ترجمة وتحرير: نون بوست
تم قتل جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول. ولابد أن أولئك السعوديين كانوا يريدون بشدة إسكات صوت خاشقجي، ومحو أي أثر له، ولكن كلماته أصبحت الآن أقوى وأوضح من أي وقت مضى. ونحن، أصدقائه السعوديين، لن نصمت أبدًا.
لقد كان خاشقجي صديقا ألجأ إليه للحصول على المشورة والنصح، وكنت باقتراح منه قد كتبت هذا المقال، ولكن لم أعتقد أبدا أنه سينشر بمناسبة وفاته. لقد أخبرني خاشقجي مرة أننا يجب أن نلفت الانتباه إلى أعمال وأنشطة عبد الله الحميد وأصدقائه، الذين يقضون أحكاما مطولة في السجن في المملكة العربية السعودية، لأنهم طالبوا بنظام ملكي دستوري، سوف يحقق استقرار النظام السياسي ويرسي الديمقراطية مع احترام العائلة المالكة. وعندما غادر خاشقجي المملكة السعودية في 2017، قرر أن يدافع عن أولئك الذين تم اعتقالهم لأنهم يحملون آراء مختلفة، وقرر بشكل خاص الدفاع عن أولئك الذين هم كانوا مثله يحملون آمالا أثناء الربيع العربي، بتحقيق الحريات وحقوق الإنسان.
في أول مقال له مع صحيفة واشنطن بوست، في أيلول / سبتمبر 2017، كتب خاشقجي: “لقد اتخذت خيارا مختلفا الآن، لقد غادرت بيتي وعائلتي ووظيفتي، وأنا الآن أرفع صوتي. وقيامي بأي شيء آخر سيكون خيانة لأولئك الذين يقبعون في السجون فأنا يمكنني التكلم بينما هناك كثيرون لا يمكنهم ذلك”. وكنت قد غادرت وطني في نفس الفترة تقريبا التي غادر فيها خاشقجي، في تموز / يوليو 2017. ووالدي سلمان العودة تم اعتقاله بسبب تغريداته ونشاطه، ويسعى المدعي العام السعودي الآن لاستصدار عقوبة بالإعدام ضده، على خلفية 37 تهمة مرتبطة بادعاءات الانتماء السياسي والمساندة العلنية للمعارضين السجناء.
عندما غادر خاشقجي المملكة السعودية، كان يستبق الممارسات الخطيرة للدكتاتورية، ولكنه لم يشعر أبدا بأن كفاحه ضد الطغيان سوف يكلفه حياته
بنفس الطريقة هناك 17 فردا من عائلتي يخضعون لقرار منع السفر، وقد أخبرني خاشقجي ذات مرة أن عائلته منعت من السفر أيضا. وبعد بضعة أشهر، رفضت السفارة السعودية تجديد جواز سفري، بحجة أن خدمات السجل المدني الخاصة به متوقفة في المملكة. ولاحقا طلب مني مسؤولون سعوديون أن أعود إلى بلدي، وعرضوا عليا إذن سفر مؤقت.
كان خاشقجي منزعجا من الحملة التي تعرضت لها الشخصيات العامة في أيلول / سبتمبر 2017. فكثيرون من هؤلاء لم يكن ينظر إليهم أصلا على أنهم معارضون، وقد انزعج خاشقجي بشكل خاص من اعتقال عصام الزامل، وهو خبير اقتصادي انتقد خطط الطرح الأولي لشركة أرامكو السعودية، وكان رفقة وفد حكومي في الولايات المتحدة قبل وقت قصير من اعتقاله. وقد تم إحضار عصام إلى المحكمة خلال هذا الشهر، ووجهت إليه تهم “التقاء دبلوماسيين أجانب والانتماء لتنظيم إرهابي”، بحسب ما نقلته وكالة رويترز. ومن خلال هذه العبارة يقصد السعوديون الانتماء للإخوان المسلمين، وهي تهمة درجوا على استخدامها ضد كثيرين من المنتقدين والشخصيات العامة المستقلة.
أولئك الذين سجنوا عصام وباقي الشخصيات العامة والمثقفين داخل المملكة، بداية من أيلول / سبتمبر 2017 وإلى الآن، واستهدفوا الأصوات البارزة في الخارج مثل جمال خاشقجي، اختاروا أن يسكتوا الأصوات المعتدلة، التي تدعو للديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير. فقد كانت هذه الأصوات هي التي فضحت حقيقة “الإصلاحات” التي كان يتم الترويج لها، ومثلت اختبارا لأبسط أبجديات المجتمع الحر.
عندما سئل خاشقجي حول الموعد الذي قد يعود فيه إلى السعودية، أجاب بالقول: “عندما أرى سلمان العودة يعود إلى منصته، وأرى عصام الزامل يعود إلى نشاطه في تويتر، عندما أرى عبد الله المالكي يعود إلى كتاباته حول محاسبة حكام الأمة”. كان خاشقجي هنا يقصد كتاب ألفه المالكي بعنوان “سيادة الأمة”، انتقد فيه تطبيق نظام الشريعة الذي تعتمده الدولة السعودية من أجل انتهاك أبسط حقوق الإنسان والحريات في المملكة.
إذا كان مرتكبو هذه الجريمة قد أرادوا تهديد وإخافة أولئك الذين يتكلمون ويعارضون ويطالبون بالحريات وأبسط حقوق الإنسان في المملكة السعودية، فإنهم جعلوا من جمال شهيدا في سبيل الكفاح من أجل مملكة سعودية أفضل، وعالم عربي أفضل.
يرى المالكي أن السيادة وحرية الاختيار للشعب هما أمران ضروريان، ويجب الاعتماد عليهما كإطار لأي تطبيق للشريعة. إذ أن العدالة والحرية يجب أن تكون من الأولويات على حساب كل شيء. وهذا الخطاب تم إسكاته داخل المملكة السعودية، لأنه يسائل السلطة المطلقة والدكتاتورية، ويتحدى نوايا الإصلاحات الجزئية والسطحية. وبحسب أشخاص مقربين منه، فقد تم إحضار المالكي أيضا إلى المحكمة خلال هذا الشهر، ليواجه تهما مماثلة لتلك الموجهة للآخرين، من بينها علاقته بالناس الذين طالبوا بإصلاحات دستورية في المملكة السعودية.
عندما غادر خاشقجي المملكة السعودية، هو كان يستبق الممارسات الخطيرة للدكتاتورية، ولكنه لم يشعر أبدا بأن كفاحه ضد الطغيان سوف يكلفه حياته. وجمال موجود الآن في قلوب وعقول الكثيرين، وسوف يبقى حيا إلى الأبد. ونحن، كأصوات مطالبة بالقيم الديمقراطية في المملكة السعودية وغيرها من البلدان، لن نصمت أبدا أو يرهبنا التخويف والتهديدات. إذا كان مرتكبو هذه الجريمة قد أرادوا تهديد وإخافة أولئك الذين يتكلمون ويعارضون ويطالبون بالحريات وأبسط حقوق الإنسان في المملكة السعودية، فإنهم جعلوا من جمال شهيدا في سبيل الكفاح من أجل مملكة سعودية أفضل، وعالم عربي أفضل.
المصدر: واشنطن بوست