قد تجد كثيرًا بينما تحمل قائمة مستلزماتك وتجوالك بين أقسام مركز التسوّق أنّ الكثير من الأطعمة الصحية والعضوية “الأورجانيك”، أو ربّما جميعها، هي الأغلى والأعلى سعرًا من بين جميع أنواع الطعام الأخرى. والأمر نفسه قد تلحظه في حال تفحّصك لقائمة الطعام في أحد المطاعم، حيث ستجد أنّ سعر وجبة الغداء لمن يلتزمون بالنظام الصحيّ تكاد تبلغ ضعف الوجبة العادية، أو أنّ سعر صحن السلطة يضاهي سعر تلك الوجبة أيضًا.
لذلك، فكثيرًا ما نعتقد أنّ الطعام العضوي هو طعام الأغنياء أو الأشخاص من ذوي الدخل المرتفع الذين لا يجدون حرجًا ولا مشكلة في إنفاق مالهم عليه، بل على العكس تمامًا فهم يعتبرونه عنصرًا مهمًّا وأساسيًا لحياةٍ أطول وأكثر صحيّة. فما حقيقة ارتباط الوضع الاقتصادي والاجتماعي للأفراد واستهلاكهم للأطعمة الصحية؟
الأطفال لا يحبّون الأكل الصحّي: طعام ضائع = مال ضائع
حين حديثنا عن الالتزام بنظام طعامٍ صحيّ على مستوى الأسرة فيجب الأخذ بعين الاعتبار أنّ الأطفال بشكلٍ عام غالبًا ما يأنفون هذا النوع من الطعام، لا سيّما الخضروات، وينجذبون بشكلٍ أكبر إلى الوجبات السريعة أو الطعام غير الصحيّ على اختلاف أنواعه. وفي دراسة أُجريت عام 1990، تبيّن أنّ الأطفال بحاجةٍ إلى تجربة طعامٍ معيّن ما بين 8 إلى 15 مرة حتى يعتادوا عليه ويتقبّلوا تناوله، وبمجرد حدوث ذلك، لن يكتفوا بتناوله بل سيقومون باختياره وطلب تناوله من تلقاء أنفسهم.
الأسر ذات الدخل المنخفض عادةً ما تتأنّى في اختيارها للطعام الصحّي على موائدها، خوفًا من إهدارها في حاويات النفايات لاحقًا
وفي دراسةٍ حديثة أخرى، هدفت لدراسة العلاقة الوضع الاقتصادي للأسرة وتفضيلات الطعام للأطفال، تبيّن أيضًا أنّ الأطفال يحتاجون بالفعل ذلك العدد من المرّات، أي من 8 إلى 15، ليتقبّلوا نوعًا معيّنًا من الطعام. لكنّ الأهمّ من ذلك، ما توصّلت إليه الدراسة أنّ الأسر ذات الدخل المنخفض فعادةً ما تتأنّى في اختيارها للطعام الصحّي على موائدها، خوفًا من إهدارها في حاويات النفايات لاحقًا. فكّر كم مرةً سيتم الإلقاء بوجبة الغداء في القمامة من ضمن المرات الثمانية أو الخمس عشر تلك. ولهذا، تتجّنب خطر إلقاء الطعام بالنفايات عن طريق شراء ما يفضّله أطفالها، والذي غالبًا ما يكون من الطعام ذي السعرات الحرارية العالية والذي يحوي على نسبة قليلة من المغذّيات.
وبالتالي، فالعائلة ذات الدخل المرتفع لديها نسبة تحمّل أعلى لتكلفة الطعام الضائع والذي قد تكون نهايته سلّة المهمات كالكرنب والبروكلي وغيرها من أنواع الخضروات الصحية، فبالنهاية يمكن لهذه العائلة أنْ تستمرّ في شراء الأطعمة الصحية والطازجة ووضعها على موائدها حتى يطوّر أطفالها ذائقةً لها ويبدأوا باستحسانها وتقبّلها، فالتكلفة الضائعة المرتبطة بها لا تشكّل خطرًا على دخلها اليوميّ. دراسة أخرى هدفت لدراسة الجودة الغذائية للأسر الشابّة في الولايات المتحدة الأمريكية بين عاميْ 1999 و1020، توصّلت لوجود علاقة مباشرة بين جودة الطعام والوضع الاقتصادي والاجتماعي للعائلة. والأهمّ من ذلك، أنها وجدت اتساعًا في الفجوة مع الوقت بين المعطيْين.
إضافة البوتاسيوم وغيره من العناصر الغذائية الضرورية إلى النظام الغذائي يمكن أنْ يصل إلى زيادة ما يقارب 380 دولارًا سنويًا إلى متوسط تكاليف الطعام للمستهلك
الطعام الصحيّ ليس للفقراء
تظهر الأبحاث الحديثة أنّ الأشخاص الأعلى تعليمًا والأكثر ثراءً في الدول المتقدمة يميلون إلى استهلاك وجبات غذائية عالية الجودة، بما في ذلك الفواكه والخضروات الطازجة والأسماك والحبوب الكاملة واللحوم الخالية من الدهن ومنتجات الألبان قليلة الدسم. وعلى النقيض تمامًا، فإنّ الأشخاص من ذوي الطبقات الاجتماعية والاقتصادية المتدنية فيميلون إلى الأطعمة المليئة بالطاقة والسعرات الحرارية والتي تفتقر إلى المكوّنات الصحية، مثل المعكرونة والبطاطا والأطعمة المقلية وسكّر المائدة واللحوم المعالجة والمجمّدة. وفي دراسة أُجريت عام 2010، تبيّن أنّ إضافة البوتاسيوم وغيره من العناصر الغذائية الضرورية إلى النظام الغذائي يمكن أنْ يصل إلى زيادة ما يقارب 380 دولارًا سنويًا إلى متوسط تكاليف الطعام للمستهلك. ما يخبرنا بالضرورة أنّ الكثير من الأفراد والعائلات عاجزة فعليًا عن الالتزام بالطعام الصحي تبعًا لتكاليفه العالية.
