18 يومًا كانت كافية لتغير المملكة روايتها بالكامل، لكن هذه الرواية لم تصمد أكثر من يوم، فبعد الإعلان السعودي عن مقتل الصحفي السعودي البارز جمال خاشقجي جراء “شجار مع أشخاص داخل القنصلية”، أصدرت السعودية نسخة أخرى من الرواية “الهزلية” عن كيفية مقتل خاشقجي الذي دخل قنصلية بلاده في إسطنبول يوم 2 من أكتوبر/تشرين الأول الحاليّ ولم يخرج منها.
تفاصيل الرواية الأخيرة أفضت هذه المرة – كسابقاتها – إلى تغيير الرواية الرسمية السابقة بشكل كامل، حيث تبدل الشجار المُفضي للموت بالأمس إلى خنق أفضى أيضًا إلى الموت اليوم، لكن العامل المشترك في كلتا الروايتين هو الجهل بمصير الجثة.
١- رواية سعودية جديدة لرويترز عن مقتل #جمال_خاشقجي ..مسؤول سعودي طلب عدم الكشف عن هويته تفاصيل عن كيف هدد فريق من 15 سعوديا، أرسلوا للقاءه في الثاني من أكتوبر، بتخديره وخطفه قبل أن يقتلوه في شجار عندما قاوم. ثم ارتدى أحد أفراد الفريق ملابس خاشقجي ليبدو الأمر وكأنه غادر القنصلية.
— abdelmoneim Mahmoud عبدالمنعم محمود (@moneimpress) October 21, 2018
سيناريوهات متعددة والنهاية واحدة
في الوقت الذي تواجه فيه السعودية تشككًا دوليًا متزايدًا في روايتها بشأن وفاة الصحافي جمال خاشقجي، عرض مسؤول حكومي كبير نسخة جديدة لما حدث داخل القنصلية السعودية في إسطنبول تناقض في جوانبها الرئيسية التفسيرات السابقة.
في الرواية السعودية الأخيرة نقلت وكالة “رويترز” عن مصدر سعودي – فضل عدم كشف هويته – قوله إن نائب رئيس الاستخبارات السعودية أحمد عسيري شكّل فريقًا من 15 شخصًا للقاء جمال خاشقجي في إسطنبول، وطلب من المستشار بالديوان الملكي سعود القحطاني أن يتضمن الفريق شخصًا يعرفه الصحفي الراحل.
عمد المصدر السعودي إلى ذكر عسيري والقحطاني لربطهما بالتداعيات التي طالتهما بإعفاء كل منهما من منصبه
في هذه النقطة تحديدًا تتوافق الرواية الأخيرة مع ما سبق أن تحدثت عنه صحف أمريكية بارزة مثل “نيويورك تايمز” و”واشنطن بوست” من أن الرياض تعد خطة وتبحث عن “كبش فداء” تحملَّه مسؤولية الاغتيال المروِّع لخاشقجي، وجرى الحديث عن اللواء أحمد عسيري وموظفين أقل رتبة في الديوان الملكي وأجهزة الدولة.
ربما عمد المصدر السعودي إلى ذكر عسيري والقحطاني لربطهما بالتداعيات التي طالتهما بإعفاء كل منهما من منصبه لإنقاذ ولي العهد من الاتهامات الموجهة إليه، حيث كثرت التساؤلات عن علاقة العسيري والقحطاني بالرواية السعودية، والمقومات التي جعلت منهما متهمين نموذجيين، وكيف أدى إدخالهما إلى مسرح الجريمة لمزيد من الفوضى على الرواية السعودية.
وبحسب المصدر، فإن الخطة هدفت في البداية إلى خطف خاشقجي وإقناعه خلال مرحلة الخطف داخل “منزل آمن” في إسطنبول بالعودة للسعودية، حيث تحدث الضابط في الاستخبارات السعودية والموظف السابق في الملحقية الأمنية في لندن وأحد المقربين لولي العهد ماهر المطرب مع خاشقجي بالقنصلية وطلب منه العودة إلى بلاده، ثم سرعان ما بدأ يهدده بالتخدير والخطف في محاولة لإخافته.
