حملت عملية السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وانطلاق “طوفان الأقصى”، عدة أوجه من النجاح، عكس ما بدا واضحًا في النجاحات الميدانية التي تحققت على الأرض، سواء في نجاح الضربة الأولى في اختراق الشريط الفاصل بين قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة، أم في حجم إدراك المقاومين كل تفاصيل ما خلف السياج وأبراج المراقبة والجدار المحصن، والتحرك وفق مسارات مخططة تخطيطًا تفصيليًا.
لا يمكن حصر تفاصيل الإبداع والتخطيط المحكم ليوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وما بقي مجهولًا محفوظًا في أرشيف المقاومة بشأن مراحل التجهيز ومحاضر التقدير، والخطط العملياتية، والتحضيرات اللوجستية والاحتياطات الأمنية، سيكون كنزًا يستحق أن يُوثق ويُدرس في أكبر الكليات العسكرية والأمنية في العالم، في هجوم تضمن بين ثناياه أكبر درجات الطموح والإيمان العميق بالقدرة والإعداد المتكامل للنجاح.
نجاح المقاومة الاستخباراتي، وعملية الخداع الاستراتيجي بعيدة المدى التي نفذتها المقاومة تنفيذًا مركبًا وضخمًا، من أبرز الجوانب النوعية للعملية البطولية التي شملت توجيه ضربة أمنية واستخباراتية كبرى لادعاءات الاحتلال حول قدراته البشرية والتكنولوجية الكفيلة بعد أنفاس كل سكان قطاع غزة، ومعرفة ما يفكرون داخل عقولهم، وهو ما تبدد مع اللحظة الأولى لبدء الهجوم.
وهو نجاح لم يتوقف عند حدود تنفيذ العملية، بل تعداه ليشمل التماسك والصلابة الأمنية على مدار عام من القتال والاجتياح الإسرائيلي لقطاع غزة لم ينجح خلاله الاحتلال في فك شيفرة العقل القيادي للمقاومة، ولا منظومته الأمنية التي استطاعت تأمين مقدراتها والاحتفاظ بعدد كبير من أسرى الاحتلال، وإفشال مساعي الاحتلال لتحقيق نجاحات استخباراتية وأمنية بحث عنها طويلًا.
القطاع تحت الرقابة الإسرائيلية 24/7
ينشط في قطاع غزة عدد كبير من أجهزة الأمن والاستخبارات الإسرائيلية، التي تتولى مسؤولية متابعة شتى أوجه الحياة في القطاع ومتابعة المقاومة والمجتمع، ويخضع كم المعلومات الذي يُجمع إلى عمليات تحليل وتقدير مستمرة، وهو ما يجعل المواجهة مع هذا الكم من التركيز الاستخباراتي عملية معقدة وصعبة جدًا على مقاومة مُحاصرة في بقعة جغرافية صغيرة ومكشوفة، تتنوع هذه الأجهزة من حيث المهام والاختصاصات، وتشمل عدة جهات رئيسية تعمل بشكل متكامل. من بين هذه الأجهزة:
جهاز الأمن العام “الشاباك”: يُعد “الشاباك” (Shin Bet) الجهاز الرئيسي المسؤول عن جمع المعلومات الاستخباراتية ومتابعة الأنشطة المعادية للاحتلال داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويعمل على مجموعة من الأنشطة بهدف إحباط خطط المقاومة، ويتولى المسؤولية المباشرة عن متابعة قوى المقاومة وأجنحتها العسكرية.
يعتمد “الشاباك” على شبكات العملاء، والتنصت الإلكتروني، والمتابعة الميدانية لجمع المعلومات حول الأنشطة العسكرية والسياسية والمجتمعية في غزة، كما يلعب دورًا مهمًا في تحليل توجهات الشارع الغزي والمزاج العام للفصائل والقيادات.
شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية “أمان”: جهاز “أمان” (Aman) المسؤول عن جمع المعلومات الاستخباراتية ذات الطابع العسكري في قطاع غزة، بما في ذلك أنشطة القوى والفصائل الناشطة في قطاع غزة، إضافةً إلى متابعة تحركات الأسلحة والصواريخ.
يعتمد “أمان” على الاستخبارات الإلكترونية (SIGINT) والاستخبارات البشرية (HUMINT) بدرجة كبيرة، ويستفيد من التكنولوجيا المتطورة، بما في ذلك الطائرات دون طيار والأقمار الصناعية، لجمع معلومات تفصيلية عن مواقع الأسلحة والأنفاق وخطط العمليات العسكرية للفصائل الفلسطينية.
