ترجمة وتحرير: نون بوست
قبل انعقاد القمة الرباعية في إسطنبول، كان الدبلوماسيون يشعرون بتفاؤل يشوبه الحذر. وقد أفادت الأطراف المشاركة في التحضيرات لهذه القمة بأن مدى استعداد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، للإعلان عن بيان مشترك مع كل من تركيا وفرنسا وألمانيا، سيتضح خلال المفاوضات التي ستجمع بين رؤساء الدول والحكومات. عموما، يبدو أن مبادرة الرئيس التركي قد كُللت بالنجاح.
بعد ساعات من التفاوض، توصلت الأطراف المجتمعة إلى إصدار بيان، تلاه أردوغان، يقضي بالحفاظ على الهدنة الهشة في محافظة إدلب، التي تُعتبر آخر معقل للمعارضة. وفي الوقت نفسه، ترغب الدول الأربعة في إحداث هيئة صياغة دستور في سوريا تحت إشراف منظمة الأمم المتحدة، الأمر الذي ترفضه حكومة الأسد إلى حد الآن. من هذا المنطلق، يبدو أن ثمار القمة الرباعية لن تظهر إلا بعد وقت طويل.
من جهته، قال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون: “لقد تعهدنا بالالتزام باتفاق وقف إطلاق النار المبرم بين تركيا وروسيا. وسنعمل على أن تكون الهدنة دائمة. كما نعول على روسيا لممارسة الضغط على النظام السوري، الذي صمد إلى حد الآن بفضل الدعم الروسي”. في سياق متصل، أدلت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، بتصريح مماثل مفاده: “اتفقنا على أن تكون الهدنة في إدلب دائمة. ويُعتبر إنشاء منطقة منزوعة السلاح في إدلب خطوة هامة. وقد التزمنا بالعمل على الحيلولة دون وقوع المزيد من الكوارث الإنسانية هناك”.
بوتين: “يجب القضاء على جميع الأطراف المتطرفة في سوريا”
أفاد بوتين أن “تركيا التزمت بكل تعهداتها إلى حد الآن، ولكن روسيا تحتفظ بحقها في دعم النظام السوري في حال بادر المتمردون باستفزازه”. وكما في السابق، يبدو أن الميليشيات المتطرفة، على غرار هيئة تحرير الشام المتحالفة مع تنظيم القاعدة، لم تنسحب من المنطقة العازلة التي تمتد على مسافة تتراوح بين 15 و20 كلم داخل محافظة إدلب. كما أكد بوتين على ضرورة انسحاب الميليشيات المتطرفة من إدلب على الفور، مشددا على ضرورة القضاء على جميع الميليشيات المتطرفة في سوريا.
تحث فرنسا وألمانيا وتركيا على تنفيذ قرار مجلس الأمن عدد 2254 بشأن سوريا. ووفقا لما ورد في بيان قمة إسطنبول، يهدف الإصلاح الدستوري إلى التمهيد لإجراء انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف منظمة الأمم المتحدة وبمشاركة جميع السوريين في سن الانتخاب
يوم الجمعة، لقي سبعة مدنيين مصرعهم جراء قصف مدفعي من قبل قوات النظام السوري، وذلك وفقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان. وبتاريخ 17 أيلول/سبتمبر الماضي، اتفق أردوغان وبوتين في سوتشي على إنشاء منطقة منزوعة السلاح. وقد أنقذ هذا الاتفاق محافظة إدلب من هجوم عسكري كان سيودي بحياة 3 ملايين مدني.
في الوقت الذي تقود فيه منظمة الأمم المتحدة في جنيف عملية السلام، أجرت روسيا مفاوضات مع طرفين آخرين في العاصمة الكازاخية أستانا. وتُعتبر إدلب آخر مناطق خفض التوتر التي تم الاتفاق عليها من قبل ثلاثة أطراف. أما بقية المناطق فقد تمكن النظام السوري من استعادتها بمساعدة القوات الجوية الروسية والميليشيات الشيعية التي تعمل تحت إمرة الحرس الثوري الإيراني. ولا يخفي الأسد سرا حين يؤكد أنه يعتبر أن الاتفاق بشأن إدلب مؤقت، خاصة وأنه مصر على استعادة سيطرته على كامل التراب السوري.
