية ما يحدث إعلاميًا، بنفس الكثافة التي حظيت بها سوريا والعراق.
كان ملامح الخطر الداعشي، قد بدأ من تضييق الخناق وشن هجمات متتالية على الهوامش الحدودية للدول الأربعة، بداية من شهر أغسطس الماضي، وهو ما رصدته فرنسا، وقدمت تحذيرات متتالية لحكومات الدول المرصودة من قوى التطرف، بداية من النيجر، مرورًا ببوركينا فاسو، نهاية ببنين وتوغو، التحذيرات الفرنسية قابلها بطء في التحرك الإفريقي لأسباب معلومة سلفًا، أهمها ضعف الإمكانات، وعدم فهم أبعاد الأزمات بوضوح، ورغم ذلك لم يتخلف الجيش الفرنسي في حماية هذه البلدان، وتحرك على الفور بعد تلقيه استغاثات رسمية، ووجه ضربات جوية شمال بوركينا فاسو، خلال الأسبوع الأول من الشهر الحاليّ، لإنقاذ إحدى وحدات الشرطة التي كادت أن تهلك بأكملها، في صراع مسلح مع مقاتلي التنظيم، استمر ساعات طويلة عند مدخل منجم ذهب في منطقة سوم الشمالية.
بحسب الاتفاقات الرسمية، كانت القوات الفرنسية ستنهي وجودها العسكري في هذه المنطقة أكتوبر الحاليّ، قبل أن تحصل على قرار جديد، يمدد عملها إلى نهاية أبريل من العام القادم
القوات الفرنسية التي تدخلت بطلب من السلطات المحلية لملاحقة المهاجمين، بحسب بيان للجيش الفرنسي، أرسلت طائرة مسيرة وطائرتين مقاتلتين طراز ميراج من قاعدة في النيجر المجاورة، ورغم ذلك استطاع المقاتلون المحترفون، تنفيذ عملية انسحاب ناجحة، من تحت النيران المفتوحة عليهم من الجو، فيما خلفت العملية في المقابل قتيلاً من الأمن البوركيني، وإصابة آخر بجروح خطيرة.
سر الارتباط الوثيق بين باريس ومنطقة القرن الإفريقي
منذ عام 2013، وفرنسا صاحبة التاريخ والبصمة السياسية المتوهجة، ولغتها الرسمية لا تزال سائدة في تلك البلدان حتى الآن، رغم رحيلها عن هذه المستعمرات بداية من منتصف القرن الماضي، ولكنها تحافظ على وجودها القوي في المنطقة، ولها ما يقرب من 4500 جندى، يراقبون الحدود ويعملون على حماية النفوذ الفرنسي من ناحية، ويمنعون تمدد المتطرفين إلى أراضيها من ناحية أخرى.
بحسب الاتفاقات الرسمية، كانت القوات الفرنسية ستنهي وجودها العسكري في هذه المنطقة أكتوبر الحاليّ، قبل أن تحصل على قرار جديد، يمدد عملها إلى نهاية أبريل من العام القادم، بدعم وموافقة رسمية من الاتحاد الأوروبي وحكومات البلدان المعنية، وأكثر ما دعم القرار الهجومين اللذين تبناهما تنظيم داعش، وأوقعا خمسة قتلى و20 جريحًا في فرنسا، وبعد عمليات فحص شاملة، رصدت السلطات الفرنسية تسرب هؤلاء المتطرفين من دول شرق إفريقيا.
الدعم الدولى لم يكن جديدًا، بل كان امتدادًا لقرار مجلس الأمن الصادر في يونيو 2017، بنشر قوة مشتركة من خمسة آلاف عنصر، من بلدان الساحل (بوركينا فاسو ومالي وموريتانيا والنيجر وتشاد)، وهدف مجلس الأمن إلى دعم هذه المناطق في حربها ضد الجهاديين والمتطرفين الذين توحشوا بشكل كبير من على الأطراف الحدودية، ولكن في نفس الوقت كان لافتًا رفض المجلس منح القوة الجديدة تفويض أممي من الأمم المتحدة، حتى لا يضع عليها التزامات مالية جديدة، في حين أن قرار المجلس، يجعل القوة رهن المساعدات من الدول المعنية بالخطر الأكبر، بجانب المساعدات التي يمكن أن تقدمها الحكومات الصديقة.
المصالح الدولية في بوركينا فاسو، أسرعت في إجراء تكتلات سياسية ومالية وعسكرية، لعرقلة مشروع داعش والقاعدة في بلاد المغرب العربي والجماعات المرتبطة بهما
وهو ما حدث بالفعل، حيث خصص الاتحاد الأوروبي 50 مليون يورو، بينما ساهمت الولايات المتحدة بـ60 مليون دولار، بجانب التحالف العربي المكون من السعودية التي تبرعت بـ100 مليون دولار، والإمارات التي دفعت 30 مليون دولار، لإزالة الفكر الجهادي من خريطة منطقة تتوجه إليها أنظار الخليج وتتصارع عليها مع الغرب منذ نحو 5 سنوات، إما للسيطرة وفرض نفوذ إستراتيجي وأمني من العمق، أو للاستثمار وفتح أسواق جديدة لها.
