“لن نسلِّم أسلحة إلى السعودية”، تأخذ ألمانيا هذا الموقف الأوروبي الأقوى ضد السعودية ردًا على اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، فتجمد برلين صفقات بيع أسلحة للرياض بنحو نصف مليار دولار، وترهن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل صفقاتها مع ثاني أكبر مشترٍ للسلاح الألماني بكشف الملابسات الحقيقية لاغتيال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.
لكن هل الأوروبيون جميعًا متبنون للموقف الألماني بترجمة الغضب من اغتيال خاشقجي إلى عقوبات كوقف توريد السلاح إلى السعودية؟ وكيف يحدث ذلك إذا كانت صناعة السلاح من أساسات اقتصاد دول الغرب؟ وكيف أيضًا إذا كانت أموال المملكة تُنعش خزائن تلك الاقتصادات سواء كانت الأسلحة المستوردة لها قيمة عسكرية للمملكة وتستخدم فعليًا أم لا؟
رهانات الموقف الأوروبي
لا يُخفي مسؤولون أوروبيون أن القرائن لديهم تشير إلى يد لولي العهد السعودي محمد بن سلمان في اغتيال خاشقجي لكن القادة الأوروبيين ينتظرون الدليل الدامغ والقاطع على ضلوع محمد بن سلمان والقيادة العليا في المملكة في اغتيال خاشقجي لاتخاذ إجراءات عقابية ضد الرياض.
قبل أيام اتخذ البرلمان الأوروبي قرارًا يفرض حظرًا أوروبيًا على بيع الأسلحة للسعودية خصوصًا أنظمة المراقبة وغيرها من الأجهزة التي يمكن استخدامها لأغراض القمع، لكنه قرار “غير ملزم” كغيره من القرارات السابقة التي جعلت السعودية تتربع على لائحة أكبر مستوردي الأسلحة عالميًا.
تأرجح الموقف الأوروبي بين المطالبة بمحاسبة المسؤولين أو الدعوة لحظر بيع السلاح للسعودية
وبالنظر إلى الموقف الأوروبي بعد ظهور أدلة تؤكد “تورط” قيادات سعودية في مقتل خاشقجي فإنه اقتصر من على المطالبة بمحاسبة المسؤولين أيًا كانوا أو الدعوة لحظر بيع السلاح للسعودية، وهو ما ينعكس لدى كثير من قادة الاتحاد الأوربي، فلا يكاد يعقد أحدهم مؤتمرًا حتى يبادر صحفي أو أكثر للسؤال عن الأمر.
صحيح أن الدول الأوروبية اجتمعت على التنديد باغتيال خاشقجي وتمسكت بتحقيق مستقل ونزيه وشفاف لمحاسبة الضالعين والآمرين بقتل الصحفي السعودي، لكن ما أن تصل المواقف إلى صفقات السلاح التي تقدر بمليارات الدولارات فإن دولاً كثيرة تتريث في اتخاذ قرار بقطع إمدادات السلاح عن السعودية.
يمكننا أن نقرأ ذلك في قول وزير الدفاع الأسترالي كريستوفر باين بأن بلاده تدرس حظر بيع الأسلحة إلى السعودية بعد مقتل خاشقجي داخل القنصلية السعودية، مضيفًا أن على أي دولة تريد شراء الأسلحة من بلاده أن تحترم حقوق الإنسان، ما يعني أن أستراليا سوف تستمر في تصدير السلاح للرياض حتى يتبين لها وضع حقوق الإنسان في المملكة.
ما أن تصل المواقف إلى صفقات السلاح التي تقدر بمليارات الدولارات فإن دولاً كثيرة تتريث في اتخاذ قرار بقطع إمدادات السلاح عن السعودية.
وفي بلجيكا اقتصر الأمر على دعوات المطالبة بإيقاف تجارة الأسلحة مع السعودية، وجاء على لسان نائب رئيس الوزراء ألكسندر دور تأكيده على ضرورة التصرف في مثل هذه الحالات بـ”طريقة إنسانية”، مشيرًا إلى أن هذه الخطوة ستساهم في تخفيف عدد الضحايا في اليمن، ما يعني أن الكثير من المواقف الأوروبية اقتصرت على المطالبة وليس اتخاذ قرار فعلي بحظر بيع الأسلحة للسعودية.