لم يتطرق بيان القمة الرباعية إلى الجهة التي ستكون سيدة القرار فيما يتعلق بإحداث اللجنة المكلفة بصياغة دستور جديد في سوريا. ويوم الجمعة، أبلغ المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا المنتهية ولايته، ستيفان دي مستورا، مجلس الأمن الدولي بأن الحكومة السورية ترفض فكرة تعيين ثلث أعضاء لجنة صياغة الدستور من قبل منظمة الأمم المتحدة. تجدر الإشارة إلى أن هذه الفكرة حظيت بموافقة موسكو على هامش مؤتمر الشعب السوري، المنعقد في كانون الثاني/يناير الماضي في سوتشي. من جانبه، دعا وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، إلى أن تتكفل كل من روسيا وإيران وتركيا بتعيين ثلث أعضاء لجنة صياغة الدستور من الخبراء المحايدين المنتمين إلى المجتمع المدني، علما وأن موسكو تؤيد ذلك.
لم تتطرق قمة إسطنبول إلى مستقبل الأسد
تحث فرنسا وألمانيا وتركيا على تنفيذ قرار مجلس الأمن عدد 2254 بشأن سوريا. ووفقا لما ورد في بيان قمة إسطنبول، يهدف الإصلاح الدستوري إلى التمهيد لإجراء انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف منظمة الأمم المتحدة وبمشاركة جميع السوريين في سن الانتخاب، بما في ذلك القاطنين في المهجر. في المقابل، لم تتحدث هذه القمة عن مستقبل الأسد.
على الرغم من عمل كل من روسيا وتركيا وإيران بشكل مشترك مع العديد من الدول الغربية والعربية على غرار الولايات الأمريكية والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا، بالإضافة إلى مصر والأردن والمملكة العربية السعودية، إلا أنه من المنتظر أن تحدث العديد من الخلافات بين هذه الأطراف. من جهتها، تصر الولايات المتحدة الأمريكية على أن تسحب إيران كل قواتها من سوريا. أما الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية فتعهدت بالاستجابة لدعوة روسيا للمساهمة في إعادة إعمار سوريا في حال أجرى النظام السوري إصلاحات سياسية عميقة.
مختلف الأطراف المشاركة في قمة إسطنبول اتفقت على ضرورة إيجاد حل سياسي للحرب السورية، إلا أنها لم تتفق حول الأساليب والاستراتيجيات الكفيلة بتحقيق ذلك
يوم السبت، صرحت وزيرة الدفاع الألمانية، أورسولا فون دير لاين، على هامش قمة الأمن الإقليمي في المنامة، أنه “في حال أجرى النظام السوري جملة من الإصلاحات السياسية، فسيتم بعث العديد من المشاريع الاستثمارية على الأراضي السورية”. في سياق متصل، تابعت فون دير لاين أنه “لا أتوقع أن يتم إحداث مشاريع استثمارية يستفيد منها نظام الأسد”.
رغم تأكيد المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، على أن مختلف الأطراف المشاركة في قمة إسطنبول اتفقت على ضرورة إيجاد حل سياسي للحرب السورية، إلا أنها لم تتفق حول الأساليب والاستراتيجيات الكفيلة بتحقيق ذلك. في الأثناء، تحاول موسكو كسب ود الدول الأوروبية للمساهمة في إعادة إعمار سوريا دون شروط مسبقة مقابل الموافقة على عودة اللاجئين.
خلافا لذلك، تشكك كل من باريس وبرلين في النوايا الروسية. كما أشار الدبلوماسيون إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية لعبت بعد غياب طويل دورا كبيرا في بلورة حل دبلوماسي بشأن سوريا. في المقابل، لن تسمح الدول الأوروبية لروسيا بالتدخل في مواقفها بشأن الحل الدبلوماسي في سوريا.
المصدر: زود دويتشه تسايتونغ