المصالح الدولية في بوركينا فاسو، أسرعت في إجراء تكتلات سياسية ومالية وعسكرية، لعرقلة مشروع داعش والقاعدة في بلاد المغرب العربي والجماعات المرتبطة بهما، حتى لا تتوسع رقعة التطرف في مالي والنيجر، بوقت يعيش فيه الاتحاد الأوروبي وفرنسا حالة من الرعب، بسبب محاولات المقاتلين الأجانب الذين نزع عنهم السلاح بواسطة تركيا وروسيا في إدلب بسوريا، وهي المنطقة التي كانت تزخر بعشرة آلاف مقاتل، أكثرهم خطورة نحو 400 مواطن يحملون الجنسية الفرنسية، سواء كانوا من أبنائها أم من المقيمين فيها.
يتصاعد الخوف الفرنسي بالتزامن مع ترتيباته الأمنية مع دول المنطقة، بسبب الغارات المكثفة التي يشنها موالون لداعش بجانب حركات متطرفة تقترب من التنظيم في الفكر والمنهج، وتستهدف المناطق الحدودية، التي حصل الجهاديون على خبرة كبيرة في التعامل مع الصحراء وأطراف المدن طوال السنوات الماضية، مما مكنها من شن هجمات شرسة على الشرطة والمواقع العسكرية الملاصقة للحدود الشمالية للبلاد مع مالي، ومن المواقع الحدودية إلى قلب العاصمة، وبأحد أكبر فنادقها، استهدف جنود الدولة الإسلامية، السائحين الأجانب، لتسفر العملية الإرهابية عن مقتل 30 شخصًا وإصابة أكثر من 70 آخرين.
ولا يغرد تنظيم داعش وحده في المنطقة، بل يشترك معه تنظيم القاعدة الذي يحاول طوال السنوات الماضية استرداد نفوذه القديم، عبر فكر جديد يخرجه من حالة التقوقع التي يحياها، ونفذ هو الآخر عمليات خطف متكررة للأجانب، وهو ما لفت أنظار القوى الأجنبية للنزعة الجهادية التي بدأت تستوطن الحدود بين بوركينا فاسو، بما دعا جميع أجهزة الاستخبارات التي تتوحد مع هذه البلدان في شراكات أمنية، للعمل ضد تحولها إلى ساحة جاذبة للإرهاب يجعلها منطقة تمركز محصنة، قد تستغرق سنوات أطول من تلك التي احتاجها العالم لتطهير البلدان العربية من التطرف والعنف الجهادي.
تشترك دول الاتحاد الأوروبي في الخوف من إمكانية تحول بوركينا فاسو تحديدًا، إلى مراكز إيواء وتجنيد ودعم لوجيستي، يمد المنطقة بالكامل بالمتطرفين في منطقة الساحل
وتحاول السلطات الفرنسية تأمين كل المداخل إليها، لضمان عدم عودة المتطرفين لها مرة أخرى، في ظل الضربات الكبرى غير المباشرة التي توجه رسائل مبطنة لباريس، من جراء سلسلة الهجمات على الحدود المالية النيجرية، بما زج بفرنسا من جديد إلى قلب المعركة، ودعاها لتشكيل قوة موحدة من دول موريتانيا ومالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد، وجعلت على رأس أولوياتها، شن عمليات عسكرية لتطهير المنطقة الحدودية بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، قبل أن تتمدد المجموعات المتطرفة إلى داخل هذه الدول، ومنها إلى فرنسا.
وتشترك دول الاتحاد الأوروبي في الخوف من إمكانية تحول بوركينا فاسو تحديدًا، إلى مراكز إيواء وتجنيد ودعم لوجيستي، يمد المنطقة بالكامل بالمتطرفين في منطقة الساحل، في ظل الصراع بين تنظيم القاعدة وفروعه في إفريقيا وتنظيم داعش، على التمدد وإظهار القوة والتنافس على امتلاك الأرض.
وتتحدث بوركينا فاسو الفرنسية، وهي اللغة الرسمية في البلاد، رغم اعتناق أغلب سكانها الإسلام بنسبة تقارب الـ60%، وعرف التطرف طريقه إليها بشكل مكثف منذ سقوط نظام الرئيس كومباوري، لينهي 27 عامًا من الفساد، وحاولت التنظيمات المتطرفة استغلال الاضطرابات التي أحدثها رحيل الديكتاتور البوركيني، لإيجاد موطئ قدم لها في هذه البلاد الآمنة، عوضًا عن سوريا والعراق، وفي ظل إحكام القبضة الدولية عليها بالمنطقة العربية المتفجرة بالصراعات والأزمات الأمنية، منذ اندلاع ثورات الربيع العربي التي أطاحت بالوجوه الاستبدادية العتيقة في المنطقة.