“أمير ديزاد”، اسم صفحة على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، يديرها شاب جزائري يقيم في العاصمة الفرنسية باريس. صفحة يتابعها أكثر من مليوني شخص، أصبحت في فترة قصيرة حديث الشارع الجزائري لما تقدّمه من محتوى يتعارض مع توجهات السلطة الحاكمة.
صفحة أثارت قلق السلطة وأتباعها، ما عجّل بسرعة التحرّك ضدّها وضدّ القائمين عليها بتهم “ابتزاز رجال أعمال والتشهير بهم”، غير أن العديد من الجزائريين يرون أن الحملة الأخيرة التي طالت صحفيين في علاقة بالصفحة، لا تتعلق فقط بصفحة “أمير ديزاد” وإنما برغبة من قبل القائمين على حكم البلاد في ترهيب الإعلاميين مع اقتراب الاستحقاق الرئاسي.
الأكثر تفاعلا في الجزائر
دأبت هذه الصفحة التي تعد الأكثر تفاعلا في الجزائر، على نشر معلومات غاية في السرية ودقيقة تتعلق بملفات فساد سياسية واقتصادية وصفقات ووثائق وصور لكبار المسؤولين في الدولة الجزائرية، فضلا عن نشر ملفات تتعلق بشخصيات عامة ورجال أعمال وعائلاتهم وحياتهم الخاصة، في وقت تعجز فيه عديد المؤسسات الإعلامية في البلاد على الحديث عن أي قضية تتعلق بالفساد.
في كل الأحوال #أمير_ديزاد فضح الفساد و المفسدين ألف التحية لهذا الرجل الذي زلزلة جنيرالات و رؤساء لم يقدر أحد الوقوف في وجه هؤلاء الحيوانات .
— SLIMANE (@sullaemanx) October 25, 2018
هذا الأمر، جعلها في سلم اهتمامات الجزائريين على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث بلغ عدد المشتركين في هذه الصفحة أكثر من مليوني معجب. ولئن أغلقت إدارة الفيسبوك هذه الصفحة قبل أسبوعين، غير أن الشاب الجزائري “أمير” قم تمكّن من استعادتها في ظرف وجيز.
أحيانا يعمد “أمير بوخرص” المشرف على الصفحة والذي يعرف نفسه بكونه معارض للسلطة إلى نشر فيديوهات مباشرة يتحدث فيها عن قضايا فساد وملفات شخصيات سياسية ورجال أعمال، ويصل عدد متابعيه عبر البثّ المباشر أحيانا إلى قرابة 30 ألف شخص.
كثيرا ما تحمل منشورات الصفحة مسؤولية ما يحصل في البلاد إلى الأجنحة المتصارعة على الحكم
كثيرا ما يشنّ “أمير بوخرص”، حملات على النظام، ففي ابريل/نيسان الماضي، أطلق “بوخرص” حملة على مواقع التواصل الاجتماعي تحت اسم “عاصي”، كردة فعل للتصريحات التي أطلقها الوزير الأول أحمد أويحيى والتي توعد خلالها بفرض عقوبات قاسية من بينها السحن على كل شاب جزائري يرفض أداء الخدمة العسكرية.
وتهدف هذه الحملة حسب “أمير” إلى مطالبة كبار المسؤولين في الدولة من أمثال أحمد أويحي وغيرهم إرسال أبنائهم لأداء الخدمة العسكرية، عوض محاسبة أبناء الشعب إذ أنه “من غير العدل أن يؤدي ابناء الشعب الجزائري الخدمة العسكرية بينما يعيش أبناء كبار المسؤولين في أمان ورفاهية في إقامة الدولة بنادي الصنوبر”، وفق البعض.
نشاط الشاب الجزائري عرّضه لتضيقات السلطة وفق قوله، حيث سبق أن تعرّض لعديد الضغوطات والتهديدات الصادرة عن السلطة الجزائرية بسبب نشاطه المعارض على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي، وفق تصريحه لوسائل اعلام محلية.
https://youtu.be/AgWLCCK0CxY
يقول “أمير ديزاد”، أنه حوّل صفحته إلى ما يشبه محكمة افتراضية، يقاضي فيها رؤوس الفساد في الجزائر من خلال نشر فضائحهم أمام الجميع، مدعومة بأدلة تثبت إدانتهم، ويؤكّد أنه يطرح نفسه بديلا لأجهزة الأمن، التي يرى أنها تتقاس عن كشف فضائح الفساد، وتقديمهم أمام العدالة ليلقوا جزاءهم، متوعدا بتعقب الفاسدين والتشهير بهم، وفق تصريح لأصوات مغاربية.
