ترجمة وتحرير: نون بوست
في البداية، ظن ماثيو أن الآلام التي يعاني منها على مستوى ركبتيه ناتجة عن مرض يُلم بالعظام في سن الثلاثين. كان ذلك قبل أسبوع من زيارته الطبيب، وقبل أشهر من تفكيره بأن هناك صلة بين تفاقم الألم ومشيه أعرجا والمشكلة التي يعاني منها ابن عمه على مستوى الكتف عندما كانوا أطفالا. وقد أكد اختبار الحمض النووي أن ماثيو، على غرار ابن عمه، لديه مشكلة وراثية تدعى “خلل التوتر”، وهي حالة تنقبض فيها العضلات كما تشاء. وعلى الأرجح عانى جدهما أيضا من هذا الخلل.
قابلتُ ماثيو قبل بضعة أشهر فقط، عندما تزوج ابنة صديقي وتدعى أوليفيا، في أحد فنادق نيويورك القديمة والأنيقة في وسط المدينة. ونظرا لأنني مستشارهما الوراثي الوحيد، طرحا عليّ الأسئلة التي تجول بخاطرهما. وبعد الحصول على إذن منهما، أقوم الآن بمشاركة قصتهما، علما وأنني قمت بتغيير أسمائهما للحفاظ على خصوصيتهما.
تتجاوز تكاليف متوسط عمليات التلقيح الصناعي في أمريكا 20000 دولارا لكل محاولة، ويمكن أن يضيف الاختبار 10.000 دولار أو أكثر. كما تتطلب العملية أسبوعين من تحفيز المبيض وجمع البويضات
في الحقيقة، كان ماثيو محظوظا، لأنه كان مصابا بخلل التوتر العضلي المشوه بدرجة خفيفة كما أن حقن البوتوكس في ركبته ساعدته. في المقابل، يمكن أن تتسبب الطفرة الجينية في ظهور أعراض حادة كالتقلصات في المفاصل أو التشوهات في العمود الفقري. ويتم وصف عقار نفساني التأثير للعديد من المرضى، فيما قد يحتاج بعضهم إلى عملية جراحية لتحفيز عميق للدماغ.
قد لا يكون أطفال ماثيو وأوليفيا محظوظين نظرا لأن والديهما سيكون لديهما فرصة 50-50 لتوريث المتغير الجيني الذي يسبب خلل التوتر، و30 بالمائة لتطوير المرض. في الواقع، كان احتمال إصابة الأطفال بالمرض والتضرر بشدة ضئيلاً إلى حد ما، ولكنه لم يكن منعدما. مع ذلك، وجد أصدقائي بديلاً، من خلال عملية التخصيب في المختبر ومن ثم فحص أجنتهم وراثيا باستخدام تقنية تسمى الفحص الجيني ما قبل الزرع، حيث يمكنهم اختيار الأجنة التي لم ترث طفرة في جين ديستونيا 1.
في المقابل، ستكون تكلفة ذلك باهظة، حيث تتجاوز تكاليف متوسط عمليات التلقيح الصناعي في أمريكا 20000 دولارا لكل محاولة، ويمكن أن يضيف الاختبار 10.000 دولار أو أكثر. كما تتطلب العملية أسبوعين من تحفيز المبيض وجمع البويضات. وفي هذا الصدد، أخبرتني أوليفيا أنها “لم تكن الطريقة التي أرى من خلالها أنني أنجب طفلاً”. لكن الزوجين رغبا في ما يمكن أن يقدمه الإجراء لهما والذي يتمثل في ضمان القضاء على إمكانية إصابة الأجيال القادمة وما بعدها بخلل التوتر.
لا يفكر ماثيو وأوليفيا في إنجاب “طفل مصمم”، وهي تسمية لها ارتباطات سلبية تصور هذه الطريقة كما لو كانت شيئا تافها، أو تقديريا، أو غير أخلاقي. كما أنهما لم يلجئا لهذه العملية لاختيار لون عيون أطفالهما أو تحسين درجاتهم في اختبار “سات”، بل كل ما كانا يبحثان عنه هو ضمان صحة ورفاه طفلهما المستقبلي، مثلما يطمح إلى ذلك كل الآباء.