تجدر الإشارة إلى أن الإحصائيات الصادرة عن معهد “ستوكهولم” الدولي لأبحاث السلام قد أفادت بأن المملكة العربية السعودية تعدّ الأكثر استيرادا للأسلحة من بين دول العالم، ومع صعود محمد بن سلمان إلى سدة الحكم رفعت السعودية قيمة إنفاقها العسكري ليتجاوز مليار دولار سنويًا.
“أنا الذي أحدد أجندتي المتعلقة بصادرات الأسلحة”
كانت ألمانيا في مقدمة الدول الأوروبية التي أعلنت إيقاف تجارة الأسلحة مع السعودية، لكنه إيقاف “مؤقت” ومرهون بإجراء تحقيق جاد في اغتيال خاشقجي ومحاسبة الضالعين مهما علوا في سلم القيادة داخل السعودية، وفي نظر وزير الاقتصاد الألماني بيتر ألتماير المقّرب من ميركل، فإن هذا القرار “ليس له أي أثر إيجابي” في حال قررت دول أخرى “تعويض النقص”.
بحسب محللين، فإن الفرنسيين لن يتخلوا عن صفقات مربحة جنوا منها أكثر من 11 مليار يورو، فيما تبدو برلين مترددة في تحديد الأهم لها: القيم الأوروبية أم أرباح الصفقات
يشذ عن السياق الأوروبي موقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي رفض دعوات عدد من الدول الأوروبية – من بينها ألمانيا – لوقف تصدير السلاح إلى السعودية واصفًا هذه الدعوات بـ “ديماجوجية”، فهو يفضِّل الفصل بين الحرب التي تخوضها السعودية في اليمن ومقتل خاشقجي، فالدعوة لوقف بيع السلاح للسعودية – في رأيه – مجرد أساليب هدفها إثارة مشاعر الناس.
أثار موقف ماكرون بوادر أزمة جديدة بين ألمانيا وفرنسا، بعد خلاف سابق بين البلدين حول مقترحات ماكرون لإصلاح منطقة العملة الأوروبية الموحدة “اليورو”، هذا الخلاف يرجع – بحسب مجلة “دير شبيغيل” الألمانية – إلى رغبة باريس في تصدير الأسلحة ذات الإنتاج الفرنسي الألماني المشترك إلى أي دولة دون عوائق، فيما تبدو برلين مترددة في تحديد الأهم لها: القيم الأوروبية أم أرباح الصفقات.
يشذ موقف ماكرون عن السياق الأوروبي الداعي لوقف تصدير السلاح إلى السعودية
وقدا بدا من تصرحات ماكرون أن الحكومة الفرنسية لا تريد التعجل – كما فعلت ألمانيا – في اتخاذ قرار بشأن إيقاف صادرات الأسلحة للسعودية، فهي ترى أن هناك جراءات أخرى يمكن اتخاذها غير إيقاف بيع الأسلحة التي قد تؤذي الاقتصاد الفرنسي، لكن بعد أن توضح الاستخبارات الفرنسية رأيها في اغتيال خاشقجي.
وبحسب محللين، فإن الفرنسيين لن يتخلوا عن صفقات مربحة جنوا منها أكثر من 11 مليار يورو، هي قيمة دبابات وعربات مدرعة وطائرات باعوها خلال السنوات التسع الأخيرة للسعودية، وبين عامي 2008 و2017، وكانت السعودية ثاني أكبر “زبون” لفرنسا في قطاع الأسلحة بعد الهند، إذ وقّعت المملكة – أكبر مصدر للنفط في العالم – عقودًا لشراء أسلحة فرنسية بنحو 12 مليار يورو.
ولا يرى الفرنسيون – المستاءون من الخلاف الجديد – مشكلة في بيع الأسلحة لأي دولة مستعدة للدفع، بينما يواجه الألمان صعوبة شديدة في تصدير الطائرات والقنابل والفرقاطات المتطورة إلى “دول مارقة” أو في مناطق أزمات، في ضوء حرصهم على تقديم ألمانيا كقوة سلام عالمية.
يمكن للمشتري الذي لم يتمكن من شراء سلاح من دولة ما بسبب قوانينها أن يتوجه لدولة أخرى لديها قوانين أكثر مرونة لبيع السلاح، وهذا ما يفعله ابن سلمان
ولعل هذا التناقض في المواقف الأوروبية واختلاف القوانين الحاكمة لصفقات بيع السلاح بين الدول أتاح للأمير محمد بن سلمان هامشًا من المناورة، حيث تذكر منظمة العفو الدولية أنّ هذه الحجج التي يقدمها المسؤولون يصعب أنّ تكون مقنعة، لأن النظام غير شفاف، فالأمر بحسب المنظمة يتعلق بمعرفة ما إذا كانت دول الغرب تحترم إلتزاماتها الدولية في هذا المجال.
