تشهد تونس اليوم الأحد 6 أكتوبر/تشرين الأول الانتخابات الرئاسية، التي يتنافس فيها كل من الرئيس الحالي قيس سعيّد، والمرشح زهير المغزاوي الذي يشغل منصب الأمين العام لحركة الشعب، إضافة إلى المرشح عياشي الزمال، الأمين العام لحركة “عازمون” والنائب السابق في برلمان 2019.
فيما تم استبعاد عددٍ من المرشحين من الهيئة العليا للانتخابات، لأسباب تتعلق بعدم تمكنهم من الحصول على السجل العدلي، وهي شهادة بعدم وجود سوابق جنائية تمنعهم من الترشح، وتمكن ثلاثة منهم من الحصول على أحكام من المحكمة الإدارية بالعودة إلى السباق الانتخابي، إلا أن اللجنة العليا للانتخابات رفضت تنفيذ الحكم القضائي.
والمرشحون المستبعدون رغم قرار المحكمة هم: عبد اللطيف المكي، وزير الصحة التونسي السابق، وعماد الدائمي، رئيس مرصد رقابة التونسي، والمنذر الزنايدي، الذي تولى عددًا من الحقائب الوزارية سابقًا.
لكن قبل الانتخابات، وخلال الشهرين الماضيين، انتشرت العديد من الادعاءات والمعلومات المضللة عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وكانت هذه الادعاءات متنوعة من حيث الجهات التي أطلقتها، حيث حاول بعض السياسيين والمؤثرين تشويه صورة المرشحين، بينما سعى آخرون لتضليل الناخبين بإحصائيات أو ادعاءات مغلوطة حول الحكومة والمرشحين.
وتمكن تحالف تدقيق الانتخابات الرئاسية التونسية 2024، والذي يضم 3 منصات تدقيق معلومات وهي: تفنيد وتونس تتحرى وBN CHECK، من رصد نحو 59 ادعاءً مرتبطًا بالانتخابات، انتشروا بشكل واسع في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي خلال شهري أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول، ومطلع أكتوبر/تشرين الأول، والتي كانت متنوعة من حيث الجهات الأكثر تورطًا في إطلاق معلومات مضللة، ومن حيث الأسباب المحتملة لعمليات التضليل.
ما الدوافع؟
تصدرت المعلومات الخاطئة/المضللة، التي تهدف إلى التأثير على معتقدات الناخبين/ات، المشهد، إذ عمل سياسيون ومؤثرون وحملات انتخابية للمرشحين على تبني خطاب تشكيكي حول أداء الحكومة التونسية تحت قيادة قيس سعيد، فضلًا عن معلومات مختلفة حول المؤشرات الدولية المتعلقة بتونس، فيما تبنى آخرون خطابًا مضللًا يعمل على تضخيم الإنجازات الحكومية، والإعلان عن إنجازات بعضها وهمية أو لم تتم بعد، كما تداول كلا الفريقين توقعات غير صحيحة لاستطلاعات الرأي حول الانتخابات.
ورصدت منصات التدقيق، 26 ادعاءً خاطئًا/مضللًا تهدف جميعها إلى تشويه المرشحين للانتخابات، وهو ما يمثل 44% من إجمالي الادعاءات التي تم رصدها، بينما تم رصد 25 ادعاءً خاطئًا/مضللًا تهدف إلى التأثير على معتقدات الناخبين/ات لصالح أو ضد المرشحين المختلفين من بينهم قيس سعيد، الرئيس الحالي لتونس وهو ما يمثل نحو 42% من إجمالي المعلومات الخاطئة/المضللة التي تم رصدها.
بينما تنوعت أهداف باقي المعلومات المضللة التي تم رصدها بين محاولة الإضرار بالناخبين من خلال تقديم معلومات خاطئة حول اللجان الانتخابية، أو تصريحات مضللة تم رصدها عن العملية الانتخابية ذاتها خلال خطابات متعلقة بالانتخابات، أو ادعاءات حول أحداث لم تقع بالفعل لنشر مناخ من الفوضى.
ومن أبرز الادعاءات التي تهدف إلى التأثير على معتقدات الناخبين/ات، ما تم تداوله على نطاق واسع بين مؤِثرين/ات وسياسيين/ات وصفحات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من بينهم السياسي التونسي ثامر بديدة الأمين العام السابق لـ”حراك 25 جويلية”، الذي ادعى أن “المركز الدولي للنظم الانتخابية IFES التابع للأمم المتحدة أعلن أن الانتخابات في تونس مزورة على مقاس قيس سعيد باستعمال أجهزة الدولة، ولا ترتقي لأدنى المقاييس والمعاهدات الدولية ولن يعترف بنتائجها المجتمع الدولي”.
الادعاء تبين أنه مضلل، إذ نشرت المؤسسة الدولية للنظم الانتخابية بيانًا في 20 سبتمبر/أيلول 2024، أكدت فيه أن نشاطاتها في تونس محصورة في التربية البدنية والثقافية لدى الفئات الهشة، ولا علاقة لها بالشأن الانتخابي، كما لم تنشر عبر موقعها أو صفحاتها على منصات التواصل الاجتماعي أي بيان يتعلق بالشأن الانتخابي التونسي.
