أحدثت عملية السابع من أكتوبر زلزالًا كبيرًا في أركان دولة الاحتلال، عصف من خلاله “طوفان الأقصى” بكل ما استثمرت فيه “إسرائيل” على مدار عقود من احتلالها للأراضي الفلسطينية وإقامة كيانها الغاصب.
رفع الطوفان من مسار المخاطر الأمنية المحيطة في “إسرائيل”، واستحدث تحديات كبيرة لم تضعها دولة الاحتلال في حساباتها، ولم تتجهّز للتعامل مع تجلياتها، ورغم الاستثمار الإسرائيلي الكبير جدًّا في عمليات التحليل والتقدير واستشراف السيناريوهات، ووضع خطط المواجهة للحدّ من آثار أية ضربات على وضع “إسرائيل” الاستراتيجي، فإن الطوفان الذي لم يتوقف قد أحدث زلزالًا مسَّ بكل نظريات الأمن والردع الإسرائيلية، وينذر بواقع جديد تقاتل “إسرائيل” بشراسة لمنع ترسّخه كأمر واقع.
رغم أن سيناريو اقتحام الأراضي المحتلة بآلاف المقاتلين المدرَّبين والمجهَّزين بغرض السيطرة على الأرض، وضرب أهداف عسكرية وحتى أسر جنود ومستوطنين، فكرة حاضرة في سيناريوهات الاستخبارات الإسرائيلية ووضعت لها خطوات مواجهة في غزة وجنوب لبنان، فإن عملية السابع من أكتوبر قد نجحت في تجاوز الاستعدادات الإسرائيلية، وأحدثت الأثر المطلوب استراتيجيًا منذ الساعات الأولى للعملية، وما يجري القتال عليه -على مدار العام المنصرم- محاولة “إسرائيل” لإجهاض التحول الاستراتيجي واستعادة الجدار الحديدي للردع الإسرائيلي.
الجدار الحديدي المتآكل
فعليًا، لا توجد وثيقة رسمية تحدد مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي، إلا أن ركائز الأمن القومي الإسرائيلي تقوم بدرجة أساسية على المبادئ التي صاغها مؤسس الدولة الصهيونية، دافيد بن غوريون، في مطلع خمسينيات القرن الماضي، وتبنّى عليه لاستكمال الصورة مجموعة من الأوامر العسكرية والقوانين الرسمية والكراريس والكتيّبات والمقالات المنهجية، أعدّها قادة في الجيش أو مسؤولون أمنيون من خلال تجربته المباشرة.
رغم ما سبق، يمكن رسم الهيكل الأساسي لاستراتيجية الأمن القومي ارتباطًا بنظرية “الجدار الحديدي” التي صاغها الصهيوني زئيف جابوتنسكي، قائد عصابات الإيتسل، وحدّثها العسكري المتقاعد دان مريدور وفق 4 أضلع رئيسية تتركز في مفاهيم الردع المؤثر، والإنذار المبكر، والدفاع القوي، والحسم السريع، وهي أضلع حكمت السلوك الأمني الإسرائيلي لعقود، شكّلت في مجموعها بنية جدار “إسرائيل” الحديدي، الكفيل بجعلها حصينة من تلقي ضربات كبرى.
استثمرت “إسرائيل” في فكرة “الردع” كثيرًا، بوصفها الطريق الأجدى في منع أعدائها من المبادرة بحروب ضدّها، لوجود قناعة بأن “إسرائيل” الأقوى والأقدر على أن تحسم أية مواجهة سريعًا، وهو ما يجعل الردع الدرع الأكبر الذي يساعد “إسرائيل” على تلافي العدد الأكبر من التهديدات المفترضة، وترك خيار البدء في الحرب للوقت والزمان الذي تختاره والمكان الذي يرتكز إلى فكرة ألا تخوض حروبها على “أرضها”، بل على أرض خصومها، وأن تجنّب جبهتها الداخلية الخضوع إلى الضغط والتأثر بمجريات الحرب.