في الأثناء، يميز الرأي العام حول استخدام التكنولوجيا الإنجابية، باستمرار، بين الوقاية من الأمراض وخصائص الانتقاء. وقد قام مركز جونز هوبكنز للوراثة والسياسة العامة، الذي اتصل بأكثر من 6000 شخص من خلال الاستطلاعات ومجموعات النقاش من سنة 2002 إلى سنة 2004، بتلخيص النتائج التي توصل إليها بهذه الطريقة: “بشكل عام، يوافق الأمريكيون على استخدام الاختبارات الجينية التناسلية لمنع إصابة الأطفال بأمراض قاتلة، ولكنهم لا يوافقون على استخدام نفس الاختبارات لتحديد بعض السمات مثل الذكاء أو القوة”.
تقدر نسبة استخدام هذه التقنية في بلجيكا بحوالي 4 بالمائة، أما في الدنمارك، فتصل هذه النسبة إلى 5.9 بالمائة
الجدير بالذكر أن جين خلل التوتر العضلي يقع في منطقة رمادية- حيث يعيش بعض الأشخاص الذين ولدوا بهذه الطفرة حياة صحية تمامًا- وربما ينتقد بعض الأولياء اختيار ماثيو وأوليفيا بتجنب هذه الفرضية. وتتناسب جميع اختبارات الأجنة مع تسمية “المصمم” بطريقة واحدة مهمة، ومع ذلك فهي لا تعد متوفرة للجميع. وبالتالي، اختار ماثيو وأوليفيا اتجاها مهما. وعلى الرغم من أن عدد الأزواج الذين يستخدمون هذه التكنولوجيا لا يزال قليلا، إلا أنه ينمو بسرعة. ووفقا لجمعية تكنولوجيا المساعدة على الإنجاب، ارتفع عدد محاولات التلقيح الصناعي في الولايات المتحدة مع اختبارات الجينات الفردية من 1.941 سنة 2014 إلى 3.271 سنة 2016، أي بزيادة تقارب 70 بالمائة.
في الواقع، لا يعد ذلك سوى البداية. فمع انخفاض تكاليف الاختبارات الجينية بجميع أنواعها، أصبح عدد أكبر من البالغين مطلعين على تركيبتهم الجينية نظرا لخضوعهم للرعاية الطبية الروتينية والكشف عن مخاطر جينية معينة قبل الحمل. لكن هؤلاء الأشخاص، على الأغلب، ينتمون إلى الطبقات الثرية والمثقفة، على غرار أوليفيا وماثيو.
بينما كان الثنائي يتشاور مع عيادات التلقيح الاصطناعي، حصل شقيق أوليفيا وزوجته على أخبار مفادها وجود جين يزيد من خطر إصابة أطفالهما بمرض السرطان. وقد قال شقيقها متسائلا: “إذا كنت تستطيع التخلص منه، فلماذا لا تقوم بذلك؟”. ولم تكن التكاليف مصدر قلق بالنسبة لهؤلاء الزوجيْن، ولكنها تعد عقبة بالنسبة للعديد من الأمريكيين. من جهتها، تقدر مراكز مكافحة الأمراض واتقائها أن 1.7 بالمائة من الأطفال الذين يولدون في الولايات المتحدة اليوم هم نتيجة التلقيح الصناعي.
ترتفع نسبة التلقيح الصناعي في البلدان التي تقوم بتمويل تقنيات التلقيح بالمساعدة، بصفة علنية، حيث تقدر نسبة استخدام هذه التقنية في بلجيكا بحوالي 4 بالمائة. أما في الدنمارك، فتصل هذه النسبة إلى 5.9 بالمائة. وقد توصلت دراسة أجريت سنة 2009 إلى أن 76 بالمائة من الحالات الطبية التي تستوجب تقنية المساعدة على الإنجاب لم تتم تلبيتها في الولايات المتحدة.
