ترجمة وتحرير: نون بوست
تحدث جمال خاشقجي في آخر مقال نشر له في صحيفة “واشنطن بوست” عن أن “ما يحتاجه العالم العربي هو حرية التعبير”. كما قال الصحفي في مقاله الأخير: “لقد اطلعت مؤخرا على التقرير الذي نشر على شبكة الإنترنت من قبل منظمة ‘فريدم هاوس’ بعنوان ‘الحرية في العالم‘. وقد توصلت إلى نتيجة تبعث على الحزن، حيث سجل اسم دولة عربية واحدة ضمن فئة الدول “الحرة”، وهي تونس. أما المغرب والأردن والكويت فكانت ضمن الدول “الحرة جزئيا”، في حين اعتُبرت باقي الدول العربية دولا “غير حرة”.
في الحقيقة، تحمل كلمات جمال خاشقجي معاني خاصة، حيث أنه كتبها قبل قرابة الأسبوعين من اختفائه في إسطنبول، قبل أن تأكد السعودية ليلة 19 تشرين الأول /أكتوبر وفاته بالفعل في قنصليتها بالعاصمة التركية. مع ذلك، لم تتصدر قضية خاشقجي عناوين وسائل الإعلام في العالم العربي والإسلامي. وفي الوقت الذي دخلت فيه قناة “العربية” السعودية وقناة “الجزيرة” القطرية في نزاع حقيقي حول هذا الملف، اكتفت باقي وسائل الإعلام العربية بإعادة نشر المعلومات التي تتحدث عن القضية التي يتم تناقلها بلا انقطاع عبر وسائل إعلام العالم كله.
دعم غير مشروط للرياض
حتى ذلك الحين، لم تدن معظم الدول العربية رسمياً، أو حتى تعبر عن انتقادها للاختفاء المقلق لرئيس تحرير صحيفة “الوطن” السعودية السابق، الذي اعترفت الرياض رسميا بمقتله داخل قنصليتها في إسطنبول بعد “مشاجرة” خرجت عن السيطرة. وبحسب المختص السويسري الجزائري في السياسة في العالم العربي، حسني عبيدي، يكمن سببان وراء هذا الصمت. وقد أوضح عبيدي أن “السبب الأول يتمثل في أن كل البلدان العربية تقريبا، باستثناء قطر، تربطها علاقات ثنائية متميزة مع السعودية”.
طبيعة القضية في حد ذاتها، حيث لا يمكن للدول العربية أن تعطي دروسا للسعودية في مجال الحريات وخاصة حرية الصحافة
من هذا المنطلق، “قد تعتبر المملكة أي موقف ينتقدها كعلامة على العداء تجاهها. وبالتالي، نفهم سبب انتهاج هذه البلدان سياسة ضبط النفس”. فضلا عن ذلك، أكد هذا الباحث في مركز الدراسات والبحوث حول العالم العربي ودول المتوسط أيضا أنه “في المقابل، تعد كل من البحرين واليمن والإمارات وفلسطين الدول العربية الوحيدة التي انحازت إلى جانب المملكة معبرة عن دعمها غير المشروط للرياض”.
أما السبب الثاني، فيعود، حسب حسني عبيدي، إلى “طبيعة القضية في حد ذاتها، حيث لا يمكن للدول العربية أن تعطي دروسا للسعودية في مجال الحريات وخاصة حرية الصحافة، نظرا لأن التتبعات العدلية ضد الصحفيين تعد أمرا مألوفا في المنطقة العربية. وفي الوقت الذي غابت فيه ردود الفعل الرسمية، لم تتفاعل الصحافة العربية من الأساس، باستثناء عدد قليل من وسائل الإعلام المستقلة”.
