تشتهر القاهرة القديمة بالآثار والمعالم التي تجذب إليها الأنظار والسائحين من مختلف أنحاء العالم، وشارع المعز لدين الله الفاطمي أحد تلك المعالم التي تقع وسط القاهرة ويعد مزارًا سياحيًا فريدًا من نوعه كما أنه سوق تجاري لعدد كبير من المحلات والصناعات المختلفة مثل صناعة الذهب والنحاس والأقمشة وغيرها، ويعود تاريخه إلى عام 969 ميلاديًا تزامنًا مع إنشاء القاهرة الفاطمية ويمثل قلب القاهرة القديمة.
يمتد شارع المعز لدين الله الفاطمي من باب الفتوح شمالًا مرورًا بمنطقة النحاسين ثم خان الخليلي، فمنطقة الصاغة لصناعة الذهب وبيعه، ثم يقطعه شارع جوهر القائد (الموسكي) وشارع الأزهر مرورًا بمنطقة الغورية والفحّامين ثم زقاق المدق والسكرية لينتهي عند باب زويلة.
تسمية شارع المعز
سُمي الشارع بهذا الاسم نسبة إلى الخليفة الفاطمي المعز لدين الله الذي أرسل القائد جوهر الصقلي إلى مصر عام 969 ميلاديًا لتنشأ مدينة القاهرة وتدخل مصر تحت الحكم الفاطمي منذ ذلك التاريخ وحتى عام 1171 ميلاديًا وفيه سار موكب الخليفة لأول مرة عند دخوله مصر.
يعد شارع المعز أكبر متحف مفتوح للآثار الإسلامية في العالم ويرجع ذلك لاحتفاظه بالأبنية الأثرية بالكامل حتى اليوم التي يعود تاريخها إلى العصور المتتابعة التي مرت بمدينة القاهرة الفاطمية بداية من الفاطميين مرورًا بالأمويين والمماليك والشراكسة ثم الحكم التركي الذي تشهد المآذن المبنية على الطراز التركي في شارع المعز على مروره هناك وآثاره الباقية حتى اليوم ويوجد به ما يقرب من 215 أثرًا إسلاميًا مهمًا.
أهم آثار شارع المعز
تضم جنبات شارع المعز لدين الله الفاطمي عددًا من الآثار والمساجد الأثرية والمدارس والأسبلة والقصور والزوايا التي تعود إلى العصور التي توالت على مصر منذ دخول الفاطميين إليها، ومنها تأتي أهمية هذا المكان الذي يتوافد إليه الآلاف يوميًا لزيارة آثاره الباقية ولعل من أهمها وأكثرها شهرة:
باب الفتوح
أحد أهم بوابات أسوار القاهرة القديمة وتم بنائه للسيطرة على مداخل القاهرة الفاطمية، وتعتبر تلك البوابات بداية عصر المباني الحجرية في مصر وكانت بدايتها في العهد الفاطمي وبُنيت على الطراز البيزنطي.
يتكون باب الفتوح من برجين ومزين بزخارف نباتية وهندسية ويبلغ عرض الكتلة البنائية 22.85 متر وعمقها 25 مترًا وارتفاعها 22 مترًا، وبناء البرجين مصمت إلى ثلثي الارتفاع، وتعلو الجزء المصمت غرفة دفاعية ضد أي معتدٍ على المدينة.
باب زويلة
أحد بوابات أسوار القاهرة القديمة، فلم يتبق من أبوابها إلا باب النصر والفتوح شمالاً، وباب زويلة في نهاية شارع المعز جنوبًا بمواجهة جامع الصالح طلائع، وقد سمي باب زويلة نسبة إلى قبيلة زويلة إحدى قبائل البربر الوافدة لمصر من شمال إفريقيا، كما يطلق عليه كذلك “باب المتولي” نسبة إلى متولي الحسبة الذي كان يجلس عند هذا الباب لتحصيل الضرائب من كل من يدخل أو يخرج من القاهرة.
من ناحية أخرى اشتهر باب زويلة باستخدمه كميدان عام لإعدام المجرمين وتعليق رؤوسهم فوقه، كما حدث مع رُسل هولاكو قائد التتار حينما جاءوا مهددين مصر بالغزو، ويعد أحد أهم الحصون الدفاعية لمدينة القاهرة القديمة.
جامع الحاكم بأمر الله
يعد ثاني أكبر مساجد القاهرة اتساعًا بعد مسجد ابن طولون، حيث يبلغ طوله 120.5 متر وعرضه 113 مترًا، وتم بنائه في عهد العزيز بالله الفاطمي عام 990 ميلاديًا، إلا أنه توفى قبيل إتمام بنائه فأتمه ابنه الحاكم بأمر الله وسميّ باسمه حتى يومنا هذا.
يأتي جامع الحاكم بأمر الله في نهاية شارع المعز بحي الجمالية ملاصقًا لباب الفتوح، حيث يحدُّه من الشمال سور القاهرة الشمالي القديم، يجاوره شرقًا وكالة قايتباني وباب النصر.
ويؤدى مدخل المسجد إلى الصحن الذى تحيط به الأواوين التي يبلغ عددها أربعة أواوين وهي على الترتيب (الأيوان الجنوبي الشرقي (أيوان القبلة) الذي يتكون من خمسة أروقة والأيوان الشمالي الغربي ويتكون من رواقين والأيوانان الشمالي الشرقي والجنوبي الغربي ويتكون كل منهما من ثلاثة أروقة).
