في محاولة جديدة من قبل المجتمع الدولي، لوقف الهيمنة الأمريكية على الملفات السياسية الشائكة والحساسة في المنطقة، والتصدي لانحيازها الكامل لـ”إسرائيل” على حساب الحقوق الفلسطينية والعربية، بدأت فرنسا بالتحرك لطرح “خطة سلام” شاملة ستكون بديلة عن الخطة الأمريكية المعروفة باسم “صفقة القرن”.
11 من نوفمبر المقبل هو الموعد الذي حُدد من قبل الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لإعلان عن مبادرته لحل الصراع العربي/ الفلسطيني الإسرائيلي، على أساس حل الدولتين على الرابع من حزيران عام 1967، في حال لم تقدم الإدارة الأمريكية أي حلول واضحة للصراع القائم في المنقطة.
الرئيس الفرنسي، بحسب ما نشرته صحف فرنسية، أصدر تعليماته لوزارة الخارجية في باريس، في آب/ أغسطس الماضي، بإعداد أفكار لمبادرة سياسية جديدة بشأن القضية الفلسطينية، وشدد على مستشاريه أنه “لا ينبغي السماح لهذه القضية بالخروج من جدول الأعمال الدبلوماسية الخارجية الفرنسية”.
وتحدثت وسائل الإعلام فرنسية أن ماكرون، سيعقد بتاريخ 11 نوفمبر/تشرين الثاني القادم، قمة السلام بمناسبة مرور مائة عام على انتهاء الحرب العالمية الثانية، والتي تم دعوة 80 رئيس دولة للمشاركة فيها، ومن المتوقع أن يتم الإعلان خلال هذه القمة عن “مبادرة السلام الفرنسية”، إذا ما قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تأجيل “صفقة القرن” إلى ما بعد انتخابات التجديد النصفي للكونجرس.
صفعة لـ”إسرائيل”؟
التحرك الفرنسي الجديد في المنطقة أثار الكثير من القلق داخل “إسرائيل”، التي كانت تعتبر “صفقة القرن”، بأنها “جائزة أمريكا لإسرائيل التي لا يمكن تعويضها”، وأكد مسئولون في وزارة الخارجية الإسرائيلية، أنهم ليسوا على اطلاع عن خطة السلام التي “تختمر” شيئًا فشيئا في قصر الإليزيه، وذلك في ظل المخاوف من أن خطة الرئيس الأميركي قد تشمل الإعلان عن القدس المحتلة كعاصمة للدولتين، “إسرائيل” وفلسطين، وذلك بإعادة دفع رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، إلى العودة إلى طاولة المفاوضات.
المبادرة الفرنسية ستركز كذلك على ملفي الإستيطان والحدود، اللذان يعتبران من أهل الملفات التي أوصلت المفاوضات قبل 4 سنوات لطريق مسدود
يأتي ذلك في ظل التقارير الإعلامية التي كشفت مؤخرًا، أن ترامب أبلغ ماكرون، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 24 أيلول/ سبتمبر الماضي، أن بإمكانه أن يكون متشددا مع نتنياهو، بشأن خطة السلام الأميركية، وأنه على استعداد لممارسة الضغوطات على نتنياهو كي يوافق على خطة السلام الأميركية التي ستعرض في الشهور القريبة.
وجاء أن الرئيس الفرنسي ماكرون هو الذي طرح الموضوع الإسرائيلي الفلسطيني، حيث قال إنه يعتقد أن نتنياهو لا يريد حقا التقدم في “عملية السلام” لأنه يحب الوضع الراهن. وعندها رد ترامب بالقول إنه يميل إلى الموافقة على هذا التحليل، مضيفا أنه “على وشك الوصول إلى النتيجة ذاتها”.
ولمح رئيس الدائرة السياسية في وزارة الخارجية الإسرائيلية ألون أوشبيز، إلى أن التوقعات الإسرائيلية تشير إلى احتمالية فوز الديمقراطيين في انتخابات الكونغرس، وبناء عليه، فإن الواقع في واشنطن سيتغير بشكل كبير فيما يخص العلاقات الإسرائيلية الأميركية، وقال: “الأمور لن تكون كما كانت من قبل، هذا سيكون له تداعيات بالنسبة إلى إسرائيل، وما حدث منذ دخول ترامب إلى البيت الأبيض لن يستمر، ويجب علينا الاستعداد لتلك المرحلة”.
“نون بوست”، كشفت نقلاً عن مسؤول فلسطيني رفيع المستوى رفض الكشف عن اسمه، في الضفة الغربية المحتلة، أن “خطة السلام الفرنسية” تركز بشكل أساسي على مشروع “حل الدولتين”، ولا تعترف بالقدس كاملة عاصمة لـ”إسرائيل”، وهذا دليل واضح على رفض فرنسا لقرار الرئيس الأميركي ترامب باعتراف بلاده بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال.
وأوضح المسؤول الفلسطيني، أن مبادرة فرنسا ستنطلق عند النقطة التي انتهت عندها المفاوضات في شهر أبريل 2014، مشيرًا إلى أن “فرنسا تريد من خلال مبادرتها سلام عادل في المنطقة وليس على حساب طرف معين”، بحسب تعبيره.
وأضاف المسؤول أن “المبادرة الفرنسية ستركز كذلك على ملفي الإستيطان والحدود، اللذان يعتبران من أهل الملفات التي أوصلت المفاوضات قبل 4 سنوات لطريق مسدود”، موضحًا أن هذه المبادرة التي وصفها بـ”الإيجابية” ستكون بمثابة صفعة قوية على وجه دولة الاحتلال التي كانت تتغنى بـ”صفقة القرن”.
