رسميا، عبد العزيز بوتفليقة مرشّحا لجبهة التحرير الوطني في الجزائر (الحزب الحاكم) لولاية رئاسية خامسة، وفق ما أعلن عنه الأمين العام للحزب جمال ولد عباس، قبل ستة أشهر على موعد الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في أبريل من عام 2019.
اعلان ولد عباس جاء ليضع حدّ للأخذ والردّ في هذا الشأن وتأكيد دعمهم للرئيس الحالي للبلاد الذي لم يزاول نشاطه بالصفة العادية منذ سنة 2013، لتتأكّد بذلك المسرحية التي عكف القائمون على الحكم في انتاجها طوال السنوات الأخيرة رغم ضعف أركانها.
لا خيار لجبهة التحرير سوى بوتفليقة
كلام ولد عباس، جاء خلال اجتماع مع الكتلة النيابية لحزبه بالبرلمان. وقال المسؤول الجزائري: “ليس لدى الحزب خيار آخر في الانتخابات الرئاسية المقبلة.. مرشحنا، وخيارنا الوحيد هو الرئيس عبد العزيز بوتفليقة“.
وتعد هذه المرة الأولى، التي يعلن فيها الحزب الذي يرأسه عبد العزيز بوتفليقة شرفيا، أن رئيس الجمهورية هو مرشحه للانتخابات الرئاسية القادمة، بعد أن كان يدعوه ويناشده سابقا دخول السباق من أجل الفوز بولاية خامسة.
وبرّر ولد عباس في وقت سابق، رغبته وتمسك حزبه الذي يملك الأغلبية في البرلمان الجزائري، باستمرار بوتفليقة في رئاسة البلاد لخمس سنوات أخرى، بالإنجازات التي حققها لصالح البلاد والخطط الناجحة التي قام بها.
يؤكّد هذا الإعلان عن فشل منظومة الحكم في الجزائر في إيجاد بديل لعبد العزيز بوتفليقة، رغم مرض الأخير والدعوات المتواصلة من المعارضة التي تطالب بقطع الطريق عليه، تفاديًا لدخول البلاد في منطقة اللاعودة.
شرعت قيادة الحزب الحاكم في الجزائر، بمساعدة المحافظين، بجرد منجزات الرئيس منذ شهر يناير/كانون الثاني الماضي، بدعوة من أمينه العام، وذلك ردًا على المعارضة التي دعت السلطة إلى الكشف عن وجهة 1000 مليار دولار، صرفت منذ تولي الرئيس بوتفليقة سدة الحكم عام 1999.
وسبق، أن أطلقت عدة أحزاب ومنظمات موالية دعوات للرئيس بوتفليقة من أجل الترشح لولاية خامسة في انتخابات الرئاسة المقبلة. وصدرت هذه الدعوات من حزبي الائتلاف الحاكم (جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي)، والاتحاد العام للعمال، وأحزاب صغيرة، إلى جانب قيادات في الزوايا (طرق صوفية)، وتنظيمات لطلاب الجامعات ومنتدى رؤساء المؤسسات، وهو أكبر تجمع لرجال الأعمال بالبلاد.
فشل في إيجاد البديل
اعلان ولد عباس، يؤكّد فشل منظومة الحكم في الجزائر في إيجاد بديل لعبد العزيز بوتفليقة، رغم مرض الأخير والدعوات المتواصلة من المعارضة التي تطالب بقطع الطريق عليه، تفاديًا لدخول البلاد في منطقة اللاعودة.
ووصل الرئيس بوتفليقة، إلى سدّة الحكم في أبريل/نيسان سنة 1999، ثم أعيد انتخابه سنة 2004 و2009، وفي رئاسيات 2014، وتعدّ الانتخابات الرئاسية المقبلة، أبرز حدث يستأثر باهتمام ونقاشات الجزائريين ووسائل الإعلام المحليّة هذه الفترة.
الأمين العام لجبهة التحرير الوطني جمال ولد عباس
تيجة مرضه المتواصل، خفض بوتفليقة، كثيرًا من نشاطه العام، وهو ما دفع المعارضة الجزائرية للتشكيك في قدرته على حكم البلد وتسبب في استمرار التكهنات بشأن صحته، حتى إن بعض معارضي بوتفليقة دعوا لإجراء انتخابات مبكرة لسوء حالته الصحية.
التشبّث ببوتفليقة يؤكّد وفق عديد الجزائريين، عدم نية النظام الحاكم فتح الساحة لتنافس البرامج والمشاريع السياسية، وفتح باب التنافس الرئاسي الجدّي في البلاد، ذلك أن المتحكمين بالحكم يرون في بوتفليقة الشخص الوحيد الذي يحظى بالاجتماع والمتاح أمام النظام في الوقت الحالي رغم تراجع أدائه ونشاطه إلى الحد الأدنى، للاستمرار سنوات أخرى في حكم الجزائر والتحكم في خيراتها.
