كثيرًا ما سعت السلطات المغربية الحاكمة للترويج لما تعتبره “المعجزة المغربية” و”الاستثناء المغربي”، خاصة في السنوات التي تلت موجة الربيع العربي، إلا أن هذه الصورة سرعان ما بدأت في التهاوي وانكشف المستور، وبدأت الأزمات تظهر الواحدة تلو الأخرى حتى أضحى حديث المغاربة أزمات البلاد المتتالية.
أحزاب سياسية همها الأوحد ما ستربحه من توافقات
رغم محاولات التستر المتواصلة، انكشفت حدة الأزمة السياسية التي تعيشها المملكة المغربية في الفترة الأخيرة، أزمة أثرت على مختلف المجالات في البلاد، ما جعل المملكة تعيش أزمة شاملة أثرت بشكل كبير على البلاد والعباد.
الباحثة في الشؤون السياسية المغربية شريفة لموير قالت إن “الوضع السياسي الذي يعيشه المغرب راجع إلى تكتل العديد من الأزمات المجتمعية التي أفضت إلى أزمة سياسية، تظهر جليًا في اللاتناغم الأغلبي الذي سيطرت عليه الحسابات السياسية لمكونات الأغلبية الحكومية”.
وتضيف الباحثة المغربية في حديثها لنون بوست “عملية المد والجزر هذه التي أغرقت الحكومة بمكوناتها فيها انعكست على الواقع الاقتصادي والاجتماعي في المغرب، فوضعية المغرب الراهنة لا تتطلب فقط إصلاحات هيكلية في إدارتها لمواجهة التحديات بقدر ما تتطلب وضوحًا سياسيًا يقتضي من الأغلبية الحكومية إدراك أن المصلحة العليا هي للوطن بعيدًا عن الحسابات الضيقة التي أغرقت الأحزاب السياسية بالانتهازيين في إطار التوافقات السياسية”.
مجلس الحسابات: “المغرب لم يتمكن بعد من تقليص الفوارق الاجتماعية والحد من مظاهر الفقر”
تتطلب الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد وفق لومير، من الأغلبية الحكومية ضرورة “إخراج المغرب من ممارسات ولى عليها الزمن عوض تكريسها بأكثر حدة”، وتضيف شريفة “ما يؤجج حدة هذا الوضع الوضعية المغربية الراهنة المثقلة بسلسلة من الأزمات التي تطلب من الحكومة إصلاحات جذرية في هياكل المؤسسات لخلق ملايين من مناصب الشغل، وإعادة التوازن لخدمات الدولة في التعليم والصحة وغيرها من القطاعات الفاعلة في التوازن الاجتماعي، وهو ما يواجه بتحديات صارمة للعهد العالمي الجديد، القائم على التنافسية والديمقراطية”.
وختمت الباحثة المغربية بقولها “تعنت الحكومة أمام الاعتراف بمدى جديتها من عدمه في تقديم بدائل حقيقية للخروج من هذه الأزمات التي أصبح المغرب يعيشها على مستويات عدة، أصبح معه طرح سؤال المواطنة والحس بالمسؤولية واجبًا، فمن غير المنطقي وملك البلاد يؤكد في كل مناسبة ضرورة التحلي بروح المواطنة والمسؤولية أن نجد أحزابًا سياسية همها الأوحد هو ما ستربحه من توافقات وذلك فرق مصلحة الوطن”.
أزمة اجتماعية شاملة
يقول الباحث في الشؤون السياسية والإستراتيجية المغربي عمر مروك، إن هذه الأزمة انعكست على الجانب الاجتماعي في البلاد، ويقول مروك في حديثه لنون بوست “الحكومة أثبتت عجزها في التعامل مع الخطب الملكية الأخيرة التي دقت ناقوس الخطر بشأن ملفات التنمية وملف التشغيل والهجرة السرية، فعوض أن تكون الحكومة قوة مبادرة بكفاءات وبرامج حقيقية للتنمية، نجدها مكتفية بصراعات هامشية بين مكوناتها في أفق التمكين من كعكة الامتيازات وتوزيع المناصب”.
قبل أيام كشف رئيس المجلس الأعلى للحسابات (هيئة مراقبة المال العام) إدريس جطو أن المغرب لم يتمكن بعد من تقليص الفوارق الاجتماعية والحد من مظاهر الفقر، رغم المجهودات المبذولة في هذا المجال.