مجدلاني: “العودة للمفاوضات مع “إسرائيل” أمر يمكن حدوثه في الفترة المقبلة، لكن هذا يأتي ضمن شروط معينة حددتها القوانين الدولية وكذلك أسس عملية السلام الواضحة”
المسؤول الفلسطيني، أشار إلى أن المجتمع الدولي يدعم المبادرة الفرنسية الجديدة للسلام، ويحاول من خلال تلك المبادرة رفع “الكرت الأحمر” في وجه الإدارة الأمريكية التي أثبتت فشلها في رعاية المفاوضات طوال الـ22 عامًا الماضية، بحسب وصفه.
الجدير ذكره أن المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية توقفت نهاية أبريل 2014، دون تحقيق أي نتائج تذكر، بعد 9 أشهر من المباحثات برعاية أمريكية وأوروبية، بسبب رفض “إسرائيل” وقف الاستيطان وقبول حدود 1967 أساساً للمفاوضات والإفراج عن أسرى فلسطينيين قدماء في سجونها
وتمر القضية الفلسطينية في أخطر حالاتها في هذه الأوقات، إذ زاد الاستيطان الإسرائيلي والتهويد في الضفة الغربية والقدس، بالتزامن مع صدور قرارات مناوئة للقضية من قبل إدارة الرئيس دونالد ترامب، كان آخرها نقل السفارة الأمريكية للقدس، والاعتراف بها عاصمة لـ”إسرائيل”.
ركض خلف السراب
وفي هذا السياق، يؤكد عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، أحمد مجدلاني، أن العودة للمفاوضات مع “إسرائيل” أمر يمكن حدوثه في الفترة المقبلة، مستدركاً بالقول: “لكن هذا يأتي ضمن شروط معينة حددتها القوانين الدولية وكذلك أسس عملية السلام الواضحة”.
ويشير مجدلاني إلى أن “إسرائيل” بدأت فعلياً مرحلة تلميع الإدارة الأمريكية من خلال ملف المفاوضات، وإعادة الحديث عن رعايتها وطرح أفكار ممكن أن تقبلها القيادة الفلسطينية للعودة مجدداً للطاولة.
وأضاف مجدلاني أن “المفاوضات لها قوانين وشروط واضحة في حال وافقت والتزمت بها إسرائيل، وكذلك تراجعت الإدارة الأمريكية عن خطواتها السابقة، فقد يخلق ذلك مناخاً لإعادة العملية التفاوضية”.
وكان عباس قرر رفض وساطة الإدارة الأمريكية لعملية السلام، وطالب برعاية دولية متعددة الأطراف لأية عملية سلام قادمة، على خلفية قرارات ترامب الأخيرة باعترافه بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل”، ونقل سفارة بلاده إليها، إضافة إلى قطع التمويل عن السلطة الفلسطينية، ووكالة الغوث الدولية.
أعلن وزير الخارجية الفرنسي، جاف إيف لودريان، نهاية آب/ أغسطس الماضي، أن بلاده ستدفع بمبادرات لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بمعزل عن الخطة الأميركية لتسوية القضية الفلسطينية، المعروفة باسم “صفقة القرن”.
ووضع كذلك “أبو مازن” شروطاً للموافقة على العودة للمفاوضات من جديد مع “إسرائيل”، تمثلت في وقف الاستيطان ثلاثة أشهر والإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين القدامى التي كان قد اتفق عليها مع وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري ونتنياهو، وأوقفها الأخير وتسبب بانهيار المفاوضات.
موقف السلطة الفلسطينية المترنح، والذي يميل كثيراً نحو الموافقة على الجلوس مع “إسرائيل” لإحياء مشروع التسوية، بعد أكثر من 20 عاماً من الفشل، باعتراف مسئولي المفاوضات في السلطة، يعتبره عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية، طلال أبو ظريفة، “ركضاً وراء وهم وسراب”.
أبو ظريفة حذر الرئيس عباس من العودة لمربع المفاوضات، مؤكداً أن “إسرائيل” وإدارة ترامب يحاولان جر السلطة لفخ التسوية، الذي لم تجن منه القضية الفلسطينية إلا المزيد من الدمار والهلاك وضياع الحقوق.
وقال القيادي إن “أي موافقة من السلطة على الدخول في مفاوضات جديدة مع دولة الاحتلال، تحت أي إغراءات أو ضغوط أمريكية أو عربية، ستكون طوق نجاة يقدم لإسرائيل، سيساعدها في التغطية على جرائمها وإظهارها كأنها طرف في معادلة السلام الدولية، وهذا الأمر يضر بقضيتنا”، مؤكداً أن السلطة لن تحصل على شي من اللهث وراء هذا السراب سوى الفشل.
وأعلن وزير الخارجية الفرنسي، جاف إيف لودريان، نهاية آب/ أغسطس الماضي، أن بلاده ستدفع بمبادرات لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بمعزل عن الخطة الأميركية لتسوية القضية الفلسطينية، المعروفة باسم “صفقة القرن”.
يُذكر أن لورديان التقى الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، في رام الله، ورئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في القدس، خلال زيارته للبلاد في آذار/مارس الماضي، كما سيزور رئيس الحكومة الفرنسية إدوارد فيليب، كل من “إسرائيل” والسلطة الفلسطينية، في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) القادم، لمناقشة مبادرة بلاده للسلام وضع النقاط العريضة تمهيدًا لإعلانها رسميًا في ذات الشهر.