يقبع الإنذار المبكر في جوهر الاستراتيجية الأمنية الإسرائيلية، وتستثمر “إسرائيل” في سبيله العديد من المقدرات، ويدخل ضمن جهود الإنذار المبكر المساحة الكبيرة التي تمنحها “إسرائيل” للعمل الاستخباراتي، المطلوب منه أن يصدر التحذير من نية العدو في خوض الحرب في الوقت المناسب والكافي، لإجهاض هذا الهجوم وإزالة مسبّباته والتهديدات المرتبطة به.
ويقع ضمن جهود الإنذار المبكر الاستثمار الإسرائيلي الكبير في الأنظمة التكنولوجية للرقابة والتحذير في كل المواضع المعرضة للهجوم، خاصة الحدود مع المحيط الذي تصنّفه “إسرائيل” بوصفه محيطًا معاديًا.
تستثمر “إسرائيل” كثيرًا في منظومتها الدفاعية، المبنية على جعل الأراضي المحتلة حصينة من تلقي هجمات مباغتة، وتقلّص من احتمالية تسبُّب أي هجوم ينفَّذ بفترة الهدوء في إيقاع أضرار نوعية في المقدرات المادية والبشرية، كما في ركائز الدولة العبرية، ويعرف جيش الاحتلال مهمته بـ”الدفاع عن وجود دولة إسرائيل وسلامتها وسيادتها وسلامة سكانها، وإحباط جهود العدو لتشويش نمط الحياة السليم”.
ويمكن الاستدلال على أدوات الدفاع في تحصين المنشآت والجدران التأمينية، وطبقات الدفاع الجوي، إضافة إلى التعزيزات المستمرة للنقاط الأمنية على الحدود، وهي تركيبة دفاعية مصمَّمة للتعامل مع أي هجوم قد يفشل الإنذار المبكر في تحديده مسبقًا وتحييده.
تعتمد “إسرائيل” على قدرتها الفائقة في توجيه ضربات مؤثرة لخصومها، إما بغرض توجيه ضربة استباقية ناتجة عن تشخيص الاستخبارات ومنظومات الإنذار بنوايا الخصم تنفيذ هجوم عليها، وإما بسعيها إلى تعزيز “الردع بالعقاب”، وهو ما يستند إلى توجيه ضربات عقابية لدول/ كيانات تخطط في المدى البعيد لتوجيه ضربات لـ”إسرائيل”.
ووفق المبدأ ذاته تستند الاستراتيجية الإسرائيلية إلى العمل على استخدام القوة الغاشمة والهجوم الساحق لحسم أي حرب أو جولة مواجهة سريعًا، دون الدخول في أتون حرب طويلة الأمد تؤثر على الاقتصاد والجبهة الداخلية في “إسرائيل”.
رفع السقف في السابع من أكتوبر
مثّلت عملية السابع من أكتوبر ذروة التحدي لاستراتيجية الأمن القومي الإسرائيلي، إذ إنها هشّمت فعليًا الأضلع الرئيسية التي كانت كفيلة بحماية “إسرائيل” لسنوات طويلة من التعرض لهجمات “مميتة”، وأثبتت بوضوح أن ما كان سائدًا فيما مضى لا يمكن أن يستمر في المستقبل، وأن صيرورة التاريخ تحمل معها حتمية التغيير.
يتمثل التحدي الكبير الذي أفرزته عملية السابع من أكتوبر بكون تبديد الردع الذي حافظت عليه “إسرائيل” منذ النكسة، اقترن اقترانًا مباشرًا بنجاح المقاومة في تحقيق نتائج عملياتية مؤثرة على الأرض، من حيث حجم خسائر العدو، ونوعية الأهداف، وأسر عدد كبير، إضافة إلى الحصول على كنز استخباراتي من المقر الرئيسي لفرقة غزة في جيش الاحتلال الكائن في قاعدة رعيم العسكرية، والمكتب الفرعي لجهاز الشاباك في موقع إيرز العسكري.
رفعت المقاومة السقف كثيرًا في حجم ونوعية عملية السابع من أكتوبر، وأضافت طبقة جديدة من الخطر المتمثل بكون المقاومة جزءًا من عدد من الفواعل الناشطة في المنطقة والمعادية لـ”إسرائيل”، والتي تتأثر تأثرًا تكامليًا من أسقف الفعل.