ومن بين الادعاءات التي هدفت إلى تشويه صورة المرشحين، رصد منشور تم تداوله على نطاق واسع على شبكات التواصل الاجتماعية يتضمن صورة للمرشح زهير مغزاوي يظهر فيها مع رئيس حركة النهضة ورئيس البرلمان التونسي السابق راشد الغنوشي، وادعى متداولو الصورة أنها دليل لتعاون بين الطرفين.
الادعاء تبين أنه مضلل، حيث تم إخراج الصورة عن سياقها، وبالبحث العكسي عن الصورة تبين أنها تعود إلى ديسمبر/كانون الأول 2019، عندما عين الرئيس التونسي قيس سعيد، حبيب جملي لتشكيل حكومة بعد فوز حركة النهضة في الانتخابات التشريعية، ثم أجرى جملي مشاورات مع مختلف الأحزاب السياسية، بما في ذلك حركة النهضة والتيار الديمقراطي وحركة الشعب وتحيا تونس.
في هذا السياق، التقى زهير مغزاوي (حركة الشعب) وراشد الغنوشي (النهضة) ومحمد عبو (التيار الديمقراطي) ويوسف الشاهد (تحيا تونس) في 20 ديسمبر/كانون الأول 2019، ما يدل على أن الصورة لا تعكس تعاونًا مباشرًا بين مغزاوي وحركة النهضة.
الجهات الأكثر تضليلًا؟
تصدر الجمهور قائمة مطلقي الادعاءات الخاطئة التي تم رصدها خلال تغطية الانتخابات التونسية، فقد بلغ عدد المعلومات التي طورها أو نشرها نحو 25 خبرًا ومعلومة خاطئة/مضللة من بين 59 ادعاءً تم رصدهم خلال الشهرين الماضيين، بنسبة 42%.
بينما يأتي السياسيون والمؤثرون في المرتبة الثانية بواقع 21 معلومة خاطئة/مضللة بنسبة 35.5% من الإجمالي، فيما يتنوع باقي مطلقي الادعاء بين المرشحين للانتخابات وحملاتهم، ووسائل الإعلام، والمسؤولين الحكوميين على الترتيب.
من أبرز الادعاءات التي طورها الجمهور عبر الشبكات الاجتماعية وانتشرت قبل ساعات من بدء الاقتراع الرسمي للانتخابات التونسية، بيان منسوب لنقابة المهندسين التونسيين يدعو المهندسين/ات للتصويت لصالح المرشح الرئاسي عياشي زمال، وهو ما نفاه نقيب المهندسين التونسيين، كمال سحنون، مؤكدًا أن النقابة لم تتبن موقفًا داعمًا لأي من المرشحين.
ومن أبرز الادعاءات التي أطلقها سياسيون ومؤثرون حول الانتخابات، منشورًا لثامر بديدة الأمين العام السابق لـ”حراك 25 جويلية”، نشر خلاله صورة لعدد قليل من الأشخاص، زعم أنها وقفة داعمة للرئيس قيس سعيد، ردًا على تظاهرت تم تنظيمها مؤخرًا ضده.
لكن تبين أن الادعاء مضلل فلم يخرج مساندو الرئيس في وقفة احتجاجية ردًا على مسيرة يوم 22 سبتمبر/أيلول 2024، والصور المرفقة مع الادعاء قديمة، وتعود إلى وقفة احتجاجية لمساندة قرارات قيس سعيد بتاريخ 25 سبتمبر/أيلول 2021.
ما القضايا الأبرز التي شابها التضليل؟
تنوعت القضايا التي شابها التضليل خلال الموسم الانتخابي بتونس 2024، بينما كان ملف الإنجازات الحكومية والمؤشرات العامة للدولة التونسية هي القضية الأبرز التي شهدت تضليلًا كبيرًا من الأطراف كافة، إذ حاول داعمو الحكومة التونسية والرئيس قيس سعيد تبرير الأوضاع الراهنة في تونس، من خلال محاولة تضخيم الإنجازات، أو طرح نظريات المؤامرة.
وكان من أبرز تلك الادعاءات ما تداولته حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي حول تسديد تونس 81.1% من ديونها الخارجية حتى 20 أغسطس/آب 2024.
لكن تبين من خلال البحث أن الادعاء مضلل، فقد بلغت القيمة الفعلية لما تم سداده نحو 53.7% من ديونها الخارجية، بينما يعود الادعاء المتداول إلى بيان صادر عن البنك المركزي في تونس يؤكد أنها سددت أغلب الديون الخارجية المطلوبة للنصف الأول من العام فقط.
أما على الجانب الآخر، صرح المرشح للانتخابات الرئاسية التونسية، زهيّر المغزاوي، خلال لقاء له على إذاعة “جوهرة إف إم”، أن عدد العاطلين/ات عن العمل خلال 5 سنوات من حكم قيس سعيد بلغوا مليون عاطل/ة.
بالبحث تبين أن الادعاء مضلل، إذ بلغ عدد العاطلين/ات في تونس في عام 2024 نحو 669.3 ألف عاطل، وهو آخر رقم أصدره المعهد الوطني للإحصاء.
هذا التقرير أنجز ضمن تحالف تدقيق الانتخابات، والذي تقوده الشبكة العربية لتدقيق المعلومات AFCN من أريج، بدعم من الشبكة الإفريقية لتدقيق المعلومات Africa Facts.