نعلم جميعنا أنه ليس أفضل من أنْ يستيقظ الشخص صباحًا بعد أخذه قسطًا كافيًا من النوم والراحة ليبدأ يومه وينتهي ممّا عليه، فالنوم يجعلنا نشعر بأننا أكثر إنتاجية، كما أنه ضروريٌّ لتشكيل مساراتٍ جديدة في أدمغتنا حتى نتمكن من معالجة المعلومات التي نتلقّاها خلال يومنا من عواطف وذكريات وغيرها. وبالتالي، فإن الحرمان من النوم يؤدي إلى العديد من الاضطرابات العقلية والمشاكل النفسية مثل القلق والتوتر وعدم الاستقرار النفسي، فعدم القدرة على معالجة مشاعرنا، وخاصة السلبية منها، يعني دوام نشاطها واستمرار تأثيرها.
ومع محاولاتنا المستمرّة لتنظيم ساعات نومنا، إلا أنّنا نتعرّض في كثير من الأحيان لمؤثرات خارجة عن نطاق إرادتنا تعمل على تشويش نظامنا، الأمر الذي يحدث مرّتين من كلّ عامٍ، حين نكون على موعدٍ مع بداية الصيف والشتاء، فيتغيّر نظام الساعة ويتحوّل التوقيت إلى نظامٍ جديد تعود معه الساعة إلى الوراء أو الأمام.
كيف يغيّر التوقيت من إيقاعنا اليوميّ؟
من السهل التساؤل عما إذا كانت الصدمة المفاجئة في التغيير الحاصل بالوقت تضرّ بصحتك أو تؤثّر على عمليّاتك الحيوية. فبعد كل شيء، لا ينصح الأطّباء بالنوم جيّدًا أثناء الليل بدون سبب. لكن بدايةً علينا أنْ نفهم فعليًا كيف يمكن لتغيير التوقيت أنْ يغيّر من إيقاعنا اليومي الذي يحدث مع حدوث تغيّرٍ في نظام هرمون الميلاتونين في الجسم، وهو الهرمون الطبيعي الذي تُنتجه الغدة الصنوبرية ويلعب دورًا مهمًّا في تنظيم دورة النوم لدى الإنسان، لذلك يسمّيه البعض “هرمون النوم”.
بعد 30 دقيقة من الاستيقاظ صباحًا، يحدث ما يُسمّى “استجابة اليقظة للكورتيزول”، وهي حدوث ارتفاع حادّ في مستوياته في الجسم بنسبة 50% تقريبًا. ما يعني أنّ الاستيقاظ مع ضوء الشمس يزيد من هذه الاستجابة
ففي الصباح، يدخل الضوء إلى أعيننا ممّا يقلل من كمية هرمون الميلاتونين الذي يتم إنتاجه بالجسم ليساعد الجسم على الاستيقاظ. وعندما يفرز الميلاتونين في الليل أو مع غروب الشمس، نبدأ بالشعور بالتعب، الأمر الذي يساعد الدماغ على معرفة أن وقت النوم قد حان. يتم الكشف عن شدة الضوء بواسطة خلايا خاصة في شبكية العين والتي تقوم بدورها بنقل هذه المعلومات إلى ساعة الجسم الداخلية التي تقع في منطقة من الدماغ تُدعى “النواة suprachiasmatic“، وهي مسؤولة عن تنظيم عمليات الجسم الداخلية باستخدام نظام الغدد الصمّاء التي تفرز الهرمونات مثل الميلاتونين والكورتيزول “هرمون الإجهاد”، الذي يُفرز تبعًا للوقت من اليوم؛ مستويات منخفضة في الظلام ومستويات أعلى في الضوء. وهذا النمط الأساسي المتّبع لمدة 24 ساعة يُبقي الجسم بصحة جيّدة.