ساهمت نتائج حرب تموز 2006 في ضرب مفهوم الحسم الإسرائيلي، وعززت من ثقة المقاومة الفلسطينية بالقدرة على إفشال أهداف العدوان والتصدي للهجمات الإسرائيلية الغاشمة والحاسمة، وهو ما اتضح في الحروب التي واجهها قطاع غزة في الأعوام 2008 و2012 و2014 و2021، وتجلى في صمود المقاومة والنجاح في إفشال أهداف العدوان في كل منها.
على المنوال ذاته، فإن ما فعلته المقاومة في السابع من أكتوبر في غلاف غزة، وسحق مفهوم الردع الإسرائيلي والقدرة على توجيه ضربة تطيح بفرقة عسكرية، وتضمن سيطرة مؤقتة على الأرض، سيتحول تدريجيًا إلى نوع من النموذج الذي ستعمل على الانطلاق من نجاحه العديد من قوى المقاومة الناشطة في المنطقة، وتفتح مدارك وطموحات هذه القوى حول الإمكانية وقابلية التحقق، وفق قواعد رسمتها المقاومة ترتبط بالإعداد الجيد والسرّية المطلقة والتجهيز اللوجستي الكافي لإنجاح الخطوة الأولى.
من المنطلق ذاته، إن فكرة غزو أراضي العدو في سياق حركات المقاومة ضد الاحتلال قد انطلقت من حيث التنظير والطموح من تلويح “حزب الله” بغزو أراضي الجليل في شمالي فلسطين المحتلة في أية مواجهة قادمة مع الاحتلال، وذلك بعد انتهاء حرب تموز 2006، وعليه راكمت المقاومة الفلسطينية على الفكرة والطموح، وبدأت في إعداد نسختها الخاصة بغزو غلاف غزة وتوجيه الضربة الاستراتيجية، وهو ما يعكس حجم تأثر التجارب ببعضها.
مواجهة التحول الاستراتيجي
في كتاب “33 استراتيجية للحرب”، للباحث الأميركي روبرت غرين، يفرد الكاتب مساحة لأهمية السرعة والمباغتة في تشكيل الأثر الاستراتيجي للضربة، وينصّ كتابه على أن “استخدام استراتيجية الهجوم الخاطف في عالم يكثر فيه البشر غير الحاسمين والمترددين سيحقق لك القوة. الضرب أولًا، وقبل أن يتسنى لخصومك الوقت للتفكير أو الاستعداد، سيجعلهم انفعاليين وفاقدي التوازن ومیالين إلى ارتكاب الأخطاء. تعمل هذه الاستراتيجية على أفضل نحو بوجود تمهيد لحركة غير متوقعة لا يكون عدوك مستعدًّا لها”.
وهو تمامًا ما نجحت المقاومة الفلسطينية في فعله يوم السابع من أكتوبر 2023، بحيث حققت الأثر الاستراتيجي مع اللحظات الأولى لنجاح عمليتها الرئيسية في ذلك اليوم.
تعي “إسرائيل” تمامًا أن جدارها الحديدي يتآكل تدريجيًا، وأن المقاومة تراكم النقاط التي ستفضي في المحصلة إلى انهيار هذا الجدار وتحول “إسرائيل” إلى متلقٍّ لضربات نوعية وكبرى متتالية، تجعل من الخطر الحالي خطرًا وجوديًا يستهدف مستقبل الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، ودفعت رئيس وزراء الاحتلال إلى عدّ الحرب الحالية “حرب الاستقلال الثانية” في أولى خطاباته بعد عملية السابع من أكتوبر.
عمل الاحتلال منذ اليوم الأول لحربه العدوانية على أن يتجاوز “عقيدة الضاحية”، التي حاول عبرها ترميم وتعزيز الردع بسياسات كيّ الوعي المرتبطة بحجم الدمار الذي سبّبته آلة الحرب الإسرائيلية في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت في أتون حرب 2006، بأن يطبّق نموذجًا أوسع يفترض أن يتحول إلى “عقيدة غزة” في حجم القتل والدمار لمن يفكر بالمساس بـ”إسرائيل” وأمنها.
تهاجم “إسرائيل” بقوة غاشمة، وتتعمّد أن تتسبّب في أكبر فاتورة ممكنة من الدماء والدمار في قطاع غزة، وهو قتل يحمل في طياته هدفًا رئيسيًا: مراكمة أكبر ردع ممكن لتعويض ما داسته أقدام مقاومي قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023، وما بقيَ ماثلًا في بقاء أكثر من 100 أسير إسرائيلي لدى المقاومة في قطاع غزة.
