ترجمة وتحرير: نون بوست
تعمل إحدى شركات التكنولوجيا العملاقة على إعادة النظر في علاقاتها مع المملكة العربية السعودية على خلفية مقتل الصحفي المعارض، جمال خاشقجي. تجدر الإشارة إلى أن شركة التكنولوجيا العملاقة “سوفت بنك” فضلت التزام الصمت إزاء الجدل القائم حول قضية الصحفي السعودي، على الرغم من تحرك العشرات من الشركات الأخرى والنأي بنفسها عن المملكة العربية السعودية.
في الواقع، تعتمد هذه الشركة بشكل كبير على الأموال السعودية التي تساعدها في تمويل صندوقها الاستثماري الذي تبلغ قيمته 100 مليار دولار والمخصص لشركات التكنولوجيا الأمريكية. ويعد صندوق الاستثمارات العامة السعودي، الذي يديره ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، والذي يساهم بحوالي 45 مليار دولار في هذا المشروع، أكبر مساهم في “صندوق رؤية سوفت بنك”.
على الرغم من أن معظم رجال الأعمال قد انسحبوا من مؤتمر للأعمال، الذي سبق وأن عُقد من قبل هذا الصندوق السعودي في مدينة الرياض، والذي من المزمع عقده في وقت لاحق من هذا الشهر، إلا أن الرئيس التنفيذي لشركة سوفت بنك، ماسايوشي سون، ظل ملتزما بتواجده هناك ومشاركته في فعاليات هذا المؤتمر. والجدير بالذكر أن الشركة امتنعت عن التعليق على هذا الموضوع.
تعد شركة سوفت بنك ذات أهمية كبرى بالنسبة للسعوديين الذين يعتبرونها شريكا رئيسيا في جهودهم لتنويع اقتصاد البلاد
من المتوقع أن تتكبد الشركة خسائر كبيرة في حال تدهورت العلاقات بين الولايات المتحدة والسعوديين، خاصة إذا أصبحت الأموال التي تقدمها المملكة للقطاع الخاص تؤثر سلبا على تقدمه. وفي الحقيقة، كانت شركة سوفت بنك تخطط مجددا لجمع حوالي 100 مليار دولار لتمويل صندوقها. من جانبه، قام صندوق الاستثمارات العامة السعودي بتخصيص 45 مليار دولار أخرى لهذا الغرض.
من جهة أخرى، تعد شركة سوفت بنك ذات أهمية كبرى بالنسبة للسعوديين الذين يعتبرونها شريكا رئيسيا في جهودهم لتنويع اقتصاد البلاد وتجاوز اعتماده على تصدير النفط. وخلال تصريح لولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، لوكالة “بلومبرغ” في مقابلة أجريت في وقت سابق من هذا الشهر، قال: “لا يمكن أن يكون هناك صندوق رؤية سوفت بنك دون صندوق الاستثمارات العامة”.
في الأثناء، أثيرت العديد من الشكوك حول مستقبل وخطط شركة “سوفت بنك” خاصة وأن المملكة تواجه الآن أزمة دولية بسبب وفاة جمال خاشقجي، كاتب العمود في صحيفة “واشنطن بوست” والمنتقد للعائلة المالكة الذي كان يقيم في الولايات المتحدة. وقد اعترفت الحكومة السعودية يوم الجمعة، أي بعد أسبوعين من اختفاء خاشقجي بعد دخوله القنصلية السعودية في إسطنبول، بموته.
في هذا الصدد، زعم المسؤولون أن الصحفي قُتل بسبب تشابك بالأيدي، في حين قالت السلطات التركية إنها تمتلك أدلة تؤكد تعرض خاشقجي للتعذيب وتقطيع أوصاله، مع العلم أن سعر سهم سوفت بنك قد انخفض إلى حوالي 15 بالمائة منذ اختفاء خاشقجي داخل القنصلية. ويبدو أن الشركة تعمل على إعادة النظر في خططها المستقبلية.
لا تعد “سوفت بنك” شركة التكنولوجيا الوحيدة التي تعمل على إعادة النظر في تعاملاتها مع السعوديين.