تغيير التوقيت يؤثر على المضطربين نفسيًا لا الأصحّاء
تعود الساعات في الشتاء، غالبًا مع بداية تشرين الأول\أوكتوبر، إلى الوراء، ممّا يسرّع من بداية الأمسيات المظلمة ويؤدي إلى تقصير ساعات النهار. وبعد 30 دقيقة من الاستيقاظ صباحًا، يحدث ما يُسمّى “استجابة اليقظة للكورتيزول“، وهي حدوث ارتفاع حادّ في مستوياته في الجسم بنسبة 50% تقريبًا. ما يعني أنّ الاستيقاظ مع ضوء الشمس يزيد من هذه الاستجابة. وبالتالي، فتشير الدراسات إلى أنّ الصباحات الأكثر ضوءًا تزيد من الاستجابة التي تعمل بدورها على تعزيز وظائف الدماغ بشكل أفضل حتى نتمكن من التعامل مع يومنا. وهذا يحدث بشكلٍ طبيعيّ بين الأفراد الأصحاء الذين لا يُعانون من أيّ اضطرابات نفسية أو مشاكل في النوم.
يؤكد خبراء النوم أنّ التغيير المفاجئ في التوقيت لا يشكّل خطرًا أو عبئًا على الأشخاص الذي ينامون بشكلٍ صحّي، أما الآثار الحاصلة فعادةً ما تكون بين أولئك الذي يعانون الاضطرابات النفسية ومشاكل النوم
أمّا الأشخاص الذين يُعانون من الحرمان من النوم أو من الاضطراب العاطفي الموسميّ أو اضطرابات مثل القلق والإجهاد والتوتّر، فتكون استجابة الكورتيزول لديهم منخفضة في أشهر الشتاء القاتمة، أو حتى في الفترة الأولى التي تلي تغيير التوقيت مع بداية الصيف. لهذا، فعادةً ما يكون العلاج بالضوء الاصطناعيّ الذي يعمل على محاكاة ضوء الشمس، ناجعًا جدًا في علاج حالات اكتئاب الشتاء أو ما يُعرف بالاضطراب الموسمي.
ويؤكد خبراء النوم أنّ التغيير المفاجئ في التوقيت لا يشكّل خطرًا أو عبئًا على الأشخاص الذي ينامون بشكلٍ صحّي، أما الآثار الحاصلة فعادةً ما تكون بين أولئك الذي يعانون الاضطرابات النفسية ومشاكل النوم. إذ يعود السبب إلى أنّ ذروة الميلاتونين عند معظم الناس تكون حواليْ الساعة 4 صباحًا ثمّ يبدأ بعدها بالانخفاض. لذلك، إذا أُعيدت الساعات إلى الوراء، سيؤدي ذلك إلى تحفيزك على الشعور بالنعاس في وقت أبكر من المساء ما يسمح لك بالنوم ساعة إضافية في السرير، الأمر الذي لا يحدث عند من يعاني من مشاكل النوم أو الاضطرابات النفسية. ولهذا السبب ربّما تزيد حوادث المرور في الأيام الأولى من تغيير التوقيت.
وقد وجدت إحدى الدراسات ارتفاعًا بنسبة 8% بالمئة في معدل الإصابة بالاكتئاب بين المرضى خلال شهر من تغيير التوقيت. فيما أشارت دراسة أخرى أجرتها جامعة ألاباما عام 2012 إلى أنّ هناك ارتفاعًا في حدوث النوبات القلبية في أعقاب تغيير التوقيت بسبب تغير في الإيقاع اليومي للجسم والحرمان من النوم وحدوث صدمة صغيرة لجهاز المناعة. إلّا أنّ تقريرًا نُشر في صحيفة “التلغراف” يؤكّد أنّه لا يوجد أي سبب يدعو للقلق طالما كنتَ تتمتّع بصحةٍ جيدة دون مشاكل بالنوم أو اضطراباتٍ نفسية.
ومع هذه النتائج السلبية لتغيير التوقيت، تسعى العديد من الدول الأوروبية والعربية إلى إلغاء العمل به، لا سيّما وأنّ فكرة التغيير جاءت في سنوات الثورة الصناعية بهدف توفير الطاقة ودفع الناس إلى إمضاء مزيدٍ من الوقت في العمل. أمّا اليوم، فتأتي المطالبات تبعًا لحقيقة أنّ العمّال يمضون الكثير من الوقت داخل مكاتبهم بعيدًا عن ضوء النهار، ما يعني أنْ لا فرق يُذكر بين تغيير الساعة أو عدمه، بل العكس تمامًا قد يحدّ عدمه من الكثير من المشاكل النفسية والآثار المبنية عليها عند الأفراد.