رويدًا رويدًا نجحت دول القارة الإفريقية في تغيير الصورة الذهنية السالبة التي شكّلها الإعلام عنها، رغم أن القارة السمراء لم تتحول بعد إلى الرفاهية أو الوضع المثالي تمامًا ولكنها تثبت كل يومٍ أنها تسير للأمام في معركتها المقدسة ضد التخلف والصراعات والفقر.
مطلع العام 2014، تسامت 3 دول إفريقية على خلافاتها ومصالحها الضيّقة فأطلقت كلٌ من رواندا وكينيا وأوغندا تأشيرة سياحية موحدة تحت مسمّى “تأشيرة شرق إفريقيا”، وتتيح التأشيرة لحاملها التجوال بين الدول الثلاث مقابل 100 دولار أمريكي صالحة لمدة 90 يومًا على أن يتم معالجة الطلب إلكترونيًا عن طريق الموقع المخصص للخدمة أو بزيارة أي موقع إلكتروني من مواقع الهجرة والجوازات للدول الثلاثة.
نموذج للتأشيرة السياحية الموحدة لدول شرق إفريقيا
أهداف التأشيرة الموحدة لشرق إفريقيا
هدفت الخطوة التي اتخذتها 3 من دول تجمع شرق إفريقيا “East African Community” إلى تبسيط إجراءات السفر لقضاء العطلات وبالتالي تشجيع المسافرين على أخذ باقة متكاملة لأجل زيارة عدة دول بخطوةٍ هجريةٍ موحدة، كما رأت كينيا ورواندا وأوغندا أن التأشيرة المشتركة ستساهم في إنشاء علامة تجارية جديدة للمنطقة بأكملها.
وربما أرادت الدول المعنية محاكاة نموذج تأشيرة “شنغن” الأوروبية التي تمكِّن حاملها من التجوال في كل دول القارة بسهولة تامة ومن دون أي تعقيدات هجرية، وإلى جانب ذلك، ترمي الدول الثلاثة إلى إنعاش سوق السياحة باعتبارها واحدة من القطاعات الاقتصادية المهمة في المنطقة التي تتمتع بمقومات سياحية جيّدة خاصة لعشاق السفاري ورحلات الصيد.
وقد ألزمت الدول الأعضاء الخمس في المجموعة – كينيا وتنزانيا وأوغندا وبورندي ورواندا – نفسها بتوحيد السياسات والقوانين عن السياحة والحياة البرية في إطار تحركها لجعل مجموعة شرق إفريقيا وجهة سياحية مفضلة، وبدأت رواندا وكينيا وأوغندا التطبيق الفعلي للتأشيرة فيما ينتظر أن تنضم تنزانيا وبورندي لاحقًا.
تسعى كلٌ من رواندا وكينيا وأوغندا إلى تعزيز المقومات السياحية في المنطقة وتُسوّق لنفسها كوجهة سياحية رائدة بشكلٍ جماعيٍّ من دون النظر إلى المصالح الضيّقة لكل بلدٍ على حدة
ولذلك، فإن التأشيرة المشتركة لدول شرق إفريقيا تسهم بقوة في إنعاش حركة السياحة بالمنطقة التي تتشابه في المناخ وتختلف في العادات والتقاليد والثقافات، إلى جانب إضافة قيمة إلى عروض المنتجات السياحية لهذه البلدان وأيضًا تسليط الضوء على التنوع السياحي في شرق إفريقيا.
وقفة مع دول التأشيرة الإفريقية المشتركة
تسعى كلٌ من رواندا وكينيا وأوغندا إلى تعزيز المقومات السياحية في المنطقة وتُسوّق لنفسها كوجهة سياحية رائدة بشكلٍ جماعيٍّ من دون النظر إلى المصالح الضيّقة لكل بلدٍ على حدة، حيث بدأت مشاوراتٍ للتكامل الاقتصادي منذ العام 1967، ووضعت دول تجمع شرق إفريقيا ـ الذي يشمل بورندي وتنزانيا ـ خططًا طموحة تتضمن تنشيط حركة السياحة البينية.
