يقول الكاتب الأيرلندي الشهير جورج برنارد شو “التفاوض هو فن تقسيم الكعكة بطريقة ينصرف بعدها كل من الحضور معتقدًا أنه حصل على الجزء الأكبر”، ما يعني أن كل مرة نخوض فيها نقاشًا مع مندوبي البيع بشأن سعر سلعة أو خدمة نظن أننا سنأخذ القطعة الأكبر من الكعكة، وهكذا تستمر جدالتنا مع الغرباء والأصدقاء وزملاء العمل بشأن مواضيع عدة، محاولين الوصول إلى مرادنا.
لكن غالبًا ما يكون الطريق إلى إرضاء النفس مكلفًا ماديًا أو معنويًا، خاصة لو أن ما أردناه كان يخالف اهتمامات ومخططات شريكنا في العمل أو الحياة، ولذلك قد تتحول هذه الحوارات في بعض الأحيان إلى نزاعات وتوترات، وتجنبًا لهذه العواقب، من المهم إدارة جميع الضغوط دون إفساد علاقتنا بالطرف الآخر.
ولتحقيق ذلك، هناك مجموعة من الأساسيات والأسرار التي تعلمنا مهارة التفاوض وإدارة الخلافات، وهي مفاتيح مهمة للنجاح، لا سيما في الوقت الذي أصبحت فيه المجتمعات أكثر تعقيدًا على الصعيد الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، وفيما يخص الحياة المهنية تحديدًا، أشارت دراسة استقصائية إلى أنه كلما زادت خبرة الموظف العملية، زادت قدرته على التفاوض، فقد وجدت أن 49% من العمال لا يتفاوضون على عرضهم الوظيفي الأول، وبالأخص النساء، رغم أن هذه النقاط لها تأثيراتها التي قد تستمر إلى نهاية المشوار المهني.
يجب أن تبدأ المفاوضات بأسعار عالية ومتطلبات أعلى مما ترتضيه بالفعل، حتى تكون النتائج بجميع الحالات مرضية بالنسبة إليك
صب تركيزك على أول 5 دقائق من الحوار
تشير دراسة علمية إلى أن أول 5 دقائق من عملية التفاوض يمكن أن تتنبأ بالنتائج النهائية لهذا اللقاء، فمن خلال تبادل الأحاديث والتجاوب مع المتحدث بطريقة إيجابية وفعالة يمكن أن تنهي المفاوضات بشكل جيد، لأن الطرف المقابل يقوم في ذلك الوقت بتقييمك وتحجيمك، ويحاول تحديد ما إذا كنت تعي بالواقع ما تقوله أم أنك تحاول فقط الحصول على أكثر مما تعرفه.
اعرف الطرف الآخر وحدد اهتماماته
غالبًا ما يعتقد الناس أن التفاوض يدور حول إقناع الشخص الآخر بطريقة تفكيرهم، لكن الخبراء يرون أن فهم الطرف المقابل على طاولة التفاوض مفتاحًا أساسيًا في نيل ما نريد، وذلك من خلال طرح عدة أسئلة عن هويتهم وماذا يحبون وما اهتماماتهم وما حدودهم.
حيث يقول ديباك مالهوترا أستاذ في كلية هارفارد للأعمال: “إنك تحتاج إلى معرفة طبيعة الشركة وما سبب اهتمامهم بك حتى تستطيع بناء جسر بين اهتماماتك ومصالحهم”، فساحة التفاوض ليست مسرحًا ارتجاليًا وإنما عملية تتطلب الدراسة والتخطيط والتدبير، فالجانب الذي يعرف معلومات أكثر وأفضل يحصل عادةً على نتائج جيدة.
ارفع سقف متطلباتك
في مقال بعنوان “الاتجاهات الحاليّة في العلوم النفسية”، يقول الباحثون إنه يجب أن تبدأ المفاوضات بأسعار عالية ومتطلبات أعلى مما ترتضيه بالفعل، حتى تكون النتائج بجميع الحالات مرضية بالنسبة إليك، وعلى اعتبار أن التوقعات العالية عادةً ما تؤدي إلى نتائج عالية.
