أحدثت الثورة التكنولوجية تغيرات جذرية في مجال الرعاية الصحية، فقد قدمت العديد من الابتكارات والحلول للمشكلات الطبية، سواء من خلال تطوير الأجهزة الطبية للوصول إلى معلومات أكثر دقة أو التخفيف من ثقل البيانات والتقارير التشخيصية الورقية وتحويلها إلى معلومات رقمية متسلسلة.
نستعرض في هذا التقرير أهم المعلومات حول الرعاية الصحية الرقمية التي تعتمد بالمقام الأول على الأجهزة والساعات الذكية، ونتعرف على مدى دقتها وفاعليتها في خدمة واحد من أهم القطاعات الحياتية وأكثرها حساسية.
هل تصبح التطبيقات الرقمية الصحية بديلًا عن العيادات الطبية؟
أدى نمو الهواتف الذكية إلى ظهور التطبيقات الرقمية الصحية والتي تتعرف على صحة المستخدم الشخصية عبر تتبع أنماط نومه اليومية وعد السعرات الحرارية وساعات الحركة، كما أنها تراقب ضربات القلب وغيرها من المعلومات التي يمكن أن تحدد الوضع الصحي للشخص.
سيبلغ حجم صناعة التطبيقات الصحية عبر الهاتف 59 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2020 (تقارير)
تسمى هذه التقنية بـ MHealth أي الرعاية الصحية عبر الهاتف، ويوجد منها أكثر من 100 ألف تطبيق، محققةً مبيعات بملبغ 26 مليار دولار أمريكي في عام 2017، وفقًا لشركة “ماركيتس آند ماركيتس”، وهي شركة متخصصة في أبحاث السوق ومقرها الهند، سيبلغ حجم صناعة التطبيقات الصحية عبر الهاتف 59 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2020. وعندها، سيحقق هذا القطاع معدل نمو سنوي يصل إلى 33.4% بين الحين والآخر.
تشير هذه البيانات إلى توجه جديد في عالم الطب الحديث، ما يجعل هذه التطبيقات بديًلا محتملًا عن زيارة العيادات وما يصاحبها من تكاليف مادية وزمنية، إلا أن البعض يرى أن الاستغناء عن الأطباء أمرًا مستحيلًا، ما يعني أن الخدمة الصحية عبر الهواتف أو الساعات الذكية لن تكون سوى حجرة تخزين للتاريخ الصحي للمريض، والذي يمكن إرساله للطبيب أو مراجعته معه في وقت لاحق، وتحديدًا في الأماكن التي يصعب توافر الأطباء فيها مثل المناطق النائية ومواقع الحروب.
تأكيدًا على النقطة الأخيرة، يقول ريك بلومفيد الأستاذ المساعد في طب الأطفال بجامعة ديوك الأمريكية “إن دولًا في منطقة جنوب الصحراء الكبرى بأفريقيا، وبعض الدول النامية الأخرى، سوف تستفيد أكبر استفادة من هذه التكنولوجيا الجديدة، لأنها من المرجح أن تعتمد بشكل أكبر على تطبيقات الهواتف لتلبية احتياجات سكانها المتعلقة بالرعاية الصحية”.
تمكن هذه التقنية مريض الضغط أن يفحص معدل ضغط الدم لديه من خلال استخدام هاتفه الذكي وبالتالي إرسال بياناته إلى طبيبه الخاص حتى يتابع ويقيم حالته الصحية عن بعد
مثال على ذلك، تمكن هذه التقنية مريض الضغط أن يفحص معدل ضغط الدم لديه من خلال استخدام هاتفه الذكي وبالتالي إرسال بياناته إلى طبيبه الخاص حتى يتابع ويقيم حالته الصحية من بعد، والأمر نفسه ينطبق على أمراض أخرى مثل السكري والقلب والربو والسمنة.
من جهة أخرى، يعتقد الفيلسوف الإنجليزي ألدوس هكسلي أن التكنولوجيا تجرد الطب من ملامحه الإنسانية وتلغي العلاقة ما بين المريض والطبيب، عدا عن احتمالية ارتفاع تكاليفها بسبب مستوى تطورها واقتصارها على شريحة معينة، إلا أن تقرير صادر عن مؤسسة “أكسينتشر” يبين أن الرعاية الصحية الرقمية ستوفر على قطاع الرعاية الصحية الأمريكي ما يقرب من 100 مليار دولار خلال السنوات الأربع المقبلة، وهو ما يمكن قياسه على الدول الأخرى.