وانتهزت نيروبي وكمبالا وكيغالي فرصة معرض “سوق السفر العالمي” الذي استضافته العاصمة البريطانية لندن في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2014 للترويج إلى التأشيرة السياحية الموحدة، واستعرض ممثلو الدول الثلاثة المقومات التي تزخر بها بلادهم التي يمكن أن نخلصها في الأسطر الآتية:
1- رواندا
على الرغم من أنها ارتبطت في أذهان الناس بالإبادة الجماعية والمذابح فإن إيرادات السياحة لديها بلغت أكثر من 500 مليون دولار عام 2016 فقط، وفق تقرير حكومي رسمي.
وتحتل العاصمة كيغالي مكانة متميزة بوصفها واحدة من أنظف المدن الإفريقية وأجملها، وتحقق السياحة حاليًّا نحو 43% من الدخل الإجمالي للبلاد.
يرجع هذا إلى الحرص الشديد على الأمن والاستقرار، إضافة إلى سهولة إصدار التأشيرة السياحية الإلكترونية الموحدة لدول شرق إفريقيا المشار إليها أعلاه، أو يمكن الحصول على التأشيرة في المطار عند الوصول، كما اهتمت الحكومة الرواندية بزيادة عدد الفنادق في البلاد، فنمت السعة الفندقية للعاصمة وحدها بما يزيد على 1000% خلال الأعوام العشرة الأخيرة.
العاصمة الرواندية.. كيغالي
ويحظى زائرو رواندا بالعديد من الرحلات الممتعة لوجود شبكة واسعة من المسارات الخضراء التي تغطى أكثر من 130 كيلومترًا وتصل مدتها ما بين ساعتين إلى أربعة أيام ستجعل من رحلة السائح رحلة شائقة حيث يمكنه الذهاب للتنزه في حديقة البراكين الدولية التي تبلغ مساحتها 8090 كيلومترًا ويرجع تاريخها إلى عام 1925 وهي موطن الغوريلا الجبلية ويفضل العديد من السياح زيارة جبل Bisoke الذي يصل ارتفاعه إلى نحو 4000 متر ويوجد به بركان نشط.
إذ يقع الجبل داخل منتزه “فولكانوس” الوطني، وهناك أيضًا تجمع من قمم المنحدرات الجميلة التي يكسوها اللون الأخضر ويمكن للزائر المرور على سلسلة جبال “كاريسيمبي” التي تستغرق الرحلة إليها مدة يومين بالبر.
يمكن للشخص أو المجموعة زيارة كينيا والتعرف على أبرز معالمها السياحية خلال أسبوع واحد فقط
2- كينيا
واحدة من أكثر دول القارة الإفريقية استقبالًا للسياح، وتعد من أجمل الدول الإفريقية وخاصة في نظر عشاق رحلات المغامرات والسفاري الراغبين بلقاء الحيوانات البرية دون حواجز إلى جانب محبي الرحلات البحرية على شواطئها الجميلة، وتعد تكلفة السياحة في كينيا متوسطة إلى منخفضة مقارنة بدول أخرى.
يمكن للشخص أو المجموعة زيارة كينيا والتعرف على أبرز معالمها السياحية خلال أسبوع واحد فقط، والخيار مفتوح أمام السائح للاعتماد على نفسه أو الاتفاق مع مكتب سياحة لتنظيم الرحلة ولكن الأفضل أن الاتفاق مع مكتب بعد الوصول إلى كينيا لأنه سيوفر الكثير من تكاليف السياحة في البلاد، حيث يمكن النزول في مطار نيروبي والمكوث بالعاصمة لليلة واحدة أو ليلتين ثم التوجه إلى متنزه “أمبوسيلي” الوطني الواقع على الحدود مع تنزانيا والمطل على رابع أعلى قمة بالعالم “جبل كلمنجارو”.
كما يستحسن للسائح زيارة بحيرة نيفاشا التي يوجد بها 350 نوعًا من الطيور إلى جانب فرس النهر وتوجد بها كذلك عدد من المنتجعات المطلة عليها بشكلٍ مباشر، ويمكن للزائر استقلال مركب داخل البحيرة لكن يفضل أن يرافقه مرشد سياحي في أثناء الرحلة حتى لا يتعرض للخطر، كما يمكن تسلق جبل Mt Longonot الشهير، وهناك بالطبع عدد من المحميات الطبيعية التي يفضل ألا يذهب الشخص إليها دون رفقة دليل من أهل البلد لخطورة الحيوانات المفترسة.