جهاز الاستخبارات الخارجية والمهام الخاصة “الموساد”: على الرغم من أن “الموساد” يركز في العادة على العمليات الاستخباراتية الخارجية، فإنه يلعب دورًا داعمًا فيما يتعلق بغزة إذا كانت ثمة حاجة لمعلومات حول تمويل وتسليح الفصائل من دول أخرى، كما ينشط في تتبُع أنشطة تهريب الأسلحة أو الدعم الخارجي للفصائل المسلحة.
يعتمد “الموساد” على شبكاته العالمية لجمع المعلومات المتعلقة بالدعم اللوجستي والمالي للمقاومة في غزة، لا سيما فيما يخص الأنشطة التي تجري خارج حدود القطاع بما فيها جهود الفصائل للتدريب وتبادل الخبرات واستقدام خطوط إنتاج للصواريخ والأسلحة.
“وحدة 8200″(التابعة للاستخبارات العسكرية): تُعد هذه الوحدة المتخصصة في الاستخبارات الإلكترونية من أهم الجهات التي تعمل على جمع معلومات من خلال التنصت ومراقبة الاتصالات داخل قطاع غزة.
تعتمد “وحدة 8200” على وسائل متقدمة في مراقبة الإنترنت والهاتف المحمول، وتعقُب الاتصالات العسكرية والمدنية في غزة. وتُسهم إسهامًا رئيسيًا في كشف أنشطة الفصائل وتحركاتها، خاصةً فيما يتعلق بإطلاق الصواريخ أو الأنشطة الأمنية الحساسة.
الاستخبارات الميدانية (وحدات خاصة): تنفذ الوحدات الخاصة التابعة لجيش الاحتلال، مثل “سييرت متكال”، ووحدات أخرى متخصصة، عمليات استخباراتية ميدانية داخل غزة، تتضمن مهام الاستطلاع وجمع المعلومات حول الأنفاق، ومخازن الأسلحة، ومقرات القيادة التابعة للفصائل.
تعمل هذه الوحدات بالتعاون مع “الشاباك” و”أمان”، وتعتمد على العمليات الميدانية السرية، سواء كانت عبر اختراق الحدود أم باستخدام تقنيات متقدمة للتجسس والاستطلاع. نجحت المقاومة في قطاع غزة بكشف إحدى مجموعات الاستخبارات الميدانية “سييريت متكال” في عام 2021، وخاضت معها اشتباكًا أدى إلى قتل قائد المجموعة وجرح مجموعة من أعضائها وكشف مخطط يستهدف شبكة اتصالات المقاومة.
التنسيق بين الأجهزة: تعمل جميع هذه الأجهزة بشكل منسق من خلال آليات تبادل المعلومات وتحليلها، وذلك لضمان فعالية العمليات الأمنية والاستخباراتية في قطاع غزة. تُستخدم المعلومات التي تجمعها هذه الأجهزة لتوجيه العمليات العسكرية، واتخاذ القرارات السياسية، وتنفيذ الضربات الاستباقية ضد أهداف المقاومة الفلسطينية.
طبقات الخداع الاستراتيجي قبل السابع من أكتوبر
دشنت كتائب القسام مسارًا طويلًا لتنفيذ أكبر عملية خداع استراتيجي وتمويه في تاريخ المقاومة الفلسطينية، شمل إجراءات معقدة تضمنت استخدام العديد من الأدوات والتكتيكات لخداع أجهزة الأمن والاستخبارات الإسرائيلية، منها اللجوء إلى خيارات داخلية مؤلمة في العديد من المواضع لتثبيت عملية الخداع الاستراتيجي وإنجاح المناورة الأمنية الكبرى، ووفقًا للتفاصيل المنشورة، يمكن تلخيص أبرز أوجه عمليات التمويه والخداع التي نفذتها المقاومة بالتالي:
رفع سقف المطالب الحياتية مقابل الهدوء: أرسلت المقاومة عدة إشارات عبر الوسطاء والمسارات غير الرسمية إلى حكومة الاحتلال تبدي فيها رغبتها في حالة مستمرة ومتواصلة من الهدوء بعد انتهاء جولة “سيف القدس” في العام 2021.
عمدت من خلال هذه الإشارات إلى رفع سقف المطالب الحياتية لأهالي قطاع غزة والتسهيلات الإسرائيلية مقابل المزيد من الهدوء، والتي شملت التمسك برزمة المساعدات القطرية، ورفع عدد العمال من القطاع العاملين في الأراضي المحتلة، وهو ما عزز الاقتناع لدى المستوى السياسي في “إسرائيل” أن حركة “حماس” اختارت مسار الهدوء وتعزيز المكاسب الحكومية على مسار التصعيد والاشتباك.
