دخل البرلمان الجزائري الأربعاء التاريخ بعد أن أصبح لأول مرة برئيسين لتسيير شؤون المجلس الشعبي الوطني (الغرفة السفلى للبرلمان) عقب تزكية أحزاب الموالاة معاذ بوشارب المنتمي لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم رئيسا جديدا خلفا للسعيد بوحجة الذي يرفض الاستقالة لامتلاكه الشرعية القانونية التي تعطيه الحق في المكوث في كرسيه رغم خطوة خصومه.
وبعد جولات وصدامات بين الكتل البرلمانية الخمس المتمثلة في جبهة التحرير الوطني الذي يترأسه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة والتجمع الوطني الديمقراطي الذي يتولى أمانته العامة الوزير الأول أحمد أويحيى وتجمع أمل الجزائر والحركة الشعبية الجزائرية والأحرار والسعيد بوحجة الذين طالبوه بالاستقالة التي رفضها رغم إغلاق باب البرلمان في وجهه، انتهت أولى فصول هذه المسرحية بانتخاب رئيس جديد قاطعت المعارضة مراسم تنصيبه.
شغور وتزكية
وجاء انتخاب معاذ بوشارب بعد أن أقرت لجنة الشؤون القانونية والإدارية والحريات بالمجلس الشعبي الوطني في 18 أكتوبر “حالة شغور” منصب رئيس المجلس، وهي الحالة التي تم تأكيدها في الجلسة العلنية التي عقدت الأربعاء وتم خلال تصويت 320 نائب على شغور منصب الرئيس، في جلسة قاطعتها أحزاب المعارضة وكتلة حزب التحالف الجمهوري رغم انتمائه إلى الموالاة، لكنه رأى في ذلك تجاوزا للدستور الذي يحدد حالة الشغور باستقالة رئيس المجلس أو العجز أو الموت.
ونظرا لوجود مرشح واحد، فقد تم انتخاب معاذ بوشارب بالتصويت والتزكية بدل اللجوء إلى صندوق الاقتراع .
تتمثل أحزاب الأغلبية التي صوت نوابها لبوشارب في جبهة التحرير الوطني (161 نائب)، والتجمع الوطني الديمقراطي (100 نائب)، وتجمع أمل الجزائر (20 نائبا)، والحركة الشعبية الجزائرية (13 نائبا)، وكتلة الأحرار التي تضم أزيد من 30 نائبا
ومن ضمن 321 نائب الذين شاركوا في عملية التصويت، صوت 320 نائب بنعم من بينهم 33 بالوكالة، وامتنع نائب واحد عن التصويت.
وتتمثل أحزاب الأغلبية التي صوت نوابها لبوشارب في جبهة التحرير الوطني (161 نائب)، والتجمع الوطني الديمقراطي (100 نائب)، وتجمع أمل الجزائر (20 نائبا)، والحركة الشعبية الجزائرية (13 نائبا)، وكتلة الأحرار التي تضم أزيد من 30 نائبا.
وقاطع الجلسة نواب جبهة القوى الاشتراكية (14 نائبا)، وحزب العمال (11 نائبا)، وحركة مجتمع السلم (34 نائبا)، وجبهة المستقبل (14 نائبا)، والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (9 نواب)، والتحالف الوطني الجمهوري (6 نواب)، وحركة الإصلاح الوطني (نائب واحد)، وتحالف العدالة-النهضة-البناء (15 نائبا).
ويروج من انتخبوا بوشارب وسحبوا الثقة من بوحجة رغم انتمائه أيضا إلى الحزب الحاكم إلى أن الرئيس الجديد من الشباب رغم أنه في الـ47 من العمر.
وكان بوشارب الذي ترشح لانتخابات البرلمان في 2017 عن ولاية سطيف (شرق البلاد) يرأس المجموعة البرلمانية لحزب جبهة التحرير الوطني بالمجلس الشعبي الوطني، وتولى قبلها منصب نائب رئيس المجلس الشعبي الوطني مكلف بالعلاقات مع مجلس الأمة والحكومة وباقي المؤسسات الدستورية.
ويعد بوشارب أول رئيس للبرلمان من جيل بعد الاستقلال، وهو لا ينتمي إلى جيل “الشرعية الثورية”، على عكس بوحجة الذي يعد من المجاهدين الذين شاركوا في ثورة تحرير البلاد من الاستعمار الفرنسي.
تعهد
و يبقى تمكن معاذ بوشارب من ممارسة مهمته رئيسا للمجلس الشعبي الوطني مرتبطا بمصادقة المجلس الدستوري على هذا الإجراء، وهو الهيئة التي ظل صمتها يطرح عدة تساؤلات بشأن ما حدث في البرلمان، كونه الجهة التي تسهر على تطبيق القوانين واحترام بنود الدستور وعدم خرقها.