تقاتل “إسرائيل” لتواجه التحول الاستراتيجي الكبير الذي حققته عملية السابع من أكتوبر، ويفترض أن يثبته “طوفان الأقصى” وتجلياته المستمرة حتى الآن، وبالتالي إن جوهر استراتيجية المواجهة الإسرائيلية يرتكز إلى حاجة تل أبيب لتحويل عملية السابع من أكتوبر إلى حدث منفصل، لا إلى سياق متصل يتحول تدريجيًا إلى تدشين لشكل جديد من أشكال المواجهة، وإلى منطلق لعمليات المقاومة القادمة.
يعكس السعي المحموم إلى تنفيذ عمليات كبرى تستهدف بنى المقاومة في الضفة الغربية، حجم التخوف من حدوث تحولات في طريقة تفكير المقاومين، تنتج عنه مفاجآت تبرز عند نجاحها في مراكمة تجنيد وتجهيز عدد كبير من المقاومين.
وهو ما يمكن أن يفضي إلى تولد فكرة باستنساخ عملية السابع من أكتوبر بنموذج “ضفوي”، يستهدف اقتحام تجمع استيطاني أو أحد المدن المحتلة بعدد كبير من المقاومين المسلحين في الوقت ذاته، مع الأخذ في الحسبان أن الموانع أقل في الضفة الغربية لنجاح مثل هذه العملية.
تخشى “إسرائيل” كثيرًا من حجم تأثير نجاح النموذج، المترافق مع تبدُّد الردع، في تحول السابع من أكتوبر بدايةً إلى شكل جديد من أشكال الضربات الكبرى التي تتلقاها “إسرائيل”، سواء من داخل الأراضي المحتلة أو من خارجها.
وتعمل على تنفيذ مجموعة كبيرة من الهجمات الوقائية بهدف منع أية فرصة لتكون بنية تحتية تسمح لمثل هذا التحول بالانتقال إلى الواقع، وهو ذاته الهدف من بداية التقدم البرّي في قرى جنوبي لبنان الذي يستهدف القضاء على البنية التحتية لـ”حزب الله” وإجهاض كل ممكنات نجاح عملية “غزو الجليل” التي روّج لها الحزب اللبناني كثيرًا.
على مدار سنوات، لم تنجح “إسرائيل” في مواجهة التغير التدريجي في الموازين الاستراتيجية مع المقاومة، في الوقت الذي نجحت المقاومة في تثبيت معادلاتها والمراكمة عليها في إحداث ثغرات متتالية في الجدار الحديدي الإسرائيلي، منذ انتهاء عصر الحسم العسكري لقوى المقاومة، إلى قدرة المقاومة على رسم معادلات الدفاع والردع بالنيران التي وفّرت للمقاومة الهامش والمساحة لتطبيق معادلة مراكمة القوة.
موازين الردع بعد عام من القتال
أطالت “إسرائيل” قتالها في قطاع غزة، والقتال الحالي في جنوبي لبنان للمدة الأطول في تاريخها، مخترقة بذلك قاعدة حكمت كل حروبها السابقة، وهي القتال السريع والحاسم وتجنُّب الدخول في مواجهات طويلة، سعيًا إلى تلافي أثر هذه الحروب على الاقتصاد والجبهة الداخلية ومجرى الحياة لمستوطنيها.
ذهبت “إسرائيل” إلى قتال طويل الأمد في إطار السعي المحموم إلى ترميم ردعها وتثبيت معادلاتها من جديد في المنطقة، وبعد فشل الدمار في قطاع غزة في إعادة تشكيل الردع، اتجهت “إسرائيل” إلى توجيه آلة القتل والدمار إلى الضاحية الجنوبية.
رافق توجُّهها استعراض كبير للقوة النارية، وقوة الاستخبارات بضربة أمنية تعدّ الأكبر في تاريخ الشرق الأوسط ومن الأكبر في التاريخ تمثلت بـ”مجزرة البيجر”، بهدف إعادة “إسرائيل” إلى موقعها السابق في عقول الشرق أوسطيين، بكونها المتوفقة والحاسمة والقادرة على إيقاع أكبر ضرر على أعدائها، بما سيمنعهم ويردعهم عن التفكير في إيذائها مرة أخرى.
