تزخر مختلف مدن الجزائرية بالعديد من التماثيل البرونزية والرخامية التي ورثت الكثير منها بعد استقلال البلاد من الاستعمار الفرنسي سنة 1963، تماثيل مثلت قبلة السياح من داخل البلاد وخارجها من خلالها يتعرفون على حضارة البلاد وتاريخها، في هذا التقرير سنتعرف أبرز 7 تماثيل في هذا البلد العربي الإفريقي.
عين الفوارة
يعد تمثال “عين الفوارة” – المعروف باسم “المرأة العارية” – الرابض بوسط مدينة سطيف (شمال شرقي الجزائر)، أبرز هذه التماثيل في البلاد، وقد ارتبطت به أساطير ترسخت في المخيال والتراث الشعبي للجزائريين عمومًا ولسكان المدينة خصوصًا، وقديمًا قيل إن من شرب من عين الفوارة سيتعلق قلبه بهذه المدينة الجميلة وسيظل يزورها مرات ومرات.
تمثال “مريم العذراء” أو كما يطلق عليه “ما مريم” هو آخر سلسلة من التماثيل التي نصبتها فرنسا
يقع تمثال “عين الفوارة” قبالة المسجد العتيق في سطيف، هو مجسم لامرأة عارية تطفو على صخرة عالية ويتدفق منه الماء، وأنجزه النحات الفرنسي فرنسيس سان فيدال بالعاصمة باريس عام 1898، ثم نقل إلى سطيف في 1899، أي بعد 69 عامًا من احتلال فرنسا للعاصمة الجزائرية في 1830.
ويعد هذا التمثال من أبرز معالمها التاريخية والأثرية في البلاد، ويقصده الآلاف من السياح من كل المدن الجزائرية وخارجها، وقد سبق أن تعرض هذا المَعلَم لمحاولات تحطيم عامي 1997 و2006، وأيضًا خلال السنة الماضية.
إلهة الانتصار
إلى جانب “المرأة العارية“ بسطيف، نجد تمثال “إلهة الانتصار” الذي يعرف باسم “نصب الأموات” بمدينة قسنطينة، وتقول الأسطورة إن هذا التمثال، هو جسد جنية عاشقة متحجرة كانت تستفيق ليلاً باحثة عن محبوبها هائمة تسأل عنه حبال جسر سيدي مسيد وأخاديد وادي الرمال.
صنع التمثال من البرونز، وهو على هيئة امرأة مجنحة تشبه طائرًا خرافيًا يتأهب للتحليق، يعلو قاعدة حجرية مصقولة تشبه إلى حد بعيد قوس النصر في باريس، وهو عبارة عن نموذج للتمثال الأصلي صغير الحجم الذي اكتشف بقسنطينة في القصبة تحديدًا في الفترة الممتدة بين 1940و1944.
ويقول أهل المدينة، إن هذا المعلم يعود إلى سنة 1934، حيث شيد على يد الفرنسيين، تخليدًا لأرواح جنودهم الذين سقطوا في ساحات المعارك ضد النازية وهم فرنسيون وجزائريون نقشت أسماؤهم على ألواح من البرونز ثبتت داخل المعلم، هو أيضًا شاهد على نضال الجزائريين من أجل التحرر بعدما دفعوا دماءهم ثمنًا لوعد فرنسي انتهى بمجازر 8 من مايو 1945.
تمثال “مريم العذراء”
في نفس المدينة، على يمين نصب الأموات غير بعيد من المقبرة اليهودية ومسجد الإيمان في نفس الحي، يقف تمثال مريم العذراء أو سيدة السلام الموجود أعلى هضبة حامة بوزيان شامخًا يحرس سلام قسنطينة، ويعد هذا التمثال رمزًا للتعايش السلمي بين الأديان في المدينة.
تمثال “مريم العذراء” أو كما يطلق عليه “ما مريم” هو آخر سلسلة من التماثيل التي نصبتها فرنسا في شهر مايو 1960 بعد كل من سانتا كروز في وهران، وسيدة إفريقيا في الجزائر العاصمة قبل ذلك، ليصبح التمثال محجًا لمسيحيي المدينة.
صمم هذا المعلم التاريخي، المهندس “جال لامبار”، فيما نحته الفنان “ميشلي”، وقامت مؤسستا الإخوة روسي بإنجاز قاعدته الإسمنتية، والإخوة “كطالا” بإنجاز الهيكل الحديدي المحيط به، أما العمال فهم مسلمون، وقد نقل من فرنسا في رحلة عسكرية، ودام نقله من سكيكدة باتجاه قسنطينة عدة أيام في موكب احتفالي كبير.
تمثال الإمبراطور قسطنطين
تتوفر في نفس المدينة كذلك، تمثال الإمبراطور قسطنطين الذي يقع قبالة محطة القطار بالمدينة، هو نسخة مطابقة لعمل فني ضخم قديم من الرخام يوجد حاليًّا بكنيسة سان جان دو لاطران بالعاصمة الإيطالية روما.