الأغنياء أكثر سعادةً: الطعام الصحي لحياةٍ أطول
يؤثّر كلٌّ من الدخل والحالة الاجتماعية بدورهما على مستويات السعادة والصحة النفسية للفرد، إذ تشير العديد من الدراسات أنّ الأفراد الأكثر دخلًا والأعلى تحصيلًا للدرجات العلمية فعادةً ما يقومون باتخاذ قراراتٍ صحية فيما يتعلّق بحاضرهم ومستقبلهم، بما في ذلك نظام غذائهم والتمارين الرياضية التي يقومون بها وغيرها. ويرجع السبب بحسب الدراسة إلى أنّ هؤلاء الأفراد أكثر تطلّعًا للأمام ويأخذون المستقبلَ بعين الاعتبار أكثر من الأشخاص غير المتعلمين أو ذوي الدخل المتدنّي، لذلك فهم الأكثر اهتمامًا بصحتهم حين يتعلّق الأمر بطعامهم وغذائهم أو الرعاية الصحية التي يتلقونها مثل مراجعة الأطبّاء واتّباع تعليماتهم.
إذ يلعب العامل النفسيّ دورًا كبيرًا أيضًا إلى جانب العامل الاقتصادي. وبالتالي، فالأغنياء أكثر استعدادًا للتضحية بالمال في سبيل إنفاقه على الأنشطة والسلوكيات التي تطيل العمر، مثل الرعاية الصحية والجودة الغذائية والتمارين الرياضية. جديرٌ بالذكر أنّ العلاقة السببية لا تسير في اتّجاه واحدٍ هنا، فالمال يسهّل الحصول على جودة طعامٍ أفضل، كما أنّ جودة الطعام تؤثر على قدرة الفرد على تحصيل المال.
الأغنياء أكثر استعدادًا للتضحية بالمال في سبيل إنفاقه على الأنشطة والسلوكيات التي تطيل العمر، مثل الرعاية الصحية والجودة الغذائية والتمارين الرياضية
كما يشكّل الوقت عاملًا مهمًّا آخر في اتّباع الأفراد للخطط الغذائية الصحية، فقد أثبتت إحدى الدراسات أنّ التكلفة الزمنية لتحضير وجبةٍ صحية في المنزل تُعتبر واحدة من العوامل التي تقيَض جودة النظام الغذائي عند الأفراد، خاصّة وأنّ آخر ما يريده الشخص بعد نهاية يومٍ طويل ومتعب هو تحضير الطعام وطهيه، لذلك تصبح الوجبات الجاهزة والسريعة الرخيصة خيارًا أسهل وأكثر تداولًا. ومن المرجح أن يشتري الأشخاص ذوو الدّخل المنخفض الأطعمة الرخيصة والغنية بالسّعرات الحرارية بدلاً من الأطعمة الصحية نظرًا لكونها أكثر قدرةً على الإشباع الأمر الذي يختصر عدد مرّات تناولها والتكلفة الناتجة عن ذلك.
جميع هذه الأرقام والنتائج تجعلنا نتساءل عن جدوى إنفاق الحكومات والمنظمات الصحية في جميع أنحاء العالم مبالغة هائلة وضخمة على الحملات والبرامج التي تحثّ الأفراد على تناول الطعام الصحي واتّباع الخيارات الأكثر صحية في الحياة، في حين أنّ الطعام الصحي يصبح أغلى وأعلى ثمنًا مع الوقت وفي المقابل تصبح الوجبات غير الصحية والسريعة أرخص وأسهل تحصيلًا.
لكن بالنهاية، يرى آخرون أنّ بإمكان الطعام الصحي ألّا يكون حكرًا على الأغنياء وحسب، إذ من الممكن طهي وجبة صحية بأسعار ملائمة في وقت قصير للغاية. ففي حين تعدّ اللحوم والأسماك من بين أغلى الأصناف في قائمة التسوق، نجد أنّ تكلفة البروتين النباتي غالبًا ما تكون أقل، مثل البقوليّات كالفاصوليا والبازلاء والعدس، التي بإمكانها أن تحلّ محل اللحم على سبيل المثال. كما يرى بعض الخبراء أيضًا أنّ الفواكه والخضروات المجمدة والمعلبة والمجمدة غالبًا ما تكون أرخص من الفواكه الطازجة ولكنها في الوقت نفسه تحافظ على مكوّناتها الغذائية الصحية. ولهذا، لا يُعتبر المال عائقًا كبيرًا أمام الطعام الصحي، إذ يمكن للفرد دومًا إيجاد البدائل التي يحتاجها.