من جهته، قال مدير العمليات في سوفت بنك، مارسيلو كلور: “لسنا متأكدين من أننا سنستمر في العمل على صندوق الرؤية هذا”. ووفقا لصحيفة “فايننشال تايمز”، صرح كلور في مؤتمر للتكنولوجيا عقد في وقت سابق من هذا الأسبوع قائلا: “شأننا شأن بقية الأطراف الفاعلة في العالم، نحن نتطلع لكشف الحقيقة. وعلى ضوء ذلك، سنقوم باتخاذ قرارات مستقبلية. لكننا في الوقت الحالي، وكمعظم الشركات التي تربطها علاقات بالمملكة، نراقب التطورات وما ستؤول إليه”.
حتى وقت قريب، كان كلور يشغل خطة المدير التنفيذي لشركة “سبرنت كروب”، وهي شركة تابعة لسوفت بنك. وفي منصبه الجديد، يساعد كلور على الإشراف على الجهود الرامية إلى الحصول على موافقة الجهات التنظيمية على صفقة إدماج “سبرنت كورب” مع شركة “تي موبايل” التي تقدر قيمتها بنحو 26 مليار دولار. وستتطلب هذه الصفقة المهمة توقيع كل من هيئة الاتصالات الفيدرالية ووزارة العدل. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الأزمة السعودية قد تؤثر على هذه الصفقة أم لا.
لا يعد ماسايوشي سون أيضا غريبا عن الأضواء أو الحكومة الأمريكية. ففي سنة 2016، التقى سون بترامب، الذي انتُخب في ذلك الوقت رئيسا للولايات المتحدة، في برج ترامب، حيث أعلن الاثنان أن سوفت بنك تعتزم استثمار 50 مليار دولار في الولايات المتحدة وخلق 50 ألف وظيفة عمل جديدة. ولكن، لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت هذه الاستثمارات غير مرتبطة بصندوق الرؤية، وما إذا كانت سوفت بنك قد طبقت ذلك. عموما، لا تعد “سوفت بنك” شركة التكنولوجيا الوحيدة التي تعمل على إعادة النظر في تعاملاتها مع السعوديين.
لطالما كانت علاقة المملكة العربية السعودية بشركات وادي السيليكون وطيدة، ولكن هذه العلاقة باتت تحت اختبار حقيقي خلال الأسابيع الأخيرة. وحيال هذا الشأن، قالت “صحيفة وول ستريت جورنال” إن صندوق الاستثمارات العامة السعودي هو أكبر مصدر منفرد لرأس المال الاستثماري بالنسبة للشركات الناشئة في الولايات المتحدة. كما أفادت هذه الصحيفة بأن السعودية تملك حصصا كبيرة في كل من شركة “أوبر” و”وي وورك” و”واغ”، التي أنشأت تطبيقا لتنزيه الكلاب، بالإضافة إلى شركة “تيسلا” و”سلاك”.
كان المدير التنفيذي لشركة “أوبر”، دارا خسروشاهي، من بين العديد من المديرين التنفيذيين الذين انسحبوا من المؤتمر الاستثماري السعودي الذي يستضيفه صندوق الاستثمارات العامة، على الرغم من أن المدير الإداري للصندوق هو عضو في مجلس إدارة شركة “أوبر”. وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، أصدر خسروشاهي بيانا مفاده: “نحن نتابع الوضع عن كثب، وفي حال لم تظهر الحقائق، لن أحضر مؤتمر الاستثمار الدولي الذي سيعقد في الرياض”.
تنتاب شركة “سوفت بنك” ومستثمريها حالة من القلق خوفا من أن تتوقف شركات التكنولوجيا من تلقي التمويل من السعودية، بسبب تدهور الصورة العامة للبلاد
إلى جانب استثماراتها الناشئة، تتودد المملكة العربية السعودية إلى عمالقة التكنولوجيا الأمريكيين. وفي وقت سابق من هذه السنة، قام ولي العهد السعودي بجولة في الولايات المتحدة، حيث استضافه ورافقه عدد من المشاهير وقادة الأعمال، بما في ذلك الرؤساء التنفيذيين لشركة أبل وفيسبوك وغوغل.