لا يزال السعيد بوحجة رغم ما حصل له متمسكا بمنصبه، مستندا في ذلك على شرعيته الدستورية وعدم حسم الرئاسة في ذلك.
وتعهد بوشارب في كلمته بعد انتخابه رئيسا جديدا بـ”تكريس ثقافة الشراكة والتوافق والبناء والتواصل الدائم مع جميع المكونات، للرفع من المكانة المؤسساتية للمجلس ليكون صرحا شاهدا على الديمقراطية التشاركية ومنبرا حقيقيا للدفاع عن المصالح الوطنية الكبرى”.
وقال إنه سيلتزم بـ”ترسيخ قواعد التعاون والتكافل والتكامل مع الحكومة على قاعدة الفصل بين السلطات ومع مجلس الأمة وباقي الهيئات والمؤسسات الدستورية الأخرى”، كما سيكون “متفتحا على كل الآراء والاقتراحات الكفيلة بتحسين أداء المجلس وجعله أقرب إلى المواطنين”، وسيعتمد “منهجية التشاور مع مختلف مكونات المجلس سواء كانت أغلبية أو معارضة”.
لكن البعض تساءل عن أي فصل للسلطات يتكلم عنه الرئيس الجديد وانتخابه جاء بعد تدخل من السلطة التنفيذية ممثلة في الوزير الأول الذي قال في وقت سابق إنه على السعيد بوحجة الانصياع لشرعية الواقع حتى ولو كانت هناك شرعية دستورية.
موقف بوتفليقة
ما يحدث في البرلمان بين من يراه مسرحية وبين من يجزم أنه تكريس للديمقراطية، يظل يطرح تساؤلا بشأن موقف الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من هذا التغيير الذي مس منصب الرجل الثالث في الدولة، خاصة وأنه من كان وراء اختيار بوحجة رئيسا للمجلس.
ولا يزال السعيد بوحجة رغم ما حصل له متمسكا بمنصبه، مستندا في ذلك على شرعيته الدستورية وعدم حسم الرئاسة في ذلك.
وقال بوحجة في تصريحات صحفية إنه لن يستقيل مطلقا من منصبه لأنه لن يرضخ لأمر الواقع، خاصة بعد أن تعرض للإهانة من قبل خصومه، ودعا الرئيس بوتفليقة إلى التدخل لوضع حد لما يجري داخل المؤسسة التشريعية في الجزائر.
دعت المعارضة على لسان النائب لخضر بن خلاف المنتمي للتحالف من أجل النهضة والعدالة والبناء الرئيس بوتفليقة لحل البرلمان ووقف ” مهزلة انتخاب رئيس مجلس شعبي وطني جديد بطريقة غير شرعية وقانونية”
من جانبه، لم تفت بوشارب فرصة الإعلان انه يحظى بدعم الرئيس بوتفليقة بالقول في أول خطاب له انه يشكر رئيس الجمهورية وممتن له على “الثقة” التي حظي بها من طرفه، متعهدا بأن يبذل قصارى جهده لأن يكون في مستوى هذه الثقة.
ودعا بوشارب النواب إلى “الانخراط بقوة في المشروع النهضوي لرئيس الجمهورية، الذي يهدف إلى بناء جزائر الحادثة والتنمية المستدامة والتضامن والعدالة الاجتماعية في كنف التمسك بالسيادة الوطنية ووحدة الشعب وثوابت الأمة ومكونات الهوية الوطنية الجامعة”،
ودعت المعارضة على لسان النائب لخضر بن خلاف المنتمي للتحالف من أجل النهضة والعدالة والبناء الرئيس بوتفليقة لحل البرلمان ووقف ” مهزلة انتخاب رئيس مجلس شعبي وطني جديد بطريقة غير شرعية وقانونية”
وأضاف بن خلاف أن ” المعارضة تتحفظ على ما يحدث ولن تشارك في اغتصاب القانون والدستور”، معتبرا ما حدث “انقلابا أبيض”.
وباختلاف الآراء، تظل التساؤلات مطروحة بشأن موقف رئاسة الجمهورية من ما حدث في البرلمان، فالبعض يعتقدون أن الأمور ربما خرجت عن سيطرة محيط رئاسة الجمهورية، وطرف ثالث يريد أن يلعب أوراقه قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في نيسان إبريل المقبل، في حين يعتقد البعض أن العملية تمت بإيعاز من محيط الرئيس في إطار توازنات تسبق تمديد حكم بوتفليقة لفترة معينة أو لخمس سنوات إضافية بانتخابه لولاية جديدة.
وبين الرأي الأول والثاني، يبقى الشارع الجزائري الذي يتحدث الكل باسمه غير مهتم بالموضوع ومنشغلا بمشاكل حياته اليومية خاصة وان الأمر يتعلق بمؤسسة كان قد نفض ثقته منها منذ مدة.