لكن، لا تغطي التأمينات عادة عمليات التلقيح الصناعي في الولايات المتحدة، باستثناء عدد قليل من الولايات التي تتم فيها تغطية ذلك. وتعتبر السياسات المتبعة في تغطية علاج الخصوبة غير متسقة مع التعويضات التي يتم تقديمها. بينما تعد تغطية التشخيص الجيني ما قبل الزرع مسألة مزعجة بشكل واضح. وتحت العديد من سياسات التأمين، تتم تغطية اختبار الأجنة، لكن إجراء التلقيح الصناعي لا يخضع لتغطية، نظرا لأن الأزواج لا يعانون من العقم.
في حال ارتفعت نسبة استخدام ما يعرف بالتشخيص الجيني ما قبل الزرع وعدم معالجة هذه التباينات، فإننا نخاطر بإنشاء مجتمع تتحمل فيه بعض المجموعات، بسبب الثقافة أو الجغرافيا أو الفقر، عبئ المرض الجيني
من جهته، قال جيمس غريفو، مدير قسم طب الغدد الصماء التناسلية والعقم بمركز نيو لانغون الطبي – نيويورك إن “الأمر شبيه بإجراء جراحة فتح مجرى جانبي للشريان التاجي ولم يتم دفع ثمن عملية شق الصدر الإنعاشي”. ولا يرتبط السبب وراء تطور صناعة التلقيح الصناعي بقدرة الكثيرين على تحمل تكلفة هذه العملية، بل بالأشخاص القادرين على دفع الأموال لأنواع جديدة من الخدمات. وعلى سبيل المثال، يتم التسويق لبنك البويضات، لدى النساء الأصغر سنا، على أنه وسيلة تأمين تستخدم ضد العقم المرتبط بالتقدم في السن. وخلال سنة 2011، لم تكن بنوك البويضات تظهر كفئة حتى، في التقرير السنوي حول التلقيح الصناعي لمراكز مكافحة الأمراض واتقائها.
بحلول سنة 2016، مثّل تخزين البويضات أو الأجنة الغرض من 25 بالمائة من مجموع عمليات التلقيح الصناعي. وتعتبر شركات النخبة، على غرار فيسبوك، عملية تجميد البويضات بمثابة ميزة، ولكن بالنسبة لمعظم الأشخاص لا تزال هذه الخطوة من مظاهر البذخ. ولا تعد التكلفة العائق الوحيد أمام هذا النوع من الخدمات، حيث لا تحظى التكنولوجيا المساعدة على الإنجاب بقبول كبير في المجتمعات العرقية والدينية أين ينظر إلى العقم على أنه وصمة عار. كما يمكن للحواجز اللغوية أن تساهم في تدني درجات الوعي. وتلعب الجغرافيا دورا أيضا، نظرا لأن عيادات التلقيح الصناعي تتواجد في المناطق التي تكون فيها الطلبات على مثل هذه الخدمات موجودة بكثرة.
من المفترض أن يتخذ العديد من الأشخاص ذات القرار الذي اتخذه كل من ماثيو وأوليفيا إذا تسنى لهم الاختيار، لكن العديد منهم لا يملكون هذه الفرصة. ولطالما كان عدم قبولنا لما يعرف بالطفل المصمم يتعلق بحقيقة أن ذلك يجعل من مجال الإنجاب يكرس مسألة انعدام المساواة القائمة بالفعل وتحويلها إلى مسألة فطرية. وفي حال ارتفعت نسبة استخدام ما يعرف بالتشخيص الجيني ما قبل الزرع وعدم معالجة هذه التباينات، فإننا نخاطر بإنشاء مجتمع تتحمل فيه بعض المجموعات، بسبب الثقافة أو الجغرافيا أو الفقر، عبئ المرض الجيني.
ولسائل أن يسأل: ما الذي يمكن أن يغير المجتمع بشكل أعمق من وراثة مرض جيني، وهو شيء لطالما جسد إنسانيتنا المشتركة، ويحوله إلى أمر يحدث لبعض الناس فقط؟
المصدر: تكنولوجي ريفيو