ترجمة وتحرير: نون بوست
ساهمت قضية اعتقال طالب الدكتوراه من جامعة “دورهام”، ماثيو هيدجز، من قبل السلطات الإماراتية، والزج به في الحبس الانفرادي بتهمة التجسس، في تسليط الضوء على القيود المفروضة على الحرية الأكاديمية في الإمارات. ولكن هذه القضية، رغم شناعتها، ليست بالأمر الجديد على المراقبين الدوليين لشؤون ممالك الخليج النفطية.
قضيت خلال هذه السنة أربعة أشهر في زيارة إلى جامعة الإمارات العربية المتحدة الحكومية، وقد انبهرت بالجامعات في هذا البلد الخليجي، من حرم جامعي يحتضن مؤسسات على الطراز العالمي يثير غبطة الزوار من الأكاديميين وغيرتهم في نفس الوقت، إلى طلبة شديدي الحماس يجعلون من مهنة التدريس أمرا مُرضيا.
لكن، لكل هذه الامتيازات ثمن ألا وهو الحرمان من الحرية الأكاديمية. فغالبا ما يُحظر على الأكاديميين دخول البلاد لأنهم مصنفون من ضمن التهديدات الأمنية، لذلك يجد الأكاديميون أنفسهم مسجونين بشكل تعسفي بسبب نشاطهم الحقوقي. كما تفرض السلطات الإماراتية الرقابة بشكل دوري على الفعاليات الأكاديمية والعلمية. وخلال فترة مكوثي في الإمارات العربية المتحدة، فُرضت قيود بشكل غير معلن على خدمة الإنترنت والسكايب.
تتهم الإمارات قطر برعاية الإرهاب بغية زعزعة استقرار المنطقة، وقد أدت هذه الادعاءات إلى اندلاع أزمة دبلوماسية، وصلت إلى حد فرض عقوبات وحصار ضد قطر
في الواقع، إن سعي السلطات الإماراتية إلى فرض قيود على الحرية الأكاديمية مدفوع بهوسها إلى تضييق الخناق على أي نشاط من شأنه أن يشكل تهديدا على السلطة أو أمن الدولة. فالدولة قلقة من الفوضى التي خلفتها مظاهرات واحتجاجات الربيع العربي، وستفعل كل ما في وسعها لمنع تصدير الثورة إليها. وأي علامة تدل على وجود حركة معارضة للنخبة الحاكمة في الإمارات أو مطالب بالتمتع بالمزيد من الحريات قد تؤدي إلى شن حملة أمنية واسعة. وتعد مواقع التواصل الاجتماعي من الفضاءات المتاحة على الإنترنت التي من شأنها أن تعزز الديمقراطية، ما يجعلها مثيرة للريبة بالنسبة للسلطات الإماراتية. وسنة 2012، أصدرت السلطات قانونا للجرائم الإلكترونية يجعل عقوبة أي خطاب يشوه صورة الدولة السِجن.
الخلاف مع قطر
في الوقت الراهن، تمثل قطر مصدر إزعاج بالنسبة للإمارات العربية المتحدة. وتتهم الإمارات قطر برعاية الإرهاب بغية زعزعة استقرار المنطقة. وقد أدت هذه الادعاءات إلى اندلاع أزمة دبلوماسية، وصلت إلى حد فرض عقوبات وحصار ضد قطر، برعاية المملكة العربية السعودية والبحرين ومصر إلى جانب الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا. ولكن أكثر ما زاد العداء بين الطرفين هو تمويل قطر لشبكة “الجزيرة” الإعلامية، التي تمثل شوكة في حلق ممالك الخليج بسبب نشرها قصصا تحرج هذه الأنظمة. وسعيا منها للإطاحة بخصمها، استنجدت الإمارات العربية المتحدة بحلفائها.
في تحقيق المستشار الخاص روبرت مولر، عمل المحققون على التحقيق في المعلومات التي تفيد بمحاولات الإمارات المحتملة لاكتساب نفوذ سياسي من خلال ضخ الأموال في حملة ترامب الانتخابية خلال الانتخابات الرئاسية لسنة 2016. وفي شهر آذار/ مارس من هذه السنة، حصلت هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” على مجموعة من الرسائل الإلكترونية التي تؤكد ممارسة الإمارات الضغط لإقالة وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون، نظرا لعدم انحيازه لصف الإمارات ضد قطر.
