قبل بضعة أيام نشرت الكاتبة الإسرائيلية عينات ليفي مقالًا تتحدث فيه عن الربيع العربي بشكل مغاير، وهذه المرّة بعيدًا عن السياسة، حيث تؤكد أن النظر إلى الشرق الأوسط كمنطقة مشبعة بأعمال الشغب وتفتقر إلى الاتزان الفكري الذي ينبثق عنه جماعات إسلامية متطرفة، وتشير أن هذه النظرة تجعل الإسرائيليين يغفلون عن التغييرات التي يحققها جيل جديد من المبادرين العرب في العقد الأخير.
تقول الكاتبة: “في عام 2017 كان هناك 3000 شاب يعملون في الشركات الناشئة في حواضن الأعمال التي أقيمت في الإمارات ومصر والأردن والسعودية ولبنان والمغرب وتونس وغيرها، هناك مسابقات قطرية متعددة وأفكار مبتكرة يلتقي فيها المبادرون برجال الأعمال وجهات حكومية وغيرهم من المعنيين ليس من الشرق الأوسط فقط، إنما من روّاد الشركات الناشئة العالميين”.
ثم تسهب في الحديث عن شركات ناشئة بيعت بملايين الدورات في دول عربية مختلفة مثل دبي، حيث برزت قصتين لا يمكن إغفالهما: إحدى أكبر شركات التجارة الإلكترونية “سوق” التي بيعت لشركة “آمازون” مقابل 650 مليون دولار، و”كريم” وهو تطبيق للمشاركة في السفريات ويعمل في 100 مدينة في 14 دولة، تقدّر قيمته بنحو 1.5 مليار دولار.
التغيير في سوق التجارة الإلكترونية – بحسب الكاتبة – يعود الفضل فيه كذلك إلى دخول الإنترنت وانتشار الأجهزة المحمولة
وعن نقطة التحوّل في قصص النجاح هذه، تقول الكاتبة إن الفضل في هذا النجاح يعود إلى الأزمة الاقتصادية العالمية (2008) حيث وصلت أسعار النفط إلى أقل مستوياتها والسبب الثاني هو احتجاجات “الربيع العربي” الذي غيّر وجه الشرق الأوسط، حيث بدأت دول المنطقة بالبحث عن مخرج يساهم في نمو اقتصادي ويساهم في حل مشكلة البطالة لدى الشباب المتعلمين.
بالإضافة إلى ذلك فإن أحد أهم الأحداث التي حصلت في أغسطس/آب 2009 هو شراء شركة ياهو موقع مكتوب الأردني بـ175 مليون دولار، الذي تحوّل إلى قصة نجاح تداولها الناس بشكل ملفت وبثّت الأمل في نفوس ملايين الشباب المتعلمين في العالم العربي.
هذا التغيير في سوق التجارة الإلكترونية – بحسب الكاتبة – يعود الفضل فيه كذلك إلى دخول الإنترنت وانتشار الأجهزة المحمولة، فيوجد في العالم اليوم 400 مليون متحدث للغة العربية ونصفهم فقط لديه إمكانية دخول الإنترنت ولكن ازدياد عدد المستخدمين هو الأسرع عالميًا، بالإضافة إلى هذا تشير ليفي أن المحتوى العربي ضعيف جدًا وهناك فرصة كثيرة لازدهار المبادرات في هذا المجال.
“لقد أدرك العرب هذه الإمكانيّة، وفي السنوات الأخيرة تم استثمار مبالغ ضخمة في مجال المبادرات وإقامة حواضن لرجال الأعمال والشركات الناشئة، هذه الخطوات تضمّنت إزالة العقبات البيروقراطية التي تواجه المبادرين وكذلك تسهيلات في فتح الحسابات البنكية واستصدار بطاقات الاعتماد وتسهيل طرق الاستثمار والقروض وإلغاء عقوبة السجن على “الشيكات الراجعة”، في أبو ظبي ودبي والبحرين أقيمت “ملاعب Sandbox” يمكن للشركات اختبار منتجاتها فيها دون الحاجة لكل الإجراءات البيروقراطية المطلوبة بشكل عام”.