وقبل سنوات غاد “أمير” بلده الجزائر نحو فرنسا، ومن هناك بدأ ما يعتبره حربا على الفساد والفاسدين مدنيين كانوا أم عسكريين في بلده الذي طال الفساد كلّ المجالات دون استثناء نتيجة تورط القائمين على السلطة فيه، والغياب الكلم للعدالة في بلاده.
وكثيرا ما تحمل منشورات الصفحة مسؤولية ما يحصل في البلاد إلى الأجنحة المتصارعة على الحكم من جنرالات ورجال أعمال وسياسيين ومعارضين، مع التركيز على شقيق الرئيس المسمى سعيد بوتفليقة التي تقول تقارير إنه المتحكم في البلاد مستغلا مرض الرئيس كما أنه يستعدّ لوراثة أخيه في الحكم.
حملة اعتقالات تطال صحفيين وناشطين
هذه الصفحة يعتبرها كثير من الجزائريين إنها أصبحت تثقل كاهل السلطة، وهو ما يفسّر حملة الاعتقالات في صفوف بعض الصحفيين المرتبطين بها، وقبل يومين اعتقلت السلطات الجزائرية 3 صحافيين، للتحقيق معهم في قضية متعلقة بهذه الصفحة.
ومثل 3 صحافيين هم عبد الرحمن سمار كدير من موقع “الجيري بارت”، وعدلان ملاح صاحب من موقع “دزاير برس”، ومروان بوذياب، إضافة إلى الممثل الكوميدي كمال بوعكاز، واللاعب السابق لـ”نادي مولودية الجزائر لكرة القدم”، فضيل دوب، والهواري بوخرص شقيق الناشط أمير بوخرص، أمام قاضي التحقيق في تهم موجهة إليهم بالمشاركة في القذف والمس بمؤسسات الدولة وبالحياة الخاصة للأشخاص، بحسب ما أفاد محامين.
يؤكّد الصحفي بودور أن الأمر يرتبط بتحضيرات السلطة للعهد الخامسة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة
قبل ذلك، حقّقت مصالح التحري التابعة لجهاز الدرك الوطني مع 42 شخصا، ومنعت 18 شخصا من مغادرة البلاد بأوامر قضائية، بينهم فنانون وإعلاميون ورياضيون ورجال أعمال، في نفس القضية، وتقدم بالشكاوى مدير مجموعة النهار للإعلام أنيس رحماني، إضافة إلى والي محافظة الجزائر العاصمة عبد القادر زوخ ومدير عام مجموعة “كوندور”، إحدى أكبر شركات الصناعة الإلكترونية، عبد الرحمن بن حمادي.
وقالت قيادة الدرك الوطني في بيان صحافي إنها “قامت بمعالجة سبع قضايا ذات صلة بالاستخدام لأغراض إجرامية لمواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت“. وأضاف البيان أن المتهمين انتظموا في أربع مجموعات موزعة كالآتي: “جمع المعلومات والتركيب، تنفيذ الضغوط، الوساطة، المساومة وجمع الأموال”، بحسب تعبيرها.
ترهيب الصحفيين استعدادا للانتخابات الرئاسية
لئن ربطت السلطات الجزائرية الاعتقالات الأخيرة في صفوف الصحفيين الثلاثة بقضية صفحة “أمير ديزاد” التي يملكها الناشط الجزائري المقيم في فرنسا، فقد اعتبر عديد الصحفيين الجزائريين أن هذه القضية مجرّد مطية من قبل السلطات لضرب الإعلام.
في هذا الشأن يقول الكاتب الصحفي، والعضو المؤسس لأول نقابة جزائرية لناشري المواقع الالكترونية سعيد بودور: “تلك كانت ذريعة فقط، فهي محاولة من النظام إخراج القضية من طابعها كحرية التعبير إلى طابع القانون العام لتكسير التضامن الوطني والدولي.”