التكنولوجيا تسمح للطبيب برؤية أعضائك الحيوية من الداخل
يتطلع الأطباء إلى طموح أعلى من تتبع البيانات الصحية على الأجهزة الذكية المحمولة، إذ يعتقدون أن هذه التطبيقات لن تكتفي فقط في تخزين وتعريف الحالة الصحية للمستخدم، وإنما ستتبنأ أيضًا بأي تطورات أو طوارئ صحية مثل الجلطات والأزمات القلبية.
يعمل فريق بريطاني على مشروع يهدف إلى صناعة حبوب دواء روبوتية مزودة بمعالجات صغيرة يمكنها إرسال رسائل مباشرة إلى الطبيب ومشاركته بجميع المستجدات التي تحدث داخل الجسم
كما أنهم يعملون على تطوير رقائق إلكترونية صغيرة تُبتلع أو تزرع داخل جسم المريض لكي تسمح للأطباء بمتابعة ورؤية ما يحدث داخل جسده، دون القلق بشأن المواعيد والمواقيت.بمعنى آخر، لن تقتصر الرعاية الصحية الرقمية فقط على الهواتف أو الساعات الذكية، فبحسب موقع “ثقافة وعلوم”، يعمل فريق بريطاني على مشروع باسم Proteus بهدف تطوير حبوب دواء روبوتية مزودة بمعالجات صغيرة يمكنها إرسال رسائل مباشرة إلى الطبيب من داخل الجسم، ومشاركته بجميع المستجدات التي تحدث، مثل ما إذا كان الدواء الذي يتناوله المريض يؤدي وظيفته كما هو مطلوب أم لا.
التطبيقات الصحية الرقمية مشاريع رائعة، ولكن..
إن اعتماد القطاع الصحي على التكنولوجيا لديه ضروراته ومتطلباته التقنية، فلا بد أن يغذي الأطباء المهتمين ثقافتهم التكنولوجية، حتى يتعاملوا مع هذه الأدوات الإلكترونية براحة ودقة، وهذا ما يدعو إلى تزايد الحاجة للمهندسين والمبرمجين الرقمين القادرين على تطوير أدوات سهلة الاستخدام بالنسبة للطبيب والمريض أيضًا.
مع العلم أن الخبرة لا تنطوي فقط على كيفية التعامل مع الأجهزة الذكية، وإنما تستلزم أيضًا معرفة في التعامل مع ملايين البيانات المجمعة، ليتم تحليلها وتقيمها بطريقة صحيحة خالية من الاخطاء، وهي نقطة بالغة الاهمية في المجال الطبي، لأن الخطأ الواحد قد يهدد أرواح المرضى وسمعة الطبيب.
40% من أصل 40 ألف تطبيق صحي يعمل بفعالية ودقة، وهي نسبة ضئيلة ولا تبشر بنتائج جيدة في الوقت الحالي
في هذا الخصوص، يقول كيفن فيجيلانت نائب رئيس شركة متخصصة في الاستشارات الإدارية، إن: “جميع البيانات الصحية، سواء كانت مقاطع فيديو، أو رسائل نصية، أو أرقام، سوف تحتاج إلى من يحللها. وستكون هناك أيضا حاجة إلى ابتكار صيغ رياضية لتحويل تلك البيانات إلى معلومات مفيدة.”، ما يعني أن العملية تتطلب ثقافة تقنية عامة من قبل المريض وثقافة تخصصية من قبل الطبيب.
جدير الذكر، أن الموضوع لا يقتصر فقط على مدى خبرة الطبيب والمريض في استخدام هذه التطبيقات، لأن جانب من المشكلة يقع على عاتق التطبيقات ومصمميها فوفقًا لمعهد “أي أم أس” فإن 40% من أصل 40 ألف تطبيق صحي يعمل بفعالية ودقة، وهي نسبة ضئيلة ولا تبشر بنتائج جيدة في الوقت الحالي.
في محاولة أخرى، أجرى باحثون من جامعة بيتسبرغ دراسة على ثلاثة تطبيقات رقمية متخصصة في الكشف عن سرطان الجلد من خلال استخدام خاصية الصور، فكانت النتيجة أن التطبيقات أخطأت في كشف 18 بقعة جلدية من أصل 60، معتبرةً إياها علامات حميدة بالرغم من كونها خلايا خبيثة ومضرة للجسم كله.
ونظرًا لهذه التجارب، يبدو أن الاعتماد على هذه التطبيقات لا زال مبكرًا ويحتاج المزيد من الوقت لتحسين جودة التطبيقات ودقتها، إضافة إلى اختبارها في بعض المؤسسات الطبية لقياس مدى فاعليتها واحتمالية، وإلى ذلك كل ما يستطيع المستخدم الاستفادة منه هي التطبيقات التي تقدم معلومات طبية سطحية عن عدد الخطوات وعدد ساعات النوم، أي البيانات التي لا تؤثر بشكل خطير على صحة الشخص.