تمثل النساء في الجامعة الوطنية أكثر من 90 بالمائة من مجموع الطلاب، ناهيك عن أن الحرم الجامعي يعتمد سياسة الفصل بين الإناث والذكور
في الحقيقة، تعيدنا هذه الأحداث إلى قضية طالب الدكتوراه ماثيو هيدجز، الذي اتهمه المدعي العام لدولة الإمارات العربية المتحدة “بالتجسس لصالح دولة أجنبية”، وتهديد “الأمن العسكري والاقتصادي والسياسي لدولة الإمارات”. ويبدو أن البحث الذي يجريه ماثيو هيدجز حول تأثير الربيع العربي على الاستراتيجية الأمنية للبلاد قد أثار حفيظة السلطات الإماراتية. ويبعث اعتقاله رسالة قوية مفادها أن الدولة مستعدة لتضييق الخناق على حرية التعبير في الأوساط الأكاديمية.
القيود المفروضة على الحرية الأكاديمية
باعتباري أكاديميا مختصا في العلوم الاجتماعية، فإنني كنت أعتبر دائما الجامعات، بنظرة يطغى عليها التفاؤل ربما، صرحا لحرية التعبير والفكر النقدي. وبعد قضاء بضعة أشهر في جامعة الإمارات العربية المتحدة أيقنت أن التعليم في هذا البلد له غاية أخرى. فبدلا من التشجيع على تنمية الفكر النقدي، يقوم التعليم في الإمارات على منطق تكنوقراطي، حيث أنه يساعد المجتمع على حل المشاكل الاجتماعية والحفاظ على الوضع الراهن.
فعلى سبيل المثال، تمثل النساء في الجامعة الوطنية أكثر من 90 بالمائة من مجموع الطلاب، ناهيك عن أن الحرم الجامعي يعتمد سياسة الفصل بين الإناث والذكور. وخلال دراستهن في الجامعة، من المفترض أن تكتسب النساء مهارات عملية من شأنها أن تساعدهن على الانخراط في القوى العاملة دون خسارة مكانتهن التقليدية كأمهات وزوجات.
النساء أكثر عددا من الرجال في الجامعات الإماراتية
خلافا للمتوقع، يبدو أن الدولة أقحمت نفسها في معركة خاسرة، لأن معدلات الزواج قد انخفضت مقابل ارتفاع نسبة الطلاق، مع مطالبة النساء بالتمتع باستقلالية أكبر. ومن خلال التدريس، وجدت أن الطالبات تدرسن بجد وملتزمات وطموحات وما يشجعهن على ذلك الآفاق التي فتحت أمامهن في سوق الشغل. وفي هذه الحالة، ستكون حرية التعبير المسألة التالية التي سيخوض فيها الطلاب.
الإغراءات الإماراتية
بوجود العديد من الطلبة الأثرياء الراغبين في الحصول على شهادات من جامعات عالمية مرموقة، أصبحت الإمارات العربية المتحدة تمثل وجهة جذابة تستقطب الجامعات البريطانية التي تعاني ضائقة مالية. فخلال شهر أيلول/ سبتمبر مثلا، فتحت جامعة برمنغهام فرعا لها في دبي. ولكن تبقى معضلة الحرية الأكاديمية أمرا لا مفر منه بالنسبة لهذه المؤسسات التعليمية. وقد شهدت جامعة نيويورك في أبوظبي قضايا مماثلة منذ فتحت أبوابها سنة 2008.
لقد استمتعت بوقتي كأكاديمي في الإمارات العربية المتحدة ولا أستطيع الامتعاض من أي تجربة شخصية سيئة، ولكن ذلك لا ينفي أنني اكتشفت وجود قيود على الحرية الأكاديمية. كما أود أن أعيد زيارة هذا البلد مرة أخرى، ولكنني أخشى من أن كتابة هذا التقرير قد تجعلني أخرق القواعد المعمول بها من قبل السلطات الإماراتية. فقد تم فعلا حظر دخول بعض الأكاديميين البريطانيين لدولة الإمارات بسبب توجيههم انتقادات لهذه الدولة الخليجية. وكما تبينه قضية هيدجز، فإن إجراء بحث حول مواضيع حساسة يمكن أن تكون له عواقب وخيمة.
المصدر: ذا كونفرسايشن