تمرير عملية بناء “الجدار الفولاذي” التحت أرضي بين قطاع غزة والأراضي المحتلة: شكل بناء الجدار التحت أرضي الممتد على طول 65 كيلومترًا على الحدود بين قطاع غزة والأراضي المحتلة، المكون من جدار خرساني مقوى تحت الأرض مرصع بأجهزة استشعار للكشف عن الأنفاق، وسياج فولاذي بارتفاع ستة أمتار، وشبكة من الرادارات وأجهزة استشعار المراقبة الأخرى، وأسلحة يُتحكم بها عن بُعد، التحييد الفعلي لسلاح الأنفاق الاستراتيجي للمقاومة والذي يُعد وفق تقدير الاحتلال البوابة الرئيسية لأي عمليات اختراق مستقبلية للحدود.
وقُدر أن حركة “حماس” ستبادر لتنفيذ هجوم قبل إكمال عملية البناء أو ستحاول تعطيل العمل فيه بهجمات تستهدف عملية البناء، إلا أن “حماس” مررت الأمر بسلاسة، ما عزز الاقتناع لدى الاحتلال بأن الحركة غير معنية بتنفيذ هجمات كبرى تستهدف اختراق الحدود، والاعتقاد بمناعة ما وصفه بيني غانتس، وزير الحرب في حينه، بأنه “جدار حديدي بين حماس وسكان الغلاف”.
الامتناع عن الانخراط في جولات قتالية: اتخذت كتائب القسام قرارًا بالامتناع عن الانخراط في جولات قتالية اندلعت بين أجنحة عسكرية أخرى وجيش الاحتلال، خصوصًا الجولات التي خاضتها سرايا القدس في الأعوام 2019، و2022، و2023 إثر عمليات اغتيال نفذها جيش الاحتلال لقادة من السرايا نتج عنها أيام من الاشتباك انخرطت فيه غالبية الأجنحة العسكرية وأحجمت كتائب القسام عن ذلك علانية، وهو ما عزز الإشارات لدى قادة الاحتلال بكون حركة حماس “مردوعة” ولا ترغب في الدخول في جولة مواجهة جديدة، على الرغم من تصعيد الاحتلال المتواصل.
تمويه استباحة المنطقة الفاصلة على الحدود: نفذت حركة “حماس” عملية تمويه واسعة لضمان وصول مقاتليها إلى منطقة الحدود الفاصلة بين القطاع والأراضي المحتلة، شملت تنظيم تحركات شعبية بمحيط الحدود على مدار سنوات، أمنت الوصول إلى السياج الفاصل لمرات متعددة وإجراء تجارب ومناورات لفعالية أجهزة الاستشعار والإنذار المبكر على الحدود في أكثر من مناسبة، إذ نجح شبان عدة مرات في اختراق السياج الحدودي وتنفيذ عمليات حرق لمعدات عسكرية والانسحاب، وهو ما شكل نوعًا من عمليات الاستطلاع المباشر بتمويه كبير.
تكرار التحذيرات العلنية دون فعل مباشر: عمدت حركة “حماس” إلى التصريح علنًا بأن الانفجار قادم في حال صمم الاحتلال على تنفيذ اعتداءات، خصوصًا على المسجد الأقصى والأسرى، إضافةً إلى التصعيد في الضفة الغربية، إلا أنها مررت العديد من مواضع التصعيد الإسرائيلي خصوصًا “مسيرة الأعلام” التي كانت سببًا مباشرًا في هجوم “سيف القدس”، إضافةً إلى الانتهاكات المستمرة للمسجد الأقصى، والتضييق على الأسرى واستشهاد بعضهم، أبرزهم استشهاد الشيخ خضر عدنان، القيادي في حركة الجهاد الإسلامي.
كلها مراحل استعد فيها الاحتلال جيدًا للتعامل مع احتمالات تنفيذ المقاومة هجوم واسع، إلا أنها امتنعت عن تنفيذ أي فعل على الرغم من تهديدها المباشر بذلك، وهو ما عزز القناعة لدى قادة الاحتلال بعدم وجود نوايا جدية لحركة حماس بالذهاب إلى مواجهة جديدة.