كينيا.. خضرة وحيوانات برية
-3 أوغندا
المحطة الثالثة التي تشملها تأشيرة شرق إفريقيا هي أوغندا التي تحتوي على مجموعة كبيرة من المعالم السياحية تجذب آلاف السياح إليها، فهناك تجد الحدائق والمتنزهات ذات المناظر الطبيعية التي تسر الناظرين وتناسب محبي الهدوء والطبيعة الجميلة، وبفضل الطقس الجميل يمكن السفر إليها في أي وقت من العام، ولكن البعض قد يحبذ فترة الصيف إذ تشهد البلاد هطول أمطار غزيرة لوقوعها بالقرب من خط الاستواء، ولكن سياح آخرين يرون أن الأمطار ستكون عائقًا يحد من حرية حركتهم وتجوالهم.
وفي المجمل تحتل أوغندا مكانةً وأهميةً سياحيةً كبيرة وتم تصنيفها في 2012 على أنها أفضل دولة سياحية في إفريقيا وذلك لما تحتويه من بحيرات وشلالات وغيرها من أجمل الأماكن السياحية في القارة السمراء.
في أوغندا، الحديقة الوطنية “وادي كيديبو” وهي واحدة من الحدائق الأكثر إثارة في شرق القارة
فعلى سبيل المثال، هناك بحيرة فيكتوريا التي هي أكبر بحيرة في العالم، تغطي مساحتها نحو 68800 كيلومتر مربع (26560 ميلاً مربعًا)، وتمتد البحيرة على حدود جمهوريتي تنزانيا وأوغندا مع جزء صغير يمتد إلى الداخل الكيني، كما أنها تعد أكبر بحيرة للمياه العذبة في إفريقيا، ومن المعروف أن بحيرة فيكتوريا تحتوي على كميات وافرة من الأسماك التي يتم تصديرها من الصيادين المحليين والتجار.
وفي أوغندا أيضًا، الحديقة الوطنية “وادي كيديبو” وهي واحدة من الحدائق الأكثر إثارة في شرق القارة، تبلغ مساحتها 1442 كيلومترًا مربع، كما تطل على ميناءٍ غير مسبوق في أي حديقة أخرى بإفريقيا، الحديقة الوطنية تمتع زائريها بالمناظر الطبيعية الخلابة لغابات السافانا، وتنتهي في الأفق بمنحدرات وعرة.
بحيرة فكتوريا.. أوغندا
هل تكون التأشيرة المشتركة نواة لتكتل اقتصادي؟
منذ أواخر العام 2014 أعلن وزير السياحة التنزاني رغبة بلاده في الانضمام إلى نظام التأشيرة الموحدة المطبق في 3 دول بشرق إفريقيا “كينيا وأوغندا ورواندا”، ولكن إلى الآن لم يتم التوقيع على الاتفاق ربما لمخاوف تنزانية من منافسة الدول الثلاثة لها وهي التي تضم مقومات سياحية تعد الأفضل من بين دول شرق القارة السمراء.
ولكن بالمقابل نجح تجمع شرق إفريقيا بعضويته الكاملة في إنجاز العديد من المشروعات المشتركة مثل الاتحاد الجمركي الذي تم إقراره عام 2005، لأجل إقامة سوق مشتركة، وسعى التجمع أيضًا للوصول إلى وحدة نقدية عام 2012، وفي نهاية المطاف يطمح التجمع في إقامة اتحاد سياسي بين الدول الإفريقية الشرقية.
كما وقَّع التجمع اتفاقية تعاون لإنشاء السوق المشتركة في نوفمبر/تشرين الثاني من 2009، وصادقت عليه الدول الأعضاء في 2010، من أجل عملية التكامل الإقليمي، وتشجيعًا للاتحاد الجمركي في الشرق الإفريقي.
وتجربة التأشيرة الموحدة التي أقرتها 3 من الدول الأعضاء في التكتل تعد الأولى من نوعها في القارة السمراء ومع احتمالية انضمام تنزانيا، فإن الدول الأربعة يمكن أن تكون نموذجًا ناجحًا يتحول في المستقبل إلى اتحاد كونفدرالي اقتصادي على الأقل وفكرة التكتلات والتجمعات أخذت تجد رواجًا في القارة السمراء وخير دليل على ذلك ما تشهده منطقة القرن الإفريقي من حراكٍ مستمر بعد المصالحة الإثيوبية الإرترية وبوادر ظهور قرن إفريقي جديد وفق ما يرى مراقبون.