وأوضح المسؤول المغربي خلال تقديمه تقرير عن أعمال المحاكم المالية أمام البرلمان، أنه على الرغم من المجهود المالي للدولة في المجال الاجتماعي، وتعدد البرامج والأجهزة العمومية المكلفة بإنجازها، فإن المغرب لم يتمكن بعد من تقليص الفوارق، والحد من مظاهر الفقر والهشاشة في العديد من مناطق وجهات المملكة”.
أما في خصوص قطاع الصحة العمومية، فقد لاحظ التقرير أن المؤسسات الاستشفائية لا توفر جميع الخدمات الضرورية والأساسية بالنسبة للمواطنين، مشيرًا على سبيل المثال لا الحصر، إلى أن مواعيد فحص أمراض القلب والشرايين تصل أحيانًا إلى 7 أشهر ونصف شهر.
ارتفاع نسب البطالة في المغرب بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة
قبل هذا التقرير أكدت الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان في تقرير لها أن 60% من المغاربة قريبون من عتبة الفقر متعدد الجوانب، في الوقت الذي يعيش 4.9% من المغاربة في فقر حاد متعدد الأبعاد في غياب أدنى شروط العيش الكريم.
وحسب تقرير للرابطة فإن نحو 38% من الأطفال المغاربة الذين تقل أعمارهم عن 17 سنة يعانون الفقر في مختلف أبعاده (العلاج والتأمين الصحي – الوصول إلى الماء الصالح للشرب – السكن – التربية والتعليم – خدمات الصرف الصحي)، وأن 46% من الأطفال المتراوحة أعمارهم بين 15 و17 سنة محرومون من الاستفادة من التغطية الصحية، و53% من الأطفال تحت سن 4 سنوات محرومون من الخدمة ذاتها، و35.3% من الأطفال المتراوحة أعمارهم بين 15 و17 سنة محرومون من التربية والتعليم، و8.4% من الأطفال بين 13 و14 سنة لم يكملوا تعليمهم الابتدائي.
ويقول مغاربة إن مظاهر الأزمة الاجتماعية في البلاد لا تنحصر في هذه المجالات فقط، بل تمتد إلى مجالات أخرى، في هذا الشأن تقول الباحثة المغربية في علم الاجتماع خديجة نعمان: “الأزمة هي أزمات بدءًا من الدولة مرورًا بالمؤسسات العمومية”.
وتتجه حكومة سعد الدين العثماني إلى استحداث أكثر من 25 ألف وظيفة جديدة عبر مشروع موازنة العام المقبل، ضمن التوجه الاجتماعي الذي تريد إضفائه، خاصة في ظل توسع دائرة البطالة التي تصل إلى مستويات قياسية بين الشباب.
ويبلغ معدل البطالة العام قرابة 10%، غير أن ذلك المعدل يبلغ 26.5% بين الشباب المتراوحة أعمارهم بين 15 و24 عامًا، وفق بيانات المندوبية السامية للتخطيط التي تشير إلى أن البطالة تطاول أكثر الحاصلين على تعليم عالي، بنسبة تصل إلى 25%.
حذر المجلس الأعلى للحسابات من استمرار ارتفاع مستوى المديونية
تؤكد الباحثة المغربية في حديثها لنون بوست: “الأزمة لا تقتصر على قطاع واحد فقط، وإنما الأزمة موجودة في مجمل القطاعات، غير أن التعليم والصحة باعتبارهما اللبنة الأساسية هم أكثر القطاعات المتأثرة، والاحتقان الاجتماعي نتيجة لمثل هذه الأوضاع التي تعيشها البلاد”.
وأضافت “قطاع السكن أيضًا يعيش هو الآخر أزمة كبرى، فقد تعرضت العديد من العائلات إلى هدم بيوتها لصالح الشركات الرأسمالية، بالإضافة إلى ملف الأساتذة المتعاقدين، الأمر الذي يجهز على الكفاءات التربوية والتعليمية”.
وأشارت خديجة نعمان إلى التقصير الحاصل، مؤكدة “غياب أي مقاربة سياسية ناجعة لفك لغز هذه الأزمة، وهو ما يبقى المواطن في حلقة مفرغة”، وتابعت “لا نجد مسؤولًا قارًا بين الفينة والأخرى نجد تغيرات كثيرة في كل مرة، وهو ما يزيد من عمق الأزمة”.