خلال جولته، التقى ولي العهد السعودي بالرئيس التنفيذي لشركة أمازون، جيف بيزوس، مالك صحيفة “واشنطن بوست”، وناقش الطرفان صفقة بقيمة مائة مليار دولار من أجل بناء مراكز بيانات في المملكة العربية السعودية. وتجدر الإشارة أن بيزوس التزم الصمت إثر مقتل الصحفي جمال خاشقجي، ناهيك عن أن المتحدثة باسم أمازون لم تستجب لمختلف الطلبات الواردة خلال هذا الأسبوع للتعليق على هذه القضية.
في الوقت الراهن، تنتاب شركة “سوفت بنك” ومستثمريها حالة من القلق خوفا من أن تتوقف شركات التكنولوجيا من تلقي التمويل من السعودية، بسبب تدهور الصورة العامة للبلاد. ولعل هذا أكثر ما يأمله بعض النقاد السعوديين في الولايات المتحدة منذ فترة طويلة.
دائما ما كان عضو مجلس النواب الأمريكي عن الحزب الديمقراطي في ولاية كاليفورنيا، رو خانا، الذي يمثل أيضا وادي السليكون، يدعو الولايات المتحدة إلى إعادة النظر في علاقاتها الوثيقة مع المملكة العربية السعودية بالنظر إلى سجلها الطويل في انتهاكات حقوق الإنسان والقتل العشوائي للمدنيين في الحرب الأهلية اليمنية. وقد أفادت الأمم المتحدة بأن المجاعة في اليمن تهدد ما يصل إلى 14 مليون شخص، ما يجعلها أزمة الغذاء الأكثر فتكا في هذا العصر، ويرجع ذلك جزئيا إلى الحصار الذي تفرضه المملكة العربية السعودية على البلاد.
يوم الجمعة، وخلال مقابلة هاتفية أجراها مع صحيفة “ذا هيل”، وتحديدا قبل أن يعترف السعوديون بقتل خاشقجي، قال خانا إنه شجع هذا الاهتمام المثير للجدل الذي يمكن أن يجعل الرأي العام يقف ضد المملكة العربية السعودية. كما دعا خانا الرئيس الأمريكي ترامب لاستغلال نفوذه من أجل الاستيلاء على استثمارات السعودية في القطاع الخاص في الولايات المتحدة. وحتى ذلك الحين، كان خانا يعتقد أن شركات التكنولوجيا والقطاع الخاص ككل يجب أن ترفض الاستثمارات السعودية.
الضغط المتزايد يحرج شركة “سوفت بنك” ويضعها أمام اختيار صعب
في سياق متصل، قال خانا “أعتقد أن كل شركة تكنولوجية تتلقى المال السعودي عبر الوسيط “سوفت بنك”، هي في الحقيقة تشكك في مهمتها ونزاهتها”. وأضاف خانا أن “الشركات لا تحتاج إلى هذا المال، فبضع مئات من مليارات الدولارات تبدو غير مهمة بالنظر إلى اقتصادنا، الذي يبلغ حجمه 20 تريليون دولار. هل يمكن أن تستثمر شركاتنا في البوسنة أو رواندا في ذروة تلك الأزمات؟ لا أعتقد أننا سنفعل ذلك”.
يبدو أن الضغط المتزايد يحرج شركة “سوفت بنك” ويضعها أمام اختيار صعب. وفي الوقت الحالي، يحاول الرئيس التنفيذي للشركة كلور الحد من المخاوف. ووفقا لصحيفة “فاينانشال تايمز”، صرح كلور في إحدى مؤتمرات التكنولوجيا قائلا “لدينا أصول تحت الإدارة تزيد قيمتها عن 420 مليار دولار”. وأضاف كلور “إن صندوق رؤية “سوفت بنك” مهم جدا لضمان سير أعمالنا ولكن الأموال المتأتية منه ليست جميعها من سوفت بنك”.
المصدر: ذا هيل