ماهر المطرب أمام منزل القنصل السعودي
وبحسب المصدر، بدأت الأوضاع تتطور، حيث بدأ خاشقجي بالصراخ، وحينها ارتبك الفريق وحاول إسكاته بإغلاق فمه فتوفي، لكن بالنظر إلى أعضاء الفريق الأمني الـ15 يتبين أننهم جميعًا ضباط في المخابرات والأمن الداخلي السعودي والقوات الجوية والحرس الملكي، ما يجعل فكرة ارتباك أُناس بهذه الموؤهلات محل شك.
وإن صدقت الرواية السعودية من أن مهمة الفريق الأمني كانت فقط التفاوض لعودة خاشقجي طوعًا إلى المملكة فالأولى أن يتضمن الفريق طبيب تخدير وليس طبيبًا متخصصًا في التخدير هو صلاح محمد الطبيقي.
وفيما لم تظهر حتى الآن جثة خاشقجي، كشف المسؤول السعودي أنه بعد لفظ الصحفي أنفاسه الأخيرة خنقًا، تم لفّ جثته داخل سجادة وتسليمها لـ”متعاون محلي” للتخلص منها، وعندما سُئل عن مزاعم تعرض خاشقجي للتعذيب وقطع رأسه، قال إن النتائج الأولية للتحقيق لا تشير إلى ذلك.
بعدها ارتدى مصطفى مدني – الموظف في القطاع العام في السعودية وأحد أعضاء الفريق – ثياب خاشقجي ونظارته وساعته، وخرج من الباب الخلفي للقنصلية من أجل التمويه، أما طبيب التشريح صلاح الطبيقي فقد كانت مهمته العمل على إخفاء آثار مقتل خاشجقي.
رواية جديدة بالكلية لا تجيب عن تساؤلات الأيام الماضية بقدر ما تكشف التورط السعودي الفاضح في قتل خاشقجي بطريقة بشعة
وإثر الانتهاء من العملية كتب الفريق “تقريرًا مضللاً” عما جرى قال فيه إنه سمح لخاشقجي بالخروج، واضطر لمغادرة تركيا بسرعة حتى لا ينكشف أمره، وبعد اكتشاف السلطات ذلك التضليل بادرت إلى فتح تحقيق عاجل لكشف التفاصيل كلها، حيث يوجد أعضاء الفريق الـ15 وثلاثة آخرون رهن التحقيق.
هي إذًا رواية جديدة بالكلية لا تجيب عن تساؤلات الأيام الماضية بقدر ما تكشف التورط السعودي الفاضح في قتل خاشقجي بطريقة بشعة، وأيضًا بقدر ما تُثير أسئلة لا آخر لها أهمها: من المتعاون المحلي الذي يتخلص من الجثث بلا تصريح؟ وكيف أوجدوه في ساعات قليلة؟ وكيف تعاون معهم سائق سيارة تابع للقنصلية؟
سي ان ان تسرب الان عن مصدر سعودي ان #جمال_خاشقجي قتل خنقاً نتيجة شجار مع من قابلوه في القنصلية، بمعنى انه خُنق او اختنق.#السعودية
— Lana Medawar (@MedawarLana) October 20, 2018
وما زالت الأسئلة تنهش الرواية الجديدة، فالعالم يسأل أين كانت رواية الخنق قبل رواية الشجار المفضي إلى الموت طوال الأسابيع الماضية؟ وهل غاب ذلك عن القنصل وولي العهد وسفير المملكة بواشنطن؟ بل أين الجثة؟
المزيد من الروايات المتناقضة
تعيدنا الرواية السعودية الأخيرة إلى اليوم الذي اختفى فيه الصحفي السعودي جمال خاشقجي بعد دخوله قنصلية بلاده في إسطنول، فبعد الحديث عن تصفيته، نفى مصدر مسؤول سعودي في اليوم نفسه أن يكون خاشقجي في القنصلية أو أن يكون رهن الاعتقال.
جاءت الروايات السعودية مناقضة لرواية الأجهزة الأمنية التركية التي دخل محققوها مقر القنصلية ومنزل القنصل
وتضاربت بعد ذلك الروايات التي أجمعت في مجملها على الإنكار، ففي الـ4 من أكتوبر/تشرين الأول قالت القنصلية السعودية إنها تتابع التقارير الإعلامية عن اختفاء خاشقجي بعد خروجه من القنصلية، وفي اليوم التالي صدر أول تعليق سعودي رسمي، حيث قال ولي العهد محمد بن سلمان في مقابلة نشرتها وكالة “بلومبيرغ”: “ليس لدى السعودية ما تخفيه”، وأكد أن خاشقجي خرج من القنصلية.