وشددت نعمان على ضرورة البحث عن الحلول الكفيلة للخروج من هذه الأزمة “فكل هذه الأزمات تؤدي إلى الاحتقان والخروج للشارع من أجل المطالبة بعيش بكرامة ضمن مغرب الألفية الثالثة، لكن للأسف أن الفاعل السياسي غائب تمامًا عن الساحة والأحداث الوطنية ويرفع ستائره في أثناء الموسم الانتخابي فقط، فليس هناك حلول اقتصادية توفر فرص الشغل للعاطلين الشباب أو عبر الارتقاء بالنظام التعليمي والصحي”.
زعزعة الثقة في المؤسسات
الباحث في الشؤون السياسية والإستراتيجية المغربي عمر مروك قال: “الأزمة الاجتماعية الخانقة التي تشهدها المملكة نتيجة تعنت الحكومة في الوفاء بالتزاماتها المسطرة بالبرنامج الحكومي، جعل جميع المهتمين بالشأن العام وحتى المواطن البسيط يتساءل عن الجدوى من تلك السياسات العمومية إن لم يكن لها تأثير إيجابي على مستوى الخدمات الاجتماعية، وهو ما انعكس بشكل مباشر في زعزعة الثقة في المؤسسات وفي طريقة تدبير الحكومة لإشكالات الصحة والتعليم والتشغيل”.
وأوضح المروك في حديثه لنون بوست “علاقة الحكومة بالحوار الاجتماعي والنقابات الأكثر تمثيلية هي الأخرى ليست على ما يرام، إذ فشلت الحكومة فشلًا ذريعًا في الاستجابة للحد الأدنى من مطالب النقابات التي تطالب بتحسين دخل الأجراء وتعميمه، عوض المقاربة التجزيئية التي تنهجها الحكومة، وهو الشيء الذي لا يتماشى ونسبة التضخم وارتفاع الأسعار بشكل مهول، الذي يعتبر السبب الرئيسي للقلاقل الاجتماعية وعدم الأمن الاقتصادي والاجتماعي الحاليّ”.
السلطة السياسية في قفص الاتهام
أكد الباحث المغربي “الحكومة أثبتت عجزها عن تدبير ملفات كبرى، من قبيل ملف المحروقات الذي انتهى بخضوع الحكومة للوبي المحروقات بشكل بين أن الحكومة بجلال قدرها تعتبر موظفًا مطيعًا لصالح لوبي المال والأعمال، كما فشلت في تدبير ملف التقاعد الذي كان موضوع تقرير للمجلس الأعلى للحسابات الذي وقف على خطورة الوضع في المستقبل القريب”.
عمر المروك قال أيضًا: “ما يثبت عجز الحكومة الحاليّة وفقدانها للبوصلة هو مشروع القانون المالي لسنة 2019 الذي كان من المنتظر منه أن يعبر عن جملة إجراءات تدبيرية لقطاعات الصحة والتعليم والتشغيل تبعًا للخطاب الملكي الأخير، نجد الحكومة قد اتخذت إجراءات تقشفية ستزيد من إثقال كاهل المواطن مما سيسهم في قلاقل اجتماعية وحراك شعبي ضد السياسات اللاشعبية للحكومة التي تفتقد للنجاعة والكفاءة”.
أزمة اقتصادية كبيرة
في تقريره حذر المجلس الأعلى للحسابات من استمرار ارتفاع مستوى المديونية، وقال رئيس المجلس إدريس جطو “الحجم الإجمالي لمديونية القطاع العام ارتفع من 918.2 مليار درهم (91.8 مليار دولار) سنة 2016 إلى 970 مليار درهم (97 مليار دولار) مع نهاية 2017، أي بزيادة 51.8 مليار درهم في ظرف سنة واحدة، بينما انتقلت حصته من الناتج الداخلي الخام إلى 91.2%”.
وأوضح المسؤول ذاته أن تفاقم مديونية الخزينة من خلال تزايد العجز، والتوجه نحو الاقتراض يؤشر إلى أن الهدف الذي رسمته الحكومة لتقليص نسبة المديونية إلى 60% من الناتج الداخلي الخام في أفق 2021 سيبقى صعب المنال.
كما كشف جطو أن دين الخزينة واصل وتيرته التصاعدية، إذ بلغ مع نهاية 2017 ما يناهز 692.3 مليار درهم (69.2 مليار دولار)، أي بنسبة 65.1% من الناتج الداخلي الخام، مسجلًا مديونية إضافية تناهز 35 مليار درهم (3.5 مليار دولار).