مصالح النظام ومصالح الأمة خطان متوازيان لا يلتقيان أبدا
في مقابل ذلك، اعتبر الأستاذ الجامعي رضوان بوجمعة، أن دعوة جمال ولد عباس قديمة متجددة، مؤكّدا أن بقاء بوتفليقة من عدمه لا يهم قدر تغيير المنظومة الحاكمة ومستقبل البلاد الذي يعاني من عديد الأزمات الناجمة عن منظومة الحكم الحالية.
بوجمعة قال في تصريح لنون بوست، ” لم أكن معه منذ أن فُرض على الجزائريين، كيف أكون معه وهو خارج مجال التغطية، أنا أعتقد أن الحديث عن العهدة الخامسة كلام فارغ، فالأهم هو الحديث عن طريق الوصول لقصر الرئاسة بالمرادية، وعن تغيير الحكومة.
وأوضح الأستاذ بالجامعة الجزائرية، أن “تتغير المنظومة هو الأساس، فبقاء بوتفليقة أو ذهابه لن يغير في الأمر الكثير إن لم تتغير المنظومة ككل، فهذه المنظومة هي من تعين وتفرض الرؤساء، وهي من لا تعترف بحق الشعب الجزائري في تقرير مصيره.
وأكّد رضوان بوجمعة، أن هذه “المنظومة الحاكمة حولت الانتخابات إلى إجراء بيروقراطي لضمان استمرارية النظام، وإعادة إنتاج نفسه”. واعتبر أن “معارضة بوتفليقة دون التنديد بالمنظومة التي فرضته على الجزائريين سنة 1999هو تضليل وليس معارضة.
يروّج أتباع النظام وأنصاره، أن بوتفليقة أنقذ البلاد من براهن الحرب الأهلية
أشار بوجمعة في حديثه لنون إلى ضرورة “بناء توافقات سياسية عميقة لتغيير النظام من أجل إنقاذ البلاد لأن مصالح النظام ومصالح الأمة والدولة خطان متوازيان لا يلتقيان أبدا، فالنظام لا يسعى إلا لضمان إعادة انتاج نفسه بأي طريقة كانت.”
ويؤكّد جزائريون أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ومن حوله ليس لديهم أي نية لمغادرة الحكم في البلاد بل يسعون للخلود فيه، ولا يريدون ترك الجزائر تدخل مرحلة دولة القانون ولا السماح بالتغيير وفقًا لأسس الديمقراطية التي أضحت بمثابة ديمقراطية الحزب الواحد والرجل الأوحد.
ويعتقد مراقبون، أن مؤسسة الجيش تعتبر العمود الفقري للنظام، وقد دأب الجزائريون على القول إنه “إذا كان كل بلد يملك جيشا فإن الجيش الجزائري يملك بلدا”، إضافة إلى جهاز المخابرات العسكرية الذي كان يديره إلى وقت قريب الفريق محمد مدين الملقب بالجنرال توفيق والذي كان يوصف بصانع الرؤساء وبالقوة التي لا تقهر ذات اليد الطولى في كل صغيرة وكبيرة.
ماذا عن بوتفليقة؟
لا يعتبر اعلان جمال ولد عباس نافذا إلا إذا أعلن عنه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بنفسه، ويأمل بعض الجزائريين ألاّ يترشح بوتفليقة ويحفظ ماء وجهه، ويترك بعض الاحترام لدى محبيه، في هذا الشأن يقول الإعلامي الجزائري رياض معزوزي، “المنطق والعقل والعلم والدين يقول لا، على الراجل أن يرتاح الأن”.
ويضيف معزوزي في حديثه لنون بوست، “في العهدتين الاولى والثانية كنت من محبيه خاصة وأنه أخرج البلاد بسياسته من أزمة العشرية السوداء التي عصفت بالجزائر في تسعينيات القرن الماضي، لكنه وبعد التقدم في السن ومرضه وعدم مقدرته على تسيير شؤونه قبل شؤون البلاد فاعتقد بان الوقت قد تأخر لكي يترك مكانته بين قلوب محبيه.”
ويروّج أتباع النظام وأنصاره، أن بوتفليقة أنقذ البلاد من براهن الحرب الأهلية من خلال سنّ قانون الوئام المدني الذي يعتبر أول قرار سياسي اتخذته السلطة تجاه الجماعات المسلحة في البلاد، مباشرة بعد فوز الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في انتخابات أبريل/نيسان 1999.