هذا التمثال من صنع النحات الفرنسي لوسيان براسور، وقد وصل إلى قسنطينة في فبراير/شباط 1913 قادمًا من فرنسا، حيث تم وضعه في بداية الأمر بساحة لابريش، التي يطلق عليها حاليًّا ساحة أول نوفمبر، قبل نقله إلى حي باب القنطرة عند مدخل الجسر ومن ثم نقل إلى محطة القطار غير بعيد عن أخاديد وادي الرمال، في الذكرى المئوية لاحتلال فرنسا للجزائر.
تمثال العتال
بالقرب من واجهة الميناء في ساحة “تافورة” في قلب العاصمة الجزائرية، يقف تمثال “الحمال” أو “العتال”، مخلدًا ضحايا المجزرة التي نفذها الاستعمار الفرنسي في مايو/أيار 1962، في حق عمال الميناء.
في العاصمة أيضًا، نجد “مقام الشهيد”، ويسمى كذلك “رياض الفتح”
ويحكي هذا التمثال الذي صنع من البرونز للجزائريين تفاصيل مقتل 200 عامل من الحمالين في الميناء في فترة الاستعمار الفرنسي، ويمثل النصب رجلاً بملامح تدل على الشقاء والبؤس، يحمل على ظهره كيسًا، وهو عمل للفنان الجزائري محمد بوكرش، دشنه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في العام 2009.
ويقول الجزائريون إن هذا التمثال يمثل جزائريين كانوا لعقود طويلة ضحايا استغلال فاحش من الاحتلال الفرنسي، ويقف الجزائريون مسؤولون وعمال كل عام في الأول من مايو بالمكان لتخليد ذكرى سقوط هؤلاء الضحايا الذين بلغ عددهم أكثر من 200 شخص والترحم عليهم.
تعود أطوار المجزرة إلى سنة 1962، أي قبل سنة واحدة من استقلال البلاد، فبمجرد دخول العمال في إضراب يومي 1 و2 من مايو 1962 للتعبير والتنديد بسوء المعاملة التي عاشوها في مكان عملهم، فضلاً عن الأجور المنخفضة التي كانوا يتلقونها نظير عملهم الشاق، واجههم المستعمر الفرنسي بالرصاص عوض الاستجابة لمطالبهم.
تمثال مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة “الأمير عبد القادر”
في شارع العربي بن مهيدي بقلب الجزائر العاصمة، يوجد تمثال مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة “الأمير عبد القادر”، ويعود تاريخ وضعه إلى الـ5 من شهر يوليو/تموز1982، تزامنًا مع الاحتفال بعيد الشباب والاستقلال، وقد نحته النحات البولوني ماريان كونييتشني.
ويصور التمثال الذي يقصده زوار العاصمة لالتقاط صور تذكارية، الأمير عبد القادر راكبًا جوادَه وحاملًا سيفَه باتجاه البحر، وقد ولد الأمير بالقطنة قرب مدينة المعسكر غرب العاصمة في سبتمبر/أيلول 1808 وهو الابن الثالث لوالده شيخ الطريقة الصوفية القادرية.
في 27 من نوفمبر/تشرين الثاني 1832، بايع الجزائريون عبد القادر بن محي الدين، تحت شجرة الدردار في منطقة معسكر، 400 كيلومتر غربًا، أميرًا عليهم وقائدًا لجيشهم ضد فرنسا التي كان قد مر عامان منذ دخولها الجزائر، حينها كانت ملامح الدولة الجزائرية الحديثة قيد التشكل، بعد أن كانت خاضعة للنفوذ العثماني.
مقام الشهيد
في العاصمة أيضًا، نجد “مقام الشهيد”، ويسمى كذلك “رياض الفتح” هو نصب تذكاري للحرب الجزائرية يطل على مدينة الجزائر العاصمة، وبني هذا المقام سنة 1982 بمناسبة إحياء الذكرى العشرين لاستقلال الجزائر، وفي ذكرى لضحايا الحرب التحريرية.
يجسد هذا التمثال ثلاثة أنواع من المقاومين الجزائريين خلال فترة الاستعمار الفرنسي الذي طال 130 سنة، فالأول يرمز إلى المقاومة الشعبية من خلال اللباس التقليدي الذي يرتديه، والثاني يرمز إلى المجاهد الذي يحمل بندقية إبان ثورة نوفمبر 1954، والثالث يرمز إلى الجندي الذي يحمل مشعل الحرية، ليظل الجزائري يبحث عن أشخاص كتبوا بالأمس صفحات من تاريخ البلاد.
تم صنع هذا النصب من طرف الشركة الكندية لافالين، استنادًا إلى نموذج منتج في مدرسة الفنون الجميلة في الجزائر العاصمة بقيادة بشير يلس، وهو يحلق على ارتفاع 92 مترًا، وفيه ثلاث أوراق نخيل تتحد في منتصف الارتفاع يبلغ طولها 47 مترًا وقطرها المصنوع على غرار الفن الإسلامي يبلغ 10 أمتار وارتفاعها 25 مترًا وعرض القبة 6 أمتار.