حين شنّت “إسرائيل” ضربتها الأولى على ميناء الحديدة في اليمن في يوليو/ تموز المنصرم، صرّح وزير الحرب الإسرائيلي، يوآف غالانت، بأنه “يمكن رؤية النار المشتعلة حاليًا في الحديدة في جميع أنحاء الشرق الأوسط وأهميتها واضحة”.
الأهمية المقصودة تتمثل بتأكيد قدرة “إسرائيل” على ضرب أبعد الأهداف بقدرة نارية كبيرة، والأمر كان سواءً في تصريح رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في سبتمبر/ أيلول الماضي بأنه “لا يوجد مكان في الشرق الأوسط لن تصل إليه ذراع إسرائيل الطويلة”.
واقعيًا، الأمر مغاير تمامًا، ورغم أن الضربات في غزة وبيروت وطهران والحديدة في اليمن يفترض أن تعيد إلى “يد إسرائيل الطولى” مهابتها، فإن “إسرائيل” تتلقى ضربات مستمرة ومتصاعدة من الجبهات المتعددة، والرشقات الصاروخية والمسيّرات تباغتها من كل صوب وحدب يوميًا.
حتى أن إيران التي هاجمت “إسرائيل” للمرة الأولى في أبريل/ نيسان المنصرم بهجوم هدفَ إلى تأكيد القدرة الإيرانية على تنفيذ هجمات مباشرة ضد “إسرائيل”، هاجمتها مجددًا في مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الجاري بضربة هدفها تأكيد تلك القدرة على الضرب وإيقاع الأذى، مع تصريحات تصعيدية.
لم تفلح آلة الحرب الإسرائيلية، ولا عمليات القتل بالجملة، ولا كل أنواع استعراضات القوة العسكرية والاستخباراتية، في سدّ الفجوة التي أحدثها السابع من أكتوبر 2023، وفي المقابل إن تكسير أضلع مربّع الأمن الإسرائيلي بات محفزًا لكل قوى المنطقة بتصعيد الضربات للاحتلال، وصولًا إلى تلقي تل أبيب، بقرة “إسرائيل” المقدسة، ضربات ناجحة من غزة واليمن ولبنان وإيران، دون أن تتمكن “إسرائيل” من الوصول إلى الصيغة السحرية التي يبحث عنها قادتها لإيقاف الانحدار المستمر في قدرتها على ردع خصومها.
فشلت “إسرائيل” على مدار عام كامل في مواجهة التحول الاستراتيجي الذي أحدثه “طوفان الأقصى”، ورغم أن المنظومة الدولية بقيادة الولايات المتحدة قد منحت الاحتلال تفويضًا غير مسبوق لقمع المقاومة والقضاء عليها، ووفّرت لها جسرًا لا يتوقف من الإمدادات بالسلاح والاستخبارات، وحتى الجهد المباشر على الأرض، لإنجاح مساعيها الهادفة إلى عكس نتائج الطوفان وتكوين وقائع جديدة على الأرض تسمح لـ”إسرائيل” بالعودة إلى مربعات الأمان التي سادت لسنوات طويلة، وتحييد خصوم “إسرائيل” لأطول فترة ممكنة.
إن معطيات الواقع تحسم بعكس ذلك تمامًا، وإن الفشل الإسرائيلي سيلاحق قادة “إسرائيل”، وسينعكس على مستقبل الصراع في المنطقة، وإن الهدف الاستراتيجي الذي طمحت إليه المقاومة بضرب منظومة الأمن الاسرائيلية قد تحقق فعلًا يوم السابع من أكتوبر 2023، وتعزز بالصمود على مدار عام كامل دون أي أفق لنجاح “إسرائيل” في تحقيق أهدافها.
في المحصلة، إن المقاومة تنتصر بإفشال العدو في تحقيق أهدافه، وتعزز انتصارها بتحويل الصمود إلى مكاسب سياسية يحاول الاحتلال منعها من التحقق بالسعي المحكوم بالفشل لهندسة “اليوم التالي” للحرب.