ويضيف بودور في حديثه لنون بوست أن “طريقة اعتقال الصحفيين بهذه الطريقة وسجنهم دفعة واحدة هي رسالة واضحة لباقي وسائل الإعلام المستقلة والجرائد الإلكترونية بهدف ترهيبهم وتخويفهم؛ وكردة فعل على مشاركتهم في وقفة مطالبة بإطلاق سراح صحفي مسجون دون محاكمة منذ 16 شهرا”.
https://www.youtube.com/watch?v=YI-LG58QGXk
يؤكّد الصحفي الجزائري أن الأمر يرتبط بتحضيرات السلطة للعهد الخامسة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة ويضيف أن هناك نية في إسكات جميع الصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان الذين لهم تأثير في الرأي العام الوطني، قبيل الانتخابات الرئاسية”، وفق قوله.
بودور أكد أن الاعتقالات ستتواصل وستطال المزيد من الصحفيين والنشطاء، وسيكون الهدف منها ترتيب الأمور تفاديا للتشويش على مشروع العهدة الخامسة، قائلًا: “أتوقع سجن واعتقال المزيد وممارسة ضغط على وسائل الإعلام من خلال تصريحات وزراء العدل والداخلية حول المدونين والتغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي والعمل على تلفيق تهم واهية والعمل على تشويه صورة الكثيرين.”
وتوقع الكاتب الجزائري، إغلاق قناة “بور تي في “، لتكون رابع قناة تغلق، بعد الأطلس، الوطن، وكابيسي، لأن مديرها مطلوب في التحقيق رفقة باقي الصحفيين، وفق قوله، وهو ما يعتبر مؤشر خطير على واقع حرية الصحافة في البلاد.
يتهم جزائريون، السلطة في بلادهم بمحاولة السيطرة مجددا على المواقع الاجتماعي من خلال استقدام متابعة دقيقة وتتبع للناشطين
قبل أسبوع داهمت مصالح التحري التابعة لجهاز الدرك الوطني مقر قناة “بور تي في” المستقلة، لحجز أجهزة يستخدمها فنان راب يقدم برنامجا تلفزيونيا اجتماعيا، إذ تشتبه مصالح الأمن في أن تكون هذه الأجهزة تستخدم في معالجة فيديوهات وصور قبل إرسالها للنشر على صفحة “أمير ديزاد”!
ومطلع هذا الأسبوع، احتفل الصحافيون في الجزائر، بـ “اليوم الوطني للصحافة”، في ظلّ غياب ما يؤشر على نية السلطة تحسين ظروف المؤسسة الصحافية ورفع الإكراهات والضغوط المسلطة على الصحافيين. وتُصنَّف الجزائر بحسب تقرير منظمة “مراسلون بلا حدود” في المراكز الأخيرة في مجال حرية الصحافة، وتحتل المرتبة 134.
مواقع التواصل تخرج عن جبّة السلطة
لئن سيطرت السلطات الجزائرية في بداية انتشار الانترنت في البلاد على مواقع التواصل الاجتماعي وطوعتها لخدمة أجندتها، إلا أنها فقدت هذه السيطرة مؤخرا، ما جعل هذه المواقع بمثابة المحاكم الافتراضية لممارسات النظام وللفساد في البلاد.
أمام هذا الخروج عن طوعها، عملت السلطات الجزائرية على تقديم خدمات انترنت سيئة لإجبار المواطنين على العزوف على استعمال الانترنت وكثيرا ما تعمد إلى غلقه تحت حجج كثيرة، والهدف هو ضرب جودة الخدمات، ما جعل الجزائر من بين أضعف الدول في العالم (سرعة الانترنت).
https://twitter.com/sofiaas23/status/1053392962242134017?s=19
يتهم جزائريون، السلطة في بلادهم بمحاولة السيطرة مجددا على المواقع الاجتماعي من خلال استقدام متابعة دقيقة وتتبع للناشطين، وكل ما ينشر في شبكات التواصل الاجتماعي وحجب الكثير من المواقع، وهو ما يوضح واقع الحريات في البلاد.
وتخشى السلطات الجزائرية، من مواقع التواصل الاجتماعي، فهي بديل لوسائل الاعلام التي نجحت السلطات إلى درجة كبيرة في تطويعها والحدّ من خطورتها على حكمها، فهذه المواقع كثيرا ما تكشف ملفات فساد تتعلق بمسؤولين نافذين في البلاد، وهو ما لا تريده السلطات.