استثمار العنجهية الإسرائيلية: أدركت المقاومة تمامًا أن عنجهية الاحتلال والشعور الدائم بالتفوق والمناعة أحد أهم الثغرات التي يجب استثمارها، وبالتالي عمدت حركة حماس إلى إطلاق إشارات علنية واضحة جدًا حول نية الذهاب إلى حرب كبرى، تمثلت بوضوح جاد وجلي في خطابات رئيس حركة “حماس”، يحيى السنوار، الذي كان آخرها كلمته في ذكرى انطلاقة الحركة الـ35 والتي أعلن فيها أن استخبارات القسام أخبرته أن العام 2023 يحمل معه نذر الحرب الكبرى بسبب توجهات حكومة الاحتلال اليمينية.
كما أُتبع هذا الخطاب بعد أشهر بتنفيذ الغرفة المشتركة للمقاومة في قطاع غزة مناورة الركن الشديد (4) التي شملت محاكاة علنية شبه تفصيلية لهجوم السابع من أكتوبر، إلا أن العنجهية الإسرائيلية قابلت هذه الإشارات بنوع من السخرية وعدها شكلًا من أشكال “العنترية” الفلسطينية الحالمة، وهو تمامًا المربع الذي استدرجت المقاومة الاحتلال إليه.
التكتم الشديد حول القدرات التسليحية اللازمة للعملية: تكتمت كتائب القسام تكتُمًا كبيرًا جدًا بشأن قدراتها التسليحية، خصوصًا النماذج المصنوعة محليًا المُعدة للقتال البري، خاصةً قذائف “الياسين 105″، والمقذوفات الصاروخية اللازمة لإنجاح التغطية النارية على الهجوم البري، تحديدًا منظومة صواريخ “رجوم” قصيرة المدى، إضافةً إلى التكتم بدرجة كبيرة على تجهيز المقاومة للطائرات الشراعية التي مثلت إحدى أهم مفاجآت الهجوم.
تنفيذ مناورات حشد كبرى للمقاتلين مرات متعددة: عمدت كتائب القسام إلى حشد مقاتليها بالآلاف ضمن مناورات تدريبية في أكثر من محطة، حولت قرار الحشد لأكثر من 1.500 مقاتل في ذات اللحظة والتوقيت إلى إجراء طبيعي وتدريبي مستمر وفق رصد أجهزة استخبارات الاحتلال ضمن ما عدته عمليات فحص الجهوزية ومناورة من كتائب القسام، ما سهل حشد المقاتلين في ساعة الصفر دون لفت أنظار أجهزة الأمن الإسرائيلية لحدث غير معتاد.
الدوائر المغلقة: على الرغم من أن عملية بحجم السابع من أكتوبر/تشرين الأول تحتاج إلى انخراط واسع وكبير من عدد ضخم من المقدرات البشرية، سواء في عملية التدريب، أم الاستخبارات، أم التجهيز اللوجستي، وهو ما يُصعب من عملية التكتم والتمويه، فإن كتائب القسام عملت بنمط الدوائر المغلقة، بحيث لا يعرف كل فرد إلا المعلومات اللازمة حول مهمته حصرًا دون أي تفاصيل أخرى بشأن شكل ومكان تنفيذ هذه المهمة، أو ضمن أي إطار وتوقيت، وهو ما قطع الطريق أمام أي عملية تسريب ممكنة حول النوايا الفعلية للمقاومة وخططها العملياتية.
راكمت كتائب القسام على هذه الطبقات بعدد كبير من الإشارات الصغيرة المتلاحقة، جزء منها عبر تمرير معلومات خاطئة لمجموعة من مصادر معلومات الاحتلال، أو محافل شبه مكشوفة، مررت عبرها حركة “حماس” رسائل واضحة حول انعدام نيتها تنفيذ هجمات كبرى أو الذهاب إلى جولة مواجهة، مُحذرة في الوقت نفسه من أن إجراءات الاحتلال التصعيدية، خصوصًا في المسجد الأقصى، قد تمنعها من القدرة على ضبط الأوضاع ومنع التصعيد، وهو ما شمل التحذير والتخدير في الوقت ذاته.
أدت هذه العملية المركبة إلى ترسيخ التقدير بالتوازي لدى أجهزة أمن واستخبارات الاحتلال، ولدى الحكومة والمستوى السياسية، بأن حركة “حماس” غير معنية بتنفيذ هجمات كبرى، وهو ما عبر عنه بوضوح قبل ستة أيام من السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تساحي هنغبي، رئيس مجلس الأمن القومي في “إسرائيل”، بقوله إن “حماس مردوعة للغاية وتفهم تداعيات المزيد من التحدي”، ما جعل ما حدث واحدة من أكبر مناورات الخداع الاستراتيجي في العالم، والأكبر في تاريخ القضية الفلسطينية.