فعلى سبيل المثال تقول لين تايلور الخبيرة المهنية: “اطلب أكثر من 10% إلى 20% مما تكسبه حاليًا، يعني إذا كنت تحقق أرباحًا بقيمة 20 ألف دولار في السنة، فيمكنك بسهولة طلب مبلغ يتراوح بين 25 و30 ألف دولار”.
يرى الباحثون أن البريد الإلكتروني وغيره من المنصات الرقمية تعد خيارًا جيدًا للموظفين الذين يفتقرون للقوة من أجل الحصول على غايتهم بعيدًا عن المخاطرة بأدائهم أو انفعالاتهم أمام رؤسائهم
وتضيف: “إذا تلقيت عرضًا أعلى بنسبة 20% عن راتبك الحاليّ، فلا يزال بإمكانك التفاوض للحصول على المزيد، اسأل عن 5% إضافية ولكن اعلم أنك في وضع جيد بكل الأحوال”، مع ضرورة اتخاذ رواتب السوق كنقطة بداية للمفاوضات خاصةً لو كنت تفاوض على دخل وظيفتك الأولى.
اخبرهم شيئًا شخصيًا عنك
أجريت تجربة في عام 2002 بجامعة نورث وسترون وستانفورد، وطلب من تلاميذها أن يتفاوضوا على مسألة ما عبر البريد الإلكتروني، ومنهم من تحدث بشكل مباشر وكلي عن العمل وتبادلوا أسماءهم وعناوينهم فقط، والبعض الآخر شاركوا اهتماماتهم وهواياتهم مع الطرف المقابل.
وأظهرت النتائج أن 59% من الصفقات التجارية تمت بنجاح من خلال الذين تحدثوا قليلًا عن أنفسهم، و40% منها أُبرمت من الآخرين، ما يشير إلى نتائج اقتصادية واجتماعية أفضل بالنسبة إلى الذين حاولوا الاحتكاك اجتماعيًا بالمفاوض، فبحسب الباحثين يدلل هذا السلوك على قوة وثقة المفاوض بنفسه.
اجلس معهم وجهًا لوجه إذا كنت قويًا
وفقًا لدراسة جديدة تتناول إستراتيجيات التفاوض، أشار الباحثون إلى أن الطرف القوي يستفيد من التفاعلات الاجتماعية المباشرة أكثر من أولئك الذين يتمتعون بالقوة فقط عند استخدام وسائل التواصل الافتراضية، لذلك يقول البحث إن فرصتك في الحصول على ما تريد أكبر لو كانت من خلال وسيلة افتراضية.
يفسر لنا ذلك رئيس البحث مايكل تايلور قائلًا: “عندما يتفاوض الناس من مسافة بعيد، فإنه يؤثر على طريقة تفكيرهم بالكامل، ما يعني أن التفكير في التسلسل الهرمي للسلطة لن يكون جزءًا من سياق المفاوضات، وسيكون تأثيره أقل على طريقة التفاوض” ما يعني أن أداءه سيكون أفضل، ويكمل “كلما كنت أقوى، جنيت أكثر في الاجتماعات المباشرة”.
ونظرًا لذلك، يرى الباحثون أن البريد الإلكتروني وغيره من المنصات الرقمية تعد خيارًا جيدًا للموظفين الذين يفتقرون للقوة من أجل الحصول على غايتهم بعيدًا عن المخاطرة بأدائهم أو انفعالاتهم أمام رؤسائهم.
وبصرف النظر عما إذا كانت هذه المهارة فطرية أم مكتسبة في الأساس، فإن علماء النفس والإداريين يؤكدون أن الممارسة والخبرة المهنية والتعلم تزيد من قدرة الشخص على التعامل مع هذه المواقف بمرونة وانضباط وبأقل الخسائر الممكنة، كما يجدر الإشارة إلى مجموعة الكتب المترجمة التي يمكن أن تفيد الباحث عن هذه المعلومات، مثل كتاب “الوصول إلى نعم” و”أسرار قوة التفاوض” وأخيرًا “عبارات التفاوض”.