تتناول رواية “سجينة طهران” قصة مؤلمة ومشوقة عن مارينا نعمت، صاحبة الرواية، الفتاة المسيحية الإيرانية التي تقول إنها كبرت على أنغام رقصة “التشاتشا” الكوبية في المنزل والحفلات الصيفية عند البحيرة، وأرادت أن تجعل بلادها أرقى وأكثر تحررًا وتحضرًا، إلا أنها وقعت ضحية لوحشية النظام، فتم اعتقالها وتعذيبها وتزويجها قسرًا في سن السادسة عشر بسجن “إيفين” سيء الصيت، وذلك خلال الثورة الإسلامية في عهد آية الله الخميني.
قررت نعمت ذات الجذور الروسية أن تسجل ما عاشته أيام الثورة وما شاهدته داخل المعتقل بعد 20 عامًا من انتهاء رحلتها في سجن “إيفين” وهجرتها إلى كندا، لتدون لنا ما عانته من خوف وسحق للكرامة لمدة عامين وشهرين خلف قضبان السجون وبين يدي الذين يقمعون الحريات والأرواح باسم الدين، بحسب وصفها.
نجحت الرواية في تصوير جميع الكواليس التي حدثت في الغرف الخلفية المغلقة واستطاعت أن تبرز أهوال الثورة الإسلامية المنسية وجميع العذابات والإعدامات التي شهدت عليها جدران سجن “إيفين”.
حتى أن مجلة “ببليشرز ويكلي” وصفت هذا العمل بـ”صوت لكثير من القصص التي لم ترو، وأخرستها الثورة الإيرانية”، فقد نجحت الرواية في تصوير جميع الكواليس التي حدثت في الغرف الخلفية المغلقة واستطاعت أن تبرز أهوال الثورة الإسلامية المنسية وتعيد التذكير بجميع العذابات والإعدامات والاغتصابات التي شهدت عليها جدران سجن “إيفين”، كما تقول المجلة.
“نظام الخميني حرّم معظم الأشياء الجميلة”
مارينا نعمت، كاتبة الرواية، تحكي جزءًا من قصتها في مؤتمر بمدينة “أوسلو”
تصف نعمت وطنها طهران قبل لحظات من اعتقالها مساء يوم 15 من يناير/كانون الثاني في عام 1982 وتقول: “لم يكن يوجد ما يستحق المشاهدة، كانت صور آية الله الخميني والشعارات التي تنضج بشعارات مثل، مثل “الموت لأمريكا” و”الموت للشيوعيين وكل أعداء الإسلام” و”الموت لأعداء الثورة”، تغطي كل الجدران”.
تقول نعمت، إنها لم تكن معادية شرسة للحكومة الإسلامية ولم تكن تنتمي لأي جماعة سياسية، ولكنها احتجت على النظام التعليمي في مدرستها، فقد قرر أحد المدرسين أن يدرس الثقافة الإسلامية في حصة الرياضيات بدلًا من المقرر الرسمي، فخرجت نعمت رفضًا لهذا النهج وتبعها بعض الطلبة، وكانت النتيجة أن يدق جرس باب منزلها في المساء ليقتاداها حارسان إلى سيارة سوداء متجهة نحو سجن “إيفين”.
خلف قضبان السجن تكشف مارينا أول العذابات التي ذاقتها بمرارة لا مثيل لها، فتقول: “ما هذا الألم؟! لم أشعر بشيء كهذا قط، بل لم يكن بوسعي حتى أن أتخيله، انفجر الألم داخلي كصاعقة من البرق”
خلف قضبان هذا السجن المروع تكشف مارينا أول العذابات التي ذاقتها بمرارة لا مثيل لها، فتقول: “ما هذا الألم؟! لم أشعر بشيء كهذا قط، بل لم يكن بوسعي حتى أن أتخيله، انفجر الألم داخلي كصاعقة من البرق”، وتكمل “توقفت أنفاسي في حلقي، كيف يمكن لأي شيء في الوجود أن يؤلم كهذا؟”.
إلى ذلك الحين، لم تكن مارينا تعلم أن هذه الأوجاع لن تساوي شيئًا مقابل المآسي المكثفة التي بانتظارها، مثل الحكم بالإعدام عليها ثم تخفيف الحكم إلى المؤبد وإجبارها على الإسلام وتغيير اسمها والزواج غصبًا من السجّان الذي هددها بقتل والديها وحبيبها أندريه إذا رفضت، فما كان منها إلا أن قبلت عرضه خوفًا على مصير عائلتها، بحسب روايتها.
سجن إيفين في العاصمة طهران
المثير للدهشة أن هذا الجلاد الذي أراد الزواج منها، كان سببًا في تخفيف الأحكام القضائية عليها وإنقاذها مرارًا من الموت وزنزانات “إيفين” الضيقة والمعتمة، والسبب بذلك ليس حبه لها فقط وإنما مشاعر التعاطف التي ولدت لديه بسبب خوضه نفس تجربة الاعتقال في ذات المعتقل في عهد الشاه.
وفاة “زهراء الكاظمي” المصورة الكندية الإيرانية أعادت بركان الذكريات إلى ذهن مارينا بعد أن قرأت في الجريدة قصة موتها داخل أسوار “إيفين”
تنتهي الرواية المقسمة إلى 18 فصلاً بزواج مارينا من أندريه ورحيلهما إلى كندا بعيدًا عن قسوة الوطن وذكرياته، إلا أن وفاة “زهراء الكاظمي” المصورة الكندية الإيرانية عام ٢٠٠٣، أعادت بركان الذكريات إلى ذهن مارينا بعد أن قرأت في الجريدة قصة موت الكاظمي داخل أسوار “إيفين” ودفنها دون السماح لأي طبيب بتشريح جثتها إلى أن تم الكشف لاحقًا عن التفاصيل المروعة.
وبحسب الرواية فقد “تعرضت الكاظمي للاغتصاب الوحشي ووجدت على جثتها آثار جروح ورضوض، بالإضافة إلى كسر اثنين من أصابعها وكسر أنفها واقتلاع ثلاثة من أظافرها، وكسر في الجمجمة وسحق أحد أصابع القدم اليسرى وآثار الضرب على قدميها”، هذه الصورة القاسية فتحت على نعمت بابًا مباشرًا مع الماضي، فما كان منها إلا أن تفصح عن ماضيها وتتصالح مع أحداثه وحقيقته الموجعة بعيون مفتوحة.
في النهاية، تعبر مارينا عن شعورها بالذنب لكونها نجت من ظلمات “إيفين”، على العكس من أصدقائها الذين التهمهم الظلم، كما تقر بصفحها وغفرانها لجلادها أو زوجها السابق، على أمل أن تجد في كندا الحرية والأمان اللذين فقدتهما في وطنها طهران، وتحرر السجناء والمظلومين من الصمت والتجاهل والنسيان من خلال تخليدهم بكلماتها أو تحويل “إيفين” إلى متحف يصطحب الناس أطفالهم إليه كي يخبروهم عن فترة حالكة في تاريخ إيران، “عندما كان التعذيب والإعدام من أعمال الخير”، كما تقول.