سبيل “محمد علي”
سبيل محمد على بالعقادين
يعد سبيل محمد علي الذي تم إنشائه عام 1820 ميلاديًا تحفة معمارية بشارع المعز ويقع في حارة الروم المتفرعة منه وقد أنشأه الوالي محمد علي صدقة على روح ابنه الأمير إبراهيم طوسون باشا الذي توفي عام 1816 متأثرا بمرض الطاعون عن عمر يناهز 22 عامًا.
يحاكي الشكل المعماري للسبيل طراز الأبنية في إسطنبول التركية، حيث كان البداية لشكل جديد من المعمار بدأ في الانتشار بهذا الوقت في القاهرة، ويختلف سبيل محمد علي عن بقية الأسبلة في القاهرة حيث لم يلتحق به كما كان معتادًا كتّاب لتعليم القرآن، إنما تم بناء قبة مغطاة بالرصاص على غرار المباني في العاصمة العثمانية وكان باطن القبة مزخرفًا بلوحات، ويتوج سطح المبنى هلال لامع مطلي بالذهب.
وقد ضم السبيل صهريجًا ضخمًا تحت الأرض عمقه 9 أمتار، ومسقوف بتسع قباب حجرية، وجدرانه مبطنة بمونة غير منفذة للماء، على غرار المباني الرومانية القديمة، وكانت تغذيه بالماء أنابيب تملؤها سواقي منصوبة على الخليج المصري الذي كان يخترق المدينة وقتها، وتبلغ سعة الصهريج 455 ألف لتر، تكفي لملء مليون ونصف مليون كوب من الماء.
جامع الأقمر
أبيض كلون القمر، هكذا أراده الخليفة الآمر بأحكام الله أبو علي المنصور بن المستعلي بالله الذي أمر ببناء جامع الأقمر عام 1125 ميلاديًا مستخدمًا حجارة بيضاء اللون كما أراد له أن يكون، ويعد تحفة معمارية غاية في الجمال كما أنه يعتبر من أصغر مساجد القاهرة والوحيد الذي ينخفض مستواه عن سطح الأرض.
يتكون الجامع من صحن صغير مربع تبلغ مساحته نحو 10 أمتار ويحيط به رواق واحد من ثلاثة جوانب وثلاثة أروقة في الجانب الجنوبي الشرقي محلاة عقودها بكتابات كوفية مزخرفة ومحمولة على أعمدة رخامية قديمة ذات قواعد مصبوبة، من ناحية أخرى يتميز جامع الأقمر باستخدام المقرنصات في تصميمه التي لم تستخدم من قبل إلا في مئذنة جامع الجيوشي التي انتشرت فيما بعد بجميع العمارة الإسلامية بعد جامع الأقمر الذي تفرّد بالبداية.
مدرسة وقبة نجم الدين أيوب
تعود قبة نجم الدين أيوب للعام 1250 ميلاديًا حين أمرت ببنائها شجرة الدر لزوجها الملك الصالح لدفنه فيها بعد وفاته في أثناء معركة المنصورة المشهورة ضد الصليبيين عام 1249ميلاديًا.
وقد أنشأ الصالح نجم الدين أيوب آخر سلاطين الأيوبيين المدرسة التي سميت باسمه لتدريس المذاهب الأربعة في مصر بدلًا من المذهب الشيعي الذي كان يدرسه الفاطميون ولم يبق من المدرسـة الآن غير الواجهة الرئيسية التي تتوسطها المئذنة وأجزاء من الإيوان الغربي.
مسجد وسبيل وكُتّاب سليمان أغا السلحدار”لؤلؤة المعز”
مسجد وسبيل وكُتّاب سليمان أغا السلحدار
يعد من أروع وأندر المساجد الأثرية في القاهرة بطرازه المعماري الذي جعل المؤرخين يطلقون عليه “لؤلؤة المعز”، بناه الأمير سليمان أغا السلحدار أحد مساعدي الوالي محمد علي عام 1837ميلاديًا، وأتمه بعد عامين.
عند زيارتك لشارع المعز ستلاحظ الفرق الكبير في بنيان المسجد عن بقية المساجد حيث تم تشييده على طريقة المساجد العثمانية، حيث المئذنة تأخذ شكل الرصاصة المدببة، ويقسّم إلى ثلاثة أروقة، ملحق به سبيل ماء وكُتاب لتعليم القرآن والدين وعدة حجرات أهمها حجرة السبيل.
تشتمل الوجهة الرئيسية للمباني والمشرفة على شارع المعز لدين الله على وجهات المسجد والمدرسة والسبيل، ويتصل بها عند النهاية بوابة مقامة على مدخل إحدى الحارات لشارع المعز.
وجميع الواجهات مبنية بالحجر الذي ينتهي بأرفف خشبية مزخرفة بشكل بارز، بينما يكسو واجهة السبيل الرخام الأبيض المدقوق والملحق به زخارف وكتابات ولنوافذه شبابيك من البرونز المصبوب بزخارف مفرغة، بينما تتخذ المنارة شكلاً أسطوانيًا كعادة المنارات التركية.
ومن أهم مميزات المسجد وجود قباب خشبية ذات زخارف عثمانية واضحة وقد صمم المسجد بحيث يكون هناك ما يسمى بـ”الملقف” وهو المسؤول عن تهوية القاعات داخل المسجد.