النجاح الاستخباراتي بعد السابع من أكتوبر
لم يقتصر نجاح المقاومة الاستخباراتي على ما نفذته قبل وخلال عملية السابع من أكتوبر/تشرين الأول، بل تعداه إلى النجاح الاستخباراتي على مدار عام “طوفان الأقصى” وحرب الإبادة على قطاع غزة – على الرغم من كون قطاع غزة بيئة صغيرة جغرافيًا وسهلة عملياتيًا وأن القدرات الإسرائيلية الاستخباراتية تستطيع منفردة أن تشكل عملية إطباق استخباراتي شامل على القطاع – عززته بعمليات الاجتياح البري والوصول إلى غالبية مناطق القطاع بما فيها المراكز التقليدية لقيادة المقاومة والاستيلاء على مقدرات وتنفيذ عمليات اعتقال ناجحة لكوادر وقيادات ميدانية في المقاومة.
أطلقت “إسرائيل” أضخم عملية استخباراتية في تاريخ نشاطها بقطاع غزة، شملت تعاونًا وثيقًا مع أجهزة استخبارات متعددة، أهمها كل من وكالة المخابرات الأمريكية (CIA) وجهاز الاستخبارات البريطاني (MI6)، بما يتضمن استخدام المعدات الأكثر تطور في التتبع والمراقبة الجوية والاستخبارات البشرية بشتى أنواعها، بهدف الوصول إلى هدفين رئيسين: الأول الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة، والثاني الوصول إلى قادة المقاومة وتصفيتهم أو اعتقالهم.
على مدار ما يقارب العام من العمليات المستمرة والجهد الاستخباراتي المهول، فشلت “إسرائيل” فشلًا شبه كلي في الوصول إلى أسراها في قطاع غزة، وتنفيذ عمليات تحرير ناجحة بالقوة، سوى في حالات معدودة جدًا، تُعدُ أقل من هامش نسبة الخطأ الطبيعي في أي عملية تأمين لمثل هذا العدد الكبير جدًا من الأسرى، خصوصًا مع تنفيذ الاحتلال عمليات اجتياح واسعة لغالبية مدن ومخيمات قطاع غزة والوصول إلى عمق المحافظات الخمسة في مرات متعددة.
على المنوال ذاته، لم تنجح “إسرائيل” أيضًا ولا أجهزة أمنها في تنفيذ عملية اغتيال شاملة لقيادة المقاومة أو اعتقال أي قيادي من الصف الأول، وعلى الرغم من إعلانات “إسرائيل” المتكررة بشأن نجاحها في تنفيذ عمليات اغتيال لقياديين في الأجنحة العسكرية للفصائل والقيادة السياسية، فإنها تفتقد حتى لمعلومات واضحة ومحسومة حول مصير من أعلنت عنهم.
برز هذا بوضوح في الإعلان أكثر من مرة عن النجاح في اغتيال بعض الأسماء القيادية، في أماكن متعددة، وهو ما يؤكد حجم العمى الاستخباراتي، على الرغم من كون هذه القيادة تعمل وتقود الفعل الميداني وتمارس مهمتها في إطار عملية التصدي للعدوان على قطاع غزة.
أفشلت المقاومة في قطاع غزة العديد من أهداف الحرب على القطاع، فإلى جانب فشل الاحتلال في الوصول إلى أسراه وقادة المقاومة، ما زال يراكم الفشل في تنفيذ عمليات اختراق أمني واسع للمجتمع في قطاع غزة، على الرغم من حالة الإنهاك الشامل والواسع لهذا المجتمع بفعل أتون الحرب والقتل والتهجير، إلا أن كل محاولات خلق صيغ محلية متعاونة مع الاحتلال تعمل الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية وجهاز الأمن العام “الشاباك” على إنجازها باءت جميعًا بالفشل.
نجحت المقاومة الفلسطينية في تفكيك العقل الاستخباراتي الإسرائيلي وفهمه وإدراك طريقة تفكيره وديناميات عمله، وهو ما أنجح عمليات الاستخبارات المقابلة من طرف المقاومة، التي استطاعت وضع سيناريوهات مواجهة لكل خطة تدخُل أمني واستخباراتي عمل الاحتلال على تنفيذها في قطاع غزة، وهو الفهم ذاته الذي ساهم في صناعة الضربة الاستخباراتية الكبيرة التي شكلت جزءًا أساسيًا من النجاح في السابع من أكتوبر/تشرين الأول.