مواقع التواصل الاجتماعي هي الوحيدة التي تكسر حاجز الصمت
نشر الاتحاد الدولي للصحفيين، وهو اتحاد نقابي عالمي لنقابات الصحفيين، في 19 تشرين الأول /أكتوبر، بيانا باللغة العربية جاء فيه أنه: “يجب وضع حد للأكاذيب وغض الطرف وإبداء الرضا فيما يتعلق بقضية مقتل خاشقجي”. كما طلب الاتحاد الدولي للصحفيين من المجتمع الدولي “قطع العلاقات والمعاملات الاقتصادية مع النظام السعودي”. وفي هذا السياق، أضاف حسني عبيدي أنه “مع ذلك، وإلى حد هذه اللحظة، لم يندد لا الاتحاد العام للصحفيين العرب ولا النقابات المحلية، بالمصير الذي آل إليه خاشقجي”.
في السياق ذاته، واصل الخبير حديثه، حيث أفاد أنه “على الرغم من ذلك، تناولت وسائل الإعلام العابرة للحدود الوطنية والقنوات العابرة للقارات باللغة العربية، موضوع الاختفاء، كما تناولت تداعياته الداخلية والدولية. في الأثناء، يتابع المستمعون والمشاهدون القضية”. وبحسب ما نقله موقع “ميدل إيست آي” فإن “مستخدمي الإنترنت الليبيين وصل بهم الحد إلى تشبيه بن سلمان بمعمر القذافي الذي عُرف عنه نشره لعملاء ليبيين واستهدافه للمعارضين السياسيين في الخارج. وقد أحيْت القضية ذكريات حالات الاختفاء والاغتيال التي ارتكبها النظام الليبي السابق”.
الاستراتيجية التركية التي تعيق السعودية
تلعب تركيا دورا هاما في هذه القضية، حيث أكد ديدييه بيون، نائب مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية الفرنسي، وهو أيضا مختص في الشأن التركي أنه “في البداية، كانت تركيا مترددة. لكن فيما بعد، انضمت إلى حركة الاستنكار الشاملة تجاه السعودية مقدمة أدلة أساسية لحل القضية”.
دعت لجنة حماية الصحفيين، ومنظمة هيومن رايتس ووتش، ومنظمة العفو الدولية، ومنظمة مراسلون بلا حدود، في بيان مشترك إلى فتح “تحقيق موثوق به وشفاف وفي الوقت المناسب” بمشاركة تركيا والأمم المتحدة أيضا.
بعد مضي أربعة أيام من اختفاء الصحفي، فتح مكتب النائب العام في أنقرة تحقيقاً. وبعد ذلك، فتّشت السلطات التركية القنصلية السعودية قبل أن تؤكد وفاة جمال خاشقجي. من جانبه، علق الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وقتها عن الحادثة قائلا: “جدت هذه الحادثة في بلدنا، ما يعني أنه لا يمكننا أن نقف صامتين”. وصرح أردوغان بذلك في تحدٍ للسعوديين من أجل أن “يثبتوا” أن خاشقجي غادر القنصلية وهو على قيد الحياة كما ادعوا في البداية.
في 19 تشرين الأول/ أكتوبر، دعت لجنة حماية الصحفيين، ومنظمة هيومن رايتس ووتش، ومنظمة العفو الدولية، ومنظمة مراسلون بلا حدود، في بيان مشترك إلى فتح “تحقيق موثوق به وشفاف وفي الوقت المناسب” بمشاركة تركيا والأمم المتحدة أيضا.
في هذا الإطار، قال ديدييه بيون إن “نظام أردوغان يستغل قضية خاشقجي لأغراض استراتيجية، حيث أنه قبل سنة واحدة فقط، وعندما قرر السعوديون فرض حصار على قطر، كانت تركيا سباقة في اتخاذ القرار بإنشاء جسر جوي نوعا ما لتزويد الإمارة بالبضائع”. وأضاف الباحث أنه “بعد ذلك، تبنت تركيا موقفا ضد السعودية، مع العلم أن القوى الإقليمية التقليدية من قبيل العراق أو سوريا قد اختفت واحدة تلو الأخرى تاركة فراغا يتنافس على ملأه الأتراك والسعوديون”.
المصدر: جون أفريك