تعددت الروايات في مقتل #جمال_خاشقجي, والقاتل واحد والمنفذين أدوات يُحاول البعض إستخدامهم لإبعاد الشبه والتهم عن رأس الهرم.
شجار فـ خنق ثم !؟
والمحصلة لم يعد أحد يُصدق تلك الروايات حتى أولئك الذين يقومون بصياغتها وتسويقها عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل.— خالد شعبان (@Khaled_qahtan) October 21, 2018
وبعد 4 أيام من اختفاء خاشقجي، فتحت السعودية أبواب قنصليتها لفريق وكالة “رويترز” في محاولة منها لنفي الادعاءات الموجهة إليها، وتكرر الإنكار، حيث أكد سفير المملكة في واشنطن الأمير خالد بن سلمان أن الإشاعات التي أفادت باختفاء خاشقجي في القنصلية أو خطفه من المملكة أو قتله “زائفة”.
ودخل وزير الداخلية السعودي على الخط حين غاب وزير الخارجية عادل الجبير، ونفى الوزير في الـ13 من الشهر ذاته مزاعم قتل خاشقجي وأكدت المملكة استنكارها لما يتم تداوله في بعض وسائل الإعلام من اتهامات وصفها “بالزائفة”، حتى جاء الاعتراف السعودي الأول بالأمس في رواية لم يصدقها إلا ترامب.
جاءت الروايات السعودية مناقضة لرواية الأجهزة الأمنية التركية
وفي المجمل، جاءت الروايات السعودية مناقضة لرواية الأجهزة الأمنية التركية التي دخل محققوها مقر القنصلية ومنزل القنصل، وبدأوا حملة بحث حثيثة عن جثة خاشقجي أو ما تبقى منها في مناطق عدة بإسطنبول وضواحيها، وتحديدًا في غابات بلغراد ومنطقة بندك القريبة منها ومدينة يلوا المطلة على بحر مرمرة.
وسبق أن ذكرت مصادر أمنية تركية أنها تمكنت من معرفة المكان الذي قتل فيه خاشقجي داخل القنصلية بدقة، وأن المحققين استمعوا للتسجيلات قبل معاينة القنصلية السعودية وعمل محاكاة لها داخلها، كما توصل البحث الجنائي – وفقًا للمصادر الأمنية – إلى أن الغرفة التي قتل فيها خاشقجي كانت مجهزة مسبقًا بالمعدات للتعامل معه.
وكشفت التحقيقات أن خاشقجي تعرض للهجوم من أشخاص عدة عقب دخوله غرفة القنصل، ثم تولى طبيب التشريح السعودي صلاح الطبيقي تقطيع جثته عقب تصفيته مباشرة، وبحسب مصادر أمنية تركية، لم يستغرق الطبيقي سوى 15 دقيقة في عملية تقطيع جثة خاشقجي، ومساعدوه كانوا يغلفون أجزاء الجثة بعد تقطيعها مباشرة.
تعزي السعودية تبدل رواياتها بشأن خاشقجي إلى تقارير ومعلومات مغلوطة قدمها الفريق الأمني للقيادة في الرياض دون أن تقدم أي أدلة مادية لا لروايتها ولا حتى لتأكيد صحة روايتها لثانية
وتعزي السعودية تبدل رواياتها بشأن خاشقجي إلى تقارير ومعلومات مغلوطة قدمها الفريق الأمني للقيادة في الرياض دون أن تقدم أي أدلة مادية لا لروايتها ولا حتى لتأكيد صحة روايتها لثانية، ما يعني أن القيادة السعودية لم تكن تعلم حقيقة ما جرى لخاشقجي.
إن صح هذا القول فلماذا تلكأت الرياض وماطلت كثيرًا كي تعطي إذنًا للمحققين الأتراك لإجراء تفتيش جنائي في مننزل القنصل ومبنى القنصلية إذا كانت تعلم أن خاشقجي غادرها سالمًا؟ وإن صح أن السعودية مضللة بتقاير داخلية مغلوظة فلماذا أخفى القنصل السعودي الحقيقة وهو الذي كان شاهدًا على اغتيال خاشقجي داخل مكتبه وفق الرواية التركية؟