يحسب لمواقع التواصل الاجتماعي مواكبتها أولًا بأول لاحتجاجات المغاربة
قبل يومين أعلن وزير المالية المغربي محمد بنشعبون أن بلاده طلبت من صندوق النقد الدولي قرضًا ماليًا “وقائيًا”، دون ذكر قيمته، للاستفادة من خط الوقاية والسيولة الأخطار والصدمات الخارجية، ومنذ 2012 أبرم المغرب مع النقد الدولي 3 اتفاقيات تحت مسمي “خط الوقاية والسيولة”، وهو برنامج يهدف إلى تأمين المغرب من المخاطر الخارجية، ولا تسحب موارده ما لم تظهر احتياجات فعلية لتمويل ميزان مدفوعاتها.
وفي مؤشر على عمق الأزمة الاقتصادية، تعتزم الحكومة المغربية العودة من جديد إلى الخصخصة خلال العام المقبل 2019، لمحاصرة العجز المالي في موازنة الدولة، وينتظر أن تتيح إيرادات الخصخصة التي من المتوقع أن تصل إلى نحو 527 مليون دولار، حصر عجز الموازنة في العام المقبل.
ويفترض أن يفضي التوجه الرامي إلى الوفاء بالتزامات الحكومة في المجال الاجتماعي إلى اتساع عجز الموازنة، إلا أن الحكومة تراهن على الضغط على نفقات التسيير وحسن استعمال الإيرادات من أجل حصر العجز في حدود 3.7%، وهو مستوى يتجاوز توقعات البنك المركزي المراهن على 3.3%.
مواقع التواصل الاجتماعي تكشف المستور
هذه الأزمات المتتالية، يقول مغاربة إنها لم تكن لتكشف لولا مواقع التواصل الاجتماعي، فقد أصبح لهذه المواقع حضور كبير في المملكة المغربية، كفاعل جديد بات يمتلك صوتًا مسموعًا ووقعًا وتأثيرًا لا يستهان به، وهو ما جعل السلطات تسعى إلى تطويقه للحد من تأثيره.
ويرى العديد من المغاربة أن هذا المارد الأزرق أضحى يرعب السلطة والسياسيين في الحكم والمعارضة ويترصد أخطاءهم وزلاتهم لخلق رأي عام مناهض لهم، فمنه انطلقت شرارة الجدل تجاه الكثير من القضايا، ومن خلاله كشفت أزمات عديدة.
وتكتسب مواقع التواصل الاجتماعي على غرار موقع “فيسبوك” و”تويتر” و”يوتيوب”، مكانة مميزة في المغرب، ذلك أن معظم المغاربة يستعملون الإنترنت، وتستعمل هذه المواقع للتعبير عن الرأي والمواقف السياسية دون أي تعقيدات، لذلك تخشى السلطات الحاكمة منها.
تكشف مواقع التواصل الاجتماعي الأزمات التي تسعى السلطة للتستر عليها
يحسب لهذه المواقع مواكبتها أولًا بأول لاحتجاجات المغاربة في الريف وجرادة والصويرة، ونقلها لموجات الهجرة وحملة المقاطعة التي استهدفت العديد من البضائع والشركات، وأيضًا نقلها للعديد من الوقائع التي تمس المجتمع وأحجمت وسائل الإعلام عن نقلها.
الفشل الحكومي على مختلف الأصعدة، اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا يوازيه، وفق عمر المروك “صعود الوعي الاجتماعي، وقد ساهم في صعود هذا الوعي شبكات التواصل الاجتماعي التي جسدت البديل لدور الأحزاب في خلق نقاش عمومي جاد يؤمن بعقلية المبادرة والإنجاز، عوض لغة الخشب وسياسة البؤس التي كانت السبب في تعميم اليأس وهجرة الكفاءات وانخفاض منسوب الوطنية جراء تغييب قيم المواطنة التي تقوم بالأساس على أولوية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي تكفل المساواة بين أبناء الوطن الواحد والعدالة الاجتماعية عمومًا” وفق قول عمر.
يقدر عدد مستخدمي الإنترنت في المغرب بـ20 مليون مستخدم، أي ما يمثل 57.6% من مجموع السكان، ويبلغ عدد مستخدمي موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” 13 مليون مستخدم سنة 2015، وهو ما يمثل 39% من مجموع السكان.