خلفت العشرينية السوداء مئات الألاف من الضحايا في الجزائر
أكّد الإعلامي الجزائري أن بوتفليقة لن يترشح رغم تزكيته من قبل الحزب الحاكم، وقال في هذا الشأن، “قانون الانتخابات واضح في هذا الشأن، فالرئيس الحالي لم يعلن ترشحه لولاية جديدة، وما تابعناه هو مجرد تصريحات من أحزاب مختلفة بما فيها جبهة التحرير الوطني، وغريمه التجمع الوطني الديمقراطي، فالأول صرح بترشيح بوتفليقة لولاية جديدة، أما الثاني فيرى أن مواصلة الرئيس تسييره للبلاد هو خيار الحزب.”
وتابع، “لكن قانون الانتخابات في الدستور الجزائري يؤكد بأن المترشح يجب أن يعلن عن نيته للترشح، بالتالي فإلى حدّ الآن لا يمكن اعتبار بوتفليقة منافسا على كرسي الرئاسة ما لم يعلن ترشحه بنفسه، رغم تصريحات حزبية للموالاة، وانا استبعد تقدم الرئيس للترشح لعهدة خامسة.”
وأشار رياض معزوزي، إلى وجود “طبخة تطبخ بجد لخليفة بوتفليقة، ويكون من حاشية السلطة وأحزابها، وقد يعلن بوتفليقة مساندته ودعمه في آنه”. واستدرك بالقول، “هذا لا ينفي امكانية ترشح بوتفليقة بالقوة لغاية مجهولة كما حصل مؤخرا في البرلمان.”
استقرار البلاد على المحكّ
من جهته اعتبر الكاتب الصحفي، والعضو المؤسس لأول نقابة جزائرية لناشري المواقع الالكترونية سعيد بودور أن “ترشح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة قد يرهن استقرار البلاد في ظل تدهور المستوى المعيشي وإقرار زيادات في الرسوم والضرائب مقابل تزايد فضائح الفساد.”
وقال بودور لنون بوست، “خلال ولايته الرابعة التي تنتهي السنة المقبلة، لم يلتقي بوتفليقة بالشعب إلا في أربع خرجات فقط، وفي كلّ مرة يتنقّل إلى جنيف للعلاج كما مثّل وضعه الصحي محلّ استهزاء فرنسي سياسيا واعلاميا، كلها تؤكّد عدم قدرته على حكم البلاد.”
استأثر معضلة ترشح بوتفليقة من عدمه لولاية رئاسية جديدة، منذ سنوات بالمشهد السياسي الجزائري
لا يشاهد الجزائريين الرئيس بوتفليقة عادة، إلا في مقاطع فيديو قصيرة يبثها التليفزيون الرسمي خلال استقباله مسؤولين أجانب يزورون البلاد في مقره الرئاسي، ورغم هذا يأبى بوتفليقة والمحيطين به أن يترك الحكم ويسمح بتغيير سلمي في البلاد.
وأوضح الصحفي الجزائري، أن ترشح بوتفليقة لا يلقى الترحاب الشعبي الواسع في ظل تراجع شعبيته حيث حصل على 5 ملايين صوتا في انتخابات 2014 من أصل 22 مليون منتخب و42 مليون جزائري، كما أن النظام عاجز عن إقناع الرأي الوطني.”
ومؤخرا، اعتمدت الحكومة الجزائرية اجراءات ضمن موازنة الدولة للسنة المقبلة بهدف شراء السلم الاجتماعي البلاد، الذي يشهد منذ صيف عام 2014 أزمة اقتصادية حادة؛ جراء انهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية، من ذلك التخلّي عن فكرة رفع الدعم في الفترة القادمة، رغم تأكّدها من ضخامته،
يخشى الجزائريون على استقرار البلاد في حال تواصل حكم بوتفلقية
يراهن النظام الجزائري الذي يخشى خوض أي مغامرة قبل الانتخابات الرئاسية من شأنها أن تعكّر الأجواء وتربك حساباتها السياسية، على الزيادة في المخصصات المالية لسياسة الدعم، وتفادي إطلاق ضرائب جديدة قد تكون مصدر استفزاز، لشراء الذمم وإسكات الشارع.
وتتوالى الفضائح التي تهز الجزائر ولا تتشابه، لكن كل خيوطها تلتقي في نقطة واحدة ألا وهي الفراغ في أعلى هرم السلطة، فهذا الفراغ الذي أحدثه مرض بوتفليقة وتشبث منظومة الحكم به، ترك البلاد مستباحة أمام الفاسدين والفساد وفق قول عديد الجزائريين.
استأثر معضلة ترشح بوتفليقة من عدمه لولاية رئاسية جديدة، منذ سنوات بالمشهد السياسي الجزائري، غير أن هذا الجدل نفسه يدور في حلقة مفرغة ولم يسفر عن أي شيء جديد يذكر، بل بالعكس، كلما ازدادت حدة الجدل حوله إلا وزاد الوضع السياسي غموضا، لدرجة أن بعض الأصوات المعارضة طالبت بتدخل المؤسسة العسكرية لرعاية عملية انتقال ديموقراطي في البلاد.