وتضيف: “التسهيلات للمبادرين تختلف من دولة إلى دولة وفي معظم الدول تنعدم إستراتيجية للتنسيق بين الجهود المبذولة في المناطق المختلفة ورغم ذلك فإن التطور الحاصل يبشر بتغييرات عميقة ستحصل في الشرق الأوسط”.
تؤكد ليفي أن “إسرائيل” ليست شريكة في هذا التقدم الحاصل
هذه التطورات التي تتحدث عنها ليفي ليست حكرًا على دبي والبحرين بل نجدها تشير إلى مبادرات تساهم في تطوير حلول مبتكرة في مجال الطاقة المتجددة والتنمية المستدامة والتربية وكذلك مجال مساعدة ذوي الحاجات الخاصة، وتشير إلى ابتكار “سان بوكس” الذي طوره مجموعة من الشباب الفلسطينيين وهو “مولد كهرباء يعمل بالطاقة الشمسية يهدف إلى توفير الطاقة الكهربائية عند انقطاع الكهرباء التي لا تأتي إلا لساعات محددة يوميًا.
كما تشير لمشروع “نفهم” وهو مشروع تم تطويره في القاهرة، عبارة عن تجميع لأفكار قصيرة أنتجها طلاب ومعلمون في مجالات مختلفة وتهدف إلى إتاحة التعليم لكل طفل، بما فيهم أطفال لا يمكنهم الحضور للمدرسة.
مشروع آخر مميز بنظر ليفي يؤكد مدى أهمية هذا المجال بالنسبة للمرأة العربية ويقدم لهن فرص جديدة لدخول عالم الأعمال برواتب أعلى وساعات عمل أكثر مرونة وإمكانية للتوفيق بين العمل المنزلي وبين المهنة، هو المشروع الذي حصل على جائزة المرتبة الأولى في مسابقة “هاكثون الحج” التي أجريت عام 2018 وهو عبارة عن تطبيق قامت بتطويره أربعة مبرمجات من السعودية لخدمة الحجاج من غير المتكلمين باللغة العربية لإجراء مناسك الحج دون صعوبات “لغوية”.
كيف لـ”إسرائيل” أن تنخرط في هذا المجال؟
تؤكد ليفي أن “إسرائيل” ليست شريكة في هذا التقدم الحاصل وتعتبر أن العقبة الأكبر أمام “إسرائيل” للانخراط هو الصراع العربي الإسرائيلي وحركات المقاطعة، ولذلك فإن الوسيلة المتاحة للتواصل الإسرائيلي مع هذه المبادرات يكون من خلال سفارات أجنبية وملتقيات ومؤتمرات دولية وشركات “هاي تيك” عالمية.
“إنجلترا، على سبيل المثال، أدركت أهمية هذه الإمكانات وأقامت في سفارة “إسرائيل” في لندن مقرًا للابتكار الذي يتيح برامج مبادرات للإسرائيليين وفيها قسم متخصص بالأنشطة في المجتمع العربي، إلى جانب النوايا الحسنة، هناك أيضًا فائدة اقتصادية ترجوها بريطانيا من السوق العربي من خلال العرب الذي درسوا في “إسرائيل””.
وتضيف: “مجال المبادرات في العالم العربي يتقدم بتسارع ملحوظ وهناك فرص جديدة للتعاون، على أصحاب القرار في “إسرائيل” أن يكونوا متيقظين لكل هذه التغيرات وأن يندمجوا في هذا الازدهار الحاصل بمساعدة المتحدث باللغة العربية في “إسرائيل” من أجل بناء جسور تربط “إسرائيل” بجاراتها، ومن أجل هذا لا بد من إتاحة فرصة العمل للشباب العربي في هذا المجال، تتيح لهم الاندماج في الشركات وفي المنطقة”.
وتختتم ليفي مقالاتها بنظرة متفائلة خلاصتها أن هذا المجال يمكن أن يؤدي فعلًا إلى أفق جديد في التعاون بين “إسرائيل” وجاراتها لم ينظر إليه بما فيه الكفاية سابقًا ويبث الروح من جديد في “شرط أوسط جديد” أو حتى “شرق أوسط متجدد”، على حد تعبيرها.