ومع اختلاف الضوابط التي تحكم تصدير الأسلحة في كل دولة، يصبح التحكم في سوق السلاح العالمي أمرًا صعبًا، وهنا يمكن للمشتري الذي لم يتمكن من شراء سلاح من دولة ما بسبب قوانينها أن يتوجه لدولة أخرى لديها قوانين أكثر مرونة لبيع السلاح، وهذا ما يفعله ابن سلمان، رغم إدراج التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن على لائحة سوداء سنوية للدول والكيانات التي ترتكب جرائم بحق أطفال.
“من الصعب إلغاء صفقة سلاح ضخمة مع السعودية”
تعبر هذه الجملة عن موقف كندا من الدعوات الأوروبية المطالبة بوقف تصدير السلاح للسعودية، فعلى خلفية تداعيات مقتل خاشقجي، يؤكد رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو مجددًا، موقف حكومته القائل بأن كندا يمكنها تعليق تصاريح التصدير للمركبات المدرعة، إذا تأكدت من إساءة استخدامها.
السؤال هنا توجهه الباحثة في منظمة “هيومن رايتس ووتش” في اليمن بلقيس ويلي: كيف يُمكنكم التأكد من أن السعودية لن تستخدم عرباتكم لتسليح القوات المساندة لـ”هادي”؟ فقد سبق أن استخدمت السعودية هذه العربات لقمع احتجاجات سلمية في شرق المملكة في 2011 و2012 بعنف، فهل تقبل كندا ببيع أسلحة ومعدات عسكرية لدولة متورطة في عشرات الهجمات غير القانونية على اليمن، تسببت في مقتل مئات المدنيين؟
الحكومة الكندية متأرجحة بين إثبات التزامها بحقوق الإنسان على المستوى الدولي وبين استمرارها في قطف ثمار الفوائد الاقتصادية الكبيرة من بيع السلاح إلى بلدان مثل السعودية
الصفقة التي نتحدث عنها تقارب 15 مليار دولار وتشمل أسلحة مختلفة بينها عربات مصفحة خفيفة تُسمى “لافز”، ومدرعات وناقلات جند وذخائر، أعلن ترودو بشأنها في وقت سابق إن بلاده قد توقف صفقة أسلحة للسعودية إذا اقتضى الأمر، لكن يبدو أنه يخشى أن يتسبب إلغاء الصفقة العسكرية في إلغاء اتفاق آخر يتعلق ببرنامج تعليمي للسعوديين.
ورغم أنه لم يمض وقت طويل على وصول ترودو إلى السلطة، إلا أنه تمكن من وضع رؤية كندية جديدة لحقوق الإنسان والعمل الإنساني حول العالم، قوامها توفير آلاف الوظائف برواتب عالية في مناطق فقدت أهميتها الصناعية، فحكومته لم تعبر عن وقف السلاح رغم تعبيرها عن “القلق العميق” بشأن تقارير عن انتهاكات سعودية.
ويبدو التناقض في أن اشتراطات التصدير في كندا تقول إن المعدات العسكرية لا يمكن بيعها إلى بلدان قد تستخدمها في انتهاك حقوق الإنسان، ومع ذلك فإن السعودية التي غالبًا ما تتعرض لانتقادات المنظمات الحقوقية تعد ثاني أكبر مشتر للسلاح الكندي بعد الولايات المتحدة.
هذا الإشكال يجعل الحكومة الكندية متأرجحة بين إثبات التزامها بحقوق الإنسان على المستوى الدولي وبين استمرارها في قطف ثمار الفوائد الاقتصادية الكبيرة من بيع السلاح إلى بلدان مثل السعودية، وبحسب ناشطين “من المؤذي التفكير بأن الوظائف الكندية تعتمد على تصدير معدات سوف تستخدم لارتكاب انتهاكات مؤلمة ضد مدنيين، لا يمكن أن تكون هذه الطريقة المثلى التي نبني عليها اقتصادنا”.
المال والأعمال غالبًا ما تأتي أولاً
لماذا تصر الحكومة على تزيين كلماتها للحديث عن صفقة لبيع القنابل؟
ينتمي هؤلاء إلى الحزب الإشتراكي الإسباني الذي عارض في السابق الحرب على العراق، وكان ملجأ لكل المدافعين عن القضايا العادلة، لكن زعيمه يبدر سانتشيث الذي يقود حكومة يسارية اختار هذه المرة التغريد خارج السرب الأوروبي في مطلب وقف تصدير الأسلحة للسعودية.
يعبر الرجل عن قلقه ويطالب بتحقيق العدالة على من اغتاله، لكن موقفه بشأن تصدير الأسلحة للسعودية مختلف تمامًا، فهو يقول: “سنوفي بالتزاماتنا رغم التناقضات التي تفرضها صفقات بيع الأسلحة”. كلمات أثارت غضب حلفائه اليساريين فتساءلوا: لماذا تصر الحكومة على تزيين كلماتها للحديث عن صفقة لبيع القنابل؟
سهام النقد لم تقتصر على الحكومة الإسبانية بل امتدت إلى العاهل الإسباني الذي يصفه السعودية بأنه “رجل السعودية في إسبانيا”، لكن رغم هذا الامتعاض وافقت لجنة الدفاع في البرلمان الإسباني على الاستمرار في تصدير الأسلحة إلى السعودية، وحججها أن السعودية بلد جاد ويوفر كل الضمانات القانونية، موقف أيده اليمين أيضًا قائلاً إن التجاوزات غير موقوفة على السعودية، وإن أولويتنا تكون دائمًا مقصورة على مصلحتنا الاقتصادية.
رغم الامتعاض وافقت لجنة الدفاع في البرلمان الإسباني على الاستمرار في تصدير الأسلحة إلى السعودية، وحججها أن السعودية بلد جاد ويوفر كل الضمانات القانونية
وقبل واقعة خاشقجي، وجدت الحكومة الإسبانية نفسها في مواجهة معضلة مزعجة للغاية: هل ستساعد في منع انتهاكات قانون النزاعات المسلحة أو تحمي آلاف الوظائف في البلاد؟ لا يبدو هناك إجابة واضحة حتى بعد أن أعلنت وزيرة الدفاع مارجريتا روبلز تعتزم إيقاف تسليم 400 قنبلة إلى المملكة، التي أودت بحملة قصفها على اليمن بحياة الكثير من المدنيين.
وفي حين أن اختيار روبلز يتماشى مع قانون نقل الأسلحة الدولي، فإنه يمكن أن يؤثر بشكل خطير على علاقات حكومتها التجارية مع السعوديين بينما يقوّض وظائف الآلاف من العمال الإسبان العاملين في قطاع الدفاع/ فقد وقّعت إسبانيا واالسعودية الصفقة في المقام الأول في عام 2015 في عهد رئيس الوزراء ماريانو راخوي.
وبحلول الوقت الذي تولت فيه حكومة بيدرو سانشيز التقدمية الحالية منصبه في يونيو/حزيران 2018، كانت السعودية قد أمضت ثلاث سنوات في قصف اليمن متسببة في سقوط العديد من الضحايا المدنيين. بدت روبلز، وهي وزيرة في حكومة سانشيز، قلقة من احتمال استخدام الأسلحة الإسبانية في الصراع في مرحلة ما.
مخاوف روبلز بشأن 400 قنبلة في إسبانيا كانت متفقة مع معايير وقوانين تجارة الأسلحة الدولية/ ومع ذلك، ورغم أن القانون الدولي والأوروبي الحالي يقدم حججا قانونية لدعم الحكومات التي تتحرك لوقف مبيعات الأسلحة الخطرة، فإن خطوة روبلز لجعل إسبانيا متماشية بصورة أقرب مع هذا القانون قد تم إعاقتها.
وبالنظر إلى الماركة المتكررة للمدنيين واستهداف البيئات المدنية، ينبغي للدول أن تتردد في نقل الأسلحة إلى السعودية. إنه تذكير قاسٍ آخر بأنه بغض النظر عن القانون الدولي في محاولة إنقاذ أرواح المدنيين في النزاعات المسلحة، فإن المال والأعمال غالبًا ما تأتي أولاً.
أولويات ماي لا تختلف كثيرًا عن ترامب
يتوعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المملكة العربية السعودية بما سماه “العقاب الشديد” لو ثبت ضلوعه السعودية في تصفية الصحفي جمال خاشقجي، لكن ما هو فاعل لا يشمل بيع الأسلحة للسعودية كما دعت بعض الأصوات داخل مجلس الشيوخ الأمريكي التي تعتبر كشف اغتيال خاشقجي أهم من أرباح شركات السلاح.
تعد تجارة الأسلحة مع دول الخليج الثرية بما تضخه من وظائف وعائدات ضريبية ومنافع أخرى متنوعة في الاقتصاد البريطاني الحل الأمثل لتعويض المنافع المفقودة بعد الخروج من “البريكست”
لا يختلف الوضع كثيرًا في بريطانيا، حيث طالبت المعارضة المتمثلة بحزب العمال بإيقاف تجارة الأسلحة مع الرياض، لكن أيًا من ذلك لا يبدو أنه يعني الكثير بالنسبة إلى “روجر كار”، رئيس “بي إيه إي سيستمز” – إحدى أكبر شركات توريد الأسلحة – أو حلفائه الحكوميين، فهنا على وجه التحديد تحضر أرقام أكثر أهمية، وهي أرقام الميزانيات العسكرية المتضخمة وخطط توسيع الإنفاق العسكري.
وبحسب الإحصائيات، فإن 18% من إجمالي صادرات الولايات المتحدة من السلاح في المدة الواقعة بين عامي 2013 و2017 هي للسعودية، وتحتل بريطانيا المرتبة الأولى من بين الدول الأوروبية الأكثر تصديرًا للأسلحة للسعودية، والثانية عالميًا، حيث تبلغ حصة الرياض نحو 49% من صادرات الأسلحة البريطانية.
تعطش لندن الشديد للمال القادم من “تجارة الموت” قد يتزايد في أعقاب الخروج من الاتحاد الأوروبي
لا تبالي هذه الأرقام بالوضع الاقتصادي الهش الذي تعانيه الرياض ولا بالوضع المأساوي في اليمن، لكنها أرقام يبقى العملاق البريطاني وحكومته على رأس المستفيدين منها، خاصة مع فقدان لندن للامتيازات التي تمنحها إياها السوق الأوروبية في أعقاب خروجها من الاتحاد الأوروبي.
هنا تصبح أولوية حكومة تيريزا ماي الحالية هي البحث عن مصادر جديدة للدخل لتعويض المنافع المفقودة، وتعد تجارة الأسلحة مع دول الخليج الثرية بما تضخه من وظائف وعائدات ضريبية ومنافع أخرى متنوعة في الاقتصاد البريطاني الحل الأمثل لسد هذه الفجوة.
مع استمرار ابتزاز المجتمع والسياسيين بالوظائف والعوائد التي تخلقها “صناعة الموت” لا يمكن لأحد أن يتنبأ أن تلك الدائرة المفرغة لمقايضة المدفع والدولار يمكن أن تنتهي في وقت قريب
يؤكد ذلك ما قاله وزير الخارجية البريطاني البريطاني بوريس جونسون مدافعًا عن قرار بريطانيا بالاستمرار في تصدير الأسلحة إلى السعودية، وأكد أن تعليق بيع السلاح ينهي الوجود البريطاني بالمنطقة، مؤكدًا أن الرياض بإمكانها الاستعاضة عن لندن بعواصم أخرى للحصول على احتياجاتها من السلاح، وهذه الدول ستكون سعيدة بهذا التعاون.
ومع تعطش لندن الشديد للمال القادم من “تجارة الموت”، ومع استمرار هيمنة مجمعات التصنيع العسكري على القرار السياسي وابتزاز المجتمع والسياسيين بالوظائف والعوائد التي تخلقها “صناعة الموت”، لا يمكن لأحد أن يتنبأ أن تلك الدائرة المفرغة لمقايضة المدفع والدولار يمكن أن تنتهي في وقت قريب، مهما كلف ذلك من ضحايا سواء أكانوا من اليمنيين الذين يُقتلون بالأسلحة البريطانية “الذكية”.
هكذا يُفتح الجدل واسعًا أما الغربيين في تحميل السعودية كدولة المسؤولية، ما يفرض تداعيات قانونية ودبلوماسية واقتصادية أو الاكتفاء برواية “القتلة المارقين” دون النظر إلى مواقعهم القيادية، خصوصًا إذا تغلبت المصالح لدى الرياض